- لا يضل الله عباده بعد خلقه لهم فيرشدهم للحق
- علينا فهم أحاديث الرسول بشكل صحيح لمعرفة مهدينا
- تحققت جميع النبوءات وظهر المسيح الموعود فآمنوا تنجوا
__
في خضم النقاش الدائر بيننا المسلمين الأحمديـين، وغير الأحمديين، كثيرا ما نتطرق إلى شتى النقاط المتعلقة بنزول المسيح المحمدي، ومن ضمنها كيفية النـزول زمانا ومكانا وماهيته. ولطالما احتد النقاش، على ضرورة بعث المسيح الموعود ، في هذا الزمان بالذات، حيث تنكر الأغلبية من بين المسلمين غير الأحمديين، أن يكون هذا هو الزمن الموعود به نزول المسيح والمهدي، متذرعين أن علامات ظهوره لم تتحقق بعد، ولا بد من ترقب هذا الحدث مستقبلا، قريبا كان أو بعيدا.
ورغم ما نقوم به من محاولات جدية، لإقناع هؤلاء بوجهة نظرنا، على أن هذا الزمن هو ذاته المقصود به موعد نزول المسيح والمهدي، في نبوءات سيدنا محمد ، مستندين بذلك إلى شتى الأدلة القطعية عقلا ونقلا – يبقى الأمر بالنسبة للكثيرين منهم عالقا دونما اقتناع.
ويبرز عدم الاقتناع هذا، عند الخوض في بعض الأحاديث النبوية الشريفة، والتي تحوي نبوءات عن تدهور وضع المسلمين، حتى وصوله إلى الحضيض في شتى المجالات، سواء الدينية أو السياسية أو الأخلاقية، ومنها الأحاديث التالية:
- يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه. (مشكاة المصابيح كتاب العلم، الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وكنز العمال ج 11 باب تتمة الفتن من الإكمال)
- عن زياد بن لبيد، قال: “ذكر النبي شيئا فقال: “ذاك عند ذهاب العلم”. قلت يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونقـرئه أبنـاءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة !؟ قال:” ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة! أو ليـس هذه اليهود والنصـارى يقرؤون التـوراة والإنجـيل، لا يعلمون بشيء مما فيهما”. (ابن ماجة كتاب الفتن)
- عن الامام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وأبو نعيم في حليته، من حديث ثوبان ، أنه قال: قال رسول الله :”يوشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أو من قلة يا رسول الله؟ قال : بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت”.
وفي إيماء إلى السبيل لخلاص الأمة الإسلامية، من هذا الحضيض الكليّ المشار إليه في الأحاديث السابقة، تذكر أحاديث أخرى للنبي محمد ما يلي:
“كنا جلوسا عند النبي ، فأنزلت عليه سورة الجمعة، وآخرين منهم لما يلحقوا بهم، قال، قلت من هم يا رسول الله، فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا، وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله يده على سلمان ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء”. ( البخاري كتاب التفسير سورة الجمعة)
- وروى أيضا من حديث عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال : “قال رسول الله : “لن تهلك أمة، أنا في أولها، وعيسى ابن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها ” .
هذه الأحاديث بدورها، تؤكد على أن زمن التدهور الذي لا بد أن تؤول إليه الأمة الإسلامية، مرتبط ارتباطا حتميا بظهور المسـيح الموعـود، الذي تناط به مهمة إحياء الدين وبعثه من جديد. ونظرا لاعتقادنا بأن هذه الأحاديث قد تحققت فعلا، في هذا الزمان بالذات، حيث نرى ونعيش في كل يوم، مدى الانزلاق الديني والسياسي للأمة الإسلامية، وانقضاض الأمم الغربية على الدول الإسلامية، وسيطرتها عليها بقبضة حديدية، فلا جرم أن هذا هو الوقت بالذات، لظهور المسيح الموعود والمهدي المعهود، وقد تحقق هذا الأمر بظهور سيدنا أحمد ، مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، وفق إيماننا نحن الأحمديين.
ما هي هذه الذروة التي سيعترف بها المخالفون؟ أهي إبادة نصف المسلمين، أم ثلاثة أرباعهم، أم أكثر من ذلك؟ ووفق هذا المنطق، لا بد من الاعتراف أن المسيح آت لا محال، ولكن فقط بعد إبادة الأمة الإسلامية كلها، فمن يؤمن به عندها، ولمن سوف يأتي، ولأي هدف؟
أما الإخوة المسلمون غير الأحمديين، فكثيرا ما ينكرون أن تكون هذه الأحاديث قد تحققت فعلا، متـذرعين بأن المستـقبل مترتب عليه تدهور أكبر للإسلام والمسلمين، وما هو آت، لا شك أعظم بكثير مما نراه ونشاهده اليوم، من مصائب تحدق بالمسلمين؛ وعليه فإن الأحاديث النبوية في هذا الصدد لم تتحقق بعد، كما لم يحن وقت نزول المسيح والمهدي على حد قولهم.
ولدحض هذه الفكرة أقول:
- إن الادعاء بأن ما يخبئه المستقبل أعظم بكثير، ليس مما يمكن التعويل والاعتماد عليه، لرفض دعوى المسيح الموعود، أيا كان هذا المسيح وفي أي وقت ظهر؛ لأنه من الممكن التذرع به -للهروب من النقاش الموضوعي في هذا الصدد – في كل وقت وزمان في المستقبل. فعلى افتراض أنه بعد مئتين أو ثلاثمائة سنة من اليوم، ستحل بالأمة الإسلامية مصائب أعظم بكثير مما نشهده اليوم، ويكون وقتها هو وقت بعث المسيح الموعود، فإن أعداءه الذين يبحثون عن أي ذريعة لعدم الإيمان به، سوف يحتجون بنفس هذا الادعاء أيضا، وهكذا سيكون حال هؤلاء في أي زمن لنـزول المسيح والمهدي، هذا على افتراض أنه لم ينـزل بعد، وعلى سبيل المحاجة والمقارعة فقط.
- بناء على هذا الإدعاء، ومنطق المعارضين، لا يبقى لدينا إلا التسليم، بأن وقت ظهور المسيح الموعود، لا بد أن يقع حين تبلغ الفتنة ذروتها، وهنا يتبادر السؤال: ما هي هذه الذروة التي سيعترف بها المخالفون؟ أهي إبادة نصف المسلمين، أم ثلاثة أرباعهم، أم أكثر من ذلك؟ ووفق هذا المنطق، لا بد من الاعتراف أن المسيح آت لا محالة، ولكن فقط بعد إبادة الأمة الإسلامية كلها، فمن يؤمن به عندها، ولمن سوف يأتي، ولأي هدف؟
- هذا الادعاء، ما هو إلا رجم بالغيب، لا يمكن للمسلم الصادق الاعتماد عليه في تحديد إيمانه بالمبعوث الرباني، فمن يتحرى الحقيقة وبصدق النية، لا بد له من الاعتماد على اليقينيات وترك الشبهات. وما على المسلم الصادق، إلا أن يتفكر في حقيقة الوقت الذي يعيش فيه، لفحص ما إذا كانت أحواله، تنطبق عليها كلمات الحديث والنبوءات المضمنه به أم لا.
- إذا كان لا بد من المقارنة، فما علينا إلا أن نقارن أحوال هذا الزمان، مع الماضي وليس المستقبل. فلننظر مليا فيما كان عليه الإسلام سابقا، سياسيا، ودينيا، وخلقيا، وما هو عليه الآن، ثم لا بد من نظرة شمولية في كل الأحاديث المتعلقة بهذا الأمر، والأخذ بأمارات نزول المسيح الأخرى، وعندها لا يبقى مناص من الإقرار بأن وقته قد حان.
- على اعتبار أن فترة التدهور الإسلامي المقصودة في الأحاديث السابقة قد بدأت منذ فترة قصيرة نسبيا، ولنقل قبل حوالي مئة وخمسين سنة، وذلك بتدهور وضع الإمبراطورية العثمانية كليا ثم انهيارها فيما بعد، وهو ما يمكن اعتباره فترة اشتداد الفتن والمصائب، فإن النبوءات والأحاديث المتعلقة بنزول المسيح ، لم تحدد في أي مرحلة من فترة التدهور هذه سوف يبعث المسيح الموعود، ولم يكن الهدف من هذه الأحاديث هذا النوع من التحديد، وإنما جاءت هذه الأحاديث لتدلل على علامات وإرهاصات لزمن البعثة، وبمجرد بداية تحقق هذه الإشارات، لا بد من ترقب بعثة المسيح الموعود بكل لحظة.
- بناء على نفس الاعتبار في البند السابق، أقول بأن المنطق القويم، يستدعي أن يُبعث المسيح الموعود في بداية فترة اشتداد الفتن، فهذا ما تقتضيه رحمة الله ، الذي لا يمكن أن يدع أبناء خير أمة أخرجت للناس، يذهبون ضحية هذه الفتن، دون أن يرسل لهم من يخلصهم منها حسب وعوده السـابقة، وإلا فإن للناس على الله حُجة.
وهذا في الحقيقة ما أكده سيدنا أحمد في كتاباته المتعددة، أقتبس منها ما جاء في كتاب ” نجم الهدى”؛ فبعد أن عدد حضرته المصائب والفتن التي صبت على الأمة الإسلامية في هذا الزمان، لا سيما الفتنة الصليبية واستحكامها في الأرض، كتب حضرته ما يلي: ” إن كنتم تنظرون مصائب أخرى فإنا لله على هذا الرأي والنهى. أتريدون أن ينعدم الإسلام كل الانعدام ولا يبقى اسمه ولا اسم نبينا خير الأنام؟ ثم يظهر المسيح بعد فناء الملة واختلال النظام. وأنتم تقرؤون أن الملة لا ترى الزوال بالكلية، ولا تنفك منها آثار القوة والشوكة. وبيـنما هي كذلك فينزل المسيح المجدد على رأس المائة، وهو يأتي حكما وعدلا ويقضي بين الأمة فيجمع السعداء على كلمة واحدة بعد افتراق المسلمين وآراء مختلفة”.
وللمعترضين على هذا الكلام أن يتساءلوا :
– ألم تنقضّ الأمم الغربية على المسلمين، واحتلت أراضيهم واستباحت أعراضهم، رغم كثرتهم، إلا أنهم لا قوة لديهم ولا منعة، بل هم على حد قول الحديث غثاء كغثاء السيل ؟
– ألم ينقض المستشرقون والقساوسة المسيحيون على الإسلام، مستغلين لذلك شتى الوسائل الإعلامية، بهدف تشويه صورة هذا الدين الحنيف، مما حدا بالكثير من المسلمين إلى الارتداد عن دينهم، أو على الأقل ابتعادهم عن دينهم والتشكيك فيه؟
– ألم تعد الأغلبية من المسلمين تتمسك بقشور الدين دون لبه؟ ألم تتخذ الأغلبية منهم القرآن مهجورا؟ ألم يعد هؤلاء يحملون اسم الدين دون تعاليمه ؟
فلا أرى عاقلا منصفا في حق ديننا الحنيف، يجيب بغير “بلى” على هذه الأسئلة؛ ففيها ما يدلل ببساطة، على أن الوقت هو ذاته، وقت بعثة المسيح الموعود ، الذي قد ظهر بحسب النبوءات، بلا أدنى شك.