الحب في الله

قال الله تعالى في حديث قدسي: “وجَبَتْ محبتي للمتحابين..”. ويقول أيضا: “أين المتحابون بجلالي. اليوم أُظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلا ظلّي”. الحب كلمة يستهلك شرحها ما نملك من أوراق ولن نفي بذلك حق هذه الكلمة من معنى. فهي سرٌّ لا يعرف حقيقته إلا الله عز وجل، لأن أعلى درجات القرب والوصال الإلهي هي درجة الحب، ففيها يكون العبد حبيباً ومُحباً لله تعالى، ويبلغ غاية خلقه الله سبحانه منبعاً للإيمان، وبقدر ما مُلئ القلب بالحب لله وفي الله يُملأُ بالإيمان. فهما شيءٌ واحد في الحقيقة، إذ لا نؤمن من دون أن نحب الله، والحب دوماً يقوي الإيمان إذا كنا نحب الله.

أَضِفْ إلى ذلك ما للحب من دور هام في الجماعة الإسلامية الأحمدية، لأنه الأساس لبنيانها الروحي والإداري لاحتوائه على مقومات النجاح وهي الصدق والوفاء والتضحية. إذ لا حب بلا تضحية، ولا تضحية دون حب. عبثٌ أعمالنا إذا كان في قلوبنا مصدر واحد للكره أو الحقد، لأن ديننا العظيم اسمه الإسلام، ولا يُفشَى السلام في العالم ما دام هناك ذرة من الكره في قلوبنا. وما دام هدفنا أن نسمو بديننا فعلينا أن ندَّخر في قلوبنا أكبر قدر ممكن من الحب لله. حتى يجب أن نطلب الهداية لأعدائنا كما نطلبها لأنفسنا. أوليس طلب الهداية لأنفسنا نابعاً من حبنا لأنفسنا. لقد كان رسولنا الأعظم وأسوتنا الحسنة يطلب الهداية لقومه الذين حاولوا إيذاءه. فهل كان يطلب لهم الهداية لأنه كان يكرههم؟ كلا، بل لأنه أشفق عليهم. وهذه الشفقة نابعة من قلبه المفعم بالحب والرحمة. ولكي نصل إلى ما وصل إليه علينا أولاً أن نحب بعضنا بعضاً حبا تنمحي فيه ذاتنا لتبرز روح الجماعة فينا.

فيا أحباب الله، تدبروا القرآن الحكيم تجدوا بأن الله لا يكره أحداً من خلقه. فهو عز وجل يقول دوماً: إن الله لا يحب الفاسقين، والمفسدين، والفَرحين، والظالمين، ومن كان مختالاً فخوراً وما إلى ذلك. فعبارة إن الله لا يحب لا تعني بالضرورة الكره والحقد، ولكن ما يقوم به هؤلاء يحرمهم حتماً من الاصطباغ بصبغة صفات الله عز وجل. فكيف تُحب من لم تَره ولم تأنس بقربه ولم تتفكر في صفاته. فالإنسان هو الذي لا يفتح نوافذ قلبه لاستقبال أنوار حب الله. فكما لا يخفى على أحد أن أساس الظلم هو الكراهية، فما بالك بالله الحي القيوم الذي حرَّم الظلم على نفسه. فانعدام الظلم في صفاته عز وجل إن دل على شيء فإنما يدل على انعدام الكراهية في ذاته وصفاته فهو مصدر الحب الكامل.

” فبالحب يصبح كل واحدٍ منا قوياً ونصبح ضعفاء لله، فينصر الله الإسلام بنا، لأننا عندما نحب ويكون حبنا في الله، يزداد حب الله لنا.“

فالحب هو أساس العطاء، فما دام في قلوبنا كره فعطاؤنا ناقص لا محالة، لأنه بالحب يكمل عطاؤنا، ونصل إلى منتهى غايات الكمال في أعمالنا.

وهناك التواضع وهو سر رقينا الروحي. وسرُّ التواضع الحبُّ، إذ كيف تتواضع نفوسنا أمام شخص نكرهه ونحقد عليه. فإذا خلت قلوبنا من الكره يصبح طريق التواضع مُمهداً سهلاً ليرفعنا به الله إلى السماء السابعة.

أنظروا إلى الشاب الذي يحب فتاة ما. فهو لا يكون متواضعا أمامها فحسب، بل يبدو صغيراً جداً وعلى استعداد لتقديم كل ما يُرضيها ويفرحها. وكذلك هي أيضاً. فلو كنا جميعاً هكذا فإن حياتنا تتحول إلى جنة نسمو بها إلى الله عز وجل. ولو أن كل أخٍ أحب أخاه في الله بصدق لصَغُر أمامه، ونصبح جميعاً كأسنان المشط، لا فرق بيننا، ولا فضل لغني على فقير، ولا لقوي على ضعيف. فبالحب في الله يصبح كل واحدٍ منا قوياً ونصبح ضعفاء لله، فينصر الله الإسلام بنا، لأننا عندما نحب ويكون حبنا في الله، يزداد حب الله لنا.

فالحب لله هو أثوب شيء عنده عز وجل. إننا نؤمن بالحب ودوره، وبذلك فعلينا أن نبحث عن معنى الحب وحقيقته وطريقه لنقصر بذلك المسافة التي تبعد بعضنا عن بعض.

إن للقلب المفعم بالحب حكماً أقوى من أي حكم، وله قدرته على التأثير. والمحب يستطيع أن ينقل إرادته للآخر بسهولة وبساطة إذا كان الآخر على نفس المستوى من رهافة الحس. وكلما كان حبنا متغلغلاً في شغاف القلب، ساكناً لبَّ الفؤاد ازدادت روح الجماعة جلاءً في كل واحد منا. وإن الجماعة التي ترفع شعار الحب تعيش حياة الاطمئنان والسكينة، حياةً أقرب إلى المثالية وأبعد عن الفوضوية. فالسعادة كل السعادة بالحب، لأنها حالة عميقة من حالات الاطمئنان والسكينة. وإن من أسرار الحب الانسجام الرائع بين الظاهر والباطن. فيكفينا الحب لنكون أوضح وأصدق، وأن نحب بعضنا بعضاً. ولكن لا نقيّد المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحراً متموجاً بلا شواطئ. فما أقسى قلوبنا إذا نطلب الحب من الآخرين وفيها مكان واحد للكره؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك