- في مال كل إنسان حقٌّ للأقارب والمساكين وعابري السبيل.
- خلق الله تعالى كل الأشياء في الدنيا للناس عامة.
- لو عملت الدنيا بهذا التعليم لاختفى منها كثير من المفاسد.
- “التبذير” يعني الإنفاق في غير محله.
شرح الكلمات:
لا تُبذِّرْ: بذّر المالَ: فرّقَه إسرافًا (الأقرب).
التفسير:
لقد نبه الله تعالى هنا أن في مال كل إنسان حقًّا للأقارب والمساكين والمسافرين. ذلك أن أقارب المرء يساعدونه في كسب المال بطرق شتى؛ فمثلاً إذا أنفق الوالدانِ على تعليم أحد أبنائهما، فتقلَّد هذا منصبًا مرموقًا، بينما لم تتيسر لإخوته هذه السهولة من قِبل الوالدين، فلإخوته حق في ماله، إذ كان لهم جميعًا الحق في المال الذي أُنفق على تعليمه.
وأما حق المساكين والسائلين والمسافرين فقد أقرّه الله صراحة في آية أخرى حيث قال وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 20)
وثمّةَ أسبابٌ وحِكم في إقرار حق المساكين في أموال الناس، ومن هذه الحِكم:
أوّلاً: أن الأيام دُوَلٌ، ففقراء اليوم كانوا أثرياء الأمس، وأثرياء اليوم كانوا فقراء الأمس؛ وبما أن فقراء الأمس كانوا قد أحسنوا إلى أثرياء اليوم عند فقرهم، فوجب عليهم الآن أن يمدّوا إليهم يد العون. ولو نظرنا إلى الدنيا من هذا المنظور نظرةً شاملة ما وجدنا فيها شخصًا واحدًا مالُه مِلك خالص لـه، بل لا بد أن يكون فيه حقوق للآخرين.
وثانيًا: إن كل ما في الدنيا من أشياء قد خلقها الله تعالى للناس عامة، لا لزيد أو لبكر خاصةً. فإذا أصبح أحد ذا ثروة لسبب من الأسباب فهذا لا يلغي حقوق الآخرين في أمواله لكونهم شركاءه على قدم المساواة في مِلكية ما في الدنيا. لا شك أن الإسلام قد أقرّ بحق زائد لصاحب الأموال لما بذَله في كسبها من جهود خاصة، ولكنه لا يعتبر هذه الأموال ملكًا لـه كلية دون شِركة أحد سواه.
أما المسافرون فمن أسباب إقرار حق لهم في أموال الآخرين أن الناس حين يسافرون إلى أرض أولئك المسافرين فإنهم يحسنون إليهم، فعليهم أيضًا أن يخدموهم حين سفرهم بأرضهم، أداءً لحق الضيافة التي قُدِّمت لهم.
وقد قال النبي في حق ابن السبيل: إذا نـزلتم في قرية فلكم حقُّ الضيافة لثلاثة أيام. فقال الصحابة: فإن لم يَقرُونا فماذا نفعل؟ قال النبي : فخُذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.*
علمًا أن هذا الحكم يخص الزمن الذي يكون فيه النظام الإسلامي قائمًا، لأن غير المسلمين أيضًا سيستطيعون عندها أن يأخذوا من هذا النظام حق ضيافتهم. والواقع أن الدنيا لو عملت بهذا التعليم لاختفى منها كثير من المفاسد التي نشأت من جراء الفنادق والحانات، ولسهُل على الفقراء أيضًا السفر- الذي هو من أفضل وسائل تربية الإنسان وتوعيته- إلى مختلف أنحاء العالم. ولكن الأسف أن المسلمين أنفسهم قد نسوا هذا الدرس.
الحق أن هذا الحكم العام بحسن معاملة المسافرين يقضي على كثير من الفتن في العالم، لأن النـزاعات والحروب إنما تنشب جرّاءَ النفور والكراهية، ولكن لو كان هناك رواج عام لضيافة المسافرين لانعدمت الكراهية بين الأقوام، ولقُضي على الخصومات بين القرى والمدن؛ ذلك لأن الذين استمتعوا بضيافة بلد آخر لن يفكروا في محاربة أهله أبدًا، اللهم إلا أهل الطبائع الخبيثة الذين عددهم أقلّ نسبيًّا.
كما أن العمل بهذا التعليم يوطّد النظام في القرى والمدن، لأن مسؤولية الضيافة تقع على القرية كلها، وأداء هذه المسؤولية سوف يؤدي بأهل القرية كلهم إلى الانخراط في نظام يمكّنهم من أداء واجب ضيافة المسافرين. كما أن هذا النظام سينفعهم في أمور أخرى.
وأما قوله تعالى وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا فاعلَمْ أن الإنفاق في المجالات المذكورة أعلاه لا يعني أن يقوم المرء بإتلاف ماله كلية، وإنما المراد به النفقات الضرورية، لا أن يُهلِك الإنسان مالَه بإنفاقه فيما لا يحلّ فيه. فقد قال ابن مسعود: «التبذير: الإنفاقُ في غير حق» (ابن كثير). وهذا يعني أن الإنفاق في سبيل الدين ليس تبذيرًا، بل لو أنفق أحد كلَّ ما يملك في سبيل الله تعالى لسد حاجة دينية فلن يُعَدَّ من المبذّرين، لأنه لم ينفق في غير محله.
لقد أوضح القرآن الكريم معنى التبذير في موضع آخر حيث قال:
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (الفرقان: 68)
أي على المرء أن يسلك في الإنفاق طريقًا وسطًا، فلا يبالغ فيه ولا يبخل.
الأيام دُوَلٌ، ففقراء اليوم كانوا أثرياء الأمس، وأثرياء اليوم كانوا فقراء الأمس؛ وبما أن فقراء الأمس كانوا قد أحسنوا إلى أثرياء اليوم عند فقرهم، فوجب عليهم الآن أن يمدّوا إليهم يد العون. ولو نظرنا إلى الدنيا من هذا المنظور نظرةً شاملة ما وجدنا فيها شخصًا واحدًا مالُه مِلك خالص لـه، بل لا بد أن يكون فيه حقوق للآخرين.
التفسير:
يقول الله تعالى إن تبذيركم للمال يعني كفرانكم لنعمنا. لقد أعطيناكم المال لتنفقوه في محله، أما إذا أهلكتموه بالتبذير فرارًا من أداء الواجبات المالية التي أمرناكم بها فيكون إثمًا منكم.
ما أروعَ وألطفَ ما ردّ الله به هنا على الرهبانية وما شاكلها من الطرق الخاطئة. ما هي الرهبانية؟ إن هي إلا أحد طرق الفرار من تحمل المسؤولية. ولا يمكن أن يسمَّى مثل هذا الفعل خيرًا، بل هو إثم بَوَاحٌ وعمل شيطاني وكفرانٌ بنعمة الله .
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (الإسراء:29)
شرح الكلمات:
ميسورًا: الميسور: ما يُسِّرَ وهو خلاف المعسور، وهو مصدر على مفعول بمعنى اليُسر؛ السهلُ، ومنه: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا (الأقرب).
التفسير:
لهذه الآية مفهومان عندي:
الأول: أنك إذا أعرضتَ عن الأقارب والمساكين وغيرهم.. أي لم تستطع مساعدتهم لضيق اليد.. فعليك أن تنوي في قلبك نية صادقة أنك ستساعدهم عندما يبسط الله لك؛ كما يجب أن تشرح لهم هذا الأمر بغاية اللطف والرفق.
والثاني: أنك إذا أعرضتَ عن مساعدة الفقراء ابتغاءَ رحـمةٍ مـن ربك.. أي بفكرة أن إنفاقـك عليـهم سوف يؤدي إلى فساد دينـهم وخلقهم.. فعليك أن تشرح لهم ذلك بنبرة ملؤها اللطف والرقة. وكأن الله يقول: يجب أن يكون أساس إعراضك عن الإنفاق عليهم ابتغاء رحمة الله لهم، وليس بخلا منك. فمثلاً هناك متسول سليم الجسم قوي الجثة يمد يده أمام الناس، فلو امتنع أحد عن مساعدته مخافة أن تَشيع عادة السؤال في القوم فهذا جائز، شريطة ألا يكون ذلك شحًّا وبخلاً. وبالمثل لو كان المتسول مسرفًا أو مدمنًا على تعاطي الخمر أو الأفيون مثلاً، فامتنع أحد عن إعطائه شيئًا فلن يُعَدَّ آثمًا بل فاعلاً للخير؛ شرطَ أن تكون نيته أنه لو أنفق عليه فهذا سوف يدمّر صحته أكثر، ويؤدي إلى شيوع السيئة في البلد، وأن عدم إنفاقه عليه سيقضي على إدمانه، وسينفع المجتمع أيضًا. فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي كان يلزم الصمت عند سؤال مثل هؤلاء السائلين أو ينصَحهم. (انظر النسائي: الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب؛ أبو داود: الزكاة)
يقول الله تعالى إن تبذيركم للمال يعني كفرانكم لنعمنا. لقد أعطيناكم المال لتنفقوه في محله، أما إذا أهلكتموه بالتبذير فرارًا من أداء الواجبات المالية التي أمرناكم بها فيكون إثمًا منكم.
شرح الكلمات:
مغلولةً: اسمُ مفعول مِن غلَّ فلانًا: وضَع في يده أو عنقه الغُلَّ (الأقرب).
محسورًا: حسَر الشيءَ: كشَفه. حسَر الغصنَ: قشَره. حسَر البعيرَ: ساقه حتى أعياه. حسَر البيتَ: كنّسه (الأقرب).
التفسير:
يوصي الله هنا ألا تجعلوا أيديَكم مغلولةً إلى الأعناق عند الإنفاق.. أي لا تتردَّدوا في الإنفاق وقت الحاجة، كما لا تبسُطوا أيديكم للإنفاق تمامًا، فتنفقوا فيما لا داعي له، بل أنفِقوا عند الضرورة فقط، حتى لا يحرمكم الإنفاق في غير محله من الإنفاق في محله، فتُحرَموا من الخير.
وللإنفاق في غير محله مضرتان: إحداهما أن المنفق في غير محله يجد نفسه خاويَ الوفاض عند الضرورة الحقة، فبينما ينفق أقرانه بسخاء ينظر هو إليهم حائرًا متحسرًا، فيلومه القوم قائلين: إن البلد أو الشعب اليوم في حاجة، لكنه لا يحرك ساكنًا.
والمضرة الثانية أن المنفق في غير محله يصبح في مثل هذه المواقف محسورًا أي عاريًا.. بمعنى أنه حين يفشل في إسعاف القوم وقت الشدة يصبح هدفًا للفضيحة وتنكشف للناس معايبه، حيث يدركون أنه شخص غبي لم يقدر على حفظ ماله، وأصبح اليوم عالةً على الآخرين.
والمحسور من البيوت ما قد كنِّس، ونظرًا إلى هذا المعنى فإن هذه الآية تعني أنك إذا لم تسلك الطريق الوسط في الإنفاق كُنِّسَ بيتك، ولم يبق فيه شيء.