إحياء المسيح الموعود اللغة واستحياء مفرداتها المهجورة وكتاب «سيرة الأبدال»

إحياء المسيح الموعود اللغة واستحياء مفرداتها المهجورة وكتاب «سيرة الأبدال»

تميم أبو دقة

كاتب وشاعر
  • حركة الإلحاد والتغريب تستهدف تدمير التراث العربي.
  • يبرز الكتاب المكانة الفريدة من نوعها التي حازها المسيح الموعود عليه السلام في مجال اللغة العربية.

__

كنا قد ذكرنا في مقالة سابقة أن العربية قد تعرَّضت لحملة من الملحدين في أوائل القرن العشرين الذين يريدون تجريدها من جذورها وأساليبها الجميلة وقطع صلتها بتراثها، وكان من رواد هذه الحركة طه حسين الذي تجرَّأ بإعلان إلحاده ليس في كتابه «في الشعر الجاهلي» فقط بل في توجهه العام وفكره، وإن لم يعلن براءته صراحة من الإسلام. ولم تكن تسميته بعميد الأدب العربي ظلما وعدوانا – رغم أنه لا يبدو ممتلكا لناصية الأدب كما لم يكن شاعرا – من قبل أتباعه الملحدين أو أنصاف الملحدين من المتغربين الذين لا يرون الدين إلا مجرد هوية وشيوع هذا الاسم بمنزلة إعلان ضمني على انتصار هذا التيار وسيادته في العالم العربي عموما.
ولعل من أسباب ضيقه من اللغة هو أن امتلاكها – وخاصة لشخص كمثله – يحتاج مجهودا كبيرا، إذ كيف يمكن لزوجته الفرنسية التي لم تكن تتقن العربية أن تراجع القواميس وتقرأ الأدب قراءة صحيحة، وربما كان لإعاقته البصرية دور في هذا. ولكن من المؤسف أن يكون هنالك عميان بصيرة لم يحرمهم الله من البصر يتبعونه وينجذبون لأفكاره ويسعون لفرضها؛ فهؤلاء يجمعون الإلحاد على البلادة وعدم الاصطبار لتكوين بنية لغوية كافية تمكنهم من الأدب المتواصل مع التراث، لذلك يهاجمون أي حركة لإحياء اللغة ويكتفون بقشور اللغة ويطمئنون بها.

ولا بد أن يكون واضحا أيضا أن حركة الإلحاد أو التغريب المتأثر بالإلحاد إنما هو إحدى أذرع الحركة التنصيرية التي كانت تستهدف تدمير التراث العربي والإسلامي من جذوره للقضاء على الإسلام قضاء تاما.

ولا بد أن يكون واضحا أيضا أن حركة الإلحاد أو التغريب المتأثر بالإلحاد إنما هو إحدى أذرع الحركة التنصيرية التي كانت تستهدف تدمير التراث العربي والإسلامي من جذوره للقضاء على الإسلام قضاء تاما. ولذلك فليس غريبا أن يعُثر على أن أفكار طه حسين تطابق تماما بل وصفت على أنها استنساخ لآراء مرجليوث حول الشعر الجاهلي في حاشية كتبها علي نص هذه مقالته مصادر الشعر العربي (The Origins of Arabic Poetry في مجلة Journal of Asiatic Royal Society تموز 1925). وليس مستبعدا أن يكون مرجع ذلك التوارد، ولكن هذا يؤكد وحدة الهدف والنظرة والتوجه.
وعلى النقيض منذ ذلك فقد بينَّا أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد لجأ إلى التناص من الشعر الجاهلي والأعمال الأدبية المميزة كالحريري والهمذاني، وقدَّم معارضات شعرية ونثرية أعادتنا إلى زمن قوة اللغة، وبذلك قد وضع الأساس لحركة تجديدية في اللغة العربية توصلها بالتراث وتستحيي ما قد هُجر منها من فرائد من الجذور والأساليب. ولأن امتلاك ناصية اللغة إلى درجة يصبح فيها متربعا على عرش الأدب والشعر يحتاج عمرا بكامله ودراسة معمقة جادة ربما تحتاج عشرات السنين، فقد قصَّر الله عليه المهمَّة وعلَّمه اللغة العربية بجذورها وأساليبها وتراثها في ليلة واحدة، وهو ما عبَّر عنه حضرته بأربعين ألفا من اللغات العربية، وأصبح يبحر في تراث العربية بهذا التعليم الإلهي، وإن لم يكن قد اطلع على أكثره بالفعل، فكان هذا ما سماه حينا بالتوارد؛ أي أنه كان يكتب مستخدما تعابير وردت في الأدب والشعر سابقا ولكنه لم يكن عارفا في حين الكتابة المصدر الذي وردت فيه أول مرة.

فما قيمة هذا الاعتراض من أناس على هذا المستوى، وماذا يمكن أن يجلب للمعترضين إلا الخزي والهوان لدخولهم فيما لا علاقة لهم به وما يثبت جهلهم وعجزهم. وصدق المثل الذي قال عن أمثالهم: …. “لم يطولوا العنبَ فقالوا حُصرمًا”

وقد امتازت كتابات حضرته مع جزالتها ورقيها بوضوحها وبعدها عن حوشي القول، وكانت وسيلة رائعة لإيصال الأفكار السامية التي تحملها والتي تقوم على تعريف الناس بالله وبالنبي صلى الله عليه وسلم وبالإسلام الحق. وهذا كان طابع كتاباته عموما.
بيد أنه من أجل تحقيق الغايات المتعلقة باللغة من بعثة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، والتي تتلخص في إحياء اللغة العربية وجذورها وتراثها وربط ماضيها بحاضرها في زمن كان أهلها يريدون وأدها وتحويلها إلى لغة بسيطة كلغة الجرائد، كان لا بد من أن يكتب أيضا مستخدما الجذور التي عُلِّمها والتي أصبحت الآن مهجورة لا يسمع بها العرب ولا يعرفونها إلا بالرجوع إلى المعاجم، بل هنالك القليل مما لا يوجد في المعاجم أصلا من كلام العرب الذي لم يجمع، وكان كتاب «سيرة الأبدال» من الأعمال التي قد خُصصت لهذا. وبما أن العرب والمستعربين سيدرسون هذا الكتاب فإن هذه الجذور والمفردات ستُحيا وستدخل في حيِّز الاستعمال مجددا، وهذه الحركة ستنطلق بقوة عندما يدخل عدد كاف من الأدباء العرب في الجماعة، وسيؤسسون نهضة أدبية هائلة – ارتكازا على كتابات حضرته – مرتبطة بالتراث.
هذا الكتاب أيضا كان إثباتا ودليلا على القدرة الفائقة التي حازها المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وعلى تعلُّمه اللغة العربية بصورة إعجازية في ليلة، نظرا إلى ظروف حضرته التي يستحيل أن يحوز من كان فيها هذه القدرة.
أما الملحدون من أعداء الإسلام واللغة العربية، الذين قد ضجروا مسبقا من الشعر الجاهلي بل وأنكروه واستنكروه لأنهم لا يفهمونه ويلزمهم القاموس في كل بيت ليعرفوا معانيه، هؤلاء أيضا لا عجب أن يهاجموا هذا الكتاب ويرونه يستخدم مفردات صعبة حوشية لا حاجة لها. فهؤلاء مغرِّضون، ولا علاقة لهم بالشعر ولا بالأدب، بل لا علاقة لزعماء تيارهم بها ممن اشتهروا بأنهم كبار الأدباء، وليست لغتهم سوى لغة بسيطة تافهة مجرَّدة من جماليات العربية التي تمتاز بها. هؤلاء كأسلافهم يعجزون عن أن يكتبوا شيئا ككتابات المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ويتقدمون للاعتراض بكل وقاحة. فما قيمة هذا الاعتراض من أناس على هذا المستوى، وماذا يمكن أن يجلب للمعترضين إلا الخزي والهوان لدخولهم فيما لا علاقة لهم به وما يثبت جهلهم وعجزهم. وصدق المثل الذي قال عن أمثالهم: «قُصْرُ ذيلٍ يا أَزعر» (والأزعر في العربية هو مقطوع الذنب)، أو المثل: “لم يطولوا العنبَ فقالوا حُصرمًا”. هذا بالإضافة إلى حقدهم الدفين على الإسلام والعربية التي ببقائها يبقى الإسلام شوكة في حلوقهم. فنبشِّرهم بالخيبة والخسران، لأن العربية مقبلة على زمن نهضة هائلة لن يستطيعوا هم ولا أمثالهم مواكبتها، وسيطردون بعيدا أو سيأتون مذعنين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك