- لماذا استحق الخلفاء الثلاثة ميراث النبوة؟
- كيف أوذي هؤلاء الخلفاء كما أوذي النبيون؟
___
يُعتبر كتاب سر الخلافة للإمام المهدي لوحةً أدبيةً عقائدية فريدة، وهو من أهم أعمال الحَكَمِ العَدْل حيث فصَل وحكَم في قضيةٍ بالغة الحساسيّة بين الشّيعة وأهل السنّة وهي مكانة الخلفاء الراشدين ووضْع حدٍّ لاختلاف المختلفين على تحديد الأتقى وردّ كيد الطاعنين، و ألّفه ليردّ على تُهم الشّيعة بحق صحابة رسول الله ويقدم كلمة حق في أمر الخلافة على منهاج النبوة، ويقطع معاذير المخالفين، واعتمد حضرته في استنباط أدلته الدامغة على القرآن العظيم، حيث قدّم القرآنَ الكريم على كل ما سواه؛ مما رسّخ لليقينيات وأزهق الظنّيات.
وَصف الكتاب
يتكون الكتاب من مقدمة وتمهيد وبابين إضافةً إلى رسالة وثلاث قصائد. المقدمة تعرض معيارًا مهمًّا يهدم فكر المتعصبين والمتحجرين الذين خرجوا ضد الحق لأسباب واهية كالتقاطهم للأخطاء واتباعهم لعورات المؤمنين، ويبين أن الخطأ والسهو من صفات الإنسان ولا كمال إلا لله تعالى ولكتابه العظيم، وأما البشر فلا يسلمون من النقص، فوجود بعض أخطاء الناسخ في كتبه لهو أمر طبيعي، ولكن التحدي الحقيقي بأن يأتي هذا الذي يعمل على إظهار الضعف والأخطاء بكتاب مثله ويقابله في المعاني الراسخة و الأهمية.
ويحتج على ذلك بقوله:
الباب الأول
تناولَ فيه حضرته مسألةَ الخلافة على منهاج النبوة وناقشها وبيّن حقيقتها ودلل عليها.
نلمس بتحليل حضرته الدقيق النقطة الحاسمة التي أوصلت حالَ الشيعة إلى ما هم عليه، وهي تضخيم فئة وتحقير أخرى وتكفير الآخرين بسبب الخلاف في الرأي والعقيدة. وبين حضرته أن الكراهية قد أعمت أبصارهم وجعلتهم مائلين إلى الإنكار والتطرف في الرأي. وقد بين حضرته أن القرآن الكريم لم ينـزع صفة الإيمان عن أي من فئتين متقاتلتين وإن بغت إحداهما على الأخرى وطغت. كما أن القرآن قد سمى المختلفين من المؤمنين إخوانا رغم خلافهم ورغم ما وقع في صدورهم من غل تجاه بعضهم بعضا، وبين حضرته أن الخلاف قد يقع نتيجة الاختلاف في الاجتهاد بين أكابر الأتقياء ولا يكون نتيجة فساد نيات فئة دون أخرى، ولكن ينبغي أن يكون المنهج في تلك الحال هو طي هذه المخاصمات لا روايتها وإذاعتها .
ويقول حضرته ملفتًا النظر إلى خطورة الطعن بالصلحاء :» فانظر إلى ما قال االله وهو أصدق الصادقين. إنك تكفِّر المؤمنين لبعض مشاجرات، وهو يسمي الفريقين مؤمنين مع مقاتلات ومحاربات، ويسميهم إخوة مع بغي البعض على البعض ولا يسمي فريقا منهم كافرين ، بل يغضب على الذين يتنابزون بالألقاب» (1). كما وأولى حضرته لجانب الأدلة العقلية أهمية كبيرة ولم يقتصر هذا الكتاب على تقديم الأدلة النقلية والعقلية فحسب، بل برزت فيه صبغة تحليلية أيضا امتاز بها حضرته، وبين من خلالها كيفية نشوء الآراء والأفكار الفاسدة وآثار تلك الآراء على من يعتقدون إضافة إلى مآل تلك الآراء ومؤداها ونتائجها. حتى جاء الكتاب متكاملًا يخدم الغرض الذي أُلف لأجله.
كذلك فقد دعا حضرته الشيعة في أوله إلى المباهلة إن لم يقبلوا حجته، ودعا السنة والشيعة في آخره إليها إن لم يقبلوا دعوته وأعرضوا عنها مستكبرين.
آلم حضرتَه كثيرًا ما قيل عن كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فانبرى لكلمة الحق لا يهاب أحدا من العالمين ويقول في ذلك: « وكنت أسمع منهم ذم الصحابة وذم القرآن وذم أهل االله وجميع ذوي العرفان، وذمّ أُمهات المؤمنين. فلما عرفت عود شجرتهم وخبيئة حقيقتهم أعرضت عنهم وحبب إليّ الانزواء، وفي قلبي أشياء . وكنت أتضرع في حضرة قاضي الحاجات، ليزيدني علما في هذه الخصومات، فعلِّمت رشدا من الكريم الحكيم، وهديت إلى الحق من االله العليم، وأخذت عن رب الكائنات وما أخذت عن المحدثات، ولا يكمل رجل في مقام العلم وصحة الاعتقادات إلا بعدما يلقى العلوم من لدن خالق السماوات» (2)، وقد دافعَ عن أبي بكر الصديق وقدّم الأدلة السّاطعة على أنه هو من تحققت فيه آية الاستخلاف تحققًا كاملا. وذكَر مناقبه وأعماله العظيمة للإسلام وأوّلياته وصحبته وملازمته للرسول في الحياة وفي الممات.
وقال مؤكّدًا مكانته:
كما دافع عن عمر بن الخطاب وبيّن مناقبه وأعماله العظيمة. وأكد أنهما أوذيا كما أوذي الأنبياء وجرت عليهما سنّتهم وهذه علامة ميراثهما لهم.
ويُسهب حضرته في ذكر المناقب والأعمال العظيمة للصحابة الكرام ويورد حجة بالغة للمتفكرين وهي مسألة حياة وممات الصديق والفاروق رضي الله عنهما:
وكذلك دافع عن عليٍّ وبيّن أن الشيعة قد أساؤوا إليه بما نسبوه إليه مما لا يليق بمكانته ومقامه العظيم، وأراد حضرته أن يئد الفتنة بتوضيحه موقف علي من الخلفاء قبله، وكيف بادر للمبايعة والطاعة، مما يلجم أفواه المعاندين والذين يحيكون الروايات الكاذبة حيث قال حضرته:
كما دافع حضرته عن عثمان وسائر الصحابة رضي الله عنهم وبيّن أن القرآن يشهد لهم أن الله تعالى قد ألزمهم كلمة التقوى وكانوا خيرة عباد الله الصالحين… وما توانوا في خدمة الدين القويم طيلة حياتهم.
ويقول حضرته في حق الصحابة الكرام: «وأظهر علي ربي أن الصدّيق والفاروق وعثمان، كانوا من أهل الصلاح والإيمان ، وكانوا من الذين آثرهم االله وخصوا بمواهب الرحمن، وشهد على مزاياهم كثير من ذوي العرفان. تركوا الأوطان لمرضاة حضرة الكبرياء، ودخلوا وطيس كل حرب وما بالَوا حرَّ ظهيرة الصيف وبرد ليل الشتاء، بل ماسوا في سبل الدين كفتية مترعرعين، وما مالوا إلى قريب ولا غريب، وتركوا الكل الله رب العالمين. وإن لهم نشرا في أعمالهم، ونفحات في أفعالهم، وكلها ترشد إلى روضات درجاتهم وجنات حسناتهم.»(6)
الباب الثاني:
تناول حضرته مسألة المهدي وحقيقة بعثته، وتحدث عما آلت إليه الأمة الإسلامية من سوء حال بسبب الفتن الداخلية والخارجية، وكيف أنّ اسم المهدي لهو أكبر إشارة إلى حاجة العصر، وبيّن حضرته أن الله أرسله إماما مهديا لإصلاح أحوال الأُمة ومسيحًا موعودًا؛ لمقاومة الفتنة النّصرانية الخارجية، وساق الأدلة على هذه الدعوى وبيّن حضرته سُنَّة الله تعالى في إصلاح حال القوم التي لا تبدل ولا تُحوّل.
ولم يقتصر هذا الكتاب على تقديم الأدلة النقلية والعقلية فحسب، بل برزت فيه صبغة تحليلية أيضا امتاز بها حضرته، وبيّن من خلالها كيفية نشوء الآراء والأفكار الفاسدة وآثار تلك الآراء على من يعتقدون بها إضافة إلى مآل تلك الآراء ومؤداها ونتائجها.
وصية الكتاب
ويورد وصية في نهاية الكتاب يوصي بها بالتقوى وترك سب الصلحاء ويؤكد ذلك بقوله:
هذا الكتاب بالفعل جاء محكمًا شاملا للأدلة والتحليل مستندا إلى الوحي في بدايته ومشفوعا بدعوة إلى المباهلة إثباتا للحق في أوله وفي آخره. وكما وصفه المسيح الموعود :
ودعاء حضرته هو خير ما نختم به هذه القراءة السريعة لهذا الكتاب العظيم حيث يدعو حضرته قائلًا :
الهوامش:
- حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، سر الخلافة، الطبعة 2، ص 16، الشركة الإسلامية المحدودة، 2013
- المرجع السابق ص11
- المرجع السابق ص 28
- المرجع السابق ص 37
- المرجع السابق ص 44
- المرجع السابق، ص 13