المظهر الأتم لصفة الله الحليم
- إن االله تعـالى يعطـي أنبيـاءه ورسـله حظا وافرا من صفاته حى يتمكنوا من إصلاح العالم ويصبحـوا نموذجا وأسـوة له.
- قـد أعطـى الله عز وجل رسولنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم من بين الرسـل أكـبر حـظ من صفـات االله تعالى، فتجلت فيه أكثر من أي نبي آخر.
- فالأسوة الحسـنة العظيمة التي قدمها النبي صلى الله عليه وسلم في كل مجال لم تكن تخص أهل ذلك العصر فحسـب، بل هـي لنا أيضا وسـتبقى إلى يوم القيامة.
- ليس الشديد بالصُرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب
- ينبغي أن تتحملوا من النساء كل نوع من سوء الخلق والإساءة ما عدا الفحشاء.
- الحديث عن المهدي أنه سـيكون في لسـانه لكنة.
- الفتوى الصادرة في حق المسيح الموعود باطلة.
__
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)
في الخطبة الماضية تناولتُ بيان صفة الله الحليم، وأخبرتُكم أنه حليم، فلا يسارع في البطش بالناس ومعاقبة الأمم التي تتمادى في اعتداءاتها وانغماسها في المعاصي، بل يتعامل مع هؤلاء وفقًا لصفة “الحِلم” والرفق، ولو لم يرحمهم هكذا ولم يرفق بهم بل عاقبهم سريعا وبطش بهم وانتقم منهم فورا لما بقي على سطح الأرض أي إنسان ولا أي كائن حي. لهذا فإن الله قد أمر المؤمنين به أن يتصفوا بصفاته ويصطبغوا بصبغته، لأن من علامات المؤمن أنه يسعى لأن يتصف بصفات الله ويتخلق بأخلاقه. والله تعالى يعطي أنبياءه ورسله حظا وافرا من صفاته حتى يتمكنوا من إصلاح العالم ويصبحوا نموذجا وأسوة له. وقد أُعطيَ رسولُنا محمدٌ المصطفى من بين الرسل أكبر حظ من صفات الله، فتجلّتْ فيه أكثر من أي نبي آخر. لكن الذين يعادون الإسلام ويبغضون سيدَنا محمدا قد أعماهم بغضهم وحقدهم، فلا يرون انعكاس صفات الله في شخص رسول الله ، ولا يعرفون أسوته ولا ما نصح به أُمتّه بهذا الخصوص. وسأقدّم اليوم بعض الأحاديث المتعلقة بصفة “الحليم”.
يقول سيدنا المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام وهو يذكر حديثا نبويا أنه ذات يوم جاء رسولُ إحدى القبائل للقاء النبيّ ، وجعل يمدّ يده إلى لحيته المباركة مرة بعد أخرى، وكلما مدّ يده منعه عمر من ذلك بسيفه، فنهاه النبي عن ذلك، فقال له عمر: يا رسول الله، إنه يسيء إليك إساءة كبيرة لدرجة تجعلني أريد أن أقتله بسببها. لكن الرسول صبر على إساءته بحلمه. (ملفوظات ج 5 ص 324).. أي أن النبي بيَّن لعمر أن على المرء أن يتخلى عن القسوة والحدّة.
والله تعالى يعطي أنبياءه ورسله حظا وافرا من صفاته حتى يتمكنوا من إصلاح العالم ويصبحوا نموذجا وأسوة له. وقد أُعطيَ رسولُنا محمدٌ المصطفى من بين الرسل أكبر حظ من صفات الله، فتجلّتْ فيه أكثر من أي نبي آخر.
وهناك مثال آخر على حسن خُلق النبي وحِلمه ورِفقه، وقد جاء ذكره في حديث طويل رواه عبد الله بن سلام وسأحاول تلخيصه، يقول : إن زيد بن سَعْنة جاء رسولَ الله وكان من أحبار اليهود، قال: ما مِن علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتُها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أختبرهما منه، إحداهما: يسبِقُ حلمُه جَهْلَه، والأخرى أنه لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا. فيقول: فكنت ألطُف به لأن أخالطه فأعرِف ما إذا كان متصفًا بهاتين العلامتين أم لا؟ وهل هو ذلك النبي الذي وُعد بمجيئه؟ فأتاه أعرابيٌ، فقال: يا رسول الله، إن بُصرى قريةَ بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنتُ حدّثتُهم إنْ أسلموا آتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابتهم سَنةٌ وشدّةٌ وقُحوطٌ من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيتَ أن ترسل إليهم بشيء تُعينهم به فعلتَ؟ فنظَر رسول الله إلى علي الذي كان إلى جانبه، فقال: يا رسول الله ما بقِي منه شيء. قال زيد بن سَعْنة: يا محمد، هل لك أن تبِيعني تمرًا معلومًا مِن حائطِ بني فلان إلى أجلٍ كذا وكذا؟ فقال: «لا يا يهودي، ولكن أبيعك تمرًا معلوما إلى أجلٍ كذا وكذا، ولا أسمّي حائطَ بني فلان». فقلت: نعم. فبايَعَني، فأطلقتُ هِمْياني (أي كِيسَ نقودي)، فأعطيتُه ثمانين مثقالا مِن ذهبٍ في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا. فأعطاها الرجلَ، فقال: اعدِلْ عليهم وأَعِنْهم بها. فقال زيد بن سَعْنة: فلما كان قبلَ مَحِلِّ الأجلِ بيومين أو ثلاثة أتيتُه، فأخذتُ بمَجامِعِ قميصِه وردائه، ونظرتُ إليه بوجهٍ غليظ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي، فوالله، ما علِمتم يا بني عبدِ المطّلِب سَيِّئُ القضاءِ مَطْلٌ. وكان عمر جالسًا هناك، فلما سمع ذلك لم يتحمل هذه الكلمات، فقال: يا عدوَّ الله، أتقول لرسول الله ما أسمَعُ وتصنَعُ به ما أرى؟ فوالذي بعَثه بالحق لولا ما أحاذرُ قُوّتَه لضربتُ بسيفي رأسك! ورسولُ الله ينظر إلى عمر في سكونٍ وتُؤَدَةٍ وتبسُّمٍ، ثم قال: «يا عمرُ، كان ينبغي أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التِّبَاعة. اذهبْ به يا عمرُ، فأَعْطِه حقَّه، وزِدْه عشرين صاعا مِن تمرٍ». فذهب به عمر وأعطاه. فقال زيد: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله «أن أزيدك مكان ما نقَمتُك». قلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، مَن أنت؟ قلت: زيد بن سَعْنة. قال: الحَبْرُ؟ قلتُ: الحَبْرُ. قال: فما دعاك أن فعلتَ برسول الله ما فعلتَ وقلتَ له ما قلتَ؟ قلتُ له: يا عمر، لم يكن له من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتُه في وجه رسول الله حين نظرتُ إليه إلا اثنين لم أَخْبِرْهما منه: «هل يسبق حِلمُه جهلَه، ولا تزيده شدةُ الجهل عليه إلا حلمًا». فقد اختبرتُهما، فأُشهِدُك يا عمر أني قد رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وأُشهِدُك أن شَطْرَ مالي صدقةٌ على أمة محمد . (انظرْ المستدرَك للحاكم، كتاب معرفة الصحابة، باب ذكر إسلام زيد بن سَعْنة)
يا عمر، لم يكن له من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتُه في وجه رسول الله حين نظرتُ إليه إلا اثنين لم أَخْبِرْهما منه: «هل يسبق حِلمُه جهلَه، ولا تزيده شدةُ الجهل عليه إلا حلمًا». فقد اختبرتُهما، فأُشهِدُك يا عمر أني قد رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا….
إذًا فقد تشرّفَ ذاك الحَبْر اليهودي بالإسلام نتيجة ما رأى من حلم النبي . ثم شهِد معه مشاهد كثيرة، وتُوفي في غزوة تبوك.
فهذا هو خُلق النبي وحلمُه، حيث كان يحسن إلى عدوه أيضًا. فرغم أن أجل العقد لم ينقضِ بعد بل كانت هناك عدة أيام، ومع ذلك سدد النبي الدَّين بلطفٍ عندما طولب بسداده، بل قد أعطى أكثر من المستحق. وهذه القصص والأحداث لم تحدث مرة أو مرتين في حياته بل حفظت لنا الروايات أحداثا كثيرة، ولعل الآلاف منها لم تُسجَّل في التاريخ.
هناك رواية أخرى تكشف لنا حلم النبي ، فعن أبي هريرة قال: كان لرجل على رسول الله حقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النبي ، فَقَالَ النبي :
ومن معاني الحِلم التحملُ والعطف والرحمة، وقد تبيّن لنا من خلال هذين المثالين مدى تحمُّلِ رسول الله وشفقتِه ورحمتِه.
ثم هناك مثال آخر يتعلق بالشؤون المنـزلية ويبين لنا كيف كان النبي يكظم غيظه وكيف كان يقوم بتربية الناس وشرح هذه الأمور لهم من خلال أسوته دون اللجوء إلى قسوة وحدّة.
ففي رواية :
فبهذا التصرُّف الحكيم قد علّم النبي عائشةَ وخادمتَها أنه لا بد أن تظل الغيرة بين الضرائر ضمن حد معقول، بل يجب أن لا توجد بينهن الغيرة بهذا الشكل أصلاً. فالأسوة الحسنة العظيمة التي قدمها النبي في كل مجال، لم تكن تخص أهل ذلك العصر فحسب، بل هي لنا أيضا وستبقى إلى يوم القيامة ليتأسى بها الناس. لا يكفينا أن نقرأ هذه القصص أو نستمع إليها ونتمتع بها، وننسى أهميتها عندما يحين العمل بها. كثيرا ما تصلني شكاوى بأن أصحاب العمل يسيئون إلى العمّال والأُجراء ويَقْسُون عليهم ويهينونهم على أتفه الأمور. كما أن بعض الأزواج يعاملون زوجاتهم بقسوة وظلم حيث يضربونهن ضربًا مبرِّحًا يؤدي أحيانًا إلى نقلهن إلى المستشفى. وهنا في أوروبا أحيانا تتدخل الشرطة وتلقي القبض على هؤلاء الظالمين وبالتالي يدخلون في سلسلة من الإجراءات والقضايا في المحاكم. فمعاشرة الزوجات برفق وحبٍّ وحُسنى سنّةٌ نبوية يجب علينا أن نعمل بها. والمؤسف أن الزوجة المسكينة لا تلقى الظلمَ من زوجها فقط، بل يشترك في ظلمها أهله وأخواته وأمه أيضًا.
باختصار، يجب تجنُّبُ هذه المساوئ، كما ينبغي السعي لكظم الغيظ، فقد قال رسول الله : إذا كان أحدكم قائما في حالة الغيظ، فعليه أن يجلس، وإذا كان جالسا فليضطجع، وليستغفر الله كثيرًا، وليَقُلْ: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وليرُشَّ على وجهه ماءً باردا، وليتوضأْ. وقد علَّمنا وسائل كظم الغيظ كلها هذه لنعملَ بها ونتمسكَ بها حتى نتخلص من عادة الغضب.
تعالوا ننظر كيف صفَح عن أعدائه عدوانَهم وأحسن إليهم، وإلى الأمثلة الرائعة التي ضربها في مجال الحلم. لقد تجلت لنا كل هذه الأمثلة بشكل أجلى حين نال الفتح العظيم وحين ظهر بصفة ملِك عظيم. ففي يوم فتح مكة قال سيدُنا رسول الله وهو واقف بباب الكعبة: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعلٌ فيكم ؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم. قال: اذهَبوا فأنتم الطلَقاء. (السيرة النبوية لابن هشام، دخول الرسول الحرم)
وهناك حادث آخر حصل عند فتح مكة. هرب صفوان بن أمية إلى جِدّة ليركب من هناك سفينة إلى اليمن، فقال عُمير بن وَهْب: يا نبي الله، إن صفوان بن أمية سيدُ قومه، وقد خرج هارباً منك، ليقذف نفسه في البحر، فأَمِّنْه، صلَى الله عليك. قال: هو آمِنٌ. قال: يا رسول الله، فأَعْطِني آيةً يعرِف بها أمانَك .فأعطاه رسول الله عمامتَه التي دخل فيها مكةَ. فخرج بها عُمير حتى أدركَه، وهو يريد أن يركب في البحر. فقال: يا صفوان، فِداك أبي وأمي، اللهَ اللهَ في نفسك أن تُهلِكَها! فهذا أمانٌ مِن رسول الله قد جئتُك به. قال: وَيْحَك! اغْرُبْ عني فلا تكلِّمْني. قال: أي صفوان، فداك أبي وأمي! أفضلُ الناسِ، وأَبَرُّ الناسِ، وأحلَمُ الناسِ، وخيرُ الناس، ابنُ عمك، عزُّه عزُّك، وشرفُه شرفُك، ومُلْكُه مُلْكُك. قال: إني أخافه على نفسي. قال: هو أحلَمُ مِن ذاك وأكرَمُ. فرجَع معه حتى وقف به على رسول الله . فقال صفوان: إنّ هذا يزعم أنك قد أَمّنْتَنِي، قال: صدَق. قال: فاجعَلْني فيه بالخيار شهرينِ؟ قال: أنت بالخيار فيه أربعة أشهر. (السيرة النبوية لابن هشام، ذكر تحطيم الأصنام).. أي لك الخيار والمهلة أكثر مما تريد، ولا تظن بأني قد أعطيتك الأمان بشرط أن تدخل في الإسلام.
وقد قدّم لنا النبي هذه الأسوة الحسنة لنتأسى بها ونعمل بحسبها، كما قلتُ سابقا.
أذكر الآن بعض الأحاديث النبوية الأخرى التي تبين لنا ماذا كان النبي يتوقع من أمته. فعن أبي هريرة أن رسول اللّه قال: “ليسَ الشديدُ بِالصُّرَعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملِكُ نفسَهُ عند الغضب.” (البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب)
وعن سليمانَ بنِ صُرَدٍ قال: كنتُ جالسًا مع النبي ورجلانِ يَسْتَبّانِ، فأحدهما احمرَّ وجهُه وانتفختْ أَوداجُه، فقال النبي : “إني لأعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهَب عنه ما يجد”. (البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده)
فأخبر الناس هذا الشخص المتشاجر بأن رسول الله يقول إنك إن استعذت بالله من الشيطان ذهب ما بك من غضب.
وهناك رواية أخرى عن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي : أَوصِني، قال: “لا تَغْضَبْ”. فرَدَّدَ مراراً، قال: “لا تَغْضَبْ”. (البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب)
إن بعض الناس يستشيطون غضبا على أتفه الأمور، ويضرّون بالآخرين في هذه الحالة. عليهم أن يتذكروا هذه النصيحة النبوية.
لقد ورد عن النبي أنه لم يغضب لنفسه قطُّ، وإنما كان غضبُه لدين الله تعالى أو لعزّته وجلاله . يروي أبو هريرة:
فعلى المرء أن يطلب لنفسه معينًا وظهيرًا من الله تعالى بدلاً من أن يأخذ بنفسه الثأر، فيسقط في حضن الشيطان.
وفي رواية أخرى :
أي سوف يدعوه الله تعالى على رؤوس الخلائق ليخبرهم أنه لمن المقرّبين.
إن هذه الأدعية لهي مما يجلب للمرء الغفران.
وفي رواية أخرى:
فكما قلتُ من قبل إن مِن معاني الحلم: الرحمة والعفو والتحمل واللطف وكظم الغيظ. وكلها خصال لا بد منها لأمن المجتمع، ولا غنى عنها للرقي الروحاني، ولا إنكار لأهميتها في سبيل قرب الله تعالى. لذا فينبغي على كل مسلم أحمدي أن يتصف بها.
ثم ما هي الأمثلة الرائعة للأخلاق السامية التي قدّمها في هذا العصر المسيح الموعودُ الخادمُ الصادق للنبي ؟ أذكر لكم بعضًا منها: وأذكر أولاً كيف أنه حثّنا على الحفاظ على سكينة البيت وقدم لنا النصائح. قال المسيح الموعود وهو يحثّنا على الإحسان إلى النساء:
ثم قال:
في إحدى المرات رفعت له شكوى ضد أحد أفراد الجماعة بأنه سريع الغضب ويقسو على زوجته في كلامه ومعاملته. فتألم من هذا الخبر جدًّا، وقال: “ينبغي لأحبابنا ألا يكونوا كذلك”.
ثم ظل يعظهم مدة طويلة بأن يعاشروا النساء برفق. (الملفوظات المجلد الأول ص 307 طبعة جديدة بربوة)
أَمَا كيف كان يعامل خدامه؟ لقد كتب الشيخ يعقوب علي عرفاني بهذا الخصوص:
كان الحافظ حامد علي – رحمه الله – أحد الخدام القدامى للمسيح الموعود ، وبقي عند حضرته فترة طويلة. لقد عيّنتْ له مؤسسةُ “صدر أنجمن أحمدية” معاشَ التقاعد بعد وفاة المسيح الموعود ، ففتح محلا صغيرا يعيش به في قاديان….. لقد أثّرتْ أخلاقُ المسيح الموعود ومعاملتُه الحسنة في الحافظ حامد علي تأثيرًا عجيبًا، فكان يتحدث عنها كثيرًا قائلاً: لم أرَ مثل هذا الإنسان قَطُّ، بل لم أر في حياتي كلها ولا بعد وفاته شخصًا كمثل أخلاقه . وكان يقول أيضا: لم يزجرني المسيح الموعود قط ولم يخاطبني بقسوة في حياتي كلها، على الرغم أني كنتُ كَسولاً وكنتُ دائمًا أتأخر في تنفيذ أوامره. (سيرة حضرة المسيح الموعود تأليف الشيخ يعقوب علي عرفاني ص 349)
يأتي على المرء أيام الصحة والمرض أيضا، وفي حالة المرض يصاب بالضجر الضيق، وإليكم أخلاق المسيح الموعود أثناء مرضه، ذلك الإنسان الذي بعثه الله تعالى خادمًا مطيعا للنبي لإصلاح مفاسد هذا الزمان. استمِعوا إلى رواية للمولوي عبد الكريم يقول فيها:
في إحدى المرات كنت جالسا عند حضرته وهو يقاسي آلامًا شديدة من الصداع. كان الأطفال قد أثاروا ضجة كبيرة بالقرب منه، فقلت له: ألا تتأذى من هذا الضجيج؟ قال: نعم، وأشعر بالراحة لو سكتوا. فقلت: فلماذا لا تمنعهم من ذلك؟ قال: يمكن أن تمنعهم برفق، أما أنا فلا أستطيع ذلك.
فالأسوة الحسنة العظيمة التي قدمها النبي في كل مجال، لم تكن تخص أهل ذلك العصر فحسب، بل هي لنا أيضا وستبقى إلى يوم القيامة ليتأسى بها الناس. لا يكفينا أن نقرأ هذه القصص أو نستمع إليها ونتمتع بها، وننسى أهميتها عندما يحين العمل بها.
رأيته في ذروة مرضه وهو قابع في غرفة بكل هدوء وصمت وكأنه ينام نومة هادئة، لا يشكو بأن أحدًا لم يسأله عن حاله، أو لم يناوله الماء ولم يخدمه في هذه الحالة من المرض.
لقد رأيت أن المرء إذا أصابه مرضٌ تأذَّى الذين يعودونه مِن سوء خُلقه وضجره واحتدام غضبه على أتفه الأمور، حيث يشتم هذا ويغضب على ذاك، أما زوجته فيبدو أن قيامتها قد قامت، حيث لا ترتاح نهارا ولا تنام ليلا، وإذا غفَتْ قليلاً من شدة الإرهاق فإن زوجها المريض يُقيم الدنيا ولا يُقعِدها، فتحتار في أمرها حيث تشعر بإرهاق شديد من ناحية، ومن ناحية أخرى تخاف أن ينفتق كبدُه من شدة الغضب وثورة الغيظ. باختصار إن هذه الحالَة المُزْرِية التي يعانيها المريض في مرضه ليست خافية على أحد، ولكن ما رأيناه منه وسمعناه عنه منذ سنوات طويلة هو على العكس من ذلك، فإنه يكون في حالة المرض أيضًا متمتعا بنفس الطمأنينة والسكينة والوقار وعدم إزعاج الآخرين كما يتمتع بها في حالة الصحة، وحالما يفيق من مرضه يعود وجهُه طَلْقًا بَشُوشًا، ويبدأ بكلام ينمّ عن الحب والمودة. في مرات كثيرة وصلتُ إليه وقد أفاق للتوّ من صداع شديد طويل، ففتح عينيه ونظر إليّ مبتسمًا وقال: أنا بخير الآن بفضل الله تعالى. فيُخيَّلُ لي برؤيةِ لونِ بَشْرتِه وبريقِ وجهِه وما في صوته من فرحة وحلاوة كأنه قد عاد من زيارة حديقةٍ زَهْراءَ غَنّاءَ خَلّابةٍ. (سيرة المسيح الموعود تأليف مولانا عبد الكريم السيالكوتي ص22-23 )
ويتحدث الشيخ يعقوب علي عرفاني عن حلمه مع معارضيه فيقول:
لقد حدثت الواقعة التالية في أثناء جلسة عُقدت في بيت “محبوب رايون”، وكان – على ما أذكر – زعيما من طائفة براهمو سماج الهندوسية، فكان هذا يستفسر وكان حضرته يجيب. وبينما هم في ذلك إذ جاء أحد معارضيه من بذيئي اللسان وأخذ يصبّ عليه وابلاً من الكلمات المُقرِفة البذيئة النابية. ولا يزال ذلك المشهد ماثلاً أمام عيني حيث ظل هذا المعارض يثير صراخًا شديدًا وحضرته جالس دون أن ينبس ببنت شَفَة، واضعًا يده على فمه كما كانت عادته في مثل هذه الحالات حيث كان يضع على فمه طرفًا من عمامته أو يَدَه فقط، كأن أمرًا قد شغله فانهمك فيه وكأن شيئًا لا يحدث حوله ، أو كأن أحدا يلقي أمامه بكلمات حلوة رائعة. فأراد الزعيم الهندوسي منع هذا المشاغب، ولكنه لم يسكت. فقال له حضرته : دَعْه يقول ما يشاء ولا تقل له شيئا. فظلّ يهذي ويهذر حتى تعِب، ثم قام وذهب. فأُعجبَ الزعيمُ الهندوسي بموقفه إعجابا شديدا وقال: لا شك أنها لمعجزةُ أخلاقك السامية.
لا شك أن حضرته كان يستطيع أن يُسكِّته، ويخرجه من البيت، ولو أشار أدنى إشارة لأمكن قطع لسان هذا المجترئ بجريرة كلامه القذر، ولكنه قدّم نموذجًا عمَليًّا لحِلمه العظيم وضبطه الكامل لنفسه. (سيرة المسيح الموعود تأليف الشيخ يعقوب علي عرفاني ص 443-444)
ويذكر الشيخ يعقوب علي عرفاني :
كان “مِير عباس عليّ” يعترض على المسيح الموعود جالسًا أمامه في مدينة “جالندهر”. وكان مولانا عبد الكريم أيضًا موجودا في هذا المجلس، وقد روى هو بنفسه هذه الواقعة فقال: كنتُ أرى أن “مِير عباس علي” كان يعترض على المسيح الموعود وحضرته يجيبه بمنتهى اللطف والرفق والرأفة، ولكنه كلما أبدى في جوابه وكلامه الرفقَ واللطف والوداد كلما اشتدت ردّةُ فعلِ مير عباس علي، حتى بدأ يتوقّح ويسيء إليه بشكل سافر جدا، ضاربًا كل العلاقات القديمة ومقتضيات النبل والوقار عُرْضَ الحائطِ، وشرَع في كلامه السُوقي المنحطّ. ولكني رأيت أن المسيح الموعود يقول له في هذه الحالة أيضا: جناب مِير المحترم، تعال معي وامكثْ عندي، وسيُظهِر لك الله تعالى آيةً ما ويهديك بنفسه، وما إلى ذلك من كلام لين، ولكن مير عباس لم يزل يزداد غيظًا واجتراءً. وبرغم أنني كنت ألاحظ ما يتحلى به حضرته من حلم وضبطِ النفس، إلا أنني لم أستطع الصبر على بذاءة لسان مير عباس علي، وبقيت مضطربا حيث كنت أعتبر نفسي مجرمًا عديم الغيرة؛ إذ كان هذا يهاجم المسيح الموعود بهذا الأسلوب القَذِر وأنا جالس في صمت تام دون أن أحرّك ساكنا. فلم أتمالك نفسي، فهاجمتُه بكلام شديد وصِحْتُ به بشدة رغم مرضي، فقام وهرب.
كنت كلما أذكر ما قدّمه المسيح الموعود من نموذجٍ عالٍ لضبط النفس والحلم أخجل على ما فعلتُه، إلا أنني كنت مسرورًا بأني لم أرتكب جريمة عدم إظهار الغيرة إذ كيف يمكن أن يتكلم هذا الرجل بكلام غير لائق عن حضرته على مرأى مني وأبقى مستمعًا له؟ ولكني أدركتُ فيما بعد أن الأولى أن يكون احترامي له غالبًا على ما بدر مني من اندفاع وحماس. (سيرة المسيح الموعود ، تأليف الشيخ يعقوب علي عرفاني ص 444-445)
يقول المولوي عبد الكريم عن المسيح الموعود :
إنه لم يكن يذكر في مجلسه أيًّا من المعارضين، وإذا تطرق الحديث إلى ذِكر أحد منهم فلم يكن يذكره بسوء، وهذا دليل بيّن على أنه ليس في قلبه نار تحرقه؛ مع أنه لو تأذى كأهل الدنيا بما لقيه من القوم من الأذى ومن المشايخ من المعاملة القاسية، لاحترق كمدًا ليلَ نهارَ، ولتحدَّثَ عنه بطريق أو آخر، وبالتالي ظل مضطربَ البال مشوَّشَ الأفكار، واختلّت أموره.
ثم يقول: لقد قال المسيح الموعود ذات مرة: إنني متمكن من ضبط نفسي، وقد جعل الله تعالى نفسي مُسْلِمَةً لدرجة أن أحدًا لو سَبَّني جالسًا أمامي أقذعَ سبٍّ واستمر مدّةَ سنةٍ كاملة لنَدِمَ في النهاية، واعترف بأنه لم يستطع زعزعة أقدامي من مكانها. (سيرة المسيح الموعود لمولانا عبد الكريم السيالكوتي ص 51-52، الناشر أبو الفضل محمود، قاديان)
ثم يروي المولوي عبد الكريم واقعة أخرى:
ذات يوم جاء إلى مسجدنا شخص كان يتباهى بعلمه كثيرًا ويتظاهر بأنه سافر إلى الكثير من البلدان وقد حنّكتْه تجارب الزمان، ثم ابتدأ بالحديث مع المسيح الموعود بصدد دعواه بأسلوبٍ وَقِحٍ جدًّا، وما مرّت على حوارهما إلا دقائق حتى أخذ يقول له بكل وقاحة: إنك كذاب في دعواك، وقد رأيتُ خدّاعين كثيرين أمثالك، ومثلي لا ينخدع بهم، وجعَل يكرّر قوله هذا، ولكنه لم يتضايق من كلامه مطلقًا، بل سمعه بكل هدوء، ولما جاء دوره بدأ يجيبه بمنتهى الرفق.
وإذا سمع من أحد كلامًا رديئًا، منظومًا أو منثورًا، لم يُبْد كراهته له ولم يذمّ صاحبه قط، لا سرا ولا علانية، مهما كان هذا الكلام رديئًا وسخيفًا أو في غير محله. في بعض الأحيان كان المستمعون الآخرون يتضايقون من هذا الكلام السخيف الجارح للقلب فيخرجون من المجلس، متهامسين بسخطهم، ثم بعد انتهاء المجلس كان كل واحد منهم يعبِّر بطريقته عما كان يختلج في قلبه وذهنه (بأنه ما أقبحَه مِن كلام ذُكِرَ هنا أو قيل للمسيح الموعود )، ولكن هذا الإنسان الذي كان مظهرًا لصفة الله الحليم الشاكر كان لا يشير إلى ذلك الحديث أبدًا ولو تلميحًا. (سيرة المسيح الموعود لمولانا عبد الكريم السيالكوتي ص 44، الناشر أبو الفضل محمود، قاديان)
يروي الشيخ يعقوب علي عرفاني واقعة ويقول:
في 29 كانون الثاني/ يناير 1904م تطرق الحديث في مجلسه إلى جريدة تنشر السباب والشتائم ضده، فقال : علينا بالصبر، فماذا تضرنا هذه الشتائم. كان الكافرون في أيام الرسول يشتمونه ويسمّونه مذمَّمًا – معاذ الله- فكان يقول متبسمًا: ما لي ولمذمّتهم، فإن الله تعالى قد سمّاني محمَّدًا ( ).
قال المسيح الموعود : كذلك إن الله تعالى هو الذي قد بعثني وقال لي: “يحمدك الله من عرشه”. وهذا الوحي مسجَّل في “البراهين الأحمدية”. (سيرة المسيح الموعود تأليف الشيخ يعقوب علي عرفاني ص 450)
إذا كانت لا تَغِيظه مثل هذه الأمور فلأنه كان يتحلى بالحلم، فكان يقول بأنني أتحلى بالحلم الذي أتحمّل به كل هذه الأقاويل. كان بوسعه أن يردّ على السباب والشتائم لو أراد، ولكنه كان مَظْهَرًا لصفة الله الحليم، فكان يتمسّك بأهداب الصبر دومًا، وقد أعرب عن هذا في بيت شعر له بما معناه:
إني أسمع منهم السب والشتم وأدعو لهم، لأن رحمتنا في هياج، وغيظنا في نقصان.
ثم يقول الشيخ يعقوب علي عرفاني :
في شباط/ فبراير 1903م جاء طبيب من مدينة لكهناؤ، وكان – على حد قوله – بغدادي الأصل، وكان مستوطنًا في لكهناؤ منذ فترة طويلة، وأخبر أيضًا أن بعض أصحابه قد بعثوه إلى المسيح الموعود ليستطلع أحواله. فبدأ يوجه إليه بعض الأسئلة. كان في كلامه جسارة ووقاحة واستهزاء، ولكن المسيح الموعود لم يكترث بذلك مطلقًا، وظل يرُدُّ على أسئلته. وفي أثناء الحوار وجه هذا الطبيب إلى حضرته السؤال الآتي: إنك تدعي أنه ليس هناك أحد يقدر على أن يكتب العربية أفصح منك؟ فقال : نعم. فقال الرجل بمنتهى الجسارة والسخرية: عفوًا، فإنك لا تستطيع أن تنطق حرف القاف نطقًا سليمًا. كنت موجودًا في هذا المجلس، وكانت نبرة كلامه مؤلمة لا تُحتَمل، ومع ذلك ظللنا صامتين بسبب حلمه ، ولكن صاحبزاده مولانا عبد اللطيف الشهيد – الذي كان موجودا هناك وقتئذ – لم يتمالك نفسه، فزجره وقال له: لا يصبر على كلامك إلا حضرته! ثم تحاورَ الاثنان وتشاجرا وكادا يتشابكان. ولكن المسيح الموعود منع صاحبزادة من التعرض له. فقال الطبيب لحضرته : إن سماع السباب والشتائم هو من شيمة الأنبياء. فأجابه حضرته: إنا لا نسخط على سبابك، ولن ترى هنا إلا الحلم والتواضع. وفيما يتعلق بطعنه على عدم قدرته على نطق القاف أجاب : إنني لستُ من سكّان لكهناؤ حتى تكون لهجتي كلهجة أهل تلك البلدة، (ناهيك عن لهجة عربية) وإنما أنا من سكان البنجاب. وقد سبق أن طُعِنَ موسى بهذا العيب حيث قيل له: ولا يَكادُ يُبِينُ ، وقد جاء في الحديث عن المهدي أنه سيكون في لسانه لَكْنةٌ.
لقد ذكر القرآن ما طُعِنَ به موسى (مِن قبل فرعون):
أي كيف يمكن أن أقبل قول هذا الشخص الرذيل الذي لا يستطيع أن يتكلم بصورة سليمة؟ هل أنا خير منه أم هو؟
وتعليقًا على ما وقع بين هذا الرجل وصاحبزاده عبد اللطيف قال المسيح الموعود ناصحًا جماعته: إن المبدأ الذي أعمل به هو أن أحدًا لو جاء ضيفًا وبلغ في كلامه حد السب والشتم فعلينا أن نصبر على ذلك، لأنه ليس من مريدينا، فكيف يحق لنا أن نتوقع منه ذلك الاحترام والحب اللذين يبديهما المريدون. بل أرى أن كلامه معنا برفقٍ منّةٌ منه علينا. لقد قال رسول الله إن للزائر عليك حقًّا. وأرى أن الضيف لو تجرحت مشاعره، ولو قليلاً، فهذه معصية. (ثم قال للضيف) أود أن تقيم عندنا بعض الوقت، لأن شهادتنا واحدة.. (أي كِلانا مسلم حيث ننطق بشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله. ثم قال مخاطبا أصحابه:) إن من حقه أن يقول ما يشاء ما لم يفهم الأمر.
فمكث هذا الطبيب بضعة أيام أخرى ظلّ يوجه فيها أسئلته إلى المسيح الموعود ويستمع إلى أجوبتها صباحًا ومساءً، وكانت تُنشر في تلك الأيام في الجرائد مثل جريدة “بدر” أو “الحَكم”.
وفي أحد الأيام طلب هذا الطبيب الدعاء منه ، فقال حضرته: أما الدعاء فإني أدعو حتى للهندوس، ولكن من المستنكر جدًّا عند الله تعالى أن يختبره العبد. سوف أدعو لك، وينبغي أن تذكّرني بذلك من حين لآخر، وإذا ظهر شيء بعد الدعاء فسأخبرك به أيضًا. ولكن هذا ليس في قدرتي، بل الله تعالى هو الذي يبدي أمرًا إذا شاء. إنه تعالى لا يتّبع مشيئة أحد، بل هو الإله وهو غالب على أمره. إنّ ربطَ الإيمان بشرطٍ من الشروط ممنوعٌ، لأن الإيمان المشروط يكون ضعيفًا. لا يقدر أحد على إحراز أي تقدم في الخير بجهده الشخصي. إن المواساة واجبنا ولا داعي لأن نضع لها الشروط، غير أنه لا بد لك من الابتعاد عن مجالس الاستهزاء والسخرية. إن الوقت وقت البكاء لا الاستهزاءِ. سوف تسافر من عندنا الآن، ولا يعلم أحد وقت موته، فعليك أن تدعو الله تعالى بتقوى صادقة لأسبوعين أو ثلاثة على الأقل وتقول: إلهي، أنا لا أعلم شيئًا، إنما أنت الأعلم بحقيقة أمره فأخبِرْني، حتى لا أهلك بإنكاره إن كان صادقا، وجَنِّبْني اتباعه إن كان كاذبا. وسوف يكشف الله لك حقيقة الأمر إن شاء.
أقول لك صدقًا بأني قد جئتك بنية شريرة جدًّا كي أستهزئ بك وأُسيء إليك، ولكن الله تعالى قد غيّر ما نويتُ. لقد توصلت الآن إلى أن الفتوى الصادرة ضدك باطلة تمامًا…
فقال الضيف: أقول لك صدقًا بأني قد جئتك بنية شريرة جدًّا كي أستهزئ بك وأُسيء إليك، ولكن الله تعالى قد غيّر ما نويتُ. لقد توصلت الآن إلى أن الفتوى الصادرة ضدك باطلة تمامًا. إني لا أستطيع الجزم بأنك لستَ المسيح الموعود، بل إن جانب كونك المسيح الموعود هو الأقوى، وبوسعي أن أقول إلى حد ما بأنك المسيح الموعود. لقد اكتسبتُ الفيوض منك بقدر عقلي وفهمي، وسوف أبين ما فهمتُ لهؤلاء القوم الذين أرسلوني إليك. بالأمس كان لي رأي واليوم لي رأي آخر.
ثم قال: وأنتم تعلمون أن المُصارِع لو صُرِعَ بدون مقاومة فلا يُعتبر رجلاً، ولذلك لم أر من المناسب أن أصدّق ما تقول بدون اعتراض. (سيرة المسيح الموعود تأليف الشيخ يعقوب علي عرفاني ص 451- 453)
فكان هذا الضيف منصفًا حيث اعتبر الحق حقًّا، وبرغم أنه لم يقبله إلا أنه غيّر أفكاره تجاهه .
يقول مرزا بشير أحمد : أخبرَني شودري حاكم علي:
“ذات مرة كان حضرته يلقي محاضرة أو خطبة في المسجد الكبير، فاقتحم المسجدَ أحدُ السيخ ووقف أمامه وأخذ يسبه وجماعته سبًّا فاحشًا من دون توقُّف. وظل حضرته صامتًا يسمع سبه. فثار بعض منا لدرجة أنه لو كان هناك إذنٌ مِن حضرته لقُطِّعَ الرجل إربًا، ولكن الجميع التزموا الصمت هيبةً من حضرته . ولما تجاوز سبُّه الفاحش الحدود كلها قال حضرته : ليُخْرِجْه اثنان من المسجد برفق ومن دون أن يتعرضا له بسوء، وإذا لم يذهب من هنا فليسلّماه إلى الشرطي الموجود هناك.” (سيرة المهدي مجلد أول ص 257-258 رواية رقم 281)
لقد كان النبي هو المَظْهَر الأتمّ لصفة الله الحليم، ولكن في زمننا هذا بُعث المسيح الموعود ليقدّم لنا نماذج عُليا تعكس هذه الصفة الإلهية، وقد ذكرتُ لكم بضعة أحداث من حياته أيضا وهي ضرورية لإصلاحنا. ندعو الله تعالى أن يوفقنا أيضا لنصطبغ بصبغته ولنتخلق بأخلاقه. آمين.