- معرفة اللغة لا يكفي ليصبح المرء أديبا.
- اللغة ليست مجرد مفردات وقواعد.
- كمال المسيح الموعود في اللسان العربي.
__
معرفة اللغة، بل والاطلاع الواسع عليها، لا يكفي وحده لكي يصبح الشخص أديبا أو شاعرا أو كاتبا فذا، بل يحتاج الإنسان إلى تمرُّس في اللغة ومعايشة أهلها، ودراسة معمقة ومطوَّلة لآدابهم المكتوبة والمسموعة. لذلك فإنه من الضروري لمن يريد أن يمتلك ناصية اللغة ويكون من أدبائها وكتابها أن يعيش في بلاد أهل اللغة لسنوات طويلة.
وهذا يذكِّرنا بقصة لأحد كبار علماء اللغة الفارسية في الهند، الذي تعلَّمها في الهند ولم يكن قد زار بلاد فارس من قبل، فعندما قرر الزيارة للتجول في تلك البلاد، كان في ضيافة إحدى العائلات، وصادف أن كان جالسا وبقربه قدرٌ يغلي، ولم يكن أحد من أهل البيت قريبا منه، وأخذ ما في القدر يفور وينسكب ويحرِّك الغطاء، فأراد أن ينادي أهل البيت لتنبيههم، فوجد نفسه كالأبكم؛ إذ لم يعرف ماذا ينبغي أن يقول، وإذا بفتاة صغيرة تأتي وترى المشهد، ثم تنادي أمَّها بكلمات بسيطة أعجزت هذا العالم الكبير!
فاللغة ليست مفردات ولا قواعد ونحوا وصرفا فقط، بل هي أساليب وتراكيب ولهجات وتراث مكتوب ومسموع يشمل الأمثال والنكات والشعر والأدب وغيرها. وفي العربية تسمى هذه الجزئيات لغات، وهذه التسمية وردت بكثرة في كتب التراث.
ونظرا إلى ما سبق، فقد كان المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام على اطلاع جيد على اللغة العربية، وهذا مكَّنه من تدبُّر القرآن الكريم والحديث الشريف وكتب التراث الإسلامي بصورة معمَّقة، وهذا ما ظهر في دفاعه عن الإسلام الذي ابتدأه منذ عام 1872 في الردود على المسيحيين والهندوس وغيرهم، قبل مشروع البراهين الأحمدية. ثم تجلَّى ذلك في كتاب البراهين الأحمدية الذي بدأ مشروعه عام 1880 والذي قدَّم فيه الأدلة على صدق الإسلام وردَّ فيه على شبهات المسيحيين والهندوس والملحدين وغيرهم. بيد أن هذا الاطلاع لم يكن كافيا لكي يتمكن حضرته من كتابة الكتب العربية ونظم الأشعار، لأن هذا كان يتطلَّب معايشة واطلاعا واسعا على اللغات العربية.
فاللغة ليست مفردات ولا قواعد ونحوا وصرفا فقط، بل هي أساليب وتراكيب ولهجات وتراث مكتوب ومسموع يشمل الأمثال والنكات والشعر والأدب وغيرها. وفي العربية تسمى هذه الجزئيات لغات، وهذه التسمية وردت بكثرة في كتب التراث.
كان المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد عُيِّن من الله تعالى في عام 1882مأمورا بكل وضوح، وكان يبدو أن مأموريته هي الدفاع عن الإسلام وتجديده، وكان مشروع البراهين الذي أُمر به من الله تعالى هو البداية الفعلية لهذه المأمورية التي كانت قد بدأت عمليا من قبل بتصدُّر حضرته للدفاع عن الإسلام في حوارات ومقالات للرد على المسيحية والهندوسية الآرية وغيرها. وفي عام 1889 أُمر من الله تعالى بتأسيس الجماعة، ثم أُخبر من الله تعالى في نهاية عام 1890 بأنه هو المسيح الموعود حصرا الذي تحدثت عنه الأنباء في القرآن الكريم والحديث الشريف، وأن عيسى قد توفي ولن يعود بنفسه. وقدَّم هذه الأدلة ابتداء من عام 1891 في كتابه «فتح الإسلام، توضيح المرام، إزالة الأوهام»، وبعد هذه الدعوى أصبح من المُلحِّ أن يبلِّغ الرسالة باللغة العربية، وهذا ما طالبه به الخصوم ثم ما رغَّبه فيه أصحابه أيضا. ولكن حضرته رأى أنه ليس بمقدوره أن يكتب الكتب بالعربية لأنه ليس متمكنا ذلك التمكُّن الذي يجعله قادرا على كتابة كُتب يضاهي فيها الكتاب والأدباء والشعراء العرب، بل ويتحداهم، وتكون هذه المقدرة أيضا آية من الله تعالى. فعندما وجد أن هنالك ضرورة وحاجة إلى ذلك، تضرَّع إلى الله تعالى، فكانت المعجزة العظيمة؛ إذ علَّمه في ليلة واحدة، وهي ليلة 12/1/ 1893 الكثير جدا من اللغات العربية، وأُخبر من الله تعالى أن هذا التعليم كان أربعين ألفا من هذه اللغات. وهذه الأربعين تشمل كل ما يتعلق باللغة من جذور وأساليب وتراكيب ونحو وصرف وتراث أدبي متنوع من شعر وأمثال ونكات وغيرها، ثم بدأ بعد ذلك بكتابة سلسلة الكتب العربية التي بلغت زهاء اثنين وعشرين كتابا، وكانت في معظمها تحدِّيات ما زالت قائمة حتى اليوم، وما زال الخصوم عاجزين عن الإتيان بمثلها، واقتصر كلامهم منذ ذلك الوقت على مجرد انتقادات سخيفة، وعجزوا هم بأنفسهم أن يستجيبوا للتحدي ويأتوا بمثلها، فلم يفعلوا ولن يفعلوا.
أما كيف حدثت هذه المعجزة؟ فتفصيل ذلك ما يلي:
جاء ذكر هذه الحادثة في كتاب «مكتوب أحمد»، إذ قال حضرته:
«إن كمالي في اللسان العربي، مع قلة جهدي وقصور طلبي، آية واضحة من ربي، ليُظهر على الناس علمي وأدبي. فهل من معارض في جموع المخالفين؟ وإني مع ذلك عُلّمت أربعين ألفا من اللغات العربية، وأُعطيتُ بسطة كاملة في العلوم الأدبية، مع اعتلالي في أكثر الأوقات، وقلّة الفترات، وهذا فضل ربّي أنه جعلني أبرع من بني الفُرات، وجعلني أعذب بيانا من الماء الفرات. وكما جعلني من الهادين المهديين، جعلني أفصح المتكلمين. فكم من مُلَحٍ أُعطِيتُها، وكم من عذراء عُلّمتُها، فمن كان من لسن العلماء، وحوى حسن البيان كالأدباء، فإني أستعرضه لو كان من المعارضين المنكرين.
وقد فُقت في النظم والنثر، وأُعطيت فيها نورًا كضوء الفجر، وما هذا فعل العبد، إنْ هذا إلاّ آية رب العالمين. فمن أبى بعد ذلك وانزوى، وما بارزني وما انبرى، فقد شهد على صدقي ولو كتم الشهادة وأخفى.» (١)
قد أشار حضرته إلى أن هذا التعليم قد حدث في ليله واحدة، وهي الليلة التي سبقت بدءه بكتابة كتاب التبليغ الذي كان المظهر الأول لهذا التعليم، فقد جاء في مقدمة كتاب التبليغ نفسه ذكرها، إذ قال حضرته:
وحول قصة هذه المعجزة، ورد في جريدة الحكم مما كتبه المولوي عبد الكريم السيالكوتي ما تعريبه:
كان الالتماس قد تمّ، فلما كانت الليلة تلقى حضرته من الله القادر الحكيم عز اسمه وحيًا بهذا الخصوص أن يكتب بالعربية، وطمأنه الله تعالى فورًا بأنه قد أُعطي القدرة على قدر كبير من اللغة العربية وستُجري روح القدس على لسانه وقلمه اللغات العربية عند الكتابة. وهذا ما حصل بالفعل، فأول ما ألف حضرته كان كتاب التبليغ الذي كنت معه طيلة فترة تأليفه وتشرفت بترجمته إلى الفارسية. وقد كتب لغة عربية فصيحة وبليغة بحيث كتب أحد الأدباء العرب بعد قراءته إلى المسيح الموعود : تمنيت بعد قراءة التبليغ أن آتي إلى قاديان ماشيًا على رأسي فرحًا ونشوة.
إن كمالي في اللسان العربي، مع قلة جهدي وقصور طلبي، آية واضحة من ربي، ليُظهر على الناس علمي وأدبي. فهل من معارض في جموع المخالفين؟ وإني مع ذلك عُلّمت أربعين ألفا من اللغات العربية، وأُعطيتُ بسطة كاملة في العلوم الأدبية، مع اعتلالي في أكثر الأوقات، وقلّة الفترات، وهذا فضل ربّي أنه جعلني أبرع من بني الفُرات، وجعلني أعذب بيانا من الماء الفرات.
وكان المولوي محمد حسين البطالوي وأمثاله قد أقاموا من قبل ضجة أن حضرته (أي المسيح الموعود ) لا يعرف صيغة واحدة من العربية وليس عنده أي إلمام بالصرف والنحو وغيرهما من العلوم العربية. وقبل إصداره فتوى التكفير بقليل قال في ثورة غضبه خلال جداله مع الحكيم حسام الدين في مسجدنا في سيالكوت: إن المرزا مجرد محرر بسيط يكتب بالأردية وأنّى له أن يعرف العربية، فلماذا تبالغون في مدحه وثنائه، وسأذهب حالا وأدبّر للقضاء على أمره في لمح البصر. وكانت نتيجة هذا التهديد والغضب أن أصدر لاحقًا فتوى التكفير تلك التي خرجت من قلمه بعد أيام قليلة. (٢)
وفي نهاية المقالة التي نُشرت في الحكم كُتب ما يلي:
كذلك ورد ذكر هذه المعجزة في رواية لصحابي اسمه غلام نبي سيتهي ، والتي أوردها حضرة مرزا بشير أحمد ، فقد جاء فيها:
كذلك جاء ذكر هذه المعجزة في رواية صحابي آخر وهو الحافظ صوفي غلام محمد ، إذ جاء فيها:
وهكذا، فقد كانت هذه المعجزة ولا زالت من أعظم معجزات حضرته تأثيرا إلى قيام الساعة، وكان قد سبق النبأ عنها في الحديث الشريف أيضا من ضمن معاني «يصلحه الله في ليلة»، وهي في الواقع ظلٌّ لمعجزة القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه، والذي لا زال يدمغ رؤوس المنكرين الكاذبين ويبكتهم.
1. مكتوب أحمد.
2. الحكم 3/3/1901م، ثم في كتيب واقعات صحيحة، مؤلفه ومرتبه: مفتي محمد صادق العثماني الأحمدي طبع في شهر تشرين الثاني 1901 ص 112-113.
3. سيرة المهدي، الرواية رقم 346، ج1، ص315.
4. سجل روايات الصحابة، المجلد السابع، رواية رقم 89.