لا يخفى على أحد من المسلمين المتابعين لما يدور في مسرح أحداث الشارع الإسلامي أنه منذ فترة ليست ببعيدة أخذت كثير من القوى التنصيرية تنتهج أسلوبا متسما بالتوهين والتشويه للإسلام وتعاليمه السمحاء والقدح في شخص رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك في محاولة يائسة لنشر مذهب التثليت والدعوة إلى تأليه المسيح وكفّارته المزعومة بين أوساط المسلمين.. إلا أن محاولة نشر المسيحية بمبدأ امتهان الكذب والتشويه المتعمد للإسلام وتعاليمه أمر يتنافى والقيم الأخلاقية للمسيحية ذاتها ولأي عقيدة أخرى. إلا أن هذا الأسلوب استثار عواطف الناس ومشاعرهم الدينية وجرحها بالافتراء والطعن المتعمّد، وبث الشبهات، والتطاول السّافر الذى هو منهج الضالين المضلين الذين يتنصلون من الصدق والأمانة ومعاني الإيمان.. ولعلّ الكتابات والمصنفات الكثيرة التي ألفها فريق من القساوسة والمستشرقين الغربيين الظالمين حول شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لهي شهادة على الزيف والبهتان الذي يصوَّرُ به ديننا الحنيف.. ويُستثنى من ذلك فريق من المنصفين العادلين الذين وثقوا شهادة الحق بما درسوه وحققوه من مزايا الإسلام وبراءته من الطعون المغرضة والشبهات الحاقدة فأثنوا على محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ورسالته..
إن العدل والإنصاف والقول السديد هو مبدأ يجب أن يتحلى به أتباع كل دين مهما كان بينهم من اختلاف عقائدي لأن القيم الروحية الأصيلة المتمثلة في التزام الصدق والحق قاسم مشترك بين كل التعاليم، وأن التعايش بين الأديان ضرورة وغاية يجب أن يسعى إليها أتباع كل دين ويحرصوا عليها، كما أن هذا الجو من التسامح هو ما يساعد على التعرف على مزايا كل دين وخصاله الروحية وثماره، لأن الشجرة الطيبة تُعرف بثمارها.. وهكذا يتسنّى للناس كافة معرفة الدين الحق ومناقشة العقائد المختلفة والتفكّر فيها وهم في مأمن من كل ما يعكّر صفو السلام من التجريح أو التشاحن..
لقد انتشر الإسلام بفضل هذا المنهج الذي لا يقول إلا الحق ولا ينسب للآخرين المخالفين له إلا ما يؤمنون به من حق أو ما انحرفوا عنه من باطل، دون أن يعمد إلى أسلوب الافتراء أو التقوّل.. وحينما نتتبع هذا المنهج في القرآن المجيد نجده جليا في مواضيع كثيرة ومنها المسيحية، إذ أن القرآن دافع عما هو حق وأثنى عليه في موضوعاتها وكل ما يتصل بها، ودحض في الوقت نفسه كل ما ألصق بها من معتقدات زائفة تنتقص من أصولها التي كانت عليها، إن إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل سِمَةُ الدين الحق والكتاب الحق، ولما كان القرآن فرقانا. أي فاصلا بين الحق والباطل ورسالةً خاتمة إلى يوم الدين،كان لا بد له من أن يتَّسِمَ بهذه السِّمَات المميزة..
لقد آن الآوان للأمة أن تستيقظ من غفلتها فقد حانت ساعة سيادة دين المصطفى صلى الله عليه وسلم لإنقاذ الإنسانية من براثن البُعد عن الحضرة الإلهية….
وباستقراء التاريخ الديني نجد أن من يحيد ويبتعد عن نهج الحق في كل عصر، هم أعداء الأنبياء والمرسلين الذين يتخذون من الافتراء والتشويه مبدأ لهم على أمل الانتقاص من الوحي والنبوة ووضع حاجز وهمي للحيلولة بين الناس وبين ما يتمناه الأنبياء من هداية وإصلاح وانتشار للدعوة..! لكن الله تعالى ينسخ باطل أعداء المرسلين ويزيل كل العقبات التي تعترض سبيل الحق، فينكشف الباطل وأهله، وتتجلى آيات صدق مبعوثي السماء، فيندفع نهر الإيمان دافقا يخترق ويجرف كل ما يحول دون مجراه ليسقي العطاشى ويرتوي منه المحرومون، وهكذا يجعل الله من فتنة المبطلين سببا في رقي جماعات الأنبياء..
أخي القارئ لقد بلغ توهين الإسلام ذروته وانتقل إلى مراحل خطيرة من حيث القوة والحجم والعلانية التي يعمل بها، حيث لم يعد عدو الإسلام شخصا أو عشرات الأشخاص أو هيئة أو منظمة بعينها، بل اتخذ اليوم شكلا آخر ينم عن تحالف وتكتل منسجم بعضه مع بعض وإن تعددت اللافتات والشعارات التي يحملها.. إذ أصبح تيارا كبيرا من القوى له ما يَرْدِفُه ويدعم توجهاته ويسانده ويحركه من وراء الكواليس كدمية متحركة.. وبوصف أدق نؤكد للجميع جازمين بما لا يدع مجالا للشك أننا نشهد زمن الدجّال ويأجوج ومأجوج بكل جلاء، فقد ماجوا بفتنهما في الأرض كلها تموّج الأمواج العاتية، فأمعنوا النظر في ما أُخْبِرتُمْ به واعلموا أنه ليس ثمة اختلاف أو غموض بين ما أنذر به القرآن وما جاء في الأحاديث عن شرورهما لمن له عينان روحانيتان مبصرتان. فالفتنة المسيحية التي تكاد السموات يتفطرن منها والأرض، وفتنة يأجوج ومأجوج المتمثلة في القوى المادية للغرب ما هي في حقيقتها إلا شيئا واحدا.. والممعن للنظر في هذا الزمن يرى أنهما حقيقة إذ لم تشهد الأمم الأولى من قبل أبدا ما يشهده المسلمون والعالم في هذا العصر. إن الأمة اليوم ترى بأم عينيها الهجمة الشرسة على الإسلام، وإهانة رسوله صلى الله عليه وسلم واستفحال فتنة الصليب وهي واجمة عاطلة مكبّلة بطوق من الأغلال التي أفقدتها سيادتها الروحية والمادية كنتيجة مباشرة لتجاهل التحذيرات النبوية وتفسير النبؤات المحمدية تفسيرا خرافيا وهميا لن يتحقق.. ونحن معشر المسلمين الأحمديين نرى هذا الأمر رأي العين بجلاء أكثر من الآخرين. لقد آن الآوان للأمة أن تستيقظ من غفلتها فقد حانت ساعة سيادة دين المصطفى صلى الله عليه وسلم لإنقاذ الإنسانية من براثن البُعد عن الحضرة الإلهية. فقد نادى منادي السماء، فهلمّوا إلى هذه الدعوة المباركة وابذلوا تضحيات جمّة، من تواضع القلب، ومراجعة النفس، وكسر الأوثان التي تُعبد من دون الله ظاهرة وباطنة، وتحلوا بالصبر على المكاره في سبيل الإيمان، واستعدوا لقبول كل تضحية في سبيل الله ودينه كدأب من كان قبلكم ممن أنعم الله عليهم! واشربوا من الترياق الروحاني الشافي الذي جاء به الإمام المهدي عليه السلام من عند الله إذ به ستدب الحياة بين موتاكم الروحانيين فينهضون، ويشفى عميان القلوب فيبصرون، وبه يُكسَر صليب الشرك والكفر، وتُحَرَّرُون من قيد الدجّال، وبه يُقضى على مفاسده الأخلاقية الخنـزيرية وعاهاته الروحانية، وبه تقع الأمنة والسلام على الأرض وترتفع راية الإسلام العظيم راية محمد المصطفى .