قدرة الله الثانية دائمة و لن تنقطع إلى يوم القيامة
- تقدير يوم الخلافة عند الأحمديين وحسرة المخالفين
- سطوع النبأ النبوي بالخلافة
- مهمات نظام الخلافة ودورها.
- ما على المسؤولين تحت مظلة مؤسسة الخلافة
__
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)
في شهر أيار هناك يوم خاص للجماعة الإسلامية الأحمدية، وهو يوم 27 أيار الذي تحتفل به الجماعة يوما للخلافة. واخترت موضوع الخطبة بما يلائم هذه المناسبة، وإن كان هذا الموعد بعد ثلاثة أيام. كان يوم 26 مايو 1908 يومًا مهوّلا للجماعة الإسلامية الأحمدية، وكان يومًا هزّ إيمانَ الكثيرين، وبثّ قلقًا واضطرابًا في طبائع كثيرة، وكان يومًا جرح قلوب أفراد الجماعة ومشاعرهم، كما أنه ذلك اليوم الذي سجل فيه تاريخ الأحمدية بعض أفاعيل أعداء الأحمدية. يندهش الإنسان عند قراءة هذه الأمور المشينة ويتساءل: هل يمكن أن ينحطّ أحد إلى هذه الدرجة فيفعل مثل هذه الأفاعيل التي أقدم عليها المعارضون عند وفاة المسيح الموعود ؟! فإنهم من ناحية ينتسبون إلى “رحمة للعالمين” ومن ناحية أخرى يفعلون مثل هذه الأفعال. على أية حال، كل يعمل بحسب طبيعته. ولكنَّ قَدَرَ الله تعالى يتحرك أيضا وتتحقق وعوده، وهذا ما حصل في يوم 27 أيار وبالتالي تحول بردًا وسلامًا على الجماعة الإسلامية الأحمدية لأنه طلع مصطحبًا بشارة تحقق وعود الله التي أعطاها للمسيح الموعود ، وجاء لإحراق العدو في ناره ولكي يقضي على كل فرحته.
فليس هذا اليوم بيوم عاديّ للجماعة الإسلامية الأحمدية، وتزداد أهمية هذا اليوم عندما نرى أن نبوءة النبي قد تحققت فيه.
فليس هذا اليوم بيوم عاديّ للجماعة الإسلامية الأحمدية، وتزداد أهمية هذا اليوم عندما نرى أن نبوءة النبي قد تحققت فيه. إن معظم أفراد الأمة المسلمة ينظرون إلى الجماعة بتحسّر، بل بالأحرى بحسد، لأن الخلافة قائمة فيها، في حين أنهم قاموا بمحاولات عديدة لإقامة الخلافة غير أنها باءت بالفشل الذريع دومًا، والسبب في ذلك أنهم يخالفون أمر النبي وإرشاده في هذا الخصوص. لقد أوصاهم النبي بأنه إذا ظهر المسيح الموعود والإمام المهدي فاقصدوه وبايعوه ولو حبوًا على الثلج واقرأوا عليه مني السلام. بالإضافة إلى ذلك فقد أخبر النبي عن بعض الآيات والعلامات وأكّد عليهم أنه إذا تحققت هذه الآيات فاعلموا أن المدّعي صادق؛ بعض هذه الآيات سماوية وأخرى أرضية. تُذكَر هذه الآيات في الجماعة عمومًا، كما أن الجماعة تقدِّمها أمام المعارضين أيضا. لن أتطرق إلى تسليط الضوء على هذه الآيات بل الذي أريد ذكره هو أنه يدل على شقاء الذين لم يقبلوا هذا المبعوث بدافع مصالحهم وأغراضهم، أو خوفًا من العلماء المزعومين أو لعدم إصغائهم لأوامر النبي . وهناك بعض المشايخ الذين تفاقمت معارضتهم للجماعة لهذه الدرجة أن الحكومات أيضا تخاف منهم فيستخدم أفرادُ الحكومة تحت تأثيرهم لغةً بذيئة وقبيحة ضد هذا المبعوث كما يقومون بأعمال هابطة ضده مع أنهم يعرفون معرفة جيدة أن الزمن ينادي بأعلى صوته أنه زمن بعثة مبعوث سماوي. إن الله تعالى قد أرى الآيات ولا يزال يريها. أما هؤلاء فيستمرون في معارضة هذا المبعوث وبالتالي يتعرضون كل يوم لعذاب جديد ولكنهم لا يتعظون ولا يتخلون عن المعارضة. وهذا يدل على شقائهم.
على أية حال، كما قلت لكم إن هناك أهمية كبيرة لهذا اليوم، وقد أعلن النبي عن ذلك في إحدى نبوءاته. صحيح أنه لم يذكر تاريخًا محدّدًا ولكنه ذكر في تلك النبوءة عن بعثة خادمه الصادق المسيح الموعود ثم أخبر عن قيام الخلافة بعده. فهل من أمر أهم مما يتنبأ عنه النبي ؟ ورد في أحد أحاديثه :
فأولا ذكر النبي نبوّته ثم ذكر الخلافة الراشدة التي ستكون على منهاج النبوة وستمضي قدُمًا وتحقق رقيًا وازدهارًا. ولقد رأى العالم أن الخلفاء الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون قد أنجزوا مهامهم المتعلقة بالخلافة معرضين عن الدنيا ومناصبها ابتغاء لمرضاة الله تعالى كل حين وآن. ثم بعد ذلك تحققت نبوءة النبي بشكل حرفي إذ حلت الملوكية محل الخلافة وكانت في بعض الفترات مؤذية كثيرًا وفي بعضها أقل إيذاءً للناس نسبيًا. وهكذا تحققت هذه النبوءة أيضا للنبي وأقيمت الملكيّة بعد الخلافة الراشدة. وإذا قرأنا التاريخ عرفنا أنه قد مورس الظلم والشدة في فترة الملكيّة هذه لأن الملكيّة كانت مائلة إلى الدنيا أكثر من الدين. ثم قال النبي بأن الله تعالى وفق سنته في الأزمان السابقة سيرحم عباده وستفور رحمته أخيرًا وسيُقضى على عصر الظلم وتُقام الخلافة على منهاج النبوة. ثم ورد في الحديث أنه سكت.
إن معظم أفراد الأمة المسلمة ينظرون إلى الجماعة بتحسّر، بل بالأحرى بحسد، لأن الخلافة قائمة فيها، في حين أنهم قاموا بمحاولات عديدة لإقامة الخلافة غير أنها باءت بالفشل الذريع دومًا، والسبب في ذلك أنهم يخالفون أمر النبي وإرشاده في هذا الخصوص.
وبالتدبر في هذا الحديث يستطيع كل إنسان أن يلاحظ أن نبوءة النبي عن الخلافة الراشدة الأولى قد تحققت، ونبوءته عن الملك العاض والملك الجبرية أيضا تحققت، فلماذا لم تتحقق بعد نبوءته الواردة في الجزء الأخير منه في حين أن العلامات المتعلقة بها قد تحققت كلها؟ وقد أعلن الله تعالى أيضا
أي أن الله تعالى سيبعث النبي في قوم آخرين لم يلحقوا بالأوائل، بتعبير آخر إنه سيهيئ أسباب قيام الخلافة على منهاج النبوة، ثم يقول تعالى:
أي إنه غالب على ذلك وصاحب الحكمة.فلما قضت حكمة الله البالغة ولما فارت رحمته خلق أسبابًا لتخلّص المسلمين من تلك الملوكية المؤذية، ولما أراد إقامة الخلافة على منهاج النبوة فقد نفّذ إرادته وفعل ذلك.
فنحن الأحمديين سعداء جدًّا حيث نصدّق الجزء الأول من حديث النبي ونؤمن بصدقه وتحقّقه كما نؤمن بصدق الجزء الأخير منه ونوقن يقينًا كاملا أنه أيضا قد تحقق.هناك حديث آخر للنبي حول هذا الموضوع وكذلك ورد في قول الله تعالى
أي سيكون من هؤلاء الآخرين الذين سيرون حالة الزمن وسيؤمنون بالمسيح الموعود والمهدي المعهود بعد مشاهدة تحقق العلامات كلها. لقد أُطلق على المسيح الموعود في حديث آخر خطاب “نبي الله”. كذلك قال رسول الله :
وإضافة إلى ذلك فقد عدَّ الله تعالى بعثة المبعوث في الزمن الأخير بحسب آية: “وآخرين منهم” بعثةً لمحمد رسول الله . أي أن المسيح الموعود المقبل سينال درجة النبوة بسبب فنائه في رسول الله وبسبب بعثته كظل كامل لرسول الله . وعندما شرح رسول الله هذه الآية وضع يده على كتف سلمان الفارسي وقال بأن المبعوث المقبل سيكون من هؤلاء، أي من غير العرب، وبذلك أخبر بعلامة اختفاء الإيمان وصعوده إلى الثريا. يعترف المشايخ كلهم أن الزمن الذي ادّعى فيه المسيح الموعود كانت حالة المسلمين الإيمانية فيه ضعيفة جدا، وكأن الإيمان كان قد اختفى عن وجه الأرض. إذًا، إنهم يرون تحقق هذه العلامات كلها بأم أعينهم، وإنّ تحققها يبيِّن أن المسيح الموعود جاء في الوقت المناسب تماما. هنا أريد أن أوضّح أمرا آخر أيضا أن المسيح الموعود بصفته خاتم الخلفاء وصل إلى قمة الخلافة التي هي المعيار الأعلى لمنهاج النبوة، أو بتعبير آخر نال أعلى مرتبة لمنهاج النبوة. ولكونه المسيح الموعود وبسبب فنائه في رسول الله بحسب قول الله وقول الرسول حاز مرتبة النبوة الظلية. ونظام الخلافة الذي قام بواسطته قائم على أسلوب بيّنه رسول الله وهو منهاج النبوة في الحقيقة. ومهمة هذا النظام أي نظام الخلافة هي إقامة شريعة القرآن الكريم في المسلمين، والسعي لأداء حقوق الله وحقوق العباد بحسب تعليم القرآن الكريم، وحثُّ المسلمين على ذلك، والعمل بسُنّة رسول الله والتأسي بأسوته، ونصيحة الجماعة للعمل بها وحثهم على اتّباع تلك الأسوة.
إذًا، إن الخلافة الأحمدية استمرار للخلافة الراشدة في فترة نشأة الإسلام الثانية. لقد أنبأ رسول الله بعد تلقي العلم من الله تعالى بنهاية الخلافة الراشدة الأولى بعد مدة معينة. أما الخلافة في الزمن الأخير فقد بشَّر باستمرارها إلى الأبد بعد تلقي العلم من الله تعالى. ولكن مَن هؤلاء الذين بشَّرهم بها؟ هم أولئك الذين يتمسكون بأهداب الخلافة حق التمسك، والذين يسلكون مسلك التقوى ويعملون الصالحات ويتقدمون في العبادات. هناك كثير من الناس الذين يدخلون الجماعة الإسلامية الأحمدية ولكنهم لا يؤدون حق الارتباط بالخلافة لذا يطردهم قدر الله تعالى من حظيرة الجماعة. ولأنهم يلتحقون بالجماعة لأغراض دنيوية لذا إما يُطردون من الجماعة أو يُعلنون خروجهم منها بأنفسهم. ولكن هل غيّر خروج أناس مثلهم في تقدم الجماعة شيئا أو توقّف تقدمها في وقت من الأوقات؟ كلا، بل كلما خرج من الجماعة شخص واحد عوّض الله تعالى بجماعة مقابله. عندما تُقطع الأغصان اليابسة تنمو الأغصان الخضراء أكثر. فلما وعد الله تعالى أنه سيُبقي نظام الخلافة الأحمدية جاريا إلى الأبد لذا فقد تولى بنفسه الاعتناء بها ورعايتها. فلا يمكن بحال من الأحوال ألا يحقق الله تعالى نبوءة أحب الناس إليه ونبيّه الحبيب. فقد تحققت هذه النبوءة حتما وستظل تتحقق إلى الأبد بإذن الله. لا شك أنه تأتي بعض الفترات حين يزعم الأعداء وضعاف الإيمان أن هذه الجماعة ستنقرض الآن ولكن آيات تأييد الله تعالى تُخرجها من تلك الفترة الحرجة بنجاح. لا شك أن الفترة الأكثر حرجا من تلك التي حلّت بالجماعة كانت عندما توفِّي سيدنا المسيح الموعود . كان الأعداء عندها فرحين والأحمديون حزينين وقلقين. ولكن المسيح الموعود كان قد أعدّ الجماعة سلفا لهذه الصدمة وقد سبق له أن قال بأن الله تعالى قد أخبرني مرارا وتكرارا أن وقتي قريب ولكن لا داعي للقلق واليأس. فقد ألَّف كتيب “الوصية” وكتب فيه ألا تقلقوا، وأخبر فيه بوفاته وإلى جانب ذلك وضّح نظام الجماعة الروحاني والمالي والإداري أيضا وأنبأ بقيامه وبقائه إلى الأبد. فقال، لا تقلقوا فقد وعدني الله تعالى بأنه سيرزق الجماعة تقدما لأن هذه هي الجماعة التي أنبأ رسول الله بتقدمها وقيام نظام الخلافة فيها. فقال المسيح الموعود في “الوصية”: “يخبرني كلام الله أن الحوادث واقعة والآفات نازلة على الأرض، فمنها ما يقع أثناء حياتي ومنها ما يقع من بعدي.”
ثم قال :
وقال أيضا:
ثم قال : ”
فلا نزال نرى تحقق هذا الوعد الإلهي بفضله تعالى منذ 105 سنوات مضت. لقد واجهت الجماعة فترات مختلفة ولكنها لا تزال تتقدم على طريقها بسرعة هائلة بفضل الله تعالى. عندما يسعى العدو لخلق أجواء قاسية بالظلم والبربرية في بلد يفتح الله تعالى سبُلا محيرة للعقول لتقدم الجماعة في بلد آخر. وليس ذلك فحسب بل يقوي إيمان أفراد الجماعة بوجه خاص في البلد الذي يتعرضون فيه للقسوة والمضايقات. وحين أرى -رغم ضعفي- كيف يجعل الله تعالى الجماعة تجري على طرق التقدم بسرعة هائلة أزداد إيمانًا بالله تعالى أكثر فأكثر، ويكتمل اليقين بتحقق وعود الله أكثر، بأن يد الله هي التي تمسك الجماعة حتما على درب التقدم والازدهار باستمرار، وأن كل من سيجعله الله خليفةً في المستقبل سيمنّ عليه أيضا بتأييداته بغض النظر عن حالته الشخصية، إن شاء الله.
لقد أكّد الله بشهادته الفعلية إثر انتخاب الخليفة الخامس بأن نبوءة النبيِّ ومحبِّه المخلص بدوام الخلافة في النشأة الثانية للإسلام، لَقدر الله المؤكد، وأن هذا النظام سيستمر في المستقبل أيضا بفضل الله . إلا أن هناك بعض العلامات التي ذكرها الله للمستفيضين من الخلافة وهي مفصلة في الآيات التي تلوتها التي يجب أن تتحقق فيهم. يقول الله إن المؤمنين حين يُدعَون إلى الله ورسولِه ليحكم بينهم يقولون سمعنا وأطعنا، وهؤلاء هم المفلحون، وهم الذين سيحالفهم النجاح والفوز. فالملاحظ أنه لم يذكر هنا العبادةَ وأمورَ الدين فقط، بل كما يدعي القرآن الكريم أنه كما يتضمن تفاصيل حقوق الله يتضمن تفاصيل حقوق العباد أيضا، وتفاصيل نظام المجتمع، وتفاصيل نظام الحكم، فالقرآن الكريم دستور الحياة الكامل. فهذا يضم تحذيرا لأولئك الذين يتوجهون إلى المحاكم المدنية لتسوية القضايا ولا سيما المتعلقة بالنـزاعات العائلية والخصومات بين الزوج والزوجة، مُعرضين عن نظام الجماعة الذي يحاول تسوية الأمور في ضوء الشريعة والقانون. ويتبين فسادُ نية هؤلاء حين يعودون إلى نظام الجماعة بعد صدور الحكم من المحكمة ضدهم أو حين لا يجدون ما كانوا يتوقعونه، مع أنهم يكونون قد رفضوا من قبل التوجه إلى نظام الجماعة. فهذه الأمور تسفر عن ضعف إيمان هؤلاء. يقول الله إن المؤمنين يحكِّمون الله ورسوله في قضاياهم. هنا أود أن أنبِّه أولئك المسئولين في الجماعة الذين لا يتعمقون في القضايا أحيانا ومن ثم لا يُصدرون القرار بحسب القرآن الكريم والسنة، فهم شخصيا يرتكبون إثما ويتسببون في ابتعاد الناس عن نظام الجماعة أيضا. فمن المهمات المنوطة بالخليفة أن يحكم بالعدل بين الناس، لكن نظام الجماعة قد توسع كثيرا بفضل الله في العصر الراهن لدرجة لم يعد ممكنا للخليفة أن يصل إلى كل مكان ويتولى الحكم في كل قضية شخصيا، وحيثما تقطع الجماعة أشواط التقدم والازدهار سيزداد هذا الأمر صعوبة. فالعاملون والمسئولون الذين عُهدت إليهم هذه المهمة، إذا لم يحكموا بخشية الله ولم ينجزوا أعمالهم بالتقوى، فسوف يسيئون إلى الخليفة، ويرتكبون الإثم عند الله ويدفعون الخليفة أيضا إلى ارتكاب الذنب.فالقضاة خاصة والمسئولون والأمراء الذين ألقيت عليهم مسئولية القضاء، يجب أن يسعوا لتقوية نظام الخلافة متمسكين بأهداب الإنصاف، وإلا فهم أصحاب مناصب في الظاهر لكنهم ينخرون بنظام الخلافة.
فإذا كان الله قد عدّ أولئك الذين ينالون النجاحات أتقياء مخلصين لله فائزين عنده نتيجة طاعتهم الكاملة لنظام الجماعة ونظام الخلافة، فأقول لجميع المسئولين الذين عُهدت إليهم مهمة اتخاذ القرارات بمن فيهم القضاة أيضا أن يعملوا هم أيضا بحسب ما أمر الله ورسوله. ولا يقوموا بما هو بعيد عن التقوى ويُبعدهم عن الإنصاف. فليسعوا جاهدين لأداء حق تمثيل الخليفة، وإن لم يفعلوا ذلك فسوف يأتي زمن يتعرضون فيه للبطش حتما، ويواجهون العقوبة في هذا العالم أيضا، ويمكن أن يتعرضوا لعقاب الله أيضا.
فيجب أن يخاف كل مسئول هذا الأمر، فلا ينبغي أن يفرح المرء بمجرد الفوز بمنصب ما، بل يجب أن يعد إنجازه مسئولية جسيمة من الله. ثم يقول الله إذا كنتم تدَّعون الإيمان بالله ورسولِه والمسيحِ الموعود، وإذا كنتم تدَّعون إيثار الدين على الدنيا فاستجيبوا لجميع ما أمر به الله ورسولُه، فاعملوا بما قال لكم إمامُ الزمان، ونفِّذوا التوجيهات الصادرة من خليفة الزمن، وإلا فإن أَيْمانكم وادعاءاتكم الصارخة بأنكم ستنجزون كذا وكذا وتحرزون كذا وكذا من الأعمال والمهمات لن تبقى لها أي قيمة. إن الله تعالى مطلع على قلوبكم وهو عليم بما تقولون وما تفعلون. إنكم تجددون العهد في كل اجتماع أنكم ستَعُدُّون واجبًا عليكم العملَ بكل ما يأمر الخليفة مِن معروف، لكن لا تعملون عمليا بأبسط الأمور وأصغرها. وليس ذلك فحسب بل لا تسعون للاستجابة لأحكام القرآن الكريم أيضا، ولا تسعون لإحراز حتى أقل المعايير.
أقدم لكم مثالا أن في الجلسة السنوية لكندا الغربية قد حدثت أمور كثيرة قد تظهر لاحقا، لكنني الآن أودّ أن أتكلم عن النساء حيث كنت لفتّ انتباههن إلى أن يكون لباسُ كلِّ أحمديةٍ تقيم في البلاد الغربية محتشما، ويجب أن ترتدي الحجاب وتستر نفسها، فهذا ما أمر به القرآن الكريم وينبغي أن لا يستهان به، إذ قد ركز عليه القرآن الكريم خاصة، فالعمل به واجب، لكنني لاحظتُ بعد قليل أنه ليس هناك أي اهتمام بهذا الأمر، بل إنّ بعض النساء، اللاتي ربما أُكرِهْنَ على ارتداء الحجاب من مسئولات “لجنة إماء الله”، قد ألقيْن بالحجاب الذي تَلقَّينه من النظام في المسجد عند المغادرة، والآن يجمعها العاملون في قسم النظافة.
لا شك أن الإسلام قد أمر الرجل والمرأة كليها بالحياء، وأمر به المرأة خاصة. لقد قال المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام: على النساء أن يحافظن على حيائهم وحشمتهم خاصة، لأن نظرات الرجال طليقة، وقد أمر الإسلام بذلك لمصلحة الجنسين. الحق أن العمل بهذا لا يكلّف مالاً ولا جهدًا كبيرا، ولكن المادية غالبة على الناس فلا يهتمون بذلك. ولكن الله تعالى يعلن أنه لم يجعل على رسوله إلا البلاغ وتبيان الأحكام. فإذا عملتم بأوامره أصبحتم من المهتدين والمفلحين ومن الذين يؤدون حق البيعة، أما إذا لم تعملوا بها فاعلموا أن الله تعالى بكل شيء عليم. فلا تفرحوا أنكم قد صرتم من المسلمين الأحمديين، أو ولدتم في بيوت أحمدية، لأن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يقول: لن تنفعكم بيعتي إذا لم تشفعوها بصالح الأعمال.
“لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة.”
ثم هناك الصلاة، وهو حكم أساسي قد عدّه الله تعالى غاية حياة الإنسان. ولكن يقصّر فيها حتى بعض مسؤولي الجماعة. إن بعضهم يقومون بأعمال كثيرة وتجدهم نشطين في الخدمات خارج بيوتهم، وإذا أتوا إلى المسجد ربما صلوا بخشوع وابتهال أيضًا، ولكن نساءهم يخبرنني أنهم ليسوا مواظبين على أداء الصلوات في البيوت. فما داموا لا يعملون بحكم رباني هام جدًا، فباطلةٌ دعاواهم بأننا سنفعل كذا وكذا. عليكم أن تصلحوا أنفسكم أولاً، واعملوا بكل حكم من أحكام الله تعالى واسعوا للفوز برضاه سعيًا حثيثا، عندها ستُعَدّون أحمديين مؤمنين صادقين في إعلانكم: سمعنا وأطعنا. ولو عملتم بهذا، وسعيتم بعد الإيمان للتقدم المطرد في الإيمان حق السعي، وركزتم على فعل الصالحات، لانتفعتم من بركات الخلافة باستمرار، لأن الوعد الرباني بالانتفاع من بركات الخلافة والتمكين بعد الضعف، وتبديل الخوف أمنًا، إنما هو للذين يؤمنون، ويعملون الصالحات، ويعبدون الله تعالى، ويتجنبون الشرك بكل أنواعه وأشكاله، ويشكرون الله على هذه النعمة.. نعمة الخلافة. وكما قلت إن الله تعالى قد أقام نظام الخلافة في الأحمدية فقط، ولا يمكن أن يقام الآن عند الآخرين، ولا شك أننا نحن المسلمين الأحمديين لذوو حظ عظيم إذ وجدنا نعمة الخلافة ببركة إيماننا بالمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، لذا فعلينا أن نتذكر دومًا أن وعد الانتفاع من بركات الخلافة ليس غير مشروط، كلا، بل هو مشروط بشروط، وإذا وفّينا بها كَتب الله لنا التمكين بعد الضعف، وبدّل خوفنا أمنًا باستمرار. لقد شاهد أبناء الجماعة هذا الأمر مرارًا وتكرارًا، بل إن الأغيار أيضًا قد رأوا بأم أعينهم في هذه الأيام كيف أن الله تعالى أنزل السكينة على المسلمين الأحمديين. إن هذا الأمر ليس خافيًا على هؤلاء الأغيار، فقد ذكرتُ من قبل بأن الأغيار كانوا مدركين لقلق وحزن الأحمديين قبيل انتخاب الخليفة الخامس، وكان بعضهم يتوقعون انهيار جماعتنا، ولكن الله تعالى قد أنجز وعده الذي قطعه مع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إنجازًا أذهل هؤلاء الأغيار وبهَرهم، فقد رأوا كيف أن الله تعالى بدّل خوفنا أمنًا، حتى قال زعيم طائفة من المتصوفين غير الأحمديين لبعض أخواننا وكان من معارفه: إني لا أقول إنكم صادقون، غير أني أصدق بعد رؤية هذه المشاهد على قناتكم أن الله تعالى معكم بشهادته العملية. كأنه قال: لا شك أن الله تعالى يؤيدكم ولكني لن أقبل الحق. فيوجد في الدنيا أناس يرون كل شيء ومع ذلك يصرون على الإنكار ويعاندون.
إن موجة الاضطهاد التي تسود باكستان ضد المسلمين الأحمديين في هذه الأيام لدليل على اعترافهم العملي بأن الأحمديين يحرزون رقيا بعد رقي، وتتسع رقعتهم باستمرار، ومهما سعوا للقضاء عليهم يزدادون، وكأنهم يقولون كيف نقضي على هؤلاء؟ وأقول لهم: يا أعداء الأحمدية، اعلموا أن مولانا ووليّنا هو ذلك الإله الذي يملك القدرة كلها، وإنه لن يدعكم أبدًا تنجحون في خطتكم. إن ازدهار الإسلام مقدر الآن على يد المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وإن رفع راية محمد رسول الله مرفرفة عالية في العالم مقدر الآن بيد أتباع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وسيرفعها الذين يوقنون بالخلافة على منهاج النبوة، والذين هم مستمسكون بالخلافة، ومنخرطون في سلك نظام الجماعة، ومعتصمون بحبل الله. فلن تقدر جهودكم ولا شروركم ولا هجماتكم ولا دعم الحكومات لكم على الحيلولة دون تحقيق الخلافة الإسلامية الأحمدية لأهدافها، ولا على إعاقة ازدهار الأحمدية.
ولكن من واجب أبناء جماعتنا، كما قلت آنفًا، أن يتذكروا دومًا أن التحلي بالتقوى وإقامة الصلاة والتسابق في التضحيات المالية هو الذي يزيدهم باستمرار في الاقتباس من بركات الخلافة، لذا على كلٍّ منكم أن يسعى حق السعي لكي ينال حظًا وفيرا من رحمة الله.
الآن أقرأ على مسامعكم بعض ما كتبه المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في كتيب “الوصية” للذين سيستمر فيهم نظام الخلافة، أو الذين ينالون بركات الخلافة، أو الذين يظلون مستمسكين بالخلافة، للفوز برضا الله تعالى. لقد قال عليه الصلاة والسلام:
“ينبغي أن تنالوا نصيبًا من روح القدس بالتعاطف فيما بينكم وتزكية أنفسكم، وذلك لأن التقوى الحقيقية لا تُنال بدون روح القدس. وتَخَلَّوا عن ثوائركم النفسية تمامًا، واسلكوا أعسرَ الطرق وأضيقَها ابتغاءَ مرضاة الله تعالى. لا تُفتنوا بملذات الدنيا فإنها تُبعدكم عن الله تعالى، بل اختاروا لوجه الله حياةَ المرارة ، فإنَ الألم الذي فيه رضا الله خير من لذة تجلب غضبه، والهزيمة التي تُرضي الله أفضل من انتصار يوجب غضبه، فاقلَعوا عن المحبة التي تُدنيكم من غضبه.
ولو أقبلتم على الله بالقلوب الصافية لنَصَركم في كل موطن، ولن يقدر عدوّ على النَّيلِ منكم. ولكن لن تنالوا رضا الله تعالى ما لم تتخلّوا عن إرادتكم وملذاتكم وعزّتكم وأموالكم وأنفسكم، وما لم تتجشّموا في سبيله عز وجل تلك المرارةَ التي تشبه الموت. ولكن لو كابدتم المرارة لكنتم كالطفل الحبيب في حضن الله، ولجُعِلتم ورثةً لمن خلا قبلكم من الصدّيقين، وتُفتح لكم أبوابُ كل نعمة. ولكن قليل هم الذين يفعلون ذلك.
“ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله : إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.”
لقد خاطبني الله عز وجل وقال: إن التقوى غرسةٌ ينبغي زرعها في القلب، لأن الماء الذي تتغذى به التقوى وتنمو يَرْوي حديقةَ النفسِ كلها. إنما التقوى جذرٌ إذا انعدم صار كل شيء بعده بلا طائل، وإذا سَلِمَ سلم كل شيء.ماذا عسى أن يستفيد الإنسان من مجرد ثرثرة اللسان، فيدّعي بأنه يطلب الله ولكن لا يخطو نحوه بقدم الصدق؟ الحق .. والحق أقول: إنه لهالك مَن كان دينه مشوبًا ببعض شوائب الدنيا. وإن جهنّم لقريبة جدًا ممن لم تكن نيّاته كلها خالصة لله، بل كانت بعضها لله وبعضها للدنيا. فإنْ كانت نياتكم مشوبة بشوائب الدنيا ولو مثقال ذرة، فإن عباداتِكم كلَّها عَبَثٌ.”
ثم يقول حضرته :
“إذا تخليتم عن أهواء النفس حقًا فإن الله تعالى سيتجلى فيكم، ويكون معكم، وتتبارك الدار التي تسكنونها، وتتنَزّل رحمة الله على جدران بيوتكم، حتى تتقدّس المدينة التي يقطنها شخص مثلكم.
إن كانت حياتُكم ومماتكم، وكلُّ حركة من حركاتكم، ولِينُكم وشدّتُكم، لوجه الله وحده، ولم تمتحنوا اللهَ عند كل مصيبة ومرارة، ولم تقطعوا عنه صلتكم، بل سرتم إليه قُدُمًا، فالحق والحق أقول .. إنكم ستصبحون أمّة الله المختارة. إنكم بشر كمثلي، وإلهي هو إلهكم، فلا تُضيعوا قواكم القدسية. لو أنبتم إلى الله حقًّا فإني أخبركم، تبعًا لمشيئة الله، أنكم ستصبحون أمّة الله المختارة. اغرسوا عظمة الله في قلوبكم، ولا تكتفوا بالإقرار بتوحيده باللسان فقط بل بالعمل أيضا، ليتجلى الله عليكم بلطفه وإحسانه فعلاً. اجتنِبوا البغض والضغينة، وعامِلوا بني البشر بالمواساة الصادقة. اسلكوا كل سبيل من سبل الخير، لأنكم لا تدرون بأي السبل تُقبَلون.
طوبى لكم! فإن ميدان التقرّب إلى الله قد خلا. كل أمة عاكفة على الدنيا، وأعرضَ العالم عما يرضى به الله. فالذين يريدون أن يقتحموا هذا الباب بكل قوة، فالفرصة سانحة لهم ليُبدوا قدراتهم في هذا المجال وينالوا بركات الله الخاصة.
لا تظنوا أن الله تعالى سوف يضيعكم، أنتم بَذْرةٌ بَذَرَها الله تعالى في الأرض بيده. يقول الله تعالى: إن هذه البَذْرة سوف تَنْمُو وتَزْدَهِرُ وتَتَفَرَّعُ في كل طرف، ولَسَوْف تصبح دَوْحَة عظيمةً. فطوبى لمن يؤمن بقول الله تعالى ولا يخاف الابتلاءاتِ العابرة، إذ لابد من الابتلاءات أيضا، لكي يختبركم الله ويعلم مَن الصادق منكم في ادعائه للبيعة ومن الكاذب. “قال حضرته :
أسأل الله تعالى أنْ يوفقنا جميعًا لأن نكون عند حسن ظن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بأبناء جماعته، وأن نكون صادقين في ولائنا ووفائنا للخلافة الإسلامية الأحمدية، وأن نبْلُغَ أعلى مستوى في الطاعة، وأن نصل أسمى المعايير في العبادة، لكي ننتفع كلُّنا من نعمة الخلافة دائمًا أبدًا. آمين.