فكر في قولي يا من أنكرني

فكر في قولي يا من أنكرني وحرك قدمك لله الواحد، ودع التذكر للمعاهد

أيها العزيز.. أقصّ عليك قصتي إن استمعتَ، وحبّذا أنت لو اتّبعتَ. قد سمعتَ كلام الذين بادروا إلى تكفيري، فأوضح لك الآن معاذيري، وإن شئتَ فكُنْ عذيري أو من اللائمين.

إني امرؤ من المسلمين، أؤمن بالله وكتبه ورسله وخيرِ خَلْقِه خاتَمِ النبيين. لستُ من الذين يجترئون على خلاف المأثور من خير الكائنات، بل من الذين يخافون ربهم ويطهّرون الخطراتِ. بيد أني أُعطيتُ مقاماتِ الرجال، وعلّمني ربي فهداني إلى أحسن المقال، وجعلني مهديَّ الوقت ومن المجددين. فما فهِم المكفّرون كلامي، وكفّروني قبل التدبر في مرامي، فقلتُ واللهِ لستُ بكافر ويعلم ربي إسلامي، فما تركوا قول التكفير، بل أصرّوا على ما فعلوا وظلموا في التقرير والتحرير، وقالوا كافر كذّاب، ونتربّص عليه العذاب. والله يعلم أنهم من الكاذبين المفترين، أو الجاهلين المستعجلين. أافتريتُ على الله بعدما أفنيتُ عمري في مساعي الدين، حتى جاوزت الخمسين؟ وحماني مُقْلةُ ربي من سُبل الشياطين، وما كانت مُنْيتي في مدّة عمري إلا حماية دينِ خيرِ الأنام وإعلاء كلمة الإسلام، وكفى بالله شهيدا وهو خير الشاهدين.

يا ربّ.. يا ربّ الضعفاء والمضطرّين، ألستُ منك؟ فقُلْ وإنك خير القائلين. كثُر اللعنُ والتكفير، ونُسِبْتُ إلى التزوير، وسمعتَ كله ورأيتَ يا قدير، فافتَحْ بيننا بالحق وأنت خير الفاتحين. ونَجِّني من علماء السوء وأقوالهم، وكِبرهم ودلالهم، ونَجِّني من قوم ظالمين. وأَنْـزِلْ نصرًا من السماء، وأَدْرِكْ عبدك عند البلاء، ونَـزِّلْ رجسك على الكافرين. وصرتُ كأذلّةٍ مطرودَ القوم ومورد اللوم، فانصرنا كما نصرتَ رسولك ببدرٍ في ذلك اليوم، واحفَظْنا يا خيرَ الحافظين. إنّك الربّ الرحيم، كتبتَ على نفسك الرحمة، فاجعل لنا حظًّا منها وأَرِنا النصرة، وارحمنا وتُبْ علينا وأنت أرحم الراحمين.

ربّ نجّني مما يقصدون، واحفَظْني مما يريدون، وأَدْخِلْني في المنصورين. ربّ فَرِّجْ كربي، وأحسِنْ منقلبي، وأظفِرْني بقُصْوى طلبي، وأَرِني أيام طربي، وكُنْ لي يا ربّي، يا عالِمَ همّي وأَرَبي، وصافِني وعافِني يا إلهَ المستضعَفين. كذَّبني كلُّ أخِ الترّهات، وكفّرني كلُّ أسير الجهلات، وما بقِي لي إلا أن أنتجع حضرتَك، وأطلب عونك ونصرتك، يا قاضِيَ الحاجات، لعلّك تردّ نهاري بعد أن صغَتْ شمسي للغروب، وضجِر القلب من الكروب. ووالله ما تَأَوُّهِي لِفَوْتِ أيامِ السرور ولا للتنعم والحبور، بل للإسلام الذي صال عليه الأعداء، وأفَلَتْ شموسُه وطالت الليلة الليلاء، وظهرت المداجاةُ في فِرق الإسلام والتفرقةُ في أمّة خير الأنام. وأمّا الكفّار وأحزاب اللئام، فقد انتظموا في سِلك الالتئام. والحسرة الثانية أن فينا العلماء والفقهاء والأدباء، ولكنهم فسدوا كلهم وأحاطت عليهم البلاء، إلا ما شاء الله. ربّ فارحَمْ وتقبَّلْ منّا دعاءنا، وإليك الشكوى والتجاء*. يقولون إنّا نحن أعلام الدين وعمائد الشرع المتين، ولكني ما أرى فيهم أحدًا كذي مِقْوَلٍ جَرِيٍّ، خادمِ دينِ نبيِّنا كمُحِبٍّ وليٍّ، بل سقطوا في الشهوات والأهواء والدعاوي والرياء، وما أجد أكثرهم إلا فاسقين. وكنت أخال في رَيْقِ زماني أنهم أو أكثرهم من أعواني، ولكنهم ولّوا دبرهم عند الابتلاء، وكان هذا قدرًا مقدّرًا من حضرة الكبرياء، فالآن أُفرِدتُ كإفراد الذي يبيتُ في البيداء، أو كالذي يقعد في أهل الوبر وسكان الصحراء، فالآن قلّتْ حيلتي وضعفت قوّتي، وظهر هواني على قومي وعشيرتي، ولا حول ولا قوّة إلا بك يا ربّ العالمين. إليك أنبتُ، وعليك توكّلتُ، وبك رضيتُ. ربّ فاستُرْ عَوراتي، وآمِنْ رَوعاتي، ولا تذَرْني فردًا وأنت خير الوارثين. بِيدك البذلُ والعطاء، والعزُّ والعلاء، وإذا أتيتَ فلا يأتي البلاء، وإذا نزلتَ فلا ينـزل الضرّاء. وأشهد أن لا إله إلا أنت، ولا رافِعَ إلا أنتَ، ولا دافِعَ إلا أنتَ، عليك توكّلتُ، وبحضرتك سقطتُ، وأنت كهف المتوكلين. أَحْسِنْ إليّ يا مُحسني، ولا أعلم غيرك من المحسنين. وصلِّ وسلِّمْ على رسولك ونبيّك محمد وعَظِّمْ شأنه، وأَرِ الخَلق برهانه، إنّا جئناك لدينه باكين. تعلم ما في قلوبنا، وتنظر ما في صدورنا، وإنّا معك طوعًا، وما ندّخر عنك صدقًا وروعا، وما كنا أن نهتدي لولا أن هديتَنا، وما وجدنا إلا ما أعطيتَنا، فلا حَمْدَ إلا لك، ويرجع إليك كل حمد الحامدين. إنّك ربّ رحيم، وملِكٌ كريم، فمن جاءك ووالاك وأحبّك وصافاك، فلا تجعله من الخائبين. فبشرى لعبادٍ أنت ربهم، وقومٍ أنت مولاهم، سبقتْ رحمتُك غضبَك، ولا تُضيّع عبادك المخلصين، فالحمد لك أوّلاً وآخرًا وفي كل حين.

(نور الحق)

* سهو، والصحيح: الالتجاء. (الناشر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك