مذكرات حول أزمة البوسنة

مذكرات حول أزمة البوسنة

فضل أحمد

عندما قررت مجموعة الأمم الأوربيّة أنهم غير مستعدين لإرسال قوات عسكرية لحماية المسلمين أقاموا لهم ملاجئ آمنة، ضمَّت هذه الملاجئ سربرنكا، جوارزد، تزلا، بيهاك. وعندما أُعِدّت هذه الملاجئ في شهر مايو 1993 قال أحد الرسميين البريطان: «لا تعني “مناطق آمنة” أنها آمنة في كل مكان»، في حين خرج دوجلاس هيرد بحديث الحرب محذرًا الصرب أنّهم “لن يتمكنوا من الاحتفاظ بكل ما انتزعوه عنوة”.

وبعد خمسة أشهر صنع الصرب تمامًا ما حذَّر منه في شهر مايو عضوُ البرلمان ميكل ميتشر قائلاً: “ليست المناطق الآمنة إلا مخيماتٍ ضخمةً للاجئين واقعةً تحت التهديد الدائم للهجمات”، وقد ثبت أنَّ هذا القول صحيح.

إنسحاب القوات في أكتوبر 93

في الثالث من أكتوبر عام 1993 شرعت قوات الأمم المتحدة في الانسحاب من سربرنكا بالرغم من مناشدة البوسنيين لها ألّا تنسحب.

أمَا وقد سبق لها تجريد المسلمين من سلاحهم على وعد بأن يكونوا في حماية الأمم المتحدة.. فإنّها بهذا الانسحاب تركت المسلمين بلا سلاح وفريسةً سهلة للقنَّاصة الصرب الذين صعَّدوا ممارسات قنصهم حديثًا.

متطلبات القوات للدفاع عن المناطق الآمنة

قالت الأمم المتحدة أنّها بحاجة إلى قوةٍ عسكرية قوامها 7500 فرد للدفاع عن المناطق الآمنة. وبعد عدّة شهور كان مجموع ما تعهَّدت به الأمم المتحدة لحماية المناطق الآمنة 2000 من الجنود، منهم 800 من فرنسا. أما البلاد الأخرى فكانت غير راغبة، أو غير قادرة على المشاركة بقوات دفاعية عندما يختصُّ الأمر بأرواح المسلمين.

القوات الإسلاميّة غير مقبولة

ومع ذلك فإنَّ الدول الإسلاميّة عرضت في يوليو 1993 إمداد الأمم المتحدة بقوات تزيد على 17000 فردًا لهذا الغرض بالذات هكذا:

1220 من بنغلادش، 3000 من باكستان، 10000 من إيران، 1500 من ماليزيا، 1000 فلسطيني، 1000 من تونس، بالإضافة إلى أعداد أخرى من تركيا.

كانت هذه القوات معروضة للمشاركة الفورية، ولكن دوجلاس هيرد أجاب بقوله: «أنا شخصيًا لا أعتقد أنَّ إيران مرشحٌ مناسب». وكانت الأمم المتحدة راغبةً عن قبول قوات إسلامية في هذا النزاع، لأنَّ المشكلة الرئيسيّة هي أنَّ النصارى الصرب قد ارتكبوا أعمال إبادة ضد المسلمين البوسنة ضِعاف التسليح، وفي مثل هذا الظرف، تزيد القوات الإسلاميّة النار اشتعالاً، في حين أنَّ القوات النصرانية تكون غير منحازة؟!!

حال المناطق الآمنة بعد انسحاب القوات

والآن، ليس لدى البوسنة في هذه المناطق الآمنة أي ضمان للحماية (كان الضمان الوحيد من جانب الأمم المتحدة هو حماية القوات المسلحة لنفسها في المناطق الآمنة)؛ وليس ثمة خطة للسلام ينفذها أحد، ولا اعتبار للمستقبل هناك، ومن الواضح أنَّ الأمر لا يعني أحدًا.

وفي 30 أكتوبر جاءت التقارير المستقلة بأنَّ انسحاب القوات من سربرنكا ترتب عليه زيادةٌ ملحوظة في أحداث القنص التي تقوم بها قوات الصرب، ومصرع العديد من النساء المسلمات.

لا يستطيع المسلمون الدفاع عن أنفسهم لأنَّ حظر الأسلحة يُحرِّم عليهم الحصول على سلاح يدافعون به عن أنفسهم، ولأنَّ الأمم المتحدة صادرت ما كان لديهم من أسلحة قبل معركة الإبادة.

أعذار لعدم التدخُّل

خلال المذبحة الجماعية في البوسنة، وجد الساسة أنّه من المناسب لهم الإشارة إليها تحت مُسمَّى “المتاعب”..

باعتبار أنّها حرب أهليّة تتورط فيها الأطراف كلّها على السواء؛ الجميع يرتكبون الفظائع، والجميع جيد التسليح. وقد اتُّخِذت هذه المزاعم أعذارًا لعدم إرسال قوات إلى البوسنة لطرد الصرب الذين استولوا بطريقةٍ غير شرعيّة على أراضي دولة مستقلة.

استقلال البوسنة

حصلت البوسنة على الاستقلال في السادس من إبريل 1992، واعترف به المجتمع الدولي تمامًا من خلال الأمم المتحدة. وبعد كلّ هذا، عندما كانت محادثات السلام جاريةً اتُّخِذت الحدود المعترف بها لدولة البوسنة المستقلة نقطة بداية. ومع ذلك عندما قامت الحرب.. حصل الصرب الموجودون في البوسنة على دعم عسكري كامل من الجيش الصربي وقواتهم الجويّة، ومن عصابات إرهابيّة خاصة مثل الجيش النظامي تحت قيادة زلجكو رازنجاتوفيك.

البوسنة قبل الحرب

كان المسلمون يمثلون أكبر عنصر عرقي قبل احتدام الصراع، فهم يكوِّنون 45% من السكان؛ ولكن الصرب يحتلون الآن أكثر من نصف الإقليم، وأرسلوا مئات الألوف من البوسنيين إلى مخيَّمات الاعتقال حيث يُجوَّع الرجال، ويُجبرون على التقاتل مع بعضهم البعض حتى الموت، وفي نفس الوقت يتعرَّض النساء بما فيهنَّ البنات الصغيرات حتى سنّ السادسة.. للاغتصاب من جانب العصابات.. في مخطط لاغتصاب النسوة المسلمات. واغتيلت أعداد لا حصر لها من البوسنة، قتلوا حرقًا أو شنقًا أو بطرقٍ أخرى.

الخيانة في وجه الفظائع

لقد ارتُكِبت كافة صنوف الفظائع كجزء من مخطط صربي للتطهير الطائفي لإزالة المسلمين والكروات من المناطق التي احتلوها.

والحال في الكويت بالعكس، كان «العالم كلّه» راغبًا في إرسال القوات والطائرات لاستعادة الكويت بحدودها الأصلية ولإذلال المعتدي تماما.. ولكنهم في حالة البوسنة بدأوا بفرض حظر الأسلحة على البوسنة، وفَشِلَ المجتمع الدولي في إرسال قوات للدفاع عنهم. وأخيرًا، قررت الأمم المتحدة أن تُرغم المسلمين على التفاوض للتخلّي عن حقوقهم في أرضهم للمعتدي دون أي ضمان لحمايتهم في المستقبل ضد العدوان الصربي.

وفي هذا السياق.. لو حاول المسلمون استخدام أسلحة محلية للدفاع عن أنفسهم.. اعتُبِرت المسألة كأنها حرب أهلية.

وتسمية أعمال الإبادة باسم غير “الإبادة” إهانة لملايين البوسنة الذين أُخرجوا من ديارهم ولقطاعات كاملة ضاعوا من مجتمعهم، وأيضًا لكلِّ إنسان أوتيَ ذرةً من الفطرة السليمة والعدالة.

لا عدالة مع المسلمين

في يونيو 93 كتب المتحدث باسم الحزب الليبرالي الديموقراطي – منزيس كامبل: «سوف يتساءل عرب الخليج: لماذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية راغبةً في قصف المسلمين بالقنابل في بغداد؛ ولكنها كارهة لحماية المسلمين في البوسنة». ولقد سبقت إجابة هذا السؤال بأمانة بلسان ميشيل جونز في صحيفة “صنداي” عندما كتب: «لو أنَّ النصارى الصرب هم الذين يواجهون الإبادة فإننا نعرف داخل عظامنا أننا نحسُّ بطريقةٍ مُخالفة».

في نهاية الأسبوع يوم 16/10/93 كشف الرئيس كلنتون موقف جون ميجور فقال: أخبرني جون ميجور أنه لم يكن متأكدًا من بقاء حكومته “لو أنّه وافق على رفع حظر السلاح عن مسلمي البوسنة”. وهكذا كان على البوسنة أن تُقاسي من أجل المحافظة على حكومة المستر ميجور. ولسوف يُدين التاريخ لورد أووِن وجون ميجور بأنّهما المدبِّرين المسؤولين عن موت الملايين من الناس.

الإبادة الطائفيّة في البوسنة

موستار Mostar

منذ التاسع من مايو 1993 تفتت التحالف بين الكروات والمسلمين، ونشبت الحرب في المدينة بعدوان كرواتي يهدف إلى تحويل موستار إلى عاصمة دولة بوسنيّة كرواتية. ونتيجة لذلك أُزيح المسلمون بالتدريج إلى الجانب الشرقي من المدينة، وحوصروا تحت القصف الشديد والهجوم، وعُزلوا تمامًا عن العالم الخارجي.

وفي القُرى المحيطة جُمِع الرجال والصبية المسلمون وأُخِذوا إلى معسكرات الاعتقال في المنطقة التي تضم درتلج حيث ارتُكِبَ معهم الكثير من الأفعال اللاإنسانيّة في ظروفٍ فظيعة. وأثناء ذلك أُجبر الباقون من السكان المسلمين على النزوح إلى الجانب الشرقي من المدينة.

بانجا لوكا Banja Luka

في وقتٍ مبكر من الحرب عام 1992 سحق الصرب مقاومة المسلمين في المدينة، وترك معظم السكان المسلمين المنطقة إلى مستقبلٍ غامض في موضعٍ آخر من البوسنة، أو إلى مراكز اللاجئين من كراوتيا. واستُخدِم مصنع صغير في كوتور فاروس قريبًا من المدينة كمخيم لاغتصاب النسوة المسلمات، في حين أُرسل الرجال إلى معسكرات الاعتقال في أمارسكا وترنوبولج. ومن بقي بعد ذلك من المسلمين تعرَّض لضغط مكثف من مضايقات شرطة الصرب وهجماتهم المستمرة. وقد تم تدمير جميع المساجد الستة عشر في المدينة. وانخفض عدد السكان المسلمين من 45000 إلى أقل من 15000.

بريجيدور Prijdeor

كان عدد السكان المسلمين قبل الحرب 76000 لم يبقَ منهم الآن بعد التطهير العرقي سوى 7000 مسلم. وفي صيف عام 1992 كان هناك كثير من الفظائع ضد المسلمين “شجَّعتهم” على الرحيل من البلدة، ومع ذلك لا يزال هناك غارات واغتيال واغتصاب جماعي يُقترف ضد من بقي من السكان المسلمين الضعفاء الذين ليس لهم حماية من جانب الشرطة.

فوجوسكا Vogosca

في أوائل الحرب -مايو 1992- لقي الجنود الصرب غير النظاميين تشجيعًا لاغتصاب وسفك دماء النسوة اللاتي قيل إنَّ هناك عددًا كافيًا منهنَّ في القرى المجاورة. وكثيرًا ما أُعدِم أهل القرى المسلمون بأعداد كبيرة، وأُخذوا إلى مناطق غريبة مثل راجلوفاك حيث أُحرقت جثثهم. وحدثت وقائع مماثلة في البلدان المجاورة مثل دونجا بيوكا وأهاتوفيتشي. واحتفظت الميليشيات الصربية (النسور البيضاء) بأكثر من 100 من النساء المسلمات في معسكر الاغتصاب عند كالينوفيك.

زفورنيك / سرسكا Zvornic / Cerska

كان تعداد زفورنيك قبل الحرب 40000 منهم 25000 تقريبًا من المسلمين. استولى الصرب على المدينة فطردوا المسلمين وسووا بيوتهم بالأرض. كانت هناك رواياتٌ من شهود عيان رأوا الجنود اللانظاميين الصرب يفتشون من منزل إلى آخر بحثًا عن المسلمين، ثم قطعوا رؤوس ضحاياهم وأيديهم وأقدامهم. وأثناء ذلك حوصرت بلدة سرسكا المجاورة لأكثر من 11 شهرًا قبل أن يصل رجال الإسعاف إلى البلدة في مستهل مارس 93. وفي نفس الوقت قصفها الصرب، وتوقفت جهود الأمم المتحدة لإجلاء من تحرَّجت حالهم من الجرحى والمرضى المسلمين. وواصل الصرب قصف صفوفهم تضم أكثر من 10000 لاجئ مسلم في طريقهم إلى تزلا ووصل كثير من اللاجئين إلى تزلا وهم يُعانون من الجرب والتيفود .. لأنهم قطعوا الطريق عبر الجليد ليصلوا سالمين. وقد فتح الصرب “ممرًا خيريًّا” يستطيع المسلمون مغادرة مناطقهم منه.

بوسانسكي بتروفاك Bosanski Petrovac

كان سكان البلدة قبل الحرب 15000 منهم 20% مسلمون، وعدد قليل جدًا من الكروات وأغلبية صربيّة. وفي مايو 92 أُقيمت السدود على الطرق حول البلدة لتمنع المسلمين من مغادرتها. وكانوا منزوعي السلاح من قبل. أخذت الهجمات على المسلمين تزداد وفيها الرمي بالرصاص، والقتل العشوائي، وإحراق المنازل، والسجن. وفي أوائل يوليو نسفوا مسجدين بالمتفجرات. ومع تصاعد العنف تفاوض زعماء المسلمين على مغادرة البلد، ولكن الصرب لم يسمحوا بذلك ما لم يوقع المسلمون على مستندات بنقل أملاكهم إلى الصرب. وانتقل المسلمون بالحافلات ابتداءً من 12 سبتمبر. وفي 24 سبتمبر نظمّت قافلة من الحافلات دفع إيجارها المسلمون لنقلهم إلى ترافنيك. بقي في البلدة ألفا مسلم متزوجون من نسوة صربيات.

سربرنيكا / جوارزده / زيبا

Srebrenica/ Gorazde/ Zepa

سيطر الصرب على معظم شرق البوسنة ابتداءً من مايو 1992، وأحاطوا بكثير من بلاد المسلمين مثل سربرنيكا. وظلت البلدان تحت الحصار لأكثر من ستة أشهر إلى أن أُجبرت الأمم المتحدة تحت ضغط الاهتمام العالمي إلى إرسال قافلة إغاثة للبلدة. كان الناس يُقاسون المجاعة والجروح بسبب القصف المتواصل. وخلال الفترة من ديسمبر 92 إلى إبريل أوقف الصرب قوافل الإسعاف إلى هذه المناطق الشرقيّة. وقد ارتفع عدد سكان البلاد لكثرة اللاجئين القادمين من القرى المحيطة بعد تدميرها وإحراقها. وفي مارس 93 وقعت غارات صربية على القرى مثل جلادوفيتشي وأوساتيكا Gladovici, Osatica  بالقرب من سربرنيكا بالرغم من تحريم الأمم المتحدة الطيران في المنطقة. وانطلق الصرب على مراحل، بدءًا بسربرنيكا ثم زيبا ثم جورازده. وارتحل اللاجئون المسلمون من منطقة إلى أخرى متعرِّضين للهجمات خلال هجرتهم. والآن يعيش المسلمون في حالة محزنة تحت رحمة الصرب. وخلال الشهور الأولى من عام 1993 كان 100 يموتون من المدنيين أسبوعيًا في المتوسط بسبب المجاعة.

بيهاك Bihac

لما كانت بيهاك هي المنطقة التي تقع في أقصى الغرب من البوسنة؛ لذلك عُزلت بسرعة كبيرة في بداية الحرب على سائر الإقليم؛ وما زالت تحت الحصار من وقتها. وتقول التقارير أنَّ أكثر من 300000 مسلم يعيشون في المنطقة التي ظلت تحت القصف الشديد والهجوم بالمدفعية خلال شهر أبريل 93 بمجرد ان أمَّن الصرب المناطق الشرقية.

تواريخ هامة

٥/٤/٩٢ بدء القتال في سراييفو

٦/٤ اعتراف الأمم المتحدة ودول أوربا بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة.

١١/٤ هجوم الصرب على فيزيجراد Visegrad

١٩/٤ الحرب حول بجلجينا Bijeljina

٢٥/٤ رفض الأمم المتحدة المطالبة بقوة حفظ السلام

 مايو

الصرب تحاصر سربرنيكا وتهاجم أيضًا تزلا Tuzla .

إقامة معسكرات اغتصاب في فوجوسكا Vogosca .

الصرب يحتلون بوزانسكي بتروفاك Petrovac  Bosanski  بريجيدور Prijedor ،  سانسكي موست Sanski Most.

٥/٥ قصف سراييفو بالمدفعية الثقيلة

١٨/٦ سيطر الكروات عل  موستار Mostar

٣٠/٦ وصول أول تموين جوي إلى مطار سراييفو

١٣/٧ الصرب يحاصرون جورازده

١٧/٧ حكومة بريطانيا تدّعي أنّ لديها الدليل على جرائم الصرب في الحرب

٩/١٠ سريان منطقة منع الطيران التي حددتها الأمم المتحدة

٢/١١ الصرب يقصفون المسلمين اللاجئين فرارًا من جايس Jajce

13/11 الصرب يقصفون موستار وستولاك Stolk  وكابلينا Capljina

26/11 الصرب يوقفون مرارًا قوافل الإغاثة المتجهة إلى سربرنيكا وجوارزده

ديسمبر: الصرب يواصلون الهجوم على Bricko

١٩/١٢ الأمم المتحدة تُدين اغتصاب الصرب للنساء المسلمات

١١/١/٩٣ مصرع نائب رئيس الوزراء البوسني هاكيجا توراجليك Hakija Turajlic  داخل سيارة الأمم المتحدة

١٨/١ وصول أول قافلة للأمم المتحدة إلى زيبا Zeba

٢١/١ استيلاء الكروات على جورني فاكوف Gornji Vakov  من المسلمين

فبراير

ممثل الأمم المتحدة UNHCR  يعلن أن ٥٠٠٠٠ مسلم يفرون من سرسكا Cerska  وزفونك Zvornik   وكامينيكا Kamenica

٣/٣     الصرب يحتلون سرسكا

١٩/٣   قوافل الاغاثة تصل سربرنيكا

٢/٥    كاردزيك Karadzic يوقع خطة فانس – أووِن للسلام في أثينا، وبذلك تجنب مسألة الضربات الجوية.

٩/٥    بدأ الكروات أعمالهم العدوانية في موستار (وهي عاصمتهم طبقًا لخطة فانس- أووِن)

١٦/٥   رفض الصرب والبوسنة خطة السلام ومبادرة فانس- أووِن

٢٢/٥   اتفاقية واشنطن بين حلفاء الولايات المتحدة للدفاع عن المناطق الآمنة مع عدم صد الصرب

٢٦/٥ بدأ الصرب قصف ماجلاج Maglag  وبريكو Bricko  والمناطق المحيطة بهما

٨/ ٦ أول علامة على تحالف صربي – كرواتي ضد المسلمين في ماجلاي Maglaj  وكونجيك Konjic

٢٢/٦ محاولة إزاحة علي بيجوفيك كزعيم للصرب (بتأييد واضح من لورد أووِن)

٢٤/٦ اتفاق الصرب والكروات على صفقة تقسيم البوسنة

١٤/٧ رفض الأمم المتحدة إرسال قوة من ١٧٠٠٠ جندي من بلاد إسلامية

٢٤/٨ جميع الأطراف يفكرون في خطة سلام جديدة في جنيف لإنشاء ثلاث دويلات عرقية

٣/١٠ قوات الأمم المتحدة تبدأ انسحابًا محدودًا من سربرنيكا

من هم الذين في معركة الإبادة الطائفية في البلقان

ساسة البوسنة

علي عزت بيجوفيك رئيس البوسنة

Alija Izetbegovic

زلاتكو لاجومدزيجا نائب رئيس الوزراء

Zlatko Lagumdzija

هاكيجا توراجليك (قُتِلَ بالرصاص) نائب رئيس الوزراء

Hakija Turajlic

محمد ساكيربي سفير البوسنة في الأمم المتحدة

Mohammed Sacirbey

هاريس سيلاجديك وزير خارجية البوسنة

Haris Silajdic

رادوفان كارادزيك زعيم الصرب في البوسنة

Radovan Karadzic

ميت بوبان زعيم الكروات في البوسنة Mate Boban

أنتو فالنتا نائب رئيس الكروات في البوسنة Anto Valenta

الرسميون اليوغوسلاف

سلوبودان ميلوسيفيك رئيس الصرب Slobodan Milosevic

مومير بولاتوفيك رئيس مونتنجرو Momir Bulatovic

دوبريكا كوزيك رئيس يوغسلافيا Dobric Cosic

فرانجو تودجمان رئيس الكروات Franjo Tudjman

جوران هادزيك رئيس “كارجينا صرب” Goran Hadzic

فوجيسلاف سيسلج زعيم الصرب القوميين Vojislav Seselj

العسكريون الرسميون

جنرال راتكو ملاديك القائد العسكري الصربي في البوسنة Gen. Ratco Maldic

زكليكو رازنجاتوفيك قائد الجيش غير النظامي الصربي Zeljko Raznjatovic

جنرال مانوجلو ميلوفانوفيك آمر قوات الصرب في البوسنة Gen. Manojlo Milovanovic

الرسميون من الأمم المتحدة والمجموعة الأوربية

لورد دافيد أووِن وسيط من المجموعة الأوربية في البوسنة (بريطاني) Lord David Owen

لورد كارنجتن     وسيط المجموعة السابقة في البوسنة (بريطاني)   Lord Carrington

سيروس فانس      مبعوث الأمم المتحدة السابق في يوغسلافيا (أمريكي) Cyrus Vance

ثورفالد ستولتنبرج    مبعوث الأمم المتحدة في يوغسلافيا (سويدي) Thorvald Stoltenberg

هانز فاندِن بروك   ممثل المجموعة الأوربية للشؤون الخارجية (هولندي) Hans Van den Broek

جوزيه ماريا منديلوس   المبعوث الخاص للأمم المتحدة (أسباني) Jose Maria Mendiluce

بطرس بطرس غالي سكرتير عام الأمم المتحدة (مصري)          Boutrous Ghali

ساداكا أجاتا   مبعوث الأمم المتحدة (ياباني)            Sadako Ogata

ساسة التحالف

جون ميجور رئيس الوزراء – بريطانيا           John Major

دوجلاس هيرد سكرتير الخارجية – بريطانيا      Doglas Hurd

مالكوم ريفكايند    سكرتير الدفاع – بريطاني   Malcolm Rifkind

دوجلاس هوج   وزير مكتب الخارجية – بريطانيا   Douglas Hogg

فولكر روهي   وزير الدفاع – ألمانيا            Volker Ruhc

كلاوس كينكل وزير الخارجية – ألمانيا         Klaus Kinkel

بوريس يلتسين رئيس جمهورية روسيا            Boris Yeltsin

أندريه كوزيريف وزير الخارجية – روسيا      Andrei Kozyrev

فاليري تشيركين   نائب وزير الخارجية – روسيا   Valery Churkin

بافل جراتشيف   وزير الدفاع – روسيا   Pavel Grachev

بيل كلينتون   رئيس الولايات المتحدة  Bill Clinton

روبرت دول    زعيم المعارضة (جمهوري أمريكي)   Robert Dole

وارن كريستوفر     وزير الدولة – أمريكا  Warren Christopher

نيلز هلفج بيترسن    وزير الخارجية – دنمرك  Neils Helveg Petersen

ويلي كليز وزير الخارجية – بلجيكا  Willy Claes

ألين جوب   وزير الخارجية- فرنسا  Alain Juppe

فرنسوا ميتران   رئيس الجمهورية الفرنسي  Francois Mitterrand

إدوار بالدير     رئيس الوزراء – فرنسا   Edouard Balldur

المظالم في البوسنة

١٩/٧/٩٣ دوجلاس هيرد – سكرتير الخارجية البريطاني

“من الصعب جدا تفسير: لماذا يُعاقب الصرب ولا يُعاقب الكروات”

١٤/٧/٩٣ دوجلاس هيرد

“نعتقد أن الوقت حان لتنظر جماعة الدول الأوروبية في تدابير اقتصادية ضد كرواتيا ما دامت هي أيضًا مشتركة في أنشطة مضادة للمبادئ الدولية”. وردًا على عرض عدد من الدول الإسلامية لإرسال قوات تدافع عن المناطق الآمنة.. نظرًا للمشاكل التي قابلت الغرب بصدد إيجاد قوات سلام تبلغ ٧٦٠٠ جنديا قال: “أنا شخصيا لا أحسب إيران مرشحًا مناسبًا لذلك”. لقد عرضت دول إسلامية عديدة تقديم ١٧٠٠٠ جندي للأمم المتحدة.

١٢/٧/٩٣   جون سميث – زعيم العمال قال موجهًا حديثه لرئيس الوزراء: “أليس من الأجدر أن يكون هناك التزام بإجراء معين -كالضربات الجوية مثلاً- كي يُدرك المعتدون أن المجتمع الدولي لن يتساهل في تحدي السلطة الدولية وتمزيق البوسنة؟”

١٢/٧/٩٣ جون ميجور – رئيس الوزراء البريطاني

“لعلّه فقد الصلة مع بعض الأحداث التي تجري على الأرض…. لست في وضعٍ يسمح بأن أُقدِّم قواتٍ جديدة”

١١/٧/٩٣ مصطفى سيريك – كبير أئمة البوسنة

“من الواضح لي أنّ هذه الحرب يُراد بها إذلال المسلمين …. إنها نوعٌ من انتقام العالم النصراني ينزل بنا الآن”

٢٨/٦/٩٣ مناقشة في مجلس العموم البريطاني بشأن استخدام القوة ضد العراق.. قال دوجلاس هيرد:

“في تقديرنا يمكن استخدام القوة في الدفاع عن النفس ضد تهديدات موجهة إلى المواطنين. وكان لهذه العملية ما يبرّرها، وهي ممارسة متناسبة مع حق الدفاع عن النفس، وتحذير لازم للعراق بأنّ إرهاب الدولة لا ولن يمكن احتماله”.

  وردَّاً على ذلك قال عضو البرلمان البريطاني المحافظ عن ستافوردشير – باتريك كورماك:

“الذين يقودون المخطط ويقترفون عملية الإبادة.. ينبغي على الأقل معاملتهم بخشونة مثل التي يُعامل بها من يخطط لموت رئيس دولة”

٢٧/٦/٩٣ منزيس كامبل  – المتحدث باسم الديمقراطيين اللبراليين:

“سوف يتساءل العرب في الخليج: لماذا كانت الولايات المتحدة راغبة في قصف المسلمين في بغداد، ولكنها راغبة عن حماية المسلمين في البوسنة؟”

٧٣/٦/٩٣ عمرو موسى – وزير الخارجية المصري:

“آمل أن تكون مواقف السياسة الأمريكية بهذا الحزم نحو جرائم الصرب في البوسنة التي ترتكب مخالفة للشرعيّة وكل المواثيق الدولية”.

٢٥/٦/٩٣ إيجوب جانيك – نائب رئيس البوسنة:

“الآن تدفع البوسنة ثمن عداوة الحكومة البريطانية للإسلام”

٢٢/٦/٩٣ فرانسوا ميتران – رئيس الدولة الفرنسي:

“هل سنُعطي قوات للأمم المتحدة كي تحمي مناطق آمنة؟ لو كنا مستعدين لذلك فيجب أن نمزق الآن أي إعلانات ونخطر البوسنة المسلمين ليدافعوا عن أنفسهم بوسائلهم.”

٢١/٦/٩٣ ثورفالد ستولتنبرج – مبعوث الأمم المتحدة في يوغسلافيا.

“يجب ألا ننسى أنّ المسلمين أيضًا قد استولوا على منطقة”.

٢٠/٦/٩٣ لورد أووِن – مبعوث السلام من المجموعة الأوربية إلى يوغسلافيا:

انتقد الرئيسَ علي عزت بيجوفيك لأنه لم يتشاور مع رئيسي الصرب والكروات، ثم قال: “سوف يكون صد الصرب أقل مما أمّلنا…. هذه حقيقة محزنة من حقائق الحياة، وإني لا أحبها”.

١٢/٥/٩٣ أنِّيكا سافيل – من صحيفة “إندبندنت” لندن:

“إنّ إمكانية قيام دويلة إسلامية في البوسنة على المدى الطويل.. مثل هذه “الميني دولة” ستكون محصورة ومحاطة بالدولتين الفاشيتين المناديتين بالنزعة القومية: الصرب والكروات. وإذا شعرت بقصور في المساندة الغربية أمكن أن يكون ذلك تربة خصبة للتطرف الإسلامي”.

١١/٥/٩٣ سناتور جوزيف بيدن – واشنطن:

“لا أستطيع الشروع في التعبير عن غضبي من السياسة الأوربية التي تطلب الآن من الولايات المتحدة أن تشارك فيما يعد بمثابة تنظيم للنصر الصربي …. دعونا لا نتكلف في كلماتنا. إن السياسة الأوربية تقوم على عدم التحيز الثقافي أو الديني لولا التعصب الأعمى، ولو كان المسلمون هم المعتدون لكان الموقف مختلفًا تماما …. هذا ليس أكثر من حرب أهلية كالتي حدثت في ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا في الثلاثينيات من هذا القرن. إنها إذن مسيرةٌ دموية فاشستية”.

٥/٥/٩٣ مالكوم ريفكايند – وزير الدفاع البريطاني

“إننا بكل تأكيد لن نقبل وضع قواتنا لتدفع بالصرب خارج المناطق التي أُخليت طبقًا لمشروع فانس – أووِن”.

٤/٥/٩٣   مصادر دبلوماسية بريطانية

“يُتوقع من المسلمين أن يفعلوا أي شيء للتحريض على التدخل العسكري الغربي …. إنّ للمسلمين تاريخًا في إثارة الاضطراب والمبالغة في مداه”.

٢٩/٤/٩٣ جون ميجور – رئيس الوزراء البريطاني:

“إننا بحاجة إلى تقليب الرأي بعناية في مضامين الضربات الجوية أو رفع الحظر عن الأسلحة …. ينبغي أن يكون في الذهن الحاجة إلى تعزيز الجهد الخيري بصفة خاصة”.

سراييفو: مدينةٌ تتشبث بالحياة

قامت صحيفة “إندبندنت” البريطانية بحملةٍ صحفية للعمل على تحرير العاصمة البوسنية من الحصار. لقد عاد أندرياس هويتام سميث توًّا من المدينة. وهو هنا يصف الأحوال التي روعته، ويقترح كيف يمكن تخفيفها.

توقف تدمير المدفعية الصربية لسراييفو، ولكن الحصار مستمر. ويا له من حصار!!. ويصعب على عقل الأوربي الغربي أن يتصوّر كيف جُرِّدوا تماما من كل أسباب الحياة الأساسية، لقد حُرِمت سراييفو مما هو أكثر من الطعام والدفء والإضاءة.

ويتوقف استمرار فترة الحصار على المفاوضات الجارية في جنيف. كما تتوقف شدة الحصار جزئيا على الأمم المتحدة نفسها، فهي في الواقع تنظم الحصار كجزء من الصفقة الفظيعة التي عقدتها مع قادة الصرب لتحييد جبل “إجمان” المطل على المدينة. ويبدو أن الأمم المتحدة قد التزمت بالمحافظة على الوضع الراهن في مقابل مغادرة القوات الصربية للجبل.

وبالرغم من كل ما قرأت، وكل تقارير “أندبندنت”، وكل الصور التلفازية التي شاهدتها .. هالني ما رأيت في زيارة قصيرة للمدينة آخر الأسبوع.

متوسط النقص في وزن الفرد الواحد خلال ١٧ شهرا مضت بلغ ١٥ كيلو جرامًا

تحصل سراييفو على طعامها فقط من المؤن التي تحملها طائرات الأمم المتحدة. وحمولة الطيران تمد الفرد بثلاثمائة جرام من الطعام كل يوم، وهذا المقدار يعادل نصف الحد الأدنى لبقاء الفرد حيًّا بمعيار الصحة العالمية وهو من ٦٠٠ – ٦٥٠ جم. والنتيجة الطبيعية هي فقدان الوزن. ومن المحرج للمرء أن يبدو سمينًا في سراييفو.. لأن الناس يحسبونه متعاملاً مع السوق السوداء.

إن نقص الوزن يعني نقص الطاقة. والآن أصبح نقل علبتين من الماء إلى الطابق الأول صراعًا مجهدًا. أثناء مسرحية سوزان سونتاج: “انتظار جودوت” التي تُعرض في المدينة .. كان الممثلون يجلسون على الأرض بين فترات ظهورهم على المسرح توفيرًا لقوّتهم. ولو استمر الحصار لشتاءٍ ثانٍ فلسوف يموت عدد كبير من الناس كنتيجة مباشرة لذلك. الناس أضعف وأقل مقاومة عما كانوا في العام الماضي. وبالرغم من الاهتمام الرائع بالأحوال الصحية بدأت أمراض الحصار الأولى في الظهور وهي الدوسنتاريا والسالمونللا والتهاب الكبد.

إمدادات الماء والكهرباء والغاز مقطوعة

تعتمد إمدادات الماء على مضخات كهربائية. ومحطة التوليد يطوّقها القتال. وكذلك الحال بالنسبة لإمدادات الغاز الطبيعي. ويُعتقد في سراييفو أنّ الصرب يفتحون ويغلقون مصادر الطاقة كما يحلو لهم. ولا يملك الناس إلا أن يتساءلوا: هل رادوفان كاردزك (زعيم الصرب في البوسنة، العالِم النفسي المحترف سابقًا) يلعب معهم لعبة القسوة. إنهم يجوبون المدينة بعُلب الماء على عجلاتٍ صغيرة بحثًا عن صنبور يزودهم بقطرات من الماء. أمّا في المناطق التي تعتمد في وقودها على الفحم أو النفط فقد رتّبوا وصلات مع شبكة الغاز الطبيعي بوسائل خطيرة. فترى خراطيم الحدائق تتلوّى بين الأدوار السفلى إلى داخل المساكن. ويقضي الناس طول يومهم يتصيّدون الجرايات الخيريّة، ويبحثون عن الماء، ويقطعون الأخشاب ويجمعون أي شيء يبدو مفيدًا.

لا عمل بأجر ولا تأمين اجتماعي

لقد توقفت الأعمال والأنشطة المدنيّة فعليًا. ولا تزال تعمل مستشفيان فقط وصحيفة واحدة، وفندق وخدمة مكافحة الحريق والإنقاذ. هذا هو كل ما هنالك. والوظائف في هذه الأعمال تعود بأجرٍ زهيد لا يستحق الذكر. والناس يسعدون بالعمل لأنه يشغل تفكيرهم، وربما كفل لهم بعض الطعام. وأساسًا فإنّ سراييفو مدينةٌ بلا دخل.

النقود فقدت معناها

عندما أخبرني أحد الأطباء أنّ دخله الأسبوعي يمثل قوة شرائيّة تعادل ٢٠ سيجارة .. أدركت أني أحمل في جيبي قدرًا من العملة الصعبة يحتاج هذا الطبيب عشر سنوات ليجمعه بحسب هذا السعر. وهو يعتمد -كما يفعل غيره- على المعونة الخيرية المجانيّة. ولكن السعر الجاري الذي يدفعه الزائرون -وهم غالبًا من الصحفيين- للسائق والسيارة أو للمترجم هو ١٠٠ دولار في اليوم. وبهذا المفهوم فقدت النقود معناها وأصبحت النقود وشراء البضائع من ذكريات ما قبل الحرب عند معظم الناس. وأصبحت السوق السوداء -بمفهوم عكسي- هي وحدها الشيء الطبيعي.

لا أمن ولا أمان

طلقات القناصة من مساكن الصرب وجوانب التلال مستمرة ليلاً ونهارًا. وفي كل يوم يُصاب شخصٌ واحد على الأقل بطلقةٍ نارية قاتلة. وتخرج حفنةٌ من الناس بجراح. عليك أن تتجنب خطوط النار بقدر المستطاع وتُسرع في الجري، ولا بديل لذلك. في الأسبوع الماضي عبرت طلقة حجرة الطعام المزدحمة في الفندق، وارتمى الموجودون على الأرض فلم يُصب أحد. وأراني المدير العام للمستشفى قذيفة مضادة للطائرات مغروسة في ورق التقويم المعلق على الجدار فوق رأسه. قال إنها مرت أمامه منذ بضعة أيام وهو في عمله. وقام برفع الستار من النافذة ليُريني المكان الذي يُحتمل أن كان القناص واقفًا فيه، ويقع على بعد ٢٠٠ متر وراء سور الجبانة. وهناك في خلفية الضوضاء بالمدينة يمكن سماع الأصوات المكتومة لقذائف الهاون المستمرة. والاختطاف يتهدد كل إنسان سليم الجسم. إنهم يمسكون بهم لحفر الخنادق عند الخطوط الأمامية ويتغيبون هناك لشهور أحيانًا.

وسائل المواصلات العامة غير موجودة

الحافلات وعربات الترام المحطمة تعطل الطرق، والسليم منها لا يجد الوقود ولا الطاقة لتشغيله. تحدثتُ إلى ممرضة تعمل في نوبات يومية “٢٤ ساعة عمل ثم ٢٤ ساعة راحة” سألتُها: كم يبعد سكنك من هنا؟ قالت: ٦ كيلو مترات. كيف تنتقلين؟ على الأقدام. أليس ذلك خطرًا؟ بلى، شديد الخطورة. هل تجرين عندما يتعرض الطريق لرصاص القناصة؟ لقد اعتدت العد ولكني الآن أسير متوكلة على الله.

وفي الجبانة مئات القبور الحديثة بدون عناية لأنه من ناحية لا توجد وسائل مواصلات عامة للمجيء إليها، ولأن المحافظة على الحياة بشقِّ الأنفس لا تترك لأحد وقتاً من ناحية أخرى، ولأن الجبانة معرضة لضربات القناصة من ناحية ثالثة.

المدارس والكليات مغلقة

لم يكن هناك تعليم على مدار السنة الماضية إلا ما يجري في جماعات التعليم الذاتي، لقد أصبح الأطفال والشباب خبراء في الحرب، يستطيع أحدهم على الفور أن يخبرك من صوت القذيفة بنوع السلاح الذي انطلقت منه، وهل القذيفة قادمة أم ذاهبة، وعيار مصدرها. لقد علّمهم الجنود العائدون من الجبهة. إنه جيلٌ غير متعلم.. يعرف كل ما يدور حوله.

لا اتصال مع العالم الخارجي

في طريقي إلى خارج الفندق سألني عامل الاستقبال أن أضع رسالة له في صندوق الرسائل عندما أُغادر سراييفو. وطلبت مني إحدى السيدات أن أقوم باتصال تليفوني مع ابنها الشاب في إنجلترا. لا تستطيع إجراء مكالمة هاتفية إلى خارج سراييفو، ولا أن تُرسل أو تستقبل رسائل فاكس.. (ويعتمد الصحفيون على الاتصالات بالأقمار). وليس هناك خدمة بريدية. وأثناء تفتيش حقائب الصحفيين المغادرين لسراييفو قام رجال الجمارك في حماسٍ مبالغٍ فيه بمصادرة ما معهم من الرسائل كيلا يُرسلوا بها من خارج المدينة.

والاتصالات حاجةٌ أساسية كالماء والكهرباء. إنها ضرورة أخرى لا تحتاج إلا إلى الضغط على زر لتشغيلها. الناس هنا مشتاقون إلى سماع صوت أهليهم وأصدقائهم، أو تلقي أخبار عنهم. كثيرٌ منهم لم يتلقَّ أي أخبار عنهم. كثيرٌ منهم لم يتلقَّ أي خبر لأكثر من عامٍ مضى.

صحة وسلامة وأمن المواطنين في سراييفو تحت التهديد.. وكذلك أيضًا احتمالهم وتسامحهم المعروف. في المدينة القديمة بين المباني المحطمة، عبر الطرقات الخالية والمغطاة بكسر الزجاج المتناثر .. يستطيع المرء أن يجد أجمل المساجد في البلقان، ومعبدًا وكاتدرائيّة كاثوليكيّة وكنيسة أورثوذكسيّة .. كلها على مسيرة خمس دقائق من بعضها البعض. كانت هذه البلد جزيرة للتسامح في بحرٍ من العواطف القوميّة. إنها لا تزال هكذا عندما وصلتُ يوم السبت الماضي. في اليوم التالي بعد لقاء حاسم في البرلمان البوسني .. قُدِّمتُ إلى ثلاثة من قادة الجيش البوسني: أحدهم كرواتي، والثاني صربي، والثالث مسلم .. والأفضل القول ثلاثتهم بوسنة: أحدهم مسلم والثاني كاثوليكي والثالث أرثوذكسي. حكوا لي بعض الفكاهات عن كيف يجري ذلك أثناء لقاءات وقف النار مع أعدائهم. ولا يجد أحد أي غرابة في أن يكون رئيس الجلية صربيًا في جلسات البرلمان الحاسمة التي يتجادلون فيها حول وجود البوسنة نفسه.

في المستشفى الرئيسي طرحتُ سؤالاً في حجرة مزدحمة بالأطباء والممرضات: ما هي هويتكم الدينيّة؟ فإذا بهم يمثلون كل المذاهب والطوائف. سيدة مسنة كهلة ترتدي الملابس الريفية للمسلمين، عملت كمعاونة منزلية، أخبرتني أنها تريد البقاء في منطقة مسلمة. وقال الطبيب الصربي مثل ذلك عن المنطقة الصربيّة.

أهل سراييفو عاشوا الديمقراطية الأوربيّة الغربية، ويفترضون أنَّ “أوربا” التي اكتشفت مأزقهم ينبغي عليها إنقاذهم منه. قالوا: لو عرف الناس ما كان يجري هنا لفعلوا شيئًا ما. تخيَّلوا إزالة الغشاوة عن عيونهم اليوم. التسامح يصيبه الضعف. وقع صاروخ أخيرًا في ملعب كرة قدم فقتل من اللاعبين والمشاهدين وفيهم أطفال. وعلى الفور قامت قوة الأمن المحلية فأحاطت بالصرب المحليين واتهمتهم بتزويد الرُماة والقناصة فوق التل بالمعلومات. وأخبروا الصرب أنهم مشتبه فيهم وضيَّقوا عليهم.. وأخيرًا أطلقوا سراحهم.

والآن ما الذي ينبغي أن نحثَّ حكومتنا لتفعله، ومن خلالها نحثُّ الأمم المتحدة؟ يجب أن تأخذ الإجابة الموقف العسكري في الحسبان. لقد حارب جيش البوسنة جيدًا منذ مايو الماضي وسجل سلسلة من النجاحات ضد الكروات الذين تُوجِّههم قيادة سيئة. ولكن حكومة البوسنة تحت قيادة علي عزة بيجوفيك تُسيطر فقط على20% من أرض البوسنة. ويُعاني جيشها نقصًا في الغذاء، وفي ذخيرة الأسلحة التي استولوا عليها من قوات الصرب والكروات. قادة الجيش واقعيون، ويعترفون بمدى صعوبة المحافظة على ما بأيديهم.

ماذا يستطيع الغرب فعله للمساعدة؟

  • ينبغي على دول الغرب أن تُقدِّم مزيدًا من المعونات الخيريَة الإنسانيّة عبر مطار سراييفو، فيرسلون 15 رحلة يوميًا في المتوسط (علمًا أنّ سعة المطار تسمح باستقبال 30 رحلة يوميا). يمكن تخفيف الجوع حقًا بهذا المقياس وحده. إنَّ الأمر لا يحتاج تغييرا في سياسة الأمم المتحدة أو استصدار قرار منها. ما عليهم إلا أن يتصرفوا ويعملوا.
  • فيما يتعلق بتوليد الكهرباء وإمدادات الغاز الطبيعي والمواصلات الهاتفية والبريد.. فإنَّ تغييرًا متواضعًا في السياسة يعود بفوائد رائعة. وكما تمكنت الأمم المتحدة من الاحتفاظ بمطار سراييفو لتأمين بعض قوافل الإمدادات الخيريّة.. يمكنهم بنفس الطريقة استعمال الدبلوماسيّة -يساندها تحذير جاد معقول- للسيطرة على المرافق العامة في سراييفو. يجب أن تدبَّ الحركة في سراييفو للعمل.
  • فتح الطريق إلى سراييفو من جهة بحر الإدرياتيك ضروري. المعارك الشديدة حول مدينة موستار يحُول الآن دون ذلك. ولكن سيأتي الوقت الذي تُنشر فيه قواتٌ محدودة فتضمن مرور القوافل. لقد أثبتت القوات البريطانية صلابةَ في إطلاق النار عند تعرُّضها لإطلاق النار في الماضي، ولم يخلقوا بذلك متاعب دبلوماسية.
  • عندما يتم هناك اتفاق بين الأطراف الثلاثة في جنيف.. يجب الإسراع في تنفيذ فقرات الاتفاقية الخاصة بوضع سراييفو كمدينة حرة لمدة عامين تحت حماية الأمم المتحدة. سيحاول الصرب والكروات تأجيل بحث موضوع سراييفو إلى آخر الأمر، ولكن يجب أن يكون هذا أول شيء.. لأن سراييفو تصون الأهداف التي أوشكت الأمم الغربية -بالميثاق أو المعاهدة- أن تضع توقيعها عليها.

المصادر:

الصحف الوطنية بالمملكة المتحدة

تقارير منظمة العفو الدولية:

  • رانا أ دوسي: جرح الروح ERU 63/03/93   Jan ’93
  • الاغتصاب والإيذاء الجنسي في القوات المسلحة ERU 63/01/93 Jan ’93
  • البوسنة: الإساءات المتبادلة لحقوق الإنسان ERU 63/01/93 Oct ’92
Share via
تابعونا على الفايس بوك