القرآن الكريم وإعجاز التسمية

القرآن الكريم وإعجاز التسمية

محمد منير إدلبي

باحث إسلامي
  • فهل الإسلام والرسول والقرآن من عند الله ويجب علينا أن نصدق بهم جميعا أم لا؟!
  • وماذا تقول أمهات كتب اللغة والاصطلاح وقدامى المفسرين في معنى لفظ “القرآن”؟
  • وما النبوءة المتضمنة في هذا الاسم المبارك؟

____

ليس ثمة أسهل من البرهان على أن دين الله الإسلام هو دين الله الحق الذي فيه الخير الشامل على المستوى الإنساني والفردي. ولكن قبل أن نقيم البرهان على ذلك لا بد من التأكد من أننا نعرف البرهان على وجود الله من جوانب متعددة. وأهم جانب في هذا البيان هو التركيز على تحقق النبوءات التي وردت في القرآن الكريم أو جاءت على لسان سيدنا رسول الله . وذلك لأنّ النبوءة هي علم بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله. فإذا ثبت صدق نبوءة جاءت في القرآن أو في بيان رسول الله فهذا بالتأكيد يدل على صدقه أنه رسول من عند الله وأن الكتاب الذي أُنزل عليه (القرآن) هو أيضا من عند الله وكذلك دين الإسلام الذي يدعو إليه هو دين الحق من عند الله، وأن كل ما جاء فيه حق وصدق ولو اختلف المفسرون، وبذلك ينحلّ الإشكال المتعلق بالتساؤل القائل:

هل الإسلام والرسول والقرآن من عند الله ويجب علينا أن نصدق بهم جميعا أم لا؟!

وللبرهان على ذلك نبدأ ببيانِ نبوءةٍ ومعجزة خالدة جاءت في القرآن الكريم في كلمة واحدة ويشهد عليها العالم كله حتى اليوم، وستبقى كذلك إلى يوم الدين. هذه النبوءة هي الاسم الذي أَطلقه الله على الكتاب الذي أنزله على سيدنا محمد خاتم النبيين ، إنه اسم «القرآن»، حيث يأمر الله الرسولَ أن يبلّغ الناس به فيقول:

وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. (1)

ويقول:

وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ (2)

ويقول:

ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ. (3).

فأين النبوءة والمعجزة في كلمة “القرآن” هنا؟ وكيف تُبرهن على وجود الله وصدق رسوله وصدق القرآن ذاته؟

إنّ هذه النبوءة والمعجزة تكمن في معنى كلمة «القرآن» وفي تحققها المشهود في العالمَيِن، حتى باعتراف خصوم الإسلام بذلك، وفي هذا المقال نتطرق إلى بيان شيء من تلك التفاصيل.

مقولة أمهات اللغة والاصطلاح وقدامى المفسرين

لفظ «قرآن» بضم القاف، اختلف في معناه، فقيل هو اسم علم غير مشتقّ خاصّ بكلام الله فهو غير مهموز، أي إنه ينطق «قُران» دون همز الألف، وبه قرأ ابن كثير وهو مروي عن الشافعي(4).

وقيل هو مشتقّ من قرنت الشيء بالشيء سمّي به لقران السور والآيات والحروف فيه. وقال الفرّاء هو مشتقّ من القرائن وعلى كلّ تقدير فهو بلا همزة ونونه أصلية(5).

ومما ذكره قدامى المفسرين من تأملهم للفظة «قرآن» ارتكازا على الدلالة المعجمية، ما قاله العلامة الطبرسي في تفسيره «مجمع البيان» حيث قال: «قرأتُ الشيء أي جمعتُ بعضه إلى بعض»(6)، وقد لاقى هذا المعنى ترحيبا من كثير من المُحدَثين، حيث اعتمده المختصون في دراسة علوم القرآن، فقالوا: «قرأ الشيء قُرءًا وقُرآنا: جمعه وضم بعضه إلى بعض»(7).

وحين النظر في البنية الصرفية للفظ «قرآن»، نرى أنها أتت على وزن «فعلان»، وهذه البنية الصرفية عادة ما تُفيد المبالغة والكثرة، كما وتُفيد الجمع. وعلى نفس الوزن الصرفي اشتُقَّت ألفاظ عدة تفيد المبالغة في الصفة، مثل: ظمآن، أي كثير الظمأ، وجوعان: كثير الجوع، وغفلان: كثير الغفلة. من هنا يمكن استنتاج أن من معاني كلمة «القَرآن»: الكتاب المجموع الذي يُعكَف على قراءته بكثرة. وبذلك نجد أن كلمة «القرآن» التي نزلت في وحي الله على محمد تُشكّل بحد ذاتها نبوءة ورسالة مشفرة لخاتم النبيين ولأمته تقول: إن هذا الوحي المُتَنَزِّلَ عليك الآن يا محمد سوف يُجمع في كتاب يقرؤه الناس ويقرؤونه ويُقرؤونه بكثرة بالغة تزيد على أي كتاب آخر!

من هنا يمكن استنتاج أن من معاني كلمة «القَرآن»: الكتاب المجموع الذي يُعكَف على قراءته بكثرة. وبذلك نجد أن كلمة «القرآن» التي نزلت في وحي الله على محمد تُشكّل بحد ذاتها نبوءة ورسالة مشفرة لخاتم النبيين ولأمته تقول: إن هذا الوحي المُتَنَزِّلَ عليك الآن يا محمد سوف يُجمع في كتاب يقرؤه الناس ويقرؤونه ويُقرؤونه بكثرة بالغة تزيد على أي كتاب آخر!

تسمية «القرآن» نبوءة تحققت

إن هذا الكلام الذي أسلفناه يشكّل نبوءة متضمَّنة في لفظة «القرآن»، وقد تحققت هذه النبوءة بكل جلاء، وكان لا بد أن تتحقق، وإلّا فإنّ مصداقية الرسول في دعوته إلى الله ودينه الإسلام يُمسيان عرضة للهجوم والنقد والتكذيب والعياذ بالله. وأما إذا جُمع وحي الله المنزل على محمد في هيئة كتاب، وشهد العالم على أنه أكثر كتاب يُقرأ، لأنه «القرآن» فإنّ هذا سيؤكد صدق الرسول الكريم في دعوته إلى الله ودينه (الإسلام) وأنه الرسول من عند الله الذي أوحى إليه هذا الكتاب (القرآن) وحقق النبوءة التي يشير إليها اسمه (القرآن).

وهكذا فبكلمة واحدة (القرآن) نجد بين أيدينا نبوءةً عظيمة برهَن الله بها على:

أنه موجود

وأن القرآن كتابه

وأن الإسلام دينه

وأنّ محمدا نبيه ورسوله

وجاء في شهادة الباحثين والمستشرقين من غير المسلمين أنه لم يجر عليه التحريف وأنه الكتاب ذاته الذي تلاه محمد على أصحابه ونقلوه لنا.

*بحسب نظام الشروق والغروب للشمس ودوران الأرض فإن كل مكان في الأرض يكون فجرا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء حيث يقرأ المسلم في صلاته ما تيسّر من القرآن الكريم ويدعو ربه في بقاع الأرض كلها.

*في زمننا هذا تتم قراءة القرآن الكريم في المحطات الفضائية على مدار الساعة من دون انقطاع ولا دقيقة واحدة، وليس هذا متحققا لأي كتاب آخر سوى القرآن بشهادة جميع المفكرين والباحثين الموضوعيين.

ومن الجدير بالتذكر والذكر أن القرآن لم يُجمع في صورة كتاب في حياة الرسول الكريم ، قال تعالى:

إن علينا جمعه وقرءآنه (8)،

وكانت هذه نبوءة تحققت بعد وفاة الرسول الكريم ، إذ تم جمع القرآن الكريم في عهد خليفته الراشد الأول أبي بكر الصديق .

وهنا نختم بتساؤلين فيهما يكمن الجواب: كيف عَلم الرسول الكريم أنّ القرآن الكريم سيُجمع حتما في كتاب، وسيكون الأكثر قراءة في العالم، إذ إنه يُقرأ الآن يوميا وعلى مدار الساعة من قِبل آلاف الملايين من المسلمين وغيرهم باعتراف العالم أجمع؟! ألا يبرهن هذا التحقق المشهود للنبوءة المتعلقة بانتشار وقراءة القرآن الكريم على أن الله موجود وأنه يعلم الغيب؟! وأن القرآن حق، والإسلام حق، وسيدنا محمدًا رسولُ الله وخاتمُ النبيين حق؟!

الهوامش:

  1. (الأنعام 19)
  2. (الحجر 87)
  3. (ص 1)
  4. انظر: التهانوي، كشاف اصطلاحات العلوم والفنون، تحت «القرآن»
  5. التهانوي، كشاف اصطلاحات العلوم والفنون، تحت «القرآن»
  6. الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن
  7. عدنان زرزور، مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه، ط2، ص45، دار القلم، بيروت، 1998م.
  8. (القيامة: 18)
تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via