- فما سر الأثر الإيجابي المترتب على انتشار الإسلام؟
- وهل تُعد قيمة النتائج دليلا على حقية الدين؟
____
إن قياس الأثر من أفضل الأدوات التي يمكن بواسطتها الوصول إلى قرار صائب فيما إذا كان شيء ما مُجديا تماما أو ضارا تماما، أو ما إذا كان متراوحا بين هذا وذاك. وللإسلام منهجه الخاص في تقييم الأشخاص والأشياء والأفعال وحتى الأطعمة من حيث النفع والضرر، ونطَّلع على نموذج لهذا التقييم في قول الله تعالى:
فجملة المحرَّمات إنما كان تحريمها راجعا إلى ما لها من أثر سيئ ظاهر أو خفي، وتلك نظرة متوازنة يندر أن يتسم بها حتى أكثر الناس رجاحة عقل!
والإسلام دين درج على احترام التنوع الطبيعي في الثقافات والأديان، وفي ظل هذا الجو المرحب بالتنوع والتعددية الثقافية وحتى الدينية، نبغ من رعايا المجتمع الإسلامي علماء أفذاذ من غير المسلمين حتى، ذلك لأن الدين الحنيف كفل حق المواطنة لجميع رعايا مجتمعه ما دام الجميع مطالبون بأداء نفس الواجبات، وهنا ينبغي التأكيد على أن فكرة احترام التعددية حين فشت في المجتمع الإسلامي منذ فجره الأول في القرن السادس الميلادي، لم تكن أوروبا تسمع، أو حتى تحلم بها، إلا والقرن السابع عشر يجر أذياله، فأي دين هذا الذي يسبق العالم المتحضر بخطوة طولها أكثر من ألف عام؟!
إن الإسلام لم يترك كائنا يقع تحت مظلته، فردًا طبيعيًّا كان أو كيانًا اعتباريًّا، إلا وأولاه حقوقه كلها كاملة غير منقوصة، بل إن الإسلام تجاوز هذا المستوى الإنساني بمراحل، فلم يكتف بإرجاع الحق المسلوب إلى ذويه المطالِبين به، بل حرص على الوفاء بحقوق حتى من لا يحسنون التعبير عن حاجاتهم، لعجز أو لجهل، فقال تعالى في معرض كلامه عن صفات المتقين:
والمحروم هاهنا ينطبق على المفتقر إلى الوسائل المادية، وأيضا المحروم من نعمة السؤال تعبيرًا عن حاجته.
لقد باتت طائفة عريضة من حَمَلَة شعلة الحضارة الغربية اليوم مدركين أن حضارتهم ما كانت لتقوم لها قائمة لولا الحضارة التي خلفها لهم المسلمون طوال فترة العصور الوسطى، ومن قبلهم شتى الأمم والحضارات الشرقية كالصينية والهندية والفارسية والمصرية وغيرها، كذلك يحق لأولئك المنتمين ثقافيا إلى حضارات خلت أن يعتزوا بما تتمتع به حضارة عصر الحداثة الغربية من رفاهية، فلولا صفر الهنود لما قدر لبورصة «وول ستريت» بملياراتها أن تولد أصلا! فليس من قبيل الخُلُق القويم تحقير إنجازات الغير، لأن هذا يعني تحقيرنا لأنفسنا بالتبعية. ألا يذكرنا هذا بقول النبي الخاتم :”بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ”(3)؟!، أوليس هذا هو عين ما دعا إليه المبدأ القرآني القائل:
إننا لو ننظر في الأمر بعين المفاضلة لن يُعجِزنا إدراك أن الناتج الحضاري الإسلامي هو ناتج مشرِّف بحق، بخلاف الناتج الحضاري الغربي الذي يشوبه قدر غير قليل من الخسة، فالمسلمون مثلا، فيما ابتكروا من اختراعات على مدى سبعة قرون أو ثمانية، هي عهد نهضتهم الذهبي، لم يبتكروا يوما سلاح إبادة جماعية، وتفوقهم العسكري ما كانوا ليظهروه إلا في ميادين القتال بين الجيوش حصرا، أما المدنيون فكانوا بمأمن من نار الحرب المضطرمة، ولكن على الجانب الآخر، نرى أن التحضر الغربي بقيمه، وحين واتته الفرصة للظهور، لم يتوان في إهلاك خصومه وإفنائهم عن بكرة أبيهم، فكان ابتكار أسلحة الدمار الشامل والإبادة الجماعية سابقة مُفجِعة مُنِيَت بها الإنسانية جمعاء على يد التحضر الغربي. وهل ينسى التاريخ قصف أمريكا، حاضرة القيم والثقافة الغربية، لـ “ناكازاكي” و”هيروشيما” بالقنبلة الذرية التي لم تستهدف جيش اليابان أو قطعه الحربية، بل استهدفت الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حرب عالمية وأطماع إمبريالية.
إننا لندهش من أثر انتشار الإسلام بفتوحاته العسكرية والتبشيرية، وما ترتب على هذا الانتشار من تغير تام من النقيض إلى النقيض، تَغير كان مِن مظاهره أن تحولت بيئة الصحراء إلى جنة علم وروحانية كَفَتْ العالم القديم مؤونته من الزاد العلمي والفكري والحضاري قرابة تسعة قرون أو أكثر، وكل ذلك مردُّه إلى فضل الله تعالى العظيم على الإنسانية، إذ أرسل إليها رسولا مأمورًا بالإعلان
وبما أن فضل الإسلام على العالمين متمثل في تعاليم القرآن الكريم التي حَوَتْها دفَّتَا المصحف الشريف، ونموذجها العملي المتمثل في سُنَّةِ سيدنا محمد ، يطيب للتقوى أن تعرض على قرَّائها شيئا من محاسن القرآن وفضائله، وخطبة جمعة تخيَّرتها أسرة التحرير من أرشيف خطب سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز). ثم مادة مقالية ذات صلة بإعجاز القرآن كذلك.
إننا لو ننظر في الأمر بعين المفاضلة لن يُعجِزنا إدراك أن الناتج الحضاري الإسلامي هو ناتج مشرِّف بحق، بخلاف الناتج الحضاري الغربي الذي يشوبه قدر غير قليل من الخسة، فالمسلمون مثلا، فيما ابتكروا من اختراعات على مدى سبعة قرون أو ثمانية، هي عهد نهضتهم الذهبي، لم يبتكروا يوما سلاح إبادة جماعية، وتفوقهم العسكري ما كانوا ليظهروه إلا في ميادين القتال بين الجيوش حصرا، أما المدنيون فكانوا بمأمن من نار الحرب المضطرمة، ولكن على الجانب الآخر، نرى أن التحضر الغربي بقيمه، وحين واتته الفرصة للظهور، لم يتوان في إهلاك خصومه وإفنائهم عن بكرة أبيهم
ولا يفوتنا مع تزامن حلول شهر ربيع الأول مع حلول شهر سبتمبر، أن نشير إلى نقطة ما، وهي أن احتفاءنا في ذلك الشهر المبارك ليس بمولد سيدنا محمد بقدر ما هو ذريعة مشروعة نتخذها لإطلاع الناس على شيء من قوة ذلك النبي القدسية، تلك القوة التي أسفرت عن نتاج حضاري عظيم، يُقِرُّ بعظمته الداني والقاصي. وبهذا الصدد نعرِض في عدد هذا الشهر كذلك لشيء من سيرة ذلك النبي العظيم وشفقته العظيمة على البشربة جمعاء، فنعم التحضُّر ونعم الأثر!
الهوامش:
- (البقرة: 220)
- (الذاريات: 20)
- أخرجه البخاري
- (الحجرات: 14)
- (الأَعراف: 159)