من مجالس الخليفة
لقاء مع العرب
(جمع وإعداد: عبادة بربوش)
اخترنا لقرَّائنا الكرام في هذا العدد سؤالاً ألقته أخت من المغرب على حضرة أمير المؤمنين بتاريخ 07-11-1995 وقد أجاب عليه حضرته باللغة الإنجليزية عبر برنامج لقاء مع العرب وحاز شرف الترجمة إلى العربيّة الأستاذ المرحوم الحاج محمد حلمي الشافعي (رئيس تحرير التقوى السابق).
السؤال:
هل تؤمنون بوقوع المعجزات؟
وما هو تفسيركم للمعجزات المختلفة التي حظيَ بها سيدنا سُليمان ( )؟
جواب حضرة مرزا طاهر أحمد
إننا نؤمن بالقرآن الكريم بكُليّته ونؤمن أيضًا أنه لا يوجد تناقض بين القرآن وبين حقائق الطبيعة وإلا لكانت الآيات التالية الواردة في سورة الـمُلك لا معنى لها حيث يقول تعالى:
إذًا ليس هنالك تعارضٌ بين مضامين القرآن الكريم وبين الكون لأنّ القرآن هو كلام الله والكون هو فعل الله ولا يمكن أن يتناقض الله في فعله وقوله. ونلاحظ أنّه ليس هنالك أي تناقض داخل الكون بين أجزائه ومكوناته المختلفة وبالتالي ليس هنالك تعارضٌ بين حقيقة خارجيّة في الكون وحقيقة داخليّة في القرآن، وعلى ضوء هذه القاعدة نفسر القرآن الكريم ونفهمه، ومع ذلك نحن نؤمن بالمعجزات ولكن أي نوع من المعجزات؟ المعجزات التي يؤيِّدها القرآن الكريم ولا يستنكرها، المعجزات التي لا تتعارض مع تاريخ الأنبياء ولا تتعارض مع سُنّة الله الثابتة مع أنبيائه جميعًا. إنّ المعجزات التي عاينتها الإنسانيّة عبر تاريخها ليست خرقًا أو نسخًا لقوانين الطبيعة التي وضعها الله . ولكن الإنسان العاجز يجهل الكثير من هذه القوانين التي وُضعت منذ خُلِقَ الكون.
فالله يُحرِّك بعض القوانين الطبيعيّة المجهولة لدى الإنسان ويُحدث أمرًا يبدو لنا عجيبًا ونسميِّه معجزة. ولو أخذنا على سبيل المثال العالِم الكيميائي الذي يتلاعب بالعناصر والمركّبات الكيميائيّة ويُخرج منها أشياء عجيبة. إنّه في الحقيقة لم يخرق أي قانون من القوانين العلميّة ولكنه يُحسن استعمالها في الوقت المناسب.
ويُخاطب حضرته السيدة الفاضلة من المغرب التي أرسلت هذا السؤال ويقول: أنتِ الآن تُشاهديننا على التلفاز ونحن في لندن وأنتِ في المغرب وتصلكِ الصورة والصوت بالرغم أنّ المسافة الفاصلة بيننا تُقدَّر بمئات الأميال. لو حدث هذا الأمر قبل 200 سنة مثلاً لاعتبره الناس معجزةً أو سحرًا أو شيئًا خُرافيًّا غير معقول ولكننا اليوم لا نُضفي على جهاز التلفاز أي شيء من هذا القبيل. فنحن تنكشف علينا قوانين الله في الطبيعة شيئًا فشيئًا ولكن الله يعرف كل هذه القوانين فهو يتناولها كما يشاء ويُبدي أمورًا نرى أنها مُعجزات. فيجب علينا أن نفهم أن قوانين الطبيعة لا تتعارض مع نفسها وحاشا لله أن يسمح بذلك لأنّه واضع هذه القوانين وإذا أجرى شيئًا فإنّما يكون ذلك داخل نطاقها لأنّه يعرفها جميعًا ونحن لا نعرف إلا ما سمح لنا به أن نتعرَّف عليه.
والآن أتطرَّق للحديث عن سيدنا سُليمان .. لقد تحدَّث القرآن الكريم عن تاريخ الأنبياء منذ عهد سيدنا آدم إلى عهد سيدنا محمد المصطفى وفي كل مواجهة بين أي نبي وأعدائه يكون هنالك قتالٌ وسفك دماء ولم يَرِدْ استخدام الجنّ في أي حالةٍ من هذه الحالات. نعم هنالك حالاتٌ تتدخّل فيها الملائكة وتُساعد المؤمنين كما حدث مع النبي ولكن نحن بصدد الجن وليس هنالك جنٌّ تدخلت في أي لقاء أو معركة بين نبي وأعدائه. ولكن الجيوش هي التي تتقاتل ولم يحدث هذا الأمر مع أي نبي وكيف يحدث هذا بالذات مع سيدنا سُليمان!! هذا خرق، هذا شيء غير عادي.
لقد ورد أيضًا أن الطيور اشتركت في الجيش وهذه الطيور قد يكون لها معنى آخر غير الطيور العادية حيث يظنُّ بعض الناس أنّ هذه الطيور كانت تطير فوق الجيش لتحميه من حرّ الشمس المحرقة؟!!، وإذا أخذنا هذه العبارات حرفيًّا ولم نُدرك أنها على سبيل المجاز والمثال فسوف نجد تعارُضًا هائلاً بين كلام القرآن وبين تاريخ البشريّة.. التاريخ الثابت المحقّق المتفق عليه عند الجميع..
إن تاريخ سيدنا سُليمان وداود تاريخٌ معروف وموثَّق ومصادره موجودة ولم يحدث أبدًا أن ذكر لنا التاريخ أن سيدنا سُليمان أطلق كتائب من الجن وأسرابًا من الطير لتقاتل أعداءه.. إنّ التاريخ لم يروي كلمة واحدة حول هذا الصدد عن هذه الأمور، وما الداعي إلى الجيش إذا كان الجنّ أهم ركيزة جيشه فهو كفيلٌ للقضاء على العدو، فما الحاجة إلى الطير إذًا!!
لقد تحدَّث القرآن الكريم عن هؤلاء الجن بالذات الذين ذُكروا مع سيدنا سُليمان بأسلوبٍ يجعلنا مُلزمين بان نفهم أنّهم من البشر حيث قال :
أي مربوطين بالسلاسل الثقيلة.. فالجنّي إذا وُضِعَ في السلاسل فقد أصبح مثل الكائنات الحيّة التي يمكن أن تُربط أو تُغلّ مثل الإنسان أو الحيوانات. فالأمور المتداولة بين الناس حول الجن من أنها تخرق الجدران دون أن تحطمها وأنها تصعد إلى السماء وتغوص في الأرض وإلى آخر تلك الخرافات يستحيل أن ينطبق هذا المفهوم الخرافي على الجن الذي رُضِّخ لسيدنا سُليمان، وزد على ذلك أي جن ذلك الذي يُربط بالسلاسل الحديديّة ولا يُذيبها!! ألم يُخلق الجن من نار؟! وأي جن ذلك الذي يغوص في أعماق البحار ولا ينطفئ.
فإذا كان الجن من مادة يمكن أن تُقيَّد وتغوص في البحار فلم يعد جِنًّا بالمفهوم المتداول لدى الناس.
لقد أخبرنا القرآن الكريم عن الجن في عهد سيدنا داود وسُليمان (عليهما السلام) بكل وضوح فلماذا هذا الشذوذ عن هذا التقرير البيِّن المحتوي على حقائق قُرآنيّة خالدة ونلجأ إلى عالَم الخيال والأساطير. وأؤكِّد وأكُرِّر مرارًا أنّ القرآن لا يحتاج إلى معونةٍ خارجيّة ليُفسِّر نفسه بنفسه.. وإذا قرأتم القرآن بحرصٍ وتدبُّر لوصلتم إلى هذه النتيجة لا سواها.
فإذا أخذنا الطير بمعناه الحرفي وأن الهُدهد طائرٌ حقًّا فأين يُخبرنا القرآن أن الهُدهد تعلَّم لغة البشر؟ نحن نعلم أن سيدنا سليمان يعرف لغة الطير:
ولكن هل كان الهُدهد يعرف لغة سيدنا سُليمان؟ وهل ذكر الله أنه علّم الهُدهد لغة البشر حتى يفهمها، ليس لغة سيدنا سُليمان فحسب بل لغة الآخرين الذين ذهب إليهم واستمع إلى أقوالهم ونقلها إلى سيدنا سُليمان. هل القرآن أخبرنا بهذه التفاصيل؟ وهل الأحاديث هي الأخرى أخبرتنا بهذا أيضًا؟ هذا لم يحدث. نعم لقد علَّم الله سيدنا سُليمان لغة الطير ولكن لا القرآن ولا الأحاديث النبويّة الشريفة تذكر أنّ الله علّم الهدهد لغات البشر.
يستحيل أن ينطبق هذا المفهوم الخرافي على الجن الذي رُضِّخ لسيدنا سُليمان، وزد على ذلك أي جن ذلك الذي يُربط بالسلاسل الحديديّة ولا يُذيبها!! ألم يُخلق الجن من نار؟! وأي جن ذلك الذي يغوص في أعماق البحار ولا ينطفئ.
أسئلة عديدة تطرح نفسها في هذا المقام: هل مصطلح الطير يشمل النمل؟ وكيف عرف سيدنا سُليمان لغة النمل؟ فالنمل ليست طيرًا!! إذًا بأي لغة خاطب سيدنا سُليمان النمل؟ أروني قاموسًا عربيًا واحدًا يذكر أن النمل يعني الطير أو الطير تعني النمل. إذا أخذنا النمل حرفيًّا ونقصد به الحشرة الصغيرة التي تمشي في الأرض فكيف تعرف الحشرة لغة البشر وأسماءهم ومقاصدهم وأين سيذهبون وماذا سيفعلون؟ فالتفاسير الساذجة التي تُصرُّ على أن النمل هنا هو فعلاً تلك الحشرة تجعل من القرآن كتاب خُرافات وأساطير لا علاقة لها بالتاريخ والحقائق العلميّة. وإذا كنا نحب الأساطير هذا الحب الكبير فلنُضحِّي بكرامة القرآن وشرفه ومكانته السامية لإرضاء هذه الرغبة.
ماذا قالت هذه النملة التي يحكي القرآن الكريم أنّها كانت تُخاطب سائر النمل؟ قالت:
سبحان الله تُخاطِبُ النمل بصيغة الجمع العاقل. أي أن الخطاب غير موجَّه إلى حشرات ويزداد الموضوع إيضاحًا في صيغة الخطاب إذ أن نملةً قالت:
المساكن هي للبشر والنملة يكون لها جحر ولكن لا يكون لها مسكنٌ كالبشر.
نحن نعلم أن النحل والنمل ينتميان إلى مجموعة الحشرات فمن المفروض أن يستعمل الله نفس أسلوب الخطاب في توجيه رسائله إليهما ولكن نرى أن هذا الأمر لم يحدث واقتضت حكمة الله أن يُخاطب النحل بأسلوب المفرد المؤنَّث
نفهم من سياق الآية أنّ الله يُخاطب النحل الحقيقي أي تلك الحشرات. ولكن في حالة النمل استخدم الله في الخطاب أسلوب الجمع العاقل ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ أي أنّ النمل الـمُخاطب ليس تلك الحشرات ولكن نمل عاقل أي بشر.
فالسيدة العاقلة التي رأت جيش سُليمان يتحرَّك نصحت أهاليها أن يلزموا مساكنهم ربما يُحطمهم سُليمان وجيشه خطأ
هذا النظام نظامٌ معروف وهو كلما تنتقل الجيوش العظيمة من مكانٍ لآخر يُطلب من الأهالي أن يُخلو لهم الطريق كي لا يدوسهم الجيش أو كي لا يُظنَّ أنّ الناس يريدون قتالهم. ولما بلغ الخبر سيدنا سُليمان أدرك أنّ قوته وعظمته هذه هي نعمةٌ جليلة من الله وأنّ السمعة والرهبة والعظمة قد وصلت إلى هؤلاء الناس وملأت قلوبهم فحمد الله وأثنى عليه لهذا السبب.
والهُدهد هو اسم عَلَم استُعمل في ذلك الوقت بين اليهود ولا زال يُستعمل إلى أيامنا هذه بين العرب فهناك أُسر تُسمى هُدهد وهناك أفراد أسماؤهم هُدهد. ونحن نستغرب كيف يكون الهدهد ذلك الطير الضعيف المسكين عضوًا في الجيش. أيُّ جيشٍ هذا الذي يستغني عن النسر ويضم في صفوفه هُدهدًا!! الهدهد لا يصلح أن يكون مقاتلاً أو مدافعًا. كيف يتصوَّر إنسان أن سيدنا سُليمان يفتقد هذا الهدهد الصغير ويبحث عنه.
وإذا قرأنا التفاسير العديدة لوجدنا فهمًا عجيبًا وغريبًا وساذجًا للقرآن الكريم. في الحقيقة إن ما بيَّنته تلك التفاسير ليس فهمًا للقرآن ولكن تَقوُّل على كتاب الله الكامل. فيقولون مثلاً إنّ سيدنا سُليمان كان يسير هو وجيشه وفوق رأسه مظلةٌ مكوّنة من الهَداهد.
وهذا ما اضطر إليه بعض المفسرين عندما وجدوا أن الهدهد حيوان ضعيف لا يصلح أن يكون جنديًّا في جيش سيدنا سُليمان فاخترعوا القصة التالية. وهي أن جيش سيدنا سُليمان كان يسير تحت مظلة من طيور الهدهد تبسط أجنحتها فتمنع أشعة الشمس الحارقة من أن تنزل على الجيش. انظروا إلى هذا التفكير البسيط.. يستعمل الملايين من هذا الطير لكي تحجب عن الجيش أشعة الشمس. واكتشف سيدنا سُليمان غياب الهُدهد عندما رأى بصيصًا من أشعة الشمس ينزل إلى الأرض وتساءل من الذي كان في هذا المكان وتخلّى عنه ابحثوا عنه واقبضوا عليه فسوف أذبحه. إذا كان هذا التفسير يُرضي ضمائِرهم حول وظيفة الهُدهد فكيف سنقنع باقي الناس الذين يجب أن ندعوهم إلى الإسلام ونُبيّن لهم جمال وكمال القرآن. هذه الأساطير فعلاً لذيذة ولكن لا يجوز أن ننسب مثل هذه الخرافات الوهميّة إلى كتاب الله الحكيم الخبير.
وكذلك بسبب إصرارهم على أنّ الهدهد هو ذلك الطير البسيط اقترح البعض الآخر من العلماء الذين لم تعجبهم هذه التفاسير أنّه كما كان الحال بالنسبة لسيدنا موسى وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ (الأعراف: 161)، كان من المفروض أن يتبع الله نفس الطريقة لتغطية سيدنا سُليمان وجيشه. المصيبة الكبرى في هذا الصدد أنهم يُصرُّون أن الهُدهد هو فعلاً من الطيور لذلك يخترعون الأقاصيص ويحاولون إبداء أسباب وجوده في الجيش وإلا فما المبرر أن يكون في جيش سيدنا سُليمان هُدهدًا. وما حاجة هذا الهُدهد الصغير في هذه الجيوش العظيمة لذلك لا بدّ أن نبحث له عن وظيفة. لذلك قدَّم فريقٌ آخر من العلماء اقتراحًا آخرَ أيضًا قائلين بان الهُدهد له خاصية فريدة وهي أنه يستطيع بواسطة منقاره أن يتعرَّف على الماء في باطن الأرض. كيف ننسب هذا الأمر إلى سيدنا سُليمان؟ وهل استدعت حكمته وفطنته أن يأخذ هُدهدًا واحدًا ليدله وجيوشه على مواقع الماء. ألم يتعهد سيدنا سُليمان بذبح ذلك الهُدهد إذا لم يأتِ بمبرر مقنع لغيابه!؟ إذًا ماذا سيفعل بعد ذبحه أو بعد أن يموت ذلك الهُدهد الوحيد ميتةً طبيعية؟ من سيدلُّهم على مواقع الماء فيما بعد؟!
هل نأخذ بهذا الكلام الفارغ الذي لا ينطبق على حكمة الإنسان العادي فما بالكم بحكمة سيدنا سُليمان الحكيم. هل يمكن أن نستدلَّ بهذه الخرافات على أنها معجزات؟ هل يجوز أن يقول أي إنسان كلامًا وينسبه إلى الله ونُسميّه معجزات؟! وإذا لم نؤمن بما قاله هذا الإنسان نكون لا نؤمن بالمعجزات!! أيُّ معجزاتٍ هذه، هذه تخاريف.. لأنها لو كانت معجزة لحقّقت هدفًا معقولاً ولكنها لم تحقّق أيّ هدف، كل ما في الأمر أن هذا الهُدهد ليس هُدهدًا حقيقيًّا ولكنه كان إنسانًا يمكن أن يكون جنديًا أو قائدًا في الجيش.
لو أن هؤلاء المفسرين قرأوا القرآن بعينٍ مُدركة وعقلٍ متفتّحٍ لأدركوا أن هذه الأمور لا يمكن أن تكون بهذه الصورة. لقد خرج سيدنا موسى ( ) بقومه بأعدادٍ غفيرة من مصر وذهبوا إلى سيناء وواجهوا مشكلة الشمس المحرقة في صحراءٍ قاحلة لم يستعملوا الهُدهد أو غيره من الطيور وإنّما ظلّل الله عليهم بالغمام وهذا شيءٌ معقول لأنّ الغمام يُعطي الظلّ الطبيعي في مثل هذه الظروف. وإذا سقط منه شيء يسقط ماءٌ قُراح نقيٌّ طاهر، ولما احتاجوا الماء للشرب أمر الله سيدنا موسى أن يضرب بعصاه الصخر في الأماكن التي يوجد فيها الماء. وفعل ذلك اثنتي عشرة مرة وفي كل مرة يخرج الماء. هنا كانت المعجزة حيث أن الله دلَّ نبيّه في كل مرة على مكان وجود الماء. هذا شيءٌ معقول الغمام والماء الذي يخرج من الأرض. أما هؤلاء المفسرون الذين يقولون أن الهداهد كوَّنت سحابةً فوق الجيش لتحميهم من حرِّ الشمس. ألا يخرج من هذه الهداهد فضلاتٌ تقذفها بالآلاف.. هل سيسير الجيش تحتها حاملين مظلاتٍ تحميهم شرَّ هذه الفضلات. وإذا حملوا هذه المظلات فما فائدة هذه الطيور. لا بدّ أن يفكروا عندما يحبكوا خرافة ويقدِّموها على أنها معجزة.
كما يوجد في كتب الشيعة رواية عن سيدنا علي وهي أن سيدنا سُليمان كان يستطيع أن يرى النمل من مسافةٍ بعيدة وتعجَّب بعض الناس من هذا الأمر. فقيل لهم أنه علاوةً على ذلك كان بإمكان سيدنا سُليمان التمييز بين الذكر والأُنثى من النمل من تلك المسافة البعيدة. مرةً أخرى نتساءل لماذا لم يتمكن سيدنا سُليمان من أن يتطلَّع إلى الهُدهد الغائب إذًا؟
وتذكر مصادر أخرى أن سيدنا سُليمان صنع صرحًا زُجاجيًّا لأنّه سمع أنّ الملكة بلقيس كانت مُولَّدَة أي أنّ اباها أو أمها من الجن أي أنها خليطٌ من الجن والإنس والكائن من هذا النوع حسب رأيهم تكون أقدامه معكوسة فدبَّر هو ومهندسوه هذه الخطة البارعة في صورة الصرح المصنوع من الزجاج والماء يجري من تحته حتى تضطر الملكة أن تكشف على ساقيها فيعرف هل هي من الجن أم من الإنس. هل يجوز أن تُنسب هذه الخُرافات إلى سيدنا سُليمان وإلى القرآن الكريم وهو يحكي لنا مثل هذه الأمور المريبة. إنّ أول وصفٍ وُصِفَ به القرآن الكريم في أول سورة بعد الفاتحة ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ يفسِّرونه بهذا الريب، ريبٌ بعد ريب، ثم نقول لا ريب فيه. هل هذه تُعتبر معجزات، هل ترفع من كرامة القرآن وتبيّن من عظمة الله. لا، هذه إساءة إلى القرآن وإلى حكمة الله لذلك نرفضها ونرى أنها ليست بمعجزات ولكن خُرافات.
وسأذكر لكم الآن ما قصده القرآن حول نقل عرش الملكة بلقيس. تذكر كتب التفسير أنّ عفريت من الجن خطف عرشها وأحضره إلى قصر سيدنا سُليمان. هذا العرش العظيم إذا تحرَّك يجب أن يحسَّ الناس بذلك.. ولكن قال سيدنا سُليمان:
وعندما سألها: أَهَكَذَا عَرْشُكِ قالت: كَأَنَّهُ هُوَ لو كان العرش جاء من قصرها لكانت افتقدته ولعرفت أنّه أُحضِرَ من قصرها ولقالت هُو.. هذا هو عرشي المسروق.
فالمقصود من نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا ليس حول عرشها الموجود في قصرها.. لأن من معاني التنكير اجعلوا عرشها غريبًا عليها. مما دفع بعض المفسرين إلى القول أن العفريت من الجن أحضر عرشها وأحدث فيه بعض التغييرات بحيث لا تتعرَّف عليه. لكن القرآن الكريم بنفسه يُكذِّب هذا المعنى إذ أنّها قالت: كَأَنَّهُ هُوَ إذًا لقد تعرَّفت عليه واستحت أن تقول هو مثله تمامًا أو أنّ الفرق بسيط. نحن لا نقبل بهذا الرأي لأنني أرى أن المعرفة هو الشيء الـمُعرَّف الذي ليس له مثيل. مثلاً اسم محمد لا ينطبق على كل الناس.. أي أنّ هنالك عروشًا كثيرة مثل عرشها لأنّها كانت مغرورة بعرشها وأنّ ليس له مثيل فأراد سيدنا سُليمان أن يقول الشيء الذي ليس له مثيل ليس عرشك وإنّما الله سبحانه وتعالى، وانظري إلى العرش الذي أمامك يُشبه عرشك في العظمة والجلال وفي الفخامة. وبهذه الصفة لم تعد بمفردها تملك عرشًا فريدًا من نوعه ولكن سيدنا سُليمان قاسمها في ذلك. وهكذا كسر غرورها وأفهمها أنّها ليست متميزة بهذا العرش مما جعلها تفكّر في عقيدة سيدنا سُليمان.
ولم يُصنع الصرح الزُجاجي كي تكشف الملكة بلقيس عن ساقيها وإنّما هذه الملكة كانت وأهلها يعبدون الشمس. والشمس كما نعرف مصدر النور والحياة والدفء ولا نعرف مَنْ وراء هذه الشمس الذي يُسيّرها ويتحكّم فيها. أراد أن يُبيّن لها أنّ الإنسان إذا رأى الظواهر ولم يتفكّر في البواطن فإنّه يُخطئ، لذلك صنع الصرح الذي هو من زجاج وتحته ماء يجري. فالمشاهد يرى ماء ولكن الحقيقة هنالك زجاج أولاً ثم تحته يوجد الماء. ونفس هذا المثال ينطبق على الشمس هي ظاهرة لنا ولكن وراءها الله وهو الحقيقة الدائمة الأزليّة وهو الذي يتصرَّف في الشمس كما يشاء، لذلك عندما رأت هذا المشهد وكشفت عن ساقيها قيل لها: لا داعي لذلك إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ . أدركت هذه الملكة حقيقة الأمر وفهمت أن سيدنا سُليمان أراد أن يُبيّن لها حقيقةً كانت مخفيّةً عنها وفهمت وأيقنت أنّ الشمس التي تعبدها ليست هي الله الحقيقي لذلك قالت:
اقرأوا هذه الآية مرةً أخرى وتمعَّنوا فيها واسألوا أنفسكم لماذا آمنت الملكة بمجرَّد أن قيل لها:
ومن ضمن الخرافات الأخرى الرائجة عند كثير من المسلمين أنّ دابّة الأرض كانت تأكل من العصا التي كان يرتكز عليها سيدنا سُليمان وهو ميت وتُركت جثته في شُرفةٍ تُطلُّ على الشارع العام في هذا الوضع كي يهاب الجنّ سيدنا سُليمان ولا يثوروا على حكومته! هل يتصوَّر أحدٌ أنّ الله يُهينُ نبيّه بهذا الشكل إلى درجة أنّ جُثّته تسقط بعد أن تأكل دابة الأرض أو الدود العصا فيتبيّن للناس أنّه قد مات؟! هل هذه من المعجزات في شيء.. العقل يرفض هذه الأمور ولكن التفسير الذي تقترحه الجماعة الإسلامية الأحمدية هو التفسير الذي يتفق مع العقل والذي يُظهر حكمة القرآن الكريم وحكمة من أنزل القرآن وحكمة من أتى بهذا الكتاب الكامل سيدنا محمد المصطفى . نحن نرى أن العصا ترمز إلى جاه الـمُلك وجلاله وسلطته أمّا دابة الأرض فهي إشارةٌ إلى المرء الذي يُخلد إلى الأرض أي لا يُبالي بعلاقته بالمولى ولا يهتم إلا بالأمور الدنيويّة. يخبرنا التاريخ أن مملكة سيدنا سُليمان بدأت في الاضمحلال منذ أن تولّى ابنه بعده مقاليد الحكم، إذ أنّه لم يتمتّع بشخصيةٍ قياديّة ولم تكن لديه الكفاءات التامة لمراقبة الأهالي الذين جُنِّدوا لخدمة المملكة والسيطرة عليهم حيث ثاروا عليها وأطاحوا بحكمه. فدابة الأرض هي السبب في سقوط مملكة سُليمان لا جثّة سُليمان ( ).