- منكرو القرآن لا يجيدون سوى شيء واحد هو الإصرار على الإنكار تعنتًا وعنادًا
- كيف غيّر الكفار موقفهم لما تلقَّوا جوابًا مفحمًا على اعتراضهم الذي وجّهوه إلى النبي بإيعاز من اليهود؟
- كيف أن بعض المشايخ اليوم شابهوا اليهود تماما في إيعازهم إلى أتباعهم أن يسألوا المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) إظهار آية إلجائية؟!
التفسير:
يقول الله تعالى: من أين سيأتون بمثل القرآن؟ فعقولهم محدودة، ولن يأتوا إلا بكلام محصور في دائرة معارفهم، وسيفوتهم أشياء كثيرة تقع خارج نطاق ثقافتهم الضيقة. أما هذا القرآن فيتناول قضايا شتى من سياسة وعلم وأخلاق ومدَنِية واقتصاد بالبحث المستفيض، كما أنه يفصل القضايا التي تختلف فيها الديانات المختلفة. إنهم لا يقدرون حتى على استيعاب مضامين القرآن، فأنّى لهم أن يأتوا بمثله. إنهم يجيدون شيئًا واحدًا ألا وهو الإصرار على الإنكار تعنتًا وعنادًا، لذلك لا يزالون منكرين له بشتى الأعذار والاعتراضات، ولكنهم سوف يتحملون وبال ذلك في نهاية المطاف.
شرح الكلمات:
تفجِّر: فجَر الماءَ: بجَسه وفتَح له طريقًا فجَرَى. وفجَّر الماءَ: مِثلُ فجَره، شُدِّد للمبالغة (الأقرب).ينبوعًا: الينبوع: عينُ الماء؛ الجدولُ الكثيرُ الماءِ، جمعُه الينابيع (الأقرب).
التفسير:
غيّر الكفار موقفهم لما تلقَّوا جوابًا مفحمًا على اعتراضهم الذي وجّهوه إلى النبي بتلقين من اليهود، فقالوا: حسنًا، إذا كان العلم كله في القرآن ففَجِّرْ لنا من الأرض الينابيع، وأَنْبِتْ لنا البساتين التي تجري خلالها الأنهار. وكان هذا اعتراضًا قويًّا بزعم الكفار، ولكنه في الواقع دليل على عقلهم الناقص.كان الدافع وراء هذا الاعتراض – كما أسلفتُ – هو ظنّ اليهود وغيرِهم من الجاهلين أن الذين هم على صلة بالأرواح أو يملكون «الاسم الأعظم» يقدرون على فعلِ ما شاءوا بقوة السحر أو بمعرفة هذا الاسم. ولقد رأينا هذا الأمر يتكرر في هذا الزمن أيضًا. كان بعض المشايخ يرسلون أتباعَهم إلى مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ، ويقولون لهم: اسألوه المال بمئات الآلاف، وإذا رفض قولوا له: لقد ورد عن المسيح الموعود أنه سيُفيض المال، فكيف تكون المسيحَ الموعود وأنت لا تقدر على أن تعطي بضع مائة ألف!
والمعنى الآخر هو أن بعض مطالبكم ألاعيب فارغة ولا تتفق مع عظمة الله تعالى. إنه أسمى منها وأجل، لأنه إنما يُنـزل كلامه من أجل أن يترقى الإنسان روحانيًّا. وبعض مطالبكم، مثل الصعود إلى السماء وإلقاء الكتاب من هناك، منافيةٌ لمقام البشرية والرسالة السماوية.
شرح الكلمات:
كِسَفًا: الكِسَف جمعُ الكِسْفة وهي: القطعةُ من الشيء (الأقرب)قَبيلاً: القبيل: الجماعةُ من الثلاثة فصاعدًا. «ورأيتُه قبيلاً» أي عِيانًا مقابَلةً (الأقرب).
التفسير:
أي إذا كنت لا تستطيع أن توزع علينا الجوائز فَأْتِ بالعذاب على الأقل. فأَسْقِطْ علينا السماء، أو أْتِنا بالله مع الملائكة ليُهلكنا.كان أستاذي المحترمُ سيدُنا الخليفة الأول للمسيح الموعود يقول: لقد طالبوا بهذه الأشياء لأن الله تعالى قد وعد بها في القرآن الكريم. ولكني أرى أنهم كانوا يقولون هذا الكلام على سبيل السخرية، لا على سبيل المطالبة. ذلك أن معظم هذه الوعود مذكورة في السور المَدَنية، ولكن هذه السورة مكية. فثبت أنهم قالوا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء. وكأنهم قالوا: ما دام القرآن الكريم يملك هذه القوة الخارقة ففَجِّرْ لنا بقوة القرآن العيونَ، وأَنْبِتْ لنا البساتينَ، أو ائتنا بالعذاب على الأقل. ذلك أنه قد تَرسَّخَ في أذهانهم أن الإنسان قادر على إنجاز هذه الأعمال بقوة السحر أو الاسم الأعظم. وكان اليهود يحملون الأوهام نفسها، كما أسلفتُ.
شرح الكلمات:
زُخْرُف: الزخرف: الذهَبُ؛ كمالُ حُسنِ الشيء (الأقرب).ترقَى: رَقِيَ يرقَى رَقْيًا ورُقِيًّا: صعِد. ورقاه يرقِيه رُقِيًّا ورُقْيَةً: عوَّذه ونفَث في عُوذته (الأقرب).
التفسير:
أي إذا كنت لا تريد أن تعمل هذه الأشياء من أجلنا، فاعمَلْها لنفسك على الأقل.لقد قال فرعون عن موسى : ليس عنده أَسْوِرةٌ من ذَهَبٍ، لذا فهو كاذب، أما هؤلاء فزادوا فقالوا أو يَكونَ لك بيتٌ مِن زُخْرُفٍ .أما قول الكفار أَو تَرقَى في السماء ولن نؤمنَ لرُقيِّك حتى تنـزّل علينا كتابًا نقرَؤُه .. فأرادوا به الطعن في حادث المعراج، حيث قالوا: لا تحكِ لنا حادث المعراج، فإننا لن نصدّقك حتى تصعد إلى السماء فعلاً، ثم تبقى هنالك وترمي إلينا من السماء كتابًا، حتى تطمئن قلوبنا بأنك قد صعدت إلى السماء حقًّا. يرد الله على ذلك بقوله قُلْ سُبحانَ ربّي هل كنتُ إلا بَشَرًا رسولاً .. أي أَجِبْهم، يا محمد، أن ربي أَسمَى من مثل هذه الألاعيب الفارغة. لقد أنـزل الله عليّ وحيَه بنفس الأسلوب الذي أنـزله على رسله من قبل، وسوف يعاملني أيضًا بنفس ما عامل به الرسل السابقين، ولكن ما تطالبون به مُنافٍ لعظمته ، كما أنه متعارض مع رسالتي وبَشَريتي.والمعنى الآخر هو أن بعض مطالبكم ألاعيب فارغة ولا تتفق مع عظمة الله تعالى. إنه أسمى منها وأجل، لأنه إنما يُنـزل كلامه من أجل أن يترقى الإنسان روحانيًّا. وبعض مطالبكم، مثل الصعود إلى السماء وإلقاء الكتاب من هناك، منافيةٌ لمقام البشرية والرسالة السماوية.الغريب أنه بالرغم من وجود هذه الآية يؤمن كثير من المسلمين أن عيسى موجود في السماء، مع أنه كان بشرًا رسولاً، ولم يكن مَلاكًا!
التفسير:
لقد أمر الله تعالى نبيه من قبل أن يعلن أنه بشر رسول، ولا يدّعي أكثر من ذلك، أما هنا فبيّن أن أكبر ما يثار ضد الأنبياء من اعتراضات هو أنهم من البشر!؟ والحق أنه ليس مجرد اعتراض، بل ينطوي على مطاعن عديدة. ذلك أن من الناس من يقول إن الله أعظم من أن يتخذ البشر رسولاً. وهؤلاء القوم ينكرون نـزول الوحي أصلاً.ومنهم من ينكرون كون البشر رسولاً لكبرهم وعنادهم، بمعنى أنهم يقولون: نحن أيضًا بشر مثله، فلو أراد الله أن يُنـزل كلامه لأنـزله علينا أيضًا، ولم يخصه وحده بالوحي، فلا يمكن أن نصدقه. وهؤلاء لا يرون نـزول الوحي مستحيلاً، لكنهم يكفرون رسولهم لزعمهم بأنه من المحال أن يرسل الله شخصًا وضيعًا مهينًا كهذا إلى قوم كبار أمثالهم.وهناك فئة ثالثة يكفرون بكون البشر رسولاً، لأنهم يرون أن الإنسان في حد ذاته كامل، وهو في غنى عن الوحي، ويقدر بنفسه على أن يختار الطريق السليم بما جُبل عليه مِن قُدرات وكفاءات. كما أن هناك فئة رابعة يعترضون على بعث الرسول من البشر، لأنهم يرون أن منصب الرسول يتطلب قدرات تفوق القدرات البشرية. وإنك لو قدّمتَ إلى هؤلاء أضعف كائن في الوجود، زاعمًا لهم أن هذا يتمتع بقوى تفوق قوى البشر لصدّقوك على الفور، ولكنهم لن يُلقوا بالاً لإنسان يتمتع فعلاً بالقوة القدسية، ويكون مثلا أعلى للقوة العَمَلية، ويتجنب التفاخر الكاذب والادعاء الزائف. ذلك أن طبائع هذه الفئة من الكافرين تكون مأسورة بحب الخرافة. يؤمنون أحيانًا بالأنبياء السابقين، ولكن عند بعث نبي جديد ينكشف للعيان العيبُ الكامن فيهم، ويشكل برهانًا على أن إيمانهم بالنبي السابق أيضًا لم يكن إلا تقليدًا متوارَثًا فارغًا فحسب.