دور الأسرة في الرقي الاجتماعي

دور الأسرة في الرقي الاجتماعي

 

الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع.. وهي مجتمع مصغر في حد ذاتها.. وهي أداة الوصل بين الأفراد والمجتمع.. وهي الوسط الإنساني الأول الذي ينشأ فيه الطفل ويكتسب سلوكا يمنحه التوافق مع نفسه ومع الآخرين.

وفي عصرنا الحالي قد زاد الحديث حول مسألة الاهتمام بالأسرة التي أصبحت من القضايا العالمية الأساسية.. ولهذا الغرض أُنشأت هيئات ومنظمات محلية ودولية انكبت على التأكيد على أهمية دور الأسرة في إنشاء مجتمع راقٍ ومتحضر.

ففي واقع الأمر إن رعاية الأبناء لمن الأمور التي يجب أن تتضافر لها جهود الآباء والأمهات وأهل العلم والدعاة والتربويين وغيرهم الكثير ممن يديرون المؤسسات التربوية والتعليمية على مختلف أنواعها، من أجل بناء أسرة صالحة.

وتلعب الأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأبناء منذ ولادتهم في تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وللوالدين مسؤولية كبيرة في هذا المجال.. فالأبناء هم في الحقيقة أمانة في عنق والديهم لذلك يجب التركيز على التربية داخل المنزل.

فالسنوات الأولى من حياة الطفل هي الأساسية في تحديد سلوكه حيث أن قلبه الطاهر هو بمثابة جوهرة نفيسة خالية من كل نقش بل وقابل للنقش. ويعتبر إهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أسوأ العواقب.. كما أن انحراف الأسرة من أخطر الأمور التي تولد انحراف الأبناء. لذلك ينبغي تعويد الأبناء منذ صغرهم على الأمور الأساسية إضافة إلى مجموعة من التوجيهات التربوية لحمايتهم من الانحراف، لكي ينشأوا نشأة صالحة ويعيشوا حياة سعيدة. وإليكم فيما يلي بعض النصائح لتحقيق هذا المرام:

  • التركيز على التربية الأخلاقية والمثل العليا.
  • التركيز على أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأبنائهما .
  • تعريف الأبناء بأمور الدين وعرضها عليهم بأسلوب يناسب عقولهم.
  • فهمُ شخصية الأبناء ومنحهم الثقة بالنفس.
  • الاحترام المتبادل مع الأبناء وتنمية الوعي والصراحة والوضوح لديهم.
  • تخصيص وقت كافٍ للجلوس مع الأبناء والنقاش معهم حول مواضيع شتى.
  • إشراك الأبناء في القيام بأدوار اجتماعية وأعمال نافعة.
  • عدم استعمال أسلوب التهديد بالعقاب الدائم للأبناء متى قاموا بخطأ من غير قصد.. بل يجب فهم المشكلة بهدوء وحكمة، ومحاولة التغلب على الخطأ بالعقل والنصيحة والترغيب والترهيب.
  • التشجيع الدائم وتقديم المكافآت التشجيعية أحيانًا كلما قدموا أعمالاً جيدة ونبيلة.
  • عدم إظهار النزاعات والخلافات التي تحدث بين الوالدين أمام سمع الأبناء.
  • يجب أن يكون الوالدان بمثابة الأصدقاء لأبنائهم وهذا ما يساعد في إنشاء علاقة متينة بين الأبناء وآبائهم.
  • الصبر وطول البال في تربية الأبناء، وتحمل ما يحدث منهم من عناء أو عصيان، والدعاءُ لهم دائمًا بأن يصلح الله بالهم ويهديهم لما يحبه ويرضاه.

قد تطول قائمة النصائح حول موضوع بحثنا حيث إنّ مجتمعات كثيرة تعاني من آفات أخلاقية ومادية عديدة، لذلك رأينا أنه من الأجدر التعليق حول الموضوع بصفة عامة. ولا يسعنا ونحن بهذا الصدد إلا أن نذكر عن تدني العلاقات الزوجية في بلدان شتى. فالعطاء الذي يعتبر أحد القيم المحورية في الزواج والذي يُشعر الطرفين بسعادة غامرة عندما يتبادلانه بالأخذ والعطاء بلا حدود. نجده ولسوء الحظ في كثير من العلاقات الزوجية وكأنه نهر متدفق في اتجاه واحد وتبلغ أنانية الطرف الآخر إلى الاستحواذ على هذا العطاء والتمادي في الأخذ فقط.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تستمر الحياة الزوجية بين زوجين أحدهما يعطي ولا يأخذ والآخر يأخذ ولا يعطي؟ وأنا أخط هذه السطور خطر في بالي ابن عمي المسكين الذي ذاق الأمرّين خلال تجربة زواجه الفاشل حيث تعلم في آخر المطاف أنه لابد أن يكون للعطاء حدود.. وأن كل إنسان في الدنيا لابد أن يأخذ ويعطي.. فالسعادة لا ينالها إنسان يأخذ ولا يعطي أو عكس ذلك.. لأن هذا سيُشعره بألم ومرارة.. يحكي ابنُ عمي المسكين تجربته الحزينة ويقول: ارتبطت بزوجتي التي أحببتها ومنحتها كل الحب والحنان والتقدير.. إذ أنني إنسان معطاء منذ كنت صغيرًا حيث اكتسبت هذه الصفة من أهلي.. ومنذ أن بدأت حياتي الزوجية بدأت ممارسة دوري كزوج مسؤول عن بيته. كنت أعطي كثيرًا وأتغاضى عن أشياء كثيرة كانت تصدر عن زوجتي.. ومنذ الشهور الأولى بدأت أحس أنني أعطي ولا أحصل على أي مقابل.. أعطي الحب الكبير.. والهدايا الفاخرة والحنان والاهتمام بمتطلبات عش الزوجية وتوفير الطلبات المنزلية.. وتخصيص مبالغ للإجازة الصيفية والشتوية أيضًا.. هذا علاوة على الطلبات المادية العديدة دون أن أشكو لحظة من هذا.. ولكن ذات يوم وقعت مشكلة بيني وبين زوجتي على أمر تافه لا يستحق الذكر.. وكان رد فعلها غير متوقع.. فبسبب عدم قدرتي مرة واحدة على تلبية إحدى رغباتها ثار غضبها وكاد هذا الأمر يؤدي بنا إلى الطلاق لولا أن تدخل بعض أفراد الأسرة. ذُهلت من هذا الموقف بل بالأحرى أفقت من سباتي على حقيقة مؤلمة.. وهي أنني في غمرة حبي للعطاء المطلق نسيت ذاتي ومتطلباتها.. ونسيت أن أحصل على أي مقابل.. ولكنني أعترف أنني أنا المخطئ لأنني عوّدتُ زوجتي على العطاء المستمر.. أنا أعطي وهي تأخذ فقط دون أن تعطي، وقد تمادت في الأخذ دون أن أطلب منها مقابلاً.. وأخيرًا أدركت أن الحياة الزوجية هي حياة لابد أن تقوم على الأخذ والعطاء..

لذلك عزيزي القارئ تجدنا دائما نؤكد على تركيز وتطبيق مبدأين: العطاء المتبادل والاحترام المتبادل بين الزوجين وأبناءهم بصفة خاصة وبين أفراد الأسرة وباقي أفراد المجتمع بصفة عامة. ولن يبلغ العطاء والاحترام ذروتهما إلا إذا رُوعي من خلالهما تقوى الله ، التي هي أساس الأخلاق الحميدة وكل عمل نبيل يقوم به المرء. فاتق الله وافعَلْ ما شئتَ.

وعلى رأي المثل: العقل السليم في الجسم السليم.. ونضيف إليه: الأسرة السليمة في المجتمع السليم!!

مساهمة الأخت: م.ب (تونس)

Share via
تابعونا على الفايس بوك