القرار غير الشرعي وانتصار الأحمدية
التاريخ: 1985-05-17

القرار غير الشرعي وانتصار الأحمدية

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة ألقاها حضرة مرزا طاهر أحمد نصره الله الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود بتاريخ 17 أيار/مايو 1985م في مسجد “الفضل” بلندن (القسط الأول)

نقلها إلى العربية: عبد المجيد عامر

“تنشر أسرة التقوى هذه الخطبة على مسؤوليتها”.

أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/4/1984 حكماً عسكرياً غاشماً يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية الإسلام، أو الصلاة على النبي ، أو رفع الأذان للصلاة، أو قراءة القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين، إشارة أو صراحة، شفوياً أو كتابة، أو تسمية مساجدهم مساجد!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيباً باسم “القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام” لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة وسمّت حكومته هذا الكتيب “البيان الأبيض” وكان الأجدر أن يطلق عيه “البيان الأسود” لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوّد وتشوّه وجه الإسلام الأغر.

ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا مرزا طاهر أحمد – أيده الله بنصره العزيز- بالرد على هذا “البيان الأسود” محللاً ومفنداً بعون الله كل أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م .. ننشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين، وهذه هي الخطبة السابعة عشرة منها.

لقد تشرَّف بترجمة هذه الخطبة الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعها الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) (آمين)

أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ* وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ* إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (سورة الأنعام: 115-118)

لقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وغيرها وبوضوح تام أنه فيما يتعلق بالتمييز بين الحق والباطل، والحكم بين الصدق والكذب فلا أهمية للكثرة العددية إطلاقاً، بل تكون الأكثرية في معظم الأحيان على الخطأ. وهذا ما نلاحظ أنه لو اتبع الإنسانُ الأغلبية لضلَّ في غالب الأحيان. فمن الخطأ الفادح اعتبار الأمر حقاً بناءً على الكثرة العددية فقط، بل هناك طرق أخرى للتمييز بين الحق والباطل.

الأمر الأخير الذي قُدّم بكل قوة في البيان الأبيض المزعوم الذي نشرته حكومة باكستان هو اعتزازهم على كثرتهم العددية. فأعلنوا في العالم بكل فخار أنهم يشكلون الأكثرية العددية ضد الأحمدية في الشعب وفي البرلمان أيضاً، وأن الأمر لا يقتصر على الأكثرية فقط بل إن الشعب كله قد أجمع ضدها، والقضية التي كانت عالقة منذ مائة عام قد حلّها مجلس الشعب بالإجماع، فلا حاجة إلى دليل آخر بعد ذلك على كون الأحمدية كاذبة.

الأكثرية والسواد الأعظم

الواقع أن إجماع العلماء أو الشعب على أمرٍ ليس أبداً ذلك السوادَ الأعظمَ الذي ذكره سيدنا ومولانا محمد . فالعلماء الكبار والصلحاء الأسلاف، بدءاً من سيدنا علي إلى يومنا هذا، ما زالوا يصرحون بوضوح تام أنه فيما يتعلق بالسواد الأعظم الذي ذكره النبي فلا يعني أنه لو سلكتْ الأغلبية من الشعب أو العلماء مسلكاً واحداً لشكلت السوادَ الأعظم ولاعتُبِر قولهم صائباً في كل الأحوال. بل صرح سيدنا علي بعكس ذلك وقال ما معناه: إذا كنتَ وحيداً وكنتَ على الحق فإنك أحق بالاتباع، ورأي الأكثرية في هذه الحالة مرفوضٌ.

وهناك كثير من الصلحاء الأسلاف بمن فيهم الإمام الرازي، والإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم وغيرهم من العلماء الربانيين الذين بحثوا في هذه القضية وصرحوا بأنه لا أهمية للأكثرية العددية للتمييز بين الحق والباطل، ويقولون بوضوح تام: إن الشخص الوحيد الذي يكون على الحق أحق أن يُسمى بالسواد الأعظم، ولا سواد أعظم دونه. لذا فقول معارضينا: بما أنهم يشكلون الأكثرية العديدة والجماعةُ الأحمدية أقليةٌ قليلةٌ لذا فقد تم الإجماع العظيم الذي يدعمه الإسلام، ليس قولاً صحيحاً إطلاقاً.

قرار البرلمان ليس وثيقة شرعية

هناك مقتبسات كثيرة في هذا الصدد ولكنني أترك بعضها جانباً خوف التطويل وسوف أقرأ لكم بعضاً منها فقط. ولكنني أود أن أذكر للقراء الكرام أن هناك “بياناً أبيض آخر” أيضاً نشرته الحكومة نفسها عن البرلمان الذي يعتزون به اليوم ويقدمون قراره كوثيقة شرعية. فلا بد أن نرى أيضاً رأي الحكومة الحالية عن الأكثرية من أعضاء البرلمان الذين يُعتبر قرارهم وثيقةً شرعية.

فلو صادفتم قراءة قصص سلوكهم في “البيان الأبيض” المنشور عنهم لانتابتكم حيرة لا مزيد عليها. إنني سوف أقسم هذا الموضوع إلى ثلاثة أقسام، أوله يخص رئيس الوزراء آنذاك ذو الفقار علي بوتو وبعضاً من الوزراء الكبار، ويتناول أعضاءَ البرلمان آنذاك اسماً اسماً، ثم يذكر سلوكهم ومكانتهم الدينية وأخلاقهم وتصرفاتهم الشخصية.

وما أبشعه وما أفظعه من بيان عن الذين يُعاد إليهم اليوم “الفضل العظيم” لتكفير الأحمديين. وحالتهم الدينية كما بينتها الحكومة – التي نشرت البيان الأبيض المزعوم ضد الأحمدية – أمر لا أقدر على بيان تفاصيله أمامكم لأنه يحتوي على أمور يندي بقراءتها جبين الإنسان حياء وخجلاً، فلا يسعه إلا أن يلغي القراءة، ولكنني مضطر لتقديم بعض النماذج منها.

تصرفات منحطة

لا أريد الخوض في تفصيل الأمور التي وردتْ واحدة بعد أخرى في “البيان” مصحوبة بذكر أسماء أصحابها، لأن هناك كثيرين منهم على قيد الحياة، فلو ذكرتُ على الملأ أسماءهم والأمور التي نُسبت إليهم لكنتُ من الذين يوافقون على نشر ذلك البيان، في حين إنني أخالف رأي الحكومة في هذا الأمر مبدئياً، ولا أوافق على أن تشوِّه الحكومة – أياً كانت – سمعة مواطنيها بشكل من الأشكال. لو كان المتربعون على زمام الأمور يملكون شيئاً من الخُلق والقيم الإنسانية لكان الأجدر بهم – بدلاً مما فعلوا – أن يحاكموا الذين يحسبونهم مجرمين في المحاكم المكشوفة، ثم كان الأحرى بهم أن يقدموا للملأ حصيلة تحقيق المحاكم. مما لا شك فيه أن القرارات التي تتخذها المحاكم تحت ضغط الحكام أيضاً تفقد مصداقيتها أحياناً غير أن هذا هو الطريق الأنسب الذي يمكن أن يقبله العالم المتحضر بشكل من الأشكال. أما لو بدأ المتربعون على زمام الحكومة بتشويه سمعة مواطنيهم وإلصاق التهم البذيئة بهم بدلاً من عرضهم على المحاكم فلا أقبل هذا المبدأ لذا لا أستطيع أن أقرأ هذه القائمة والتهم الموجهة إلى كل واحد منهم اسماً اسماً. ولكنني أخبركم أن السيد كوثر نيازي (الوزير الأسبق للأوقاف والشؤون الدينية والحج والرفاهية العامة) يحتل رأس هذه القائمة علاوة على السيد ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء السابق. ثم يليهما السيد ممتاز بوتو وهو ابن عمّ ذو الفقار علي بوتو ولا يزال على قيد الحياة. ويليهم السيد مصطفى كهر ويحتل مكانة بارزة بين الأسماء الواردة في القائمة. ثم ذكر اسمُ السيد صادق حسين القرشي بصورة جلية أيضاً. ويليه نصر الله خان ختك، وعبد الوحيد كتبر، وجام صادق علي. هذه قائمة أولئك الذين ذُكرت أسماؤهم مقرونة بتهم شنيعة وفظيعة جداً. في حين كان الطريق الأنسب والأدعى للشرف والوقار أن تطرق الحكومة أبواب المحكمة وتقيم عليهم الدعاوى فيها ثم تنفذ حكمها فيهم. هذا حقها، أما إلصاق التهم فمن شيم أولئك الذين لا حول لهم ولا قوة فيحاولون إخماد نيران غضبهم عن طريق البهتانات والطعن. على أية حال فيما يتعلق بالحكومة الحالية فإنها على ثقة كاملة أن أعضاء البرلمان أثناء فترة عام 1974م كانوا خبثاء وقذرين للغاية ولا يحق لهم أن يمثّلوا الإسلام إطلاقاً.

هذه حالة الزعماء الكبار من أعضاء البرلمان الذين أصدروا فتوى التكفير ضد الأحمديين والتي يقدمها المعارضون امام العالم اليوم بكل اعتزاز وتفاخر.

أعمال الأكثرية المزعومة

فيما يتعلق بـ “حزب الشعب” الذي كان يحظى بالأغلبية الساحقة في البرلمان آنذاك فما يذكره البيان الحكومي عن تصرفات الوزراء المنتمين إليه – من أعضاء البرلمان الإقليمي كانوا أو المركزي – لجدير بالسماع إن جاز التعبير. وبما أنهم لم يذكروا اسم أي شخص في هذه القائمة لذا لا أرى بأساً في بيان هذه الأمور. والتهم التي ألصقوها بهم هي من الشناعة بحيث تستوجب – حسب الشريعة الإسلامية – تنفيذ حدّ ثمانين جلدة على الأقل على المتهمين، لأن الحكومة لو كانت عاقدة العزم على تنفيذ الشريعة الإسلامية كقانون الدولة في باكستان لكان من واجبها أن تنفذها على نفسها قبل غيرها. فإذا ألصقت بشخص التُّهمُ التي ألصقت في بيان الحكومة بأعضاء البرلمان السابق ثم لم يؤت عليها بأربعة شهداء، ولم يتم إثبات التهمة برفع القضية في المحكمة لوجب في ظل الحكومة الإسلامية تنفيذ حدّ ثمانين جلدة على المتهِمين. على أية حال فالحالة الدينية لأعضاء “حزب الشعب” حسب رأي الحكومة هي كالآتي: جاء في البيان الحكومي عن أحد أعضاء البرلمان:

“..إنه مدمنٌ على الخمر والجنس، كما هو متعود حسب معلوماتنا على.. أيضاً (ذكروا هنا كلمة سيئة جداً لا أستطيع التفوُّه بها). وأثناء عودته مع الوفد الرسمي طلب من المضيفة في الطائرة زجاجتين من الخمر (الوسكي)، وعندما قدمت المضيفة الزجاجتين بدأ يغازلها وحاول اغتصابها ولكنها وبّخته..” (البيان الأبيض، عهد حكومة بوتو ج3، ص 182)

هذه حالة الزعماء الكبار من أعضاء البرلمان الذين أصدروا فتوى التكفير ضد الأحمديين والتي يقدمها المعارضون امام العالم اليوم بكل اعتزاز وتفاخر. ثم يقولون عن عضوٍ آخر:

“..لقد كدّس الثروة بطرق غير مشروعة بعد انتخابات عام 1970م. والشخص الذي يعتمد عليه بشكل خاص هو مهربٌ خطير.” (المرجع السابق ص 183)

وقالوا عن شخص آخر:

“..العلاقات الجنسية الحرة دون وازع ورادع تعكس بكل وضوح سلوكه منذ فترة شبابه بأنه يتقدم إلى الشذوذ الجنسي بسرعة متناهية. يتزوج بكل وقاحة ثم يطلق زوجاته ويتركهم للجلوس في سوق الدعارة.”

يجدر الانتباه إلى أنه بيان نشرته الحكومة لتشويه سمعة مواطنيها واستخدمت فيه لساناً سليطاً ولغة بذيئة للغاية. ولا شك أن تصرف الحكومة هذا مؤسف جداً ومنحط عن القيم الأخلاقية. إذ إن القول عن السيدات المطلقات بأنه يُسرِّحهن ليصبحن زينة سوق الدعارة قول بذيء وفاحش وإهانة بشعة للغاية للسيدات الباكستانيات وتهمة قذرة عليهن. لو كانت هناك حكومة إسلامية فعلاً في البلاد لعُوقب أصحاب هذه التهم الوقحة بتنفيذ حد ثمانين جلدة فيهم. من الواضح – بغض النظر عن حقيقة الأمر – أنه لو لم يقتنع أصحاب هذه التهم البذيئة بصدقها لما نشروها هكذا على الملأ دون مبرر. أما نحن فلا علاقة لنا بهذه الأمور ومصادر معلومات القائلين بها، كل ما أنوي بيانه هو المكانة الشرعية ومصداقيتها – حسب رأي معاندينا – لأعضاء البرلمان الذين كفّروا الأحمدية والذين تعتز الحكومة بهم اليوم أنهم حلوا قضية عالقة منذ مائة عام على حد قولهم.

ثم لا يقتصر الأمر على ذلك بل يقول متهموهم بأنهم السفاكون للدماء البريئة ويساعدون القاتلين السفاكين أيضاً.. منهم مَن يساعد القاتلين بكل ما في وسعه، ويأمر بإلغاء القضايا المرفوعة ضدهم في المحاكم. ويقولون أيضاً عنهم: إنهم يساعدون للحصول على الرخصة للأسلحة غير المشروعة. وينهبون أموال الفقراء عن طريق إقامة محاكم خاصة، ويسلبون أموال الأرامل واليتامى، ويأخذون من التجار والمقاولين أموالاً هائلة كإتاوة، وينجزون لهم أموراً غير مشروعة. يشربون الخمر، يملكون عقلية إجرامية، وإنهم قراصنة.”

إذن هذه هي أعمالهم التي ذكرتها بالإيجاز. وهي صورة أغلبية أعضاء الحزب الحاكم آنذاك “حزب الشعب” التي رُسمتْ في البيان الحكومي.

أعمال حزب المعارضة

اما فيما يتعلق بحزب المعارضة فقد يظن البعض أنهم براء من هذه التصرفات الشائنة. ولكن الحكومة الحالية ترى أنهم أيضاً كانوا سيئين مثل غيرهم من أعضاء “حزب الشعب” الحاكم آنذاك. فقد ورد في “البيان الأبيض” الذي نحن بصدده بعض النماذج لسلوك حزب المعارضة أيضاً. فجاء في البيان الحكومي عن أحدهم:

“..إنه متعود على التباهي والزهو، كان يزعم بنفسه ندّاً وحيداً لرئيس الوزراء. إنه لشخص غير مبال للمبادئ والقيم الأخلاقية، وفاقد الحياء تماماً. وبسبب شح المثقفين المؤهلين والبارعين في مجتمعنا – لسوء الحظ- نال على المستوى القومي أهمية أكبر من كفاءته.” (البيان الأبيض، عهد حكومة بوتو، ص 183)

لقد سمعتم من قبل حالة أعضاء الحزب الحاكم الذين يشكلون الأكثرية في ذلك البرلمان، أما الأقلية أي حزب المعارضة، فيقولون إنه لا يوجد بينهم أي رجل شريف، وبما أن الشرفاء شبه منعدمين لذا فقد برز الأوباش والرعاع على المستوى القومي. ثم يقدمون نموذجاً آخر عن حياة أحدهم ويقولون: “..لا يتحمل أن يمارس عليه أحدٌ الحكمَ والسلطة، فإن هذا يمثّل عقاباً لطبيعته العدوانية والمتمردة، ويصبح إنذار الخطر له. إنه متّهمٌ بالتورط في الفسوق والعلاقات الجنسية الشاذة.”

ثم يوردون ذكرَ عضو آخر من المعارضة ويقولون:

“يعاني من الحالة المادية المتردية، طمّاع، تعود على التباهي، وحب الشهرة الرخيصة، له علاقات جنسية مع..” (المرجع السابق ص 185)

يستغرب المرء بقراءة هذه اللغة، إذ إنها ليست لغة شيخ متعصب عادي. لقد تعودنا على سماع مثل هذه اللغة من المشائخ، ولكن هذه لغة ممثلي الحكومة في بيان نشرته الحكومة بخاتَمها. فمن هنا يمكنكم أن تعرفوا أهمية مثل هذه البيانات الحكومية – بما فيها “البيان الأبيض” المزعوم – والحالة الأخلاقية لناشريها. كما يمكنكم أن تعرفوا معاييرهم ومدى اهتمامهم بالشرع المتين، وكيف يعبثون به حسب رغباتهم!! يتساءل المرء مستغرباً ما الذي جرى لأعضاء الحكومة؟ إذ يعتبرون من ناحية أعضاء البرلمان هؤلاء خبثاء وذوي سلوك سيئ لهذه الدرجة ويعلنون عن بذاءة تصرفاتهم في العالم كله، ومن ناحية ثانية يعتزون بقراراتهم ويقولون إن الله سبحانه وتعالى وفّقهم لحل قضية عالقة منذ مائة عام، وإنجاز مهمة شرعية عظيمة لم يقدر العلماء الكبار على إيجاد حل مناسب لها.

ثم يقولون عن عضو آخر من المعارضة:

“.. يُظنُّ أنه قتل أناساً كثيرين لأتفه الأمور.. حصل على الرخص التجارية لنفسه ولغيره عن طريق رجال موثوق بهم لديه، هو مهرب ومساعد للمهربين، متورط في نشاطات غير مشروعة مع مسؤولي قسم الضرائب. (أقول: ومع ذلك لم تحرك الحكومة ساكناً ضده أو ضد مسؤولي قسم الضرائب)، مدمنٌ على الشذوذ الجنسي بصورة واضحة.”

لقد ألصقوا تهماً هي من الكثرة والقذارة بحيث تترك الإنسان مشدوهاً حيران. لا شك أن البرلمان يمثل المواطنين كلهم، وإذا كانت هذه هي حالة أعضاء البرلمان التي أُعلنتْ في العالم كله على دقات الطبول، فهل يبقى – والحالة هذه – للبلد وأهله أي اعتبار أو احترام في العالم؟ ويمكن أن تدركوا بذلك سلوك الحكومة الحالية أيضاً التي تقدِّم اليوم أمام الناس قرارَ هؤلاء بكل اعتزاز وتفاخر، ونسيت أو تناست ما قالته بالأمس القريب ونشرته عنهم في العالم في بيانها الأبيض. ولا ينتهي الأمر هنا بل قيل أيضاً: “بعضهم كانوا على صلات وثيقة مع القوى الخارجية، وكانوا متورطين في النشاطات الهدامة، يتآمرون ضد الدولة، إنهم اِنْتِهازيّون، وشاربو الخمر.”

فهذه كيفية إجماعهم القومي، هذه هي حالة أكثريتهم التي تصبغ بها رجال الحكومة وأعضاء المعارضة على حد سواء. مما يعني أن بعضهم مثل بعض تماماً ولا فرق بينهم إطلاق، أو كما يقال في المثل الشعبي في القارة الهندية: إنهم “أحجار من كيس واحد” غير أنهم سموا هذا الكيس إجماعاً، ثم سموا هذا “الإجماع العظيم” بالسواد الأعظم حسب زعمهم. ولا نملك هنا إلا أن نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

أسوة عشاق النبي [SAW]

لا أريد أن أناقش فيما إذا كان كل ما قالته الحكومة في هذا الصدد صحيحاً أم لا، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: الذين ألصقوا بهم تلك التهم البشعة المذكورة أعلاه، كيف يجوز لهم اعتبار قرارهم إجماعاً؟ كان الأجدر بهم أن يخجلوا من انتمائهم إلى النبي وكان حرياً بهم أن يتلقوا درس الغيرة من الإمام البخاري – رحمه الله – ولكنهم للأسف الشديد ما درسوا مبادئ الأخلاق ولا الحياء.

رُوي عن الإمام البخاري – رحمه الله – أنه كان في سفر ومعه كيس يحتوي على قطع نقدية كثيرة. فعلم أحد ركاب السفينة بذلك فما لبث أن صرخ بأعلى صوته أن كيسَه المليء بالقطع النقدية قد سُرق. فما كان من الربان إلا أن أمر بتفتيش جميع الركاب. ولكن المفتشين لم يقعوا للكيس على أثر حتى عند الإمام البخاري. وعندما هدأت الأمور توجّه المتَّهِمُ الكاذبُ إلى الإمام البخاري قائلاً: أنا أعلم أنني كنتُ كاذباً فيما اتَّهمتُك به، ولكن أريد أن أعرف كيف تمكنت من إخفاء كيسك عن المفتشين إذ لم يجدوا له أي أثر؟ فأجابه الإمام -رحمه الله- قائلاً: لقد أودعته البحر. فسأل الرجل مستغرباً ولم فعلت ذلك؟ فقال الإمام: بما إنني أجمع أقوال النبي وأدوِّنُها، فكرهت أن تُنسب إليّ الخيانة ولو كذباً وافتراء، فيقالَ إن مدوّن أقوال النبي ارتكب خيانة. أما القطع النقدية فلا أهمية لها عندي.

هؤلاء كانوا عشاقاً صادقين لمحمد والإسلام إذ لم يعيروا أي اهتمام للأموال التي كانوا قد ادّخروها بعرق الجبين طيلة حياتهم. لقد أودع الإمامُ البخاري البحرَ كلَّ ما كان قد كسبه طول حياته، ولكن لم يرضَ بأن توعز إلى النبي وأحاديثه إصبعُ الطاعنين. ولم يعط أحداً فرصةً للطعن في خادم النبي ولو كذباً وزوراً.  (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك