القول المبين في دحض دعاوي المعارضين
التاريخ: 1985-03-29

القول المبين في دحض دعاوي المعارضين

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة ميرزا طاهر أحمد – رحمه الله – الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود في 29 آذار/مارس 1985م في مسجد “الفضل” بلندن (القسط الثاني والأخير)

أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/4/1984م حكما عسكريا غاشما يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلان دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاء تحية الإسلام، أو الصلاةِ على النبي ، أو رفعِ الأذان للصلاة، أو قراءةِ القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين أو تسمية مساجدهم مساجد، إشارةً أو صراحة، شفوياً أو كتابة!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرّض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيباً باسم «القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام» لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنة نبي الرحمة ، وسمّت الحكومة هذا الكتيب «البيان الأبيض»، وكان الأجدر أن يطلق عليه «البيان الأسود» محللا ومفندا بعون الله كلَّ أعذارهم السخيفة عذراً عذراً، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م. ننشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القراء المنصفين، وهذه هي الخطبة العاشرة منها.

لقد تشرَّف بترجمة هذه الخطبة الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعَها الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

في القسط السابق لهذه الخطبة ذكر حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) بعض الاعتراضات التي روجتها حكومة باكستان ضد مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد . وبناءً عليها حاولتْ إقناع المسلمين في باكستان وخارجها أن هذا الرجل يمثل خطراً رهيباً على الإسلام. ونذكر منها على سبيل الحصر قولهم: “كان الميرزا عاجزا عن نطق الكلمات العربية بصورة صحيحة، وكان غير قادر على تمييز “ق” عن “ك”. كما أدانوا مؤسس الجماعة لتوظفه في مكتب المفوض في مقاطعة “سيالكوت”، ويعتقدون أن الأنبياء لا يتوظفون!!. ولم يتوقفوا إلى هذا الحد بل اتهموا حضرته بأن والده طرده من البيت لأنه سرق بعض المال لذلك اضطُر للتوظف. ولم تهدأ نفوسهم الخسيسة فحاولوا إثبات أنه ليس من أصل فارسي مع أن سيدنا محمداً المصطفى أنبأ عن الإمام المهدي أنه سيكون من أبناء فارس. وقد تناول حضرة مرزا طاهر أحمد – رحمه الله –  هذه الاعتراضات واحدة تلو الأخرى وفندها بأدلة قاطعة من القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة ومعطيات التاريخ. وإليكم فيما يلي القسط الثاني والأخير لهذه الخطبة: «التقوى»:

الشيطان يترصد طريق الحسنة

والاعتراض الآخر الذي أثير في الكتيب الحكومي هو كالآتي:

“كان بعض أقاربه أيضا يعارضونه بمن فيهم ميرزا شير علي الذي كان أخاً لزوجته، وحمواً لولده ميرزا فضل أحمد. لقد كان هذا شخصاً وجيهاً، ملتحياً بلحية بيضاء جميلة، ويحمل المسبحة دائماً. كان يجلس قرب المقبرة (بهشتي مقبرة) ويحاول نصح القادمين لزيارة الميرزا قائلا: أنا من أقارب الميرزا، لِمَ لم أؤمنْ به أنا؟ السبب هو أنني أعرفه جيدا ومتأكد من أن هذا مَتْجَرٌ لنهب أموال الناس. أنا من أقاربه وأعرف أحواله جيدا. الحقيقة أن دخله كان قليلا، كما أن أخاه حَرَمه من العقارات، لذلك فقد شَرَعَ في هذا المتجر. تصلكم كتبه وإعلاناته وتظنون أنه رجل صالح وتقي جدا. أما نحن الذين نعيش بالقرب من ليلَ نهارَ فنعرف الأمر بوضوح أكثر، وأقول ذلك لصالحكم؟” (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص 12-13)

هذه هي نقاط الاعتراض التي بسببها أصبح حضرته خطرا رهيبا على الإسلام، والعياذ بالله. الواقع أن النبي الكريم الذي هو أفضل الرسل والذي من أجله خُلق هذا الكون قد تعرض للوضع نفسه تماما، إذ أصبح بعض أقاربه أعداء له ألداء لدرجة أن أحدهم ذُكر في القرآن الكريم باسم أبي لهب حتى صار اسمه الحقيقي في طي النسيان بالنسبة لكثير من الناس. هذا العدو اللدود للنبي كان عمّه الذي عكف على إضلال الناس، وكان يقول لهم: هذا الفتى من أسرتنا ونعرفه جيدا، أما أنتم الأجانب فلا تعرفون عنه شيئا.

ولم يكتف الأعداء بذلك بل فرضت قريش حظراً على مكة وكانوا يُضِلُّون القادمين إلى النبي ويقولون إنه ظالم ومستبد للغاية، والعياذ بالله. منهم من كان يدعوه ساحرا، ومنهم مَن كان يعلن إنه ساحر كذاب ومفتر، والعياذ بالله، ونحن أهله وأعلم به من الآخرين. لم يفكر المعاندون لسوء طويتهم، عند توجيههم هذا الاعتراض إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، بأنهم يثيرون من جديد نفس الاعتراض الذي وُجه إلى سيدنا محمد المصطفى .

لقد قدموا في هذا الصدد – بعد قص ولزق- الجزءَ الأخير من خطاب لسيدنا الخليفة الثاني ميرزا بشير الدين محمود أحمد ألقاه في الاجتماع السنوي للجماعة عام 1945 وحاولوا أن يثبتوا به أن ميرزا شير علي، الذي كان يترصد طريق القادمين إلى سيدنا أحمد، كان على مستوى عال من التقوى لدرجة كان الخليفة الثاني أيضا يعتبره تقيّاً وَرِعاً، لذا ثبت أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كان – والعياذ بالله – خطرا كبيرا على الإسلام.

لم يذكر المعارضون الجزء التالي من الخطاب حيث قال حضرته : كان هناك رجل من الأسرة يترصد الطريق ويحاول إضلال الناس، ولكن لم يهتم به أحد. وحدث ذات مرة أنه كان جالسا في الطريق حسب عادته إذ مرَّ بقرب منه فلاحانِ ساذجانِ قادمانِ إلى قاديان. فأوقف أحدَهما وجعل يتحدث إليه. وبما أنه كان يبدو رجلا رصينا ظاهريا فأصغيا إليه، ولما انتهى من كلامه تقدم إليه الزائر ولف ذراعيه حوله ونادى صاحبه وقال: تعالَ هنا بسرعة، ثم قال: “كنا نسمع قول الله : إن الشيطان يترصد طريق الأنبياء متنكرا. ولقد صدق الله ، فهذا هو الشيطان الذي يترصد طريق الحسنة. ربما لم ترَ الشيطان من قبل، فتعال وانظره الآن.”

إذن فهذا هو الحادث الذي قدموه بقص ولزق ليوهموا الناس كأن الخليفة الثاني كان يعتبره رجلا تقيّاً جدّاً مع أنه كان يُكذب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود رغم كونه من أسرته.

وهكذا وجد المعارضون رَجُلين اثنين لا غيرهما من أسرة كبيرة، أحدهما ميرزا إمام الدين السارق، والثاني هو هذا الشيطان، ثم يعتزون بشهادتهما كثيرا. في حين قد خلا شياطين أكبر منهما في أزمنة الأنبياء ومن أُسرهم. الحقيقة أن العداوة تُعمي الإنسان فلا ينتبه إلى ما يقول، ولا إلى ما سبق من قبل من أحداث مماثلة. وعندي عبارات كثيرة تبرهن على معارضة أقارب الأنبياء إياهم، ولكنني أتركها جانبا خشية الإطالة ، ولا حاجة أيضا لبيانها في الوقت الحالي .

تلبيس مدهش

ثم وجَّهوا اعتراضا آخر قوياً حسب زعمهم بأن الفترة الأولى من حياته كانت فترة الإفلاس حتى لا يكاد يجد من الطعام أيضاً ما فيه الكفاية، وما كانت له ثروة ولا دخْل. فجاء في الكتيب:

“لقد عاش الميرزا العُقود الأولى من حياته في الفقر المدقع والحالة المادية السيئة حيث يقول بنفسه: إنه ما كان يتوقع أن يكسب عشر روبيات (عملة هندية) شهريا لأنه لم يملك ثروة تُذكر.” ( القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص 11)

يحتار العقل على هذا الكذب الصريح. كلَّ ما قاله سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود هو أنني لم أبال بالعقارات لدرجة ما كنت أعلم موقعها أيضا، لأنني كنت منصرفا إلى ذكر الله تماما، وعاكفا على تعلّم الدين. كان حضرته يوجد إما في المسجد أو يجالس الفقراء ويوزع عليهم طعامه. في حين يرسم المعارضون مشهدا كأن أحدا جالسٌ في سوق التجارة وليس لديه مالٌ وهو يكسب عشر روبيات بالكاد. الواقع أن الدنيا كانت تعرف عن الفترة الأولى من حياته، حتى إن المشايخ الذين صاروا أعداء له فيما بعد قد شهدوا بذلك بالإضافة إلى شهادات المسيحيين والسيخ.

فحالته منذ صباه كانت غريبة حقاً إذ آثر الفقر على الغنى. كان يترك المائدة المليئة بالنعم ويأخذ طعامه ليوزعه على الفقراء والمساكين، ويتحمل الجوع بنفسه أحيانا؛ أو يشتري الحمَّصَ المُحَمَّصَ بمليمٍ أو مليمين ويأكلها. وتصرفاته هذه بدت للمعارضين خطرا على الإسلام، فتنادوا بأعلى صوتهم وصرخوا: يجب أن ينتبه عالم الإسلام إلى خطر رهيب إذ إن شخص يوزع طعامه على الفقراء بدلاً من تناوله إياه!!

فجاء في حياة أبي هريرة زمن حين فُتحت سلطنة كسرى وأعطَى سيدُنا عمر أبا هريرة منديلَ كسرى الذي كان يتجمل به ويلصقه بثيابه تفاخرا واعتزازا، والذي كان يمثل عظمته وشوكته – علماً أن مثل هذا المنديل لا يُستعمل للتنظيف بل يستعمل للتفاخر فقط – فبصق فيه أبو هريرة بصورة عفوية وقال مخاطبا نفسه: بَخِ بَخِ يا أبا هريرة! ما أعظمَ شأنَك! إنك اليوم تبصق في منديل كسرى بفضل حب النبي واتباعه الكامل.

مثال آخر للتلبيس

والاعتراض الآخر الذي أثاروه هو أيضا قمة في الافتراء، يقولون:

“حالما قام ( أي مؤسس الأحمدية) بإعلانات المجددية والمحدثية والنبوة تكدست لديه الأموال من قبيل الهدايا والتحف وغيرها، وفي السنوات الأخيرة من عمره كانت ثروته قد تفاقمت تفاقما عظيما حتى بلغت 250 ألف روبية في عام 1907م حين كان يُعتبر شرفا كبيرا أن يملك أحد مائة ألف من الروبيات. وفي الفترة الأخيرة من حياته أصبح يرفل في الثروة الهائلة. وارتفع مستوى حياته لدرجة بدأ أتباعه أيضا يعترضون عليها ويستاءون منه.”(القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص11)

إنه لعجيبٌ أمرهم، فمن ناحية يوجهون هذا الاعتراض ومن ناحية ثانية يؤمنون بأنبياء كسيدنا سليمان مثلا الذي كان مستوى حياته عاليا، وكان يملك من الأموال والجواهر الثمينة قدراً كبيراً جداً، وبالتالي كان ذا جاه وشوكة لم يسبق لهما نظير، حتى صُنع له من الذهب الخالص 200 مجنة، و300 ترس. هذا ما قاله أحد الكتّاب العاديين، ولكن ما تذكره التوراة في هذا الصدد يثير الاستغراب أكثر. فجاء في سفر الملوك الأول الإصحاح10 العدد18-27:” وعمل الملك كرسيا عظيما من عاج، وغشاه بذهب إبريز. وللكرسي ست درجات. وللكرسي رأس مستدير من ورائه، ويدان من هنا ومن هناك على مكان الجلوس، وأسدان واقفان بجانب اليدين. واثنا عشر أسداً واقفة هناك على الدرجات الست من هنا ومن هناك. ولم يُعمَل مثله في جميع الممالك. وجميع آنية شرب الملك سليمان من ذهب وجميع آنية بيت معْرِ لُبْنَانَ من ذهب خالص، لا فضة. هي لم تُحسب شيئا في أيام سليمان…. وجعل الملك الفضة في أورشليم مثل الحجارو.”

أي أن الثروة والذهب كانا من الكثرة بحيث لم تُحسب الفضةُ شيئا ذا قيمة بل اعتُبرتْ كالحجارة. إنه بيان بسيط جدا، ولو قرأتم ما ورد في التوراة في هذا الصدد لتحيرتم حيرةً ما بعدها حيرة.

ثم اتركوا التوراة أيضا جانباً واقرؤوا الأحداث المذكورة بالإيجاز في القرآن الكريم عن سلطنة سيدنا سليمان وداود عليهما السلام، يبدو من تلك الأحداث أنهما كانا يملكان من القوة والجاه ما لم يكن في نصيب غيرهما من بعدهما أيضا. ومع ذلك كله كانا نبيين صادقينِ ولم يشكلا خطرا على دينهما. فقولهم إن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود جمع أقوالا بعد إعلانه وأصبح مليونيراً واستاء منه أتباعه وتبرؤوا منه لهو افتراءٌ بديهي البطلان، وكذب شنيع يجعل الإنسان يحتار ويتساءل كيف تجردت قلوبهم من تقوى الله عز وجل إلى هذه الدرجة في عداوة الأحمدية.

ولكن ماذا قال أتباعه وكيف وجدوه النبوة؟ هاكم ما قاله أحد أتباعه:

“مرة جاء للاشتراك في الاجتماع السنوي كثيرٌ من الضيوف الذين ليس لديهم ثياب دافئة كافية. فجعل رجل يُدعى ” نبي بخش” من مدينة ” بطالة” يطلب الألحفة من بيت سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وظل يوزعها على الضيوف. واتفق لي أن ذهبتُ إلى سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود . بعد صلاة العشاء، فوجدته جالساً واضعاً يديه تحت إبطيه بينما كان أحد أبنائه – قد يكون الخليفة الثاني – مستلقياً بالقرب منه، وكان حضرته قد غطاه بمعطف له. وعلمتُ أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ان قد أرسل لحافه الخاص أيضا للضيوف.”

هذا هو عيش الرفاهية والتنعم الذي يعترضون عليه. يضيف الراوي ويقول:

” قلت يا سيدي لم يبق لديكم ثوب دافىء والبرد قارسٌ. قال: ” يجب ألا يتأذى الضيوف بحال من الأحوال. أما أنا فلا بأس، سوف ينقضي الليل على كل حال.” ثم نزلت إلى الطابق الأسفل ووبّختُ السيد”نبي بخش” على أخْذِه لحاف سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أيضا. فندم كثيرا وقال: كيف آتي به الآن وقد أعطيته أحداً من الضيوف؟ ثم طلبتُ من السيد المفتي فضل الرحمن أو غيره – لا أتذكر الاسم جيدا – فراشاً وأخذته إلى الطابق العلوي لأمه لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، فقال: حبذا لو أعطيته أحداً من الضيوف الكرام، فإن النوم لا يكحل عيني في معظم الأحيان. ولم يأخذ اللحاف مني بل أمرني – رغم إصراري على ذلك – أن أعطيه ضيفاً من الضيوف، فرجعت به.”( أصحاب أحمد ج 4 – 118 روايات السيد ظفر أحمد)

وجاءت في كتاب سيرة المهدي ج 3 ص 122-123 رواية:

“ذكر لي صديق آخر أنني كنت في أيام شبابي أرافق سيدنا الإمام المهدي كخادم له أثناء بعض أسفاره. كان حضرته يطلب مني ركوب الفرس وهو يترجل بجانبي. وإذا أصررت كثيرا ركب لبعض الوقت ثم أوعز لي بالركوب. وإثر وصولنا إلى الغاية المنشودة كان يعطيني 4 قروش، وذلك حين كانت تكاليف الحياة رخيصة جدا. أما بالنسبة له فكان يشتري بمليم واحد طعاما بسيطا جدا أو الحمّصَ المُحَمَّص، وكانت كمية طعامه ضئيلة جدا.”

واستمعوا الآن إلى قولِ مريد له آخر:

“كان أهل سيدنا المسيح الموعود قد سافروا إلى ” لدهيانة” فذهبتُ إلى داخل البيت لزيارته. كانت الغرفة حديثة البناء وباردة. فاستلقيت على سرير فغلبني النوم. كان حضرته مشغولا في تأليف بعض كتبه وكان يتمشى في الغرفة. ثم استيقظت فجأة فإذا به مستلقٍ على الأرض بجانب سريري، ففزعت ونهضت أدبا. فسألني بحب متزايد: لماذا نهضتَ أنت يا صاحبي؟ قلت: كيف يمكن أن أنام على السرير وسيدي مستلقٍ على الأرض. فتبسم حضرته وقال: استلقِ بدون تكلف، إنما كنت أحرسك من ضجيج الصغار وأمنعهم من الضوضاء حتى لا يقع الخلل في نومك.” (سيرة سيدنا المسيح الموعود للسيد عبد الكريم السيالكوتي ص 36)

هذا هو الخطر الرهيب على الإسلام. فإذا بقي مثل هؤلاء الناس أين سيبقى إسلام المشائخ إذن؟ هذا هو الخطر الحقيقي الذي يخفونه من الناس. يشهد السيد عبد الكريم السيالكوتي أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قال حلفًا بالله ذات مرة:

“لا أستطيع وصف اللذة والمتعة اللتين أحظى بهما حين فراغ كيسي، نتيجة لتوكلي على الله. هذه الحالة تريحني وتطمئنني كثيرا بالمقارنة مع فترة امتلاء كِيسي.” (جريدة الحَكَم ج 3 العدد 29 ص 4 نقلا عن الملفوظات ج 1 ص 325 – 326)

إذا فكل ما كان يأتي إلى حضرته كان يبذله في سبيل الله بالسرعة نفسها، وكان ينفق خالصة لخدمة الدين. وكلما فرغ جيبه تلذذ بحالة الفقر أكثر من الغنى لأنه كان واثقا من أن الله سوف يُتم أمره. لقد حدث مرارا أن جاءه الضيوف بأعداد كبيرة ونفدت المصاريف أيضا وانتهى به الأمر إلى بيع مجوهرات زوجته، ولكن الله أعانه في مثل هذه الظروف أيضا، وبدأت الأمور تجري على قدم وساق. هذا هو عيش الرفاهية الذي يعترض عليه الكتيب الحكومي.

أذكر لكم أسلوبه للعيش الذي يراه المعارضون عيش الرفاهية والتنعُّم. يروي السيد منشي ظفر أحمد:

“في إحدى المرات كان سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ينتظر أن يتناول الطعام مع بعض الضيوف فوق سقف المسجد المبارك في قاديان بعد صلاة المغرب، وكان السيد نظام الدين اللدهيانوي – الذي كان رجلا مفلسا وعليه ثياب بالية – جالسا قريبا منه . فجاء بعض الضيوف الأكارم الآخرين وجلسوا بالقرب من حضرته . وكلما جاء ضيف جديد اضطر السيد نظام الدين للتحرك بعيدا قليلا حتى وصل إلى موضع الأحذية. وفي غضون ذلك حضر الطعام، فأخذ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود – وكان قد شاهد المشهد كله – صحنًا من الطبيخ وبعضا من الخبز، وذهب إلى السيد نظام الدين وقال له: تعال يا صاحبي نأكل معًا داخل الغرفة. ثم ذهب إلى غرفة مجاورة حيث أكلا معا في صحن واحد.” (أصحاب أحمد ج 4 روايات ظفر أحمد ص 104)

هذا هو عيش الرفاهية والطرب الذي يرونه خطرا على الإسلام، ويعترضون أنه كان قد أصبح مليونيرا في الفترة الأخيرة من حياته، وترك ثروة هائلة لورثته، وأن الفترة الأخيرة كانت تختلف عن الفترة الأولى من حياته.

والآن لاحِظوا معنا كيفية حياته بيوم واحد قبل وفاته. وهذه شهادة الأخ عبد الرحمن القادياني الذي كان عندها حديث العهد في الإسلام[1]، يقول الراوي:

“في المساء قبل اليوم الذي تُوفي سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في صباحه، قال لي خصيصا عند ذهابه للنزهة في عربة حصان: “يا عبد الرحمن، قل لصاحب العربة، واشرح له جيدا أنه ليس لدينا الآن إلا روبية واحدة، لذا يجب أن يأخذنا إلى مسافة أُجرتها روبية واحدة ذهابا وإيابا.” (سيرة المهدي، روايات السيد عبد الرحمن القادياني، وأصحاب أحمد ج 9 ص 278)

أما حالته المالية التي أسلم فيها روحه لرفيقه الأعلى، بعد دفع هذه الروبية، تبيِّنها عمَّتُنا السيدة نواب مباركة بيجم-  إذ تقول:

” بعد وفاة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود استدعتنا أمنا الحبيبة وقالت: ” يا أولادي لا تظنوا – نظرا إلى كون البيت فارغا – أن أباكم لم يترك لكم شيئا. إنه قد ترك لكم في السماء كنزًا كبيرًا من الأدعية التي لن تزال تصلكم في الوقت المناسب.” (سيرة المهدي، روايات السيدة نواب مباركة بيجم[2])

فهؤلاء القوم الذين هم بأنفسهم منغمسون في ملذات العيش وشهواته ويبيعون إيمانهم بثمن بخس ولا يرتدعون عن الكذب والافتراء لجلب الأموال، ويكدسون ثروات طائلة بابتياع آيات الله بثمن قليل، إنهم يتهمون سيدنا أحمد أنه قضى أيام حياته الأخيرة في الطرب والرفاهية – والعياذ بالله – وجَمَعَ الثروة عن طريق إعلانه المهدوية. لو كان أحد يتلقى هذه المعاملة بسبب إعلانه المهدوية لقام به كل كذاب مفتر وفاسق. وفي هذه الحالة ما كنتم أنتم أيها المعارضون لتقعوا في عداد الأعداء بل قمتم بهذا الإعلان قبل غيركم. ولكن الذين يُبعثون من الله

يواجهون معاملة مختلفة تماما. إنهم يتعرضون لمظالم كثيرة. تُغتصب عقاراتهم وتُنهب أموالهم وأموال أتباعهم، تُدمَّر تجاراتهم، وتُحرق ثرواتهم أمام أعينهم. هذا ما يتلقاه الصادقون. أما الكاذبون فلا يُعامَلون هكذا، وهذه سنة الله الجارية إلى يومنا هذا. فبأي وجه تقولون إن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود تلقى معاملة معاكسة لسنة الله القديمة. الحقيقة أن الدنيا شاهدت منذ زمن آدم إلى زمن الإمام المهدي مشهدا واحدا وهو أن الذي يكون محببا لدى الجميع أكثر من غيره ويكون حائزا على كافة أنواع النعم، عندما يعلن أنه مبعوث من الله يصبح أقاربه وأعزاؤه أعداء ألداءَ له، ويتحول الأصدقاء إلى معاندين من الدرجة الأولى ويحاولون أن يحرموه من كل شيء. وهذا ما حدث بالضبط مع حضرته . وعلى الرغم من ذلك فقد أنزل الله عليه أمطارًا غزيرة من أفضاله وبركاته. ولكن لم يخطر على بال مؤلف الكتيب الحكومي أن يرجع إلى تاريخ الإسلام ليرى ماذا يعلِّمه التاريخ وليفكر هل هو يقوّي الإسلام بهجماته البذيئة والباطلة على مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية؟

“الملوك سيتبركون بثيابك”

أنسيتم ما جرى لسيدنا أبي هريرة الذي كان يُغمى عليه جراء قرصات الجوع، وكان الناس يظنون أنها نوبة الصرع، فكانوا يضربونه بالأحذية أو يقربونها إلى أنفه ليشمها، ظنًّا منهم أنه هو العلاج الأنسب لنوبة الصرع حسب التقاليد السائدة آنذاك، في حين كان يتعرض لنوبات الإغماء بسبب الجوع وليس بسبب الصرع. ولكن أبا هريرة تحمَّل كل ذلك في سبيل الله . ومن سنته أنه لا يضيع أجر الذين يقدمون التضحيات في سبيله. فجاء في حياة أبي هريرة زمن حين فُتحت سلطنة كسرى وأعطَى سيدُنا عمر أبا هريرة منديلَ كسرى الذي كان يتجمل به ويلصقه بثيابه تفاخرا واعتزازا، والذي كان يمثل عظمته وشوكته – علماً أن مثل هذا المنديل لا يُستعمل للتنظيف بل يستعمل للتفاخر فقط – فبصق فيه أبو هريرة بصورة عفوية وقال مخاطبا نفسه: بَخِ بَخِ يا أبا هريرة! ما أعظمَ شأنَك! إنك اليوم تبصق في منديل كسرى بفضل حب النبي واتباعه الكامل.

لا شك أن الله لم يحرم سيدَنا الإمام المهدي والمسيح الموعود من أي شيء، بل أغدق عليه نِعَم الدنيا كلها بما فيها الأموال الكثيرة أيضا من كل حدب وصوب، ولكنني أقول حلفاً بالله بأنه ظل طوال حياته راغبا عن الدنيا وما فيها ولم يشغل باله بها أبدا. لقد أتى عليه زمان حين كانت لفاظات الموائد أكله، لا نرفض ذلك، ولكن ليس بسبب الفقر والإفلاس إطلاقا بل بسبب زهده في الدنيا وما فيها. ثم أتى عليه زمان أيضا حين أصبح ألوف مؤلفة من الناس يأكلون على مائدته. فبهذا الشكل أغدق الله عليه أموالا طائلة. هذه سنة الله الدائمة مع أنبيائه وأتباعهم التي تُعاد اليوم مع أبناء الأحمدية ولسوف يحظى بها أجيالهم القادمة أيضا في المستقبل. ولن يزال المعاندون يحترقون في نار غضبهم وحسدهم ويتحولون إلى الرماد. سوف يبارك الله في نفوسكم بركة تلو بركة يا أبناء الأحمدية!! وأقسم بالله إنكم سوف ترون بعون الله أياما حين تبصقون في مناديل الملوك أمثال كسرى والقيصر وتقولون: بَخِ بَخِ يا خدام الإمام المهدي والمسيح الموعود ! ما أعَظمَ شأنَكم! أما الملوك فسوف يشتاقون ويحنّون إلى ثياب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وبها يتبركون. تلك الثياب التي سوف تبدو بالية ظاهريا لأن الدهر يكون قد أكل عليها وشرب حتى تُلمس بحذر شديد كي لا تهترء بمجرد اللمس. أقسم بالله إن هذا الزمن لا بد وأن يأتي حين يتبرك الملوك بثياب سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ويصلُّون عليه، كما أنهم سوف يلعنون أولئك الذين كذبوا وافتروا عليه، وألصقوا به تهما باطلة وقذرة، وما خافوا الله قط وما اتقوه.

[1] كان هندوسيا قبل اسلامه. (المترجم)[2] وهي بنت سيدنا أحمد . (المترجم)
Share via
تابعونا على الفايس بوك