- فهل تعلم أن لقب “أستاذ الكرسي” لقب ذو أصل إسلامي؟!
- وهل تعلم أن أحد باباوات روما كان تلقى تعليمه في جامع القرويين؟!
__
جامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب هي أقدم جامعة في العالم. لا زالت عاملة إلى الآن بدون انقطاع حسب “اليونسكو” وموسوعة “غينيس” للأرقام القياسية والعديد من المؤرخين. تُعد الجامعة مؤسسةً تعليمية تابعة لجامع القرويين الذي قامت ببنائه السيدة فاطمة بنت محمد الفهري القرشي عام 245 هـ/859م، وقد بدأت الجامعة بعد بناء الجامع مباشرةً على شكل دروس وحلقات علم تعقد فيه، في مدينة فاس المغربية. تعدّ جامعة القرويين أيضًا أول مؤسسة علمية اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة، والدرجات العلمية في العالم.
من شيخ العمود إلى أستاذ الكرسي
في أيامنا هذه، هناك طيف متنوع من المهن السائدة، من علماء الآثار والباحثين إلى الأطباء والمهندسين. والمطلب الأساسي لإثبات الموثوقية والقدرة على الممارسة العلمية والعملية في مجال معتبر، هو الشهادة الجامعية. ما لا يعرفه الكثيرون هو أن الجامعات التي تمنح تلك الشهادات هي نتاج العصور الوسطى المظلمة (الأوروبية) والتي هي نفسها العصر الذهبي للإسلام؛ وليس ذلك فحسب، بل أول جامعة تأسست رسميًّا كانت بتمويل ورعاية امرأة مسلمة تعرف باسم فاطمة الفِهْرية. الجامعة الـمُتحدَّث عنها هي جامعة القرويين، أول جامعة بالمعنى العصري المعروف.
الجامع ثم الجامعة
ينبغي أن نعلم أن تدشين جامعة القرويين كان خطوة تطور طبيعية في مجال التعليم والثقافة الإسلاميين، فقبل إنشاء جامعة القرويين كانت المساجد مراكز تعليمية ذات شأن مُعتبر، تدرس القرآن والفقه والحديث واللغة على أسس منظمة. في حين أن جامعات مثل “أكسفورد” و”كامبريدج” معروفة بقدمها – يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر- إلا أن هناك مؤسسات أقدم منها تعود إلى بداية العصر الإسلامي نجحت بجدارة في الصمود أمام اختبار الزمن، مثل الجامع الأزهر في القاهرة. في ذلك الوقت كان المسلمون في كافة البقاع قد اعتادوا إطلاق كلمة «جامع» على المساجد الكبرى التي تجمع من بين أغراضها التعليم إلى جانب العبادة، باعتبار أن طلب العلم عبادة في حد ذاته، تمثُّلا لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ»(1) وقد كان مشهدًا مألوفًا أن يكون لكل علم يتم تدريسه في تلك المساجد الجامعة شيخٌ خاصٌّ، يجلس إلى أحد أعمدة المسجد، قائمًا بتدريس فرع ما من فروع المعرفة، وكان يُلقب بشيخ العمود، نكاد نجزم بأن هذا اللقب هو السلف الأول للقب الأكاديمي المعروف حاليًّا (أستاذ كرسي)، وكانت الحركة التعليمية تمتاز حينها بمنح طالب العلم حرية اختيار معلمه كما يشاء من بين شيوخ الحلقات المتعددين، ويختار كذلك العلم الذي يريد أن يدرسه، بل والكتاب أيضًا، وأن ينتقل من حلقة شيخ إلى شيخ آخر دون قيود، وهو ما مكَّنَ طلبة العلم في هذه الفترة من تحصيل صنوف عديدة من العلوم المختلفة. لقد أفرزت هذه المنظومة العلمية التعليمية علماء بارزين وأفذاذًا في تاريخ االبشرية لا زالت كتبهم ونتاجاتهم العلمية تترجم وتدرس في أرقى جامعات العالم ومؤسساته الأكاديمية حتى اليوم. فخلاصة ما ذُكِر أن المؤسسات العلمية والتعليمية في العصر الإسلامي الذهبي كانت قد بلغت من الرقي درجة أصبح التطور إلى الشكل الأكاديمي المعروف بعدها أمرًا طبيعيًّا، فشاء الله تعالى أن يكون ذلك التطور الطبيعي لشكل التعليم العالي ممثلاً في تلك المؤسسة العريقة التي أسستها فاطمة الفهرية في القرن التاسع وتشتهر باسم القرويين، ذلك الاسم الـمُحَوَّر عن «القيروانيين» نسبة إلى مدينة «القيروان» التي أسسها الفاتح المسلم «عقبة بن نافع الفهري» فكانت أولى حواضر شمال غرب إفريقية الإسلامية، والتي كانت بمسجدها الجامع «مسجد القيروان» منارة يشع منها نور العلم والمعرفة برعاية إسلامية خالصة طوال قرون. ويثبت من إلقاء نظرة عابرة على لقب كل من فاتح إفريقية ومؤسِّسة جامعة القرويين أن ندرك شكل القرابة بين هذين المؤسسين اللذين تركا بصمة مؤثرة في مسيرة العلم والتعليم البشري بشكل عام.
(مسجد عقبة بن نافع القيروان – تونس)
أُنشئت هذه المؤسسة عندما حصلت فاطمة الفهرية وشقيقتها مريم على ميراث واسع عند وفاة والدهما وشقيقهما. وقررت كلتاهما البدء بمشاريع تعود بالفائدة على سكان فاس بالمغرب، وذلك لاهتمامهما المتزايد بالمجتمع. وشعرتا بأنهما ملزمتان بضمان حصول الآخرين على
المستوى العالي من التعليم نفسه الذي أُنعم عليهما به. فأولاً، بَنَت مريم مسجدَ الأندلس الضخم عام 859م، وسرعان ما تبعتها فاطمة فأسّست مسجدَ القرويين الذي حَظي بمُجَمّع كبير مكّنه ذلك من استضافة جامعة بين جدرانه.
واشتمل ذلك المجمع على أماكن مخصصة لإقامة الطلاب المغتربين في الحرم الجامعي دون أن يضطروا إلى دفع أية رسوم دراسية، بل وحظوا فوق ذلك بأن قُدِّم الطعام إليهم مجانًا، ومن لم يجد مكانًا للإقامة والمبيت بين جنبات الجامعة كان يحصل على سكن بديل. لن يجد القارئ لهذه الأمور صعوبة للوهلة الأولى إذا كان على شيء من الاطلاع على نظم التعليم الجامعي وما بعد الجامعي الحديثة في الربط بين نظام جامعة «القرويين» ونظام المنح التعليمية الجامعية الممولة التي أصبحت معروفة حاليًّا. ومع تزايد الطلب على الجامعة، وضع نظام انتقائي يختبر المرشحين في معرفتهم باللغة العربية والقرآن والعلوم العامة. لم تقتصر الدراسات على الدين بل توسعت على مرِّ السنين لتشمل مجالات مثل الطب وعلم الفلك، مع تركيز شديد على العلوم الطبيعية. توفيت فاطمة الفهرية عام 880م، لكن مؤسستها استمرت في العمل ومهدت مساهمتها في هذا العالم الطريق، في السنوات اللاحقة، لفتح المزيد من المؤسسات في جميع أنحاء العالم.
خريجو الجامعة
تخرج فيها علماء الغرب، وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزًا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة.
تلك المؤسسة العريقة التي أسستها فاطمة الفهرية في القرن التاسع وتشتهر باسم القرويين، ذلك الاسم الـمُحَوَّر عن «القيروانيين» نسبة إلى مدينة «القيروان» التي أسسها الفاتح المسلم «عقبة بن نافع الفهري» فكانت أولى حواضر شمال غرب إفريقية الإسلامية، والتي كانت بمسجدها الجامع «مسجد القيروان» منارة يشع منها نور العلم والمعرفة برعاية إسلامية خالصة طوال قرون.
سيلفستر الثاني (غربيرت دورياك)، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويقال أنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية. وكذلك موسى بن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي الذي قضى فيها بضع سنوات قام خلالها بمزاولة التدريس في جامعة القرويين. ثم هناك الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي فقيه وحافظ ومحدث وأصولي مالكي ومن أبرز أعلام هذا المذهب، ترك أثرًا كبيرًا في تاريخ بلاد المغرب خلال العصر الوسيط، حيث أسهم في إحداث تغييرات جذرية في انتماءات بلاد المغرب الفكرية والمذهبية، ونصبت منه زعيمًا شعبيًّا تَبنى مبادرة إصلاحية، تُوجتْ بظهور الحركة المرابطية، والذي مثل فيها أبو عمران دور العقل المدبر. ابن البنا المراكشي عالم مغربي برز بصفة خاصة في الرياضيات والفلك والطب، وأسس ابن البنا مدرسة علمية مهمة في المغرب، أكبّت على مدى قرون على تدريس مؤلفاته وشرحها وتداولها في مختلف جامعات العالم كما أُطلق اسمه مؤخرًا على فوهة بركانية على سطح القمر. وكذلك ابن العربي (2) الذي له شهرة في علمه فقد أخذ جملة من الفنون حتى أتقن الفقه والأصول والحديث واتسع في الرواية وأتقن مسائل الخلاف والكلام وتبحّر في التفسير وبرع في الأدب والشعر. صنف كتبًا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وتولى قضاء إشبيلية، ومات في فاس في ربيع الآخر سنة 543 هـ، ودفن بها. قال عنه ابن بشكوال: هو الإمام الحافظ، ختام علماء الأندلس. كما دوّن النحوي ابن آجروم كتابه (الآجرومية) المعروف في النحو. ولا ننسى أبا بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة، وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. كذلك لا يسعنا أن نغفل ذِكر ابن رشيد السبتي، الرحالة، والمحدث، والنحوي، واللغوي، والمؤرخ، والعالم بالقراءات السبع، والخطيب والمفسر، المعدود في أعلام القرن الثامن الهجري.
النظر إلى طالب العلم باعتبار كفاءته العلمية وحماسه الصادق في تحصيل العلوم بغض النظر عن أية فوارق في الدين أو العرق كان الشيء المميز لنظام التعليم الإسلامي الذي تجلى أعظمَ تجل في أول جامعة عصرية على الإطلاق (جامعة القرويين)، والتي تخرج منها القسيس إلى جانب الفقيه، وحصل كل طلبة العلم اليهود والمسيحيون فيها على الفرص نفسها التي حصل عليها أقرانهم المسلمون.
-
(سنن الترمذي، كتاب العلم عن رسول الله). -
تنويه: هو غير «الشيخ محيي الدين بن عربي» الصوفي المعروف واسمه: أبو بكر بن العربي.