تعاليم القرآن الكريم بناءة و ليست هدامة
  • إن قياس نِعَم الآخرة على نِعَم الدنيا أمر يخالف العقل والمنطق.
  • إنَّ الاتحاد على الخطط الشريرة مثَلُه كأن يقيد أحد نفسه بسلسلة المجرمين الأخرين
  •  لن يجد الكفار معيناً ولا نصيراً لهم يوم القيامة.
  • إن الله سوف يجزي الناس جميعاً حسب أعمالهم، وعندما يريد ذلك فسيكون ذلك سريعاً دون تأخير.
  • تعاليم القرآن سيف ذي حدين.
__
فَلَا تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار   (الآيتان 48 و49)

شرح الكلمـات:

ذو انتقام: نَقَمَ منه يَنقَم ونقِمَ ينقَم نقَماً: عاقَبَه. ونَقَمَ عليه أمرَه ونقَمَ منه: أنكره عليه وعَابَه وكَرِهَه أشدَّ الكراهةِ لسوء فعله. وانتقم منه: عاقبه (الأقرب)

التفسـير:

تبيّن لنا هذه الآية أن نِعم الآخرة تختلف عن نِعم هذه الدنيا تماماً، لأنه تعالى يصرح هنا بأنه سيبدّل هذه الأرض والسماوات ويأتي مكانها بغيرها. فلو كانت نِعم الآخرة هي نفس نِعم الدنيا فما الداعي لأن يبدل الله هذه السماوات والأرض. فلا جرمَ أن قياس نِعم الآخرة على نِعم الدنـيا أمـر يخالـف العـقل والمنـطق.

هذه الحقيقة سوف يكشفها الله يوم القيامة حيث يجمع معارضي الأنبياء في سلسلة واحدة؛ ليخبرهم أن عصاباتكم واتحاداتكم كانت بمثابة تصفيد المجرمين في سلسلة واحدة.

وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ   (الآية 50)

شرح الكلمات:

مُقرَّنين: قُرِّنت الأسارى في الحبال أي جُمِّعتْ، وشُدِّد للكثرة، ومنه: مُقرَّنين في الأصفاد (الأقرب)

الأصفاد: جمعُ الصّفَدِ: وهو العطاءُ؛ والوَثاق (الأقرب)

التفسـير:

قد يتساءل هنا أحد فيقول: ما الحاجة أن يتم تقييد المجرمين بالحبال يوم القيامة؟ والجواب: إن حياة الإنسان في العالم الآخر ستكون ظلاً لحياته في الدنيا. وبما أن هؤلاء المجرمين يتعاونون في ارتكاب الجرائم ويحث بعضهم بعضاً عليها، لذلك سوف يتمثل لهم هذا التعاون الشرير على شكل سلاسل يُصفَّدون فيها معاً. والمعنى أن الاتحاد على السوء والتعاون على الإثم لا يزيد صاحبه شرفاً وقوة، وإنما يؤدي به إلى الخِزي والضعف. ولكن معارضي الأنبياء لا يستوعبون هذه الحقيقة، فيتحدون على الإثم والعدوان، وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعاً ويزدادون قوة وعزة. مع أن الاتحاد على الخطة الشريرة مَـثَـلُهُ كأن يقيد أحد نَفسه بسلسلة تصفِّد مجرماً آخر. لا شك أنه كان في السلسلة شخص واحد والآن صار فيها اثنان، وازداد العدد، ولكن هذا لن يزيدهما قوة، بل سوف يزيدهما ضعفاً وعذاباً لأنهما مقيدان في سلسلة واحدة، وتقييد الاثنين في سلسلة واحدة أشد إيلاماً. هذه الحقيقة سوف يكشفها الله يوم القيامة حيث يجمع معارضي الأنبياء في سلسلة واحدة؛ ليخبرهم أن عصاباتكم واتحـاداتكـم كانت بمثـابة تصفيـد المجرمين في سلسـلة واحـدة.

سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ   (الآية 51)

شرح الكلمات:

سرابيلهم: السِّربالُ: القميصُ؛ الدِّرعُ؛ وقيل: كلُّ ما لُبس، والجمعُ السرابيل (الأقرب)

قَطِران: سيّالٌ دُهنيٌّ يؤخذ من شجر الأُبْهُل والأَرْز (الأقرب)

التفسـير:

هذه الجملة تعني أن لباسهم هو النار نفسها لا غير، لأن القطران يحترق في النار فكأنه النار نفسها.

وبما أن اللباس يحمي الإنسان من الأضرار فتعني الآية أيضاً أنهم لن يجدوا هناك معيناً ولا نصيراً، لأن أصدقاءهم وأولياءهم سوف ينقلبون أعداءً لهم. وهذا المعنى يتأكد من آيات أخرى في القرآن حيث ورد فيها أن شركاءهم الذين يتخذونهم آلهةً من دون الله تعالى سوف يتبرأون منهم يوم القيامة ويتخلون عنهم.

لِيَجْزِيَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ   (الآية 52)

التفسـير:

أي سوف يَجزي الله الناس جميعاً بحسب أعمالهم.

وقوله تعالى إن الله سريع الحساب لا يعني أنه تعالى يتعجل في الحساب، لأنه نفسه يصرح في القرآن أنه ُيمهل المجرمين ولا يعاقبهم في عجلة، وإنما المراد من الجملة أنه تعالى عندما يقرر محاسبة أحد يسوّي حسابه بسرعة دونما تأخير.

وقد أشار الله بقوله هذا إلى أن تعاليم القرآن الكريم بناءةٌ وليست هدّامة، فإنه لا يركّز على نقد الديانات السابقة وأتباعها فحسب، بل يقدم أيضاً تعاليم هي أفضل مما في الأسفار السابقة، كما أنها مقبولة لدى العقل السليم.

هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّـرَ أُولـُو الْأَلْبـَابِ   (الآية 53)

شرح الكلمات:

بلاغ: البلاغُ: الكفايةُ (الأقرب)

التفسـير:

قوله تعالى هذا بلاغٌ من للناس يعني أننا قد أقمنا بذلك الحجةَ على الناس.

أما قوله تعالى ولِيُنذَروا به فاعلم أن القرآن الكريم كسَيف ذي حدين، فإن آياته إذ تحذر أهل الضلال بأن لا يعبدوا إلا الله، فإنها من ناحية أخرى تزيد أهل الإيمان سداداً وثباتاً على الحق والصدق. وقد أشار الله بقوله هذا إلى أن تعاليم القرآن الكريم بناءةٌ وليست هدّامة، فإنه لا يركّز على نقد الديانات السابقة وأتباعها فحسب، بل يقدم أيضاً تعاليم هي أفضل مما في الأسفار السابقة، كما أنها مقبولة لدى العقل   السليم. وإذا كان القرآن يقضي على النظام السائد فإنه يقدم عوضاً عنه نظاماً جديداً هو أفضل وأبقى من أي نظام قديم كان.

Share via
تابعونا على الفايس بوك