- أصبحت توجهات البشر مادية دنيوية
- واصبح القرآن مهجورا
- كل الاديان تنتظر الموعود ولكن بشروطها وحسب اعتقاداتها الخاطئة
- إن لكل أمة ابتلاء عند ظهور إمامهم ليعلم الله كرامهم من لئامهم
__
وإن الزمان يتكلم بلسان الحال أنه يحتاج إلى مصلح، وقد بلغ إلى غاية الاختلال. ويوجد في العالم تقلُّبٌ أليم، وتغيّر عظيم، لا يوجد مثله فيما سبق من الأزمنة، وإن الهِمم كلها تمايلت على الدنيا الدنيّة، وبقي القرآن كالمهجور، وأُخذت الفلسفة كالقِبلة. ونرى الكسل دخَل القلوبَ، ونرى البدعاتِ دخلت الأعمالَ، ويُسَبُّ نبيُّنا ويُشتَم رسولنا ويحسبونه شر الرجال، ويُكذَّب كتاب الله بأشنع الأقوال وأكره المقال. فأين غيرة الله للقرآن وللرسول وقد وُطِئَ الإسلام كذرّة تحت الجبال؟
أينتظرون عيسى وقد ثارت بسببه فتنٌ وهو في السماء؟ فما بال يوم إذا نـزل في الغبراء؟ وكانت اليهود قبل ذلك ينتظرون، كمثل قومنا، إلياسَ، فما كان مآل أمرهم إلا ياس. فمِن عقل المرء أن يعتبر بالغير ويجتنب سبل الضير، وقد قال الله تعالى:
فليسألوا النصارى هل نـزل إلياس قبل عيسى من السماء كما كانوا يزعمون؟ وليسألوا اليهود هل وجدتم ما فقدتم أيها المنتظرون؟ فثبت من هذا أن هذه العقائد ليست إلا الأهواء، ولا يجيء أحد من السماء وما جاء. فمن كان يبني أمره على العادة المستمرة والسنة الجارية، هو أحق بالأمن من رجل يأخذ طريقا غير سبيل متوارث من السابقين، ولا يوجد نظيره في الأوّلين، وليس مثله إلا كمثل الذين يطلبون الكيمياء، فينهب ما بأيديهم زمرةُ الشُطّار والمحتالين، فيبكون عند ذلك ولا ينفعهم البكاء.
وإن الأخبار الغيبية لا يخلو أكثرها من الاستعارات، والإصرار على ظواهرها مع مخالفة العقل ومخالفة سنة الله في أنبيائه من قبيل الضلالة والجهلات. وإن الكرامات حق لا ننكرها في وقت من الأوقات، ولكن ننكر أمرا خالفَ كُتب الله وخالف ما ثبت من تلك الشهادات، وخالفَ سنن الله في رسله ونافى كل المنافاة، وهذا هو الحق كما لا يخفى على أهل الحصاة.
وما أنكر اليهود عيسى إلا بما لم ينـزل إلياسُ من السماء قبل ظهوره، فقالوا كافر كذاب ملحد ولم يعترفوا بذرّة من نوره. فلو كان من عادة الله إنزال الذين خلوا من السماوات، لأنزل إلياس قبل عيسى ولنجّى رسوله من ألسن اليهود ومن سبّهم إلى هذه الأوقات.
والحق إن لكل أمة ابتلاء عند ظهور إمامهم، ليعلم الله كرامهم من لئامهم. كذلك لما جاء عيسى ابتُلي اليهود بعدم نزول إلياس من السماء، ولما جاء سيدنا المصطفى قالوا ليس هو من بني إسرائيل فابتُلوا بهذا الابتلاء. ثم إني لما بُعثتُ في هذا الزمان من ربي الأعلى نحَت علماء الإسلام عذرًا كما نَحَتَ اليهود لإنكار عيسى. فالقلوب تشابهت، والوقائع اتحدت، فما نفعتْهم آية، وما أَدْرَتْهم دراية. ووالله لو تمثلت الآيات النازلة لتصديقي وتأييدي على صور الرجال، لكانت أزيدَ من أفواج الملوك والأقيال. ولا يأتي علينا صباح ولا مساء إلا ويأتي به أنواع الآيات، ثم مع ذلك ما أَريتُ آية في زعم هذه العجماوات! (مواهب الرحمن)
* (النحل:44)