براعة المسيحِ الموعود عليه الصلاة والسلام في معارضته لمعلقة طرفة بنِ العبد

براعة المسيحِ الموعود عليه الصلاة والسلام في معارضته لمعلقة طرفة بنِ العبد

تميم أبو دقة

كاتب وشاعر
  • شتان بين مواضيع المسيح الموعود والأغراض الشعرية لدى طرفة بن العبد
  • استخدم حضرته كلمات مشابهة محافظا على القالب والأسلوب بصورة مذهلة

__

ألّف الإمام المهدي والمسيح الموعود زهاء 22 كتابا باللغة العربية الفصيحة والبليغة، قدَّم فيها مبادئ الإسلام الحقة وتعاليمه السامية، وضمَّنها آلاف الأبيات من الأشعار الرائعة في العرفان الإلهي ومدح النبي وإظهار مزاياه العظيمة ومدح الإسلام والقرآن الكريم.
لقد تجلت في هذه الكتابات آية عظيمة؛ وهي تعلُّم حضرته الإعجازي لأربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة، إذ علَّمه الله تعالى الجذور والنحو والصرف والأساليب والتراث والشعر والأدب والأمثال والثقافة العربية واللهجات العربية الفصيحة المتنوعة. ولقد ظهر هذا التعلُّم في قوة لغته فتحدى الخصوم مرارا للإتيان بمثل كتاباته وعجزوا عن ذلك، كما تجلَّى في تطعيم كتاباته وأشعاره بالتراث العربي ومُلَحِه، بل وفي تجديد اللغة وربطها بتراثها، بل وفي إنشاء حركة للحفاظ على التراث العربي واستدامة ربط ماضيها بحاضرها معاكسا بذلك تيارا كان قد ساد في العالم العربي وسعى إلى تسطيح اللغة بل وإهمالها والتخلي عنها، بل تقدَّم درجة بإعلان أن الله تعالى قد علَّمه بأن العربية هي أمُّ الألسنة وأعظم لغات العالم بلا منازع، وقدَّم الأدلة العديدة على ذلك وتحدى بها.
وفي المقالات التالية سيتضح جانب من أعمال حضرته ومظاهرها، كما سيُرَدُّ تلقائيا على الاعتراضات حول اللغة العربية وعلى رأسها الاتهام بالسرقة من كُتب الأدب العربي كالحريري والهمذاني وكذلك من الشعر الجاهلي.

ذكرنا أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كان مبدعا في شعر المعارضات، وقد ابتكر أيضا المعارضة النثرية كما بينَّا أمثلتها في الحريري، وبينَّا كيف ارتقى حضرته بالكلمات والمعاني والتعابير ووظفها أروع توظيف.
وسأعرض الآن جانبا من معارضة المسيح الموعود عليه الصلاةJ والسلام لمعلقة طرفة بن العبد، وكيف استطاع بكل براعة توظيف عباراته وكلماته لتخدم غرض حضرته في إثبات أنه مبعوث ومأمور من الله، بينما لم تكن قصيدة طرفة بن العبد سوى الغزل والبكاء على الأطلال ثم وصف الناقة ثم تمجيد اللغو واللهو وشرب الخمر والدعوة إلى الإكثاJر منها لأن الحياة فانية! فشتان بين رسالة المسيح الموعود السامية ومواضيع طرفة بن العبد البالية.
ولننظر الآن إلى مواضع وظَّف فيها حضرته تعابير وصور طرفة لتخدم موضوعه السامي.
القصيدة هي:

المسيح الموعود:
أُمِرتُ مِنَ الله الكريمِ الممجّدِ
فقمتُ ولم أكسَلْ ولم أتبلّدِ

معلقة طرفة:
إذا القومُ قالوا مَن فتىً؟ خِلتُ أَنَّني
عُنيتُ، فَلَمْ أَكْسَلْ ولم أَتَبَلَّدِ

المسيح الموعود:
وهذا كتابي قد تلألأَ وجهُهُ
تلألُؤَ سِمْطَي لؤلؤٍ وزَبَرْجَدِ

طرفة:
وفي الحَيّ أَحْوَى يَنفُضُ المَرْدَ شادنٌ
مُظاهِرُ سِمطَيْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ

المسيح الموعود:
وأودعتُه أسرارَ علم وحكمة
ورتّبـتُه مثلَ الثقيفِ المسنّدِ

طرفة:
أُمِرّتْ يَداها فَتلَ شَزْرٍ وأُجنِحَتْ
لَهَا عَضُداها في سَقيفٍ مُسَنَّدِ

المسيح الموعود:
وقد بانَ وجهُ الحق فِيه وضَاحَةً
كخدٍّ نقيِّ اللّونِ لم يتخدّدِ

طرفة:
وَوَجهٌ كَأَنَّ الشّمسَ حَلَّتْ رِدَاءَها
عَلَيْهِ، نَقيُّ اللّونِ لَمْ يَتَخَدّدِ

المسيح الموعود:
وواللّه إني من نخيل خميلة
وحِبِّي ببستاني يروح ويغتدي

طرفة:
وَإنيّ لأُمضِي الهَمّ عِنْدَ احْتِضارِهِ
بِهَوجَاءَ مِرقالٍ تَرُوحُ وَتَغْتَدِي

المسيح الموعود:
وقد خَصَّني ربّي وألقى رداءَه
عليّ فما تَدرُون ما تحتَ بُرْجُدي

طرفة:
أَمُونٍ كأَلواحِ الإِرَانِ نَسَأْتُها
على لاحِبٍ، كَأَنّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ

المسيح الموعود:
وقد ذُلِّلتْ نفسي بتوفيق خالق
فليس كمثلي فوقَ مَوْرٍ معبَّدِ

طرفة:
تُباري عِتاقاً ناجِياتٍ، وَأَتبَعَتْ
وَظيفاً فَوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ

المسيح الموعود:
نما كلُّ علمٍ صالحٍ في قريحَتي
كأشجارِ مَولِيِّ الأسرّة أَغْيَدِ

طرفة:
تَرَبّعَتِ القُفَّينِ في الشَّوْلِ تَرتَعي
حَدائِقَ مَوليِّ الأسِرّةِ أَغْيَدِ

المسيح الموعود:
وقومي يعَاديني غروراً ونخوةً
متى أَدنُ رحماً يَنْأَ عنّي ويبعُدِ

طرفة:
فَما لي أراني وابنَ عَمّيَ مَالِكاً،
متى أَدْنُ منهُ يَنْأَ عَني ويَبْعُدِ؟

المسيح الموعود:
يسبّ وما أدري عُلاما يسبّني
أيُكفَرُ من يُعلي لواءَ محمدِ؟!

طرفة:
يَلُومُ وما أدري عَلامَ يَلُومُني
كما لامَني في الحَيِّ قُرْطُ بنُ معبَدِ

المسيح الموعود:
وكيف أعالج قلبَ وجهٍ مسوَّدٍ
غبيٍّ شقيٍّ في البطالة مفسِدِ؟!

طرفة:
أَرَى قَبْرَ نَحَّامٍ بَخِيلٍ بِمَالِهِ
كَقَبْرِ عَوِيٍ في البِطَالَةِ مُفْسِدِ

المسيح الموعود:
ويعلون دِعْصَ الرمل هرباً وكلّهم
كرَبْرَبِ ثورِ الوحش يخشون جَدْجَدي

طرفة:
وَتَبسِمُ عَنْ أَلْمى كَأَنَّ مُنَوَّراً
تَخَلَّلَ حُرَّ الرّملِ، دِعصٍ لهُ نَدِ
(كتاب التبليغ)

وكما رأينا، فقد استخدم حضرته أحيانا الكلمات ذاتها، وأحيانا كلمات مشابهة محافظا على القالب والأسلوب بصورة مذهلة رائعة بديعة.
فمن ذا الذي يستطيع أن يعارض فحول شعراء الجاهلية سوى من علَّمه الله تعالى اللغة العربية تعليما إعجازيا، فأصبح كأنه قد عاش هذه العصور وعايش أهلها؟
بقي أخيرا أن نقول بأن شعر المعارضات لا يتطلب أن يعلن المعارض أنني سأعارض القصيدة الفلانية! فهذا لم يحدث قط! بل هو ينظمها وينشرها ويرى الناس هذه المعارضة ويعرفونها.
أما إذا قال جهول – بناء على هذه المعارضة – أن حضرته قد سرق من طرفة بن العبد فهذا هو الخطل والخبل والجنون بلا حدود. فهل كانت معلقة طرفة مجهولة منسية لا يعرفها أحد، أم أن حضرته قصد أن يرى الناس هذه التعابير ويروا براعته مقابل طرفة ويروا كيف وظف هذه التعابير والتراكيب والصور لتخدم غرضا ساميا وهي بيان المعاني الروحانية السامية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك