تضحيات أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في سبيل الله

تضحيات أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في سبيل الله

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: 146-149)

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (آل عمران: 171-172)

إنه لمن فضل الله تعالى ومنته أنه أعطى المسيحَ الموعود أناسا يدركون روح عهدهم ويدركون روح التضحيات، ولا يدركونها فقط بل يضربون أيضا في هذا المجال أمثلة لا نظير لها في العالم كله. إذا أُثير سؤالٌ: أين الذين يضحون بأموالهم في سبيل الدين، فإن أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية هم الذين يمثلون للعيان. وإذ طُلبت تضحية الوقت لوجدت في الجماعة الإسلامية الأحمدية وحدها نماذج سامية لتضحية الوقت من أجل الدين. وإذا كان السؤال عن التضحية بالكرامة فتلاحَظ نماذج التضحية بالكرامة أيضا في الجماعة الإسلامية الأحمدية. وإذا طُلب نذر الحياة في سبيل الدين فهذا هو حزب المخلصين الذين يقدمون أنفسهم في هذا المجال أيضا. وإذا أُريدت مشاهدة التضحية بالأرواح فإن تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية هو الذي يقدّم نماذج هذه التضحيات على وجه الحقيقة. باختصار، لقد خلق الله تعالى الجماعة الإسلامية الأحمدية في هذه الأيام لتقديم التضحيات بحسب أوامر الله تعالى ولوجهه الكريم أيا كان مجالها. لقد أعطى الله تعالى المسيحَ الموعود جماعة أغلبيتها تدرك روح تضحية الأموال والروح والوقت والشرف وهي جاهزة لتقديم هذه التضحيات دائما. ولكن هناك بعض يقولون أحيانا لقلة علمهم ما لا يليق بالمؤمنين، أو يقولون بحسب مقتضى البشرية ما يتأثر به سلبا ذوو أذهان غير ناضجة أو الذين تعوزهم التربية. ويكتب إلي بعضهم أن فترة الابتلاء والامتحان قد طالت كثيرا. أما إذا قالوا بأن فترة الابتلاء والمصاعب قد طالت وندعو الله تعالى أن يهيئ من أمرنا يسرا ويسهل الأمور سريعا فهذا لا بأس فيه لأنه عندما تبلغ المصاعب والابتلاءات منتهاها ينادي الرسل وجماعة المؤمنين قائلين: متى نصر الله ويدعون أيضا لهذا الغرض. ولكن الكلام الذي ينم عن التوجه إلى الوسائط الدنيوية والتمسّك بأسبابها لا يليق بالمؤمنين. فمثلا كتب إلي أحد الإخوة أن المظالم التي تُصَبّ على أفراد الجماعة في باكستان يجب علينا أن نُطلع العالم عليها. ويجب أن يُستخدم جزء كبير من برامج قناتنا الفضائية أيضا لذكر هذه المظالم لنخبر العالم عنها، وذلك بالإضافة إلى اختيار وسائل أخرى لرفع الصوت في العالم ضد هذه المظالم، فشعرتُ من الرسالة المذكورة كأن صاحبها يريد أن نختار الأساليب التي يختارها الناس العاديون من إثارة الشغب والضجيج والاحتجاج وما شابه ذلك لعل ذلك يوجه الحكومات التي تعادينا الآن إلى أداء حقوقنا فتنتهي فترة ابتلائنا ومشاكلنا. ثم قال صاحب الرسالة بأن صديقه الشيعي قال له بأن ما يحدث مع الجماعة الإسلامية الأحمدية لو حدث معهم لخرجوا في التظاهرات والاحتجاج بأسلوب كذا وكذا ولفعلوا كذا وكذا، وقال أيضا بأنهم عندما يتعرضون لأدنى أذى يثيرون ضجة في العالم ولكن الأحمديين لا يفعلون ذلك ولا يحتجون لذلك تطول عليهم فترة الابتلاء والمظالم.

أقول: أول ما يجب تذكُّره في هذا الموضوع هو أنه إذا كنا ندّعي أننا جماعة ربانية فعلينا أن نتذكر أيضا أن الجماعات الربانية لا تعتمد على الحكومات الدنيوية أو التظاهرات والاحتجاجات بأساليب دنيوية، ولا دخل ولا دور لنصرة الناس الماديين في تقدم الجماعات الربانية. من المعلوم أن المساعدات الدنيوية لا تكون دون شروط ولا بغير أهداف معينة بل تهدف القوى المساعدة إلى إخضاع متلقّي المساعدة أمامهم بأسلوب أو آخر. إذًا، لا يمكن للمؤمن الحقيقي أن يرنو إلى الدنيا وأهلها من أجل المساعدة. فكلما نتعرض للابتلاء والامتحان ونرفع صوت “متى نصر الله” نخضع أمام الله تعالى مستعينين بفضله ورحمته، فتفتح أمامنا سبل وآفاق جديدة للتقدم والرقي.

إن أفراد الجماعة المنتشرون اليوم في العالم كله والعائشين في 204 من بلاد العالم يشهدون أن كل ابتلاء يفتح أمامهم سبلا جديدة لتقدم الجماعة وازدهارها، وتقطع الجماعة أشواطا جديدة في هذا المجال. فلا تقلقوا على أن فترة الابتلاء قد طالت كثيرا بل يجب أن تنظروا إلى سعة أفضال الله تعالى علينا وعلى الجماعة وتروا كم اتسعت دائرتها. وفيما يتعلق باتخاذ الوسائل الدنيوية فهذا صحيح تماما ولا شك فيه لأن اتخاذ الأسباب الظاهرية ليس ممنوعا ويجب علينا اتخاذها ونتخدها أيضا فعلا، ونخبر العالم كيف تُصبُّ المظالم على جماعتنا. ونخبر العالم أنه إن لم يسع المجتمع الدولي لردع هذه المظالم اليوم سوف تتسع دائرتها كثيرا ولن يبقى الأمر مقتصرا على الأحمديين فقط بل لن يسلم منها أحد. والحق أن العالم يرى اليوم هذه المظالم منتشرة على نطاق واسع. ولكن بعد اتخاذ كل هذه الوسائل إن توكّلنا هو على الله تعالى وليس على حكومة أو على أية منظمة إنسانية، وهذا هو الموضوع الذي أشرحه منذ خطبتين أو ثلاث خطب ماضية وقلتُ فيها أن نظرتنا يجب أن تكون مركّزة على الله للحصول على النتائج. وهذه هي سيرة المؤمن. الناس العاديين يثيرون الشغب والضجيج، ويعقدون جلسات ويخرجون في تظاهرات ويقومون بأعمال الكسر والهدم وينتقمون من الظلم بالظلم، ولكنهم لم يُعطَوا وعدا بأن الانتصار النهائي هو في نصيبهم. أما نحن فقد وعدنا الله تعالى بأن المظالم التي تُصبّ عليكم والإيذاءات التي تواجهونها، وذلك بموافقة الحكومة أو الحكومات أو بموافقة المسؤولين في الحكومة أو العاملين تحت مظلتها- إلا أن الله تعالى قد قدّر أنكم ستنالون مقابلها قريبا إنعامات يتلقاها المؤمنون بفضل الله الخاص، وسترثون إنعامات هذه الدنيا وإنعامات الآخرة أيضا. إن أمثلة التضحية التي تضربونها لن تذهب سدى وإن الفتح الأخير سيكون في نصيبكم أنتم. الطريقة المثلى للحصول على هذا الفتح والانتصار هي الأدعية، فبقدر ما تستغرقون في الدعاء ستزول هذه المشاكل سريعا. وبقدر ما تلجأون إلى الله تعالى وتلوذون في كنفه يتجلى الله تعالى أكثر وسريعا ويُري آياته الخارقة للعادة.

إذًا، هناك بُعد شاسع بين منهج فكرنا وفكر أهل الدنيا الآخرين. لقد بايعنا إمام الوقت الذي وعدنا بالفتوحات من الله تعالى، وقد وُعدنا بفتح آفاق جديدة من الفتوحات والانتصارات. وكما قلتُ إننا نرى هذه المشاهد اليوم أيضا. ولكن هذه الوعود لم يُعطاها الآخرون. أما الذين يذكرون سلوك الشيعة في هذا الموضوع فليعلموا أن الشيعة أيضا لم يحققوا أهدافهم بالتظاهرات والاحتجاجات حسبما أرى، غير أن ما يحدث هو أعمال الكسر والهدم وما إلى ذلك، وهذا يؤدي إلى انتشار الفساد أكثر من ذي قبل.

لقد خلق الله تعالى الجماعة الإسلامية الأحمدية في هذه الأيام لتقديم التضحيات بحسب أوامر الله تعالى ولوجهه الكريم أيا كان مجالها.

فكما قلت فإنه في هذه الحالة لن يكون الانتقام من الظلم إلا بالظلم فقط، وهذا لن نفعله بأي حال. هنا أضرب مثلا على سلوك القوى الدنيوية، فكما قلتُ من قبل بأنهم إذا أردوا مساعدة أحد فيهتمون بمصالحهم أولا. لقد نُشر مؤخرا مقال في جريدة محلية هنا قيل فيه أن المسلمين الساكنين هنا ليسوا مخلصين للبلاد التي يسكنونها لذا يجب أن يُنفوا من البلاد الغربية. فردّ عليه المكتب المعني بالنشر والإعلام في جماعتنا هنا أن هذا غير صحيح بل الإسلام يأمر بالالتزام بقوانين الدولة وحب الوطن، فكتبت الجريدة المذكورة بأن الفِرق الأخرى من المسلمين لا تعمل بهذا المبدأ لذا عليكم أن تنصحوها بالعمل به. قلنا حسنا، إذا كانت جريدتكم جاهزة لنشر بياننا فلا مانع عندنا في كتابة المقال حول هذا الموضوع. وعندما كتبنا مقالا بحسب شروطهم وأوفينا بوعدنا رفض مديرُ الجريدة واللجنةُ المعنية بالموضوع نشره، متذرعين بأنه قد وصلتهم مقالات أخرى من هذا القبيل لذا لا نستطيع نشره الآن بل سنرى إذا استطعنا ذلك بمناسبة أخرى فيما بعد. وهذه لم تكن إلا مماطلة وتلكؤا، والحق أنهم لا يملكون شجاعة ليُسخطوا فِرقا تعارض أفكار الجماعة الإسلامية الأحمدية أو لا يريدون أن يحققوا مقتضيات العدل والإنصاف لأنهم يكنّون في أنفسهم بعض المخاوف وعندما يرون بعض الفِرق من المسلمين ميالين إلى القسوة تزداد مخاوفهم أكثر. أنا دائما أقول لزعماء البلاد وقادتها ولوسائل الإعلام أنه إن كنتم تريدون إقامة الأمن فعليكم أن تعدلوا ولا تسلكوا سلوكا مزدوجا، فيعترف معظمهم بسلوكهم هذا ويقرّون أن هذا العيب موجود فيهم، وهذا هو الحق، حتى يقول بعضهم بأننا لا نعترف بوضوح أن لنا مصالح وقد خططنا لها ولكن الحقيقة أننا نتحدث عن إقامة الأمن أمام الناس ولكن لنا مصالح شخصية نريد تحقيقها.

إذًا، هذا هو حال الذين يقال لنا أن نتوجه إليهم طالبين المساعدة منهم. من المعلوم أن الاعتماد على أصحاب سلوك مزدوج غير ممكن قطعا ولا يملكون قدرة على حل المشاكل أصلا. خذوا مثلا هذه الجريدة التي ذكرتها آنفا فهي لم تجرؤ على أن تنشر مقالا يركّز على حب الوطن فقط دون أن يكون فيه ما يؤدي إلى فساد أو نزاع داخلي حتى تكون لديهم تحفظات عليه. فالذين يشيرون علينا أن نركّز أنظارهم إليهم أو نعتمد عليهم أن يفكروا كيف يمكننا الاعتماد عليهم؟ فلو أدرك كل أحمدي حقيقة التوكل على الله تعالى والعمل به سوف يتبخر في الهواء ببركة دعائهم كل ما يُصَّب على الأحمديين من القسوة والضيق حيثما كانت. ولكن الشرط هو أن يؤدوا حق الدعاء.

يجب أن نتذكر أيضا أن المضايقات التي تواجهها الجماعة أو المظالم التي تُصَبّ على أفرادها في باكستان وبلاد أخرى تحت مظلة القانون فهذه ليست ظاهرة حديثة ولا يعود تاريخا إلى عقد أو عقدين من الزمن بل هي جارية منذ أن ادّعى المسيح الموعود دعواه وأسس جماعته. لقد ظلت جماعته تواجه المظالم والقسوة منذ البداية، بل كان هناك زمن حين ظُنّ أنه سيضطر للهجرة من قريته التي ملكها آباؤه وأجداد منذ مدة طويلة. فلم يكن حضرته محفوظا فيها أيضا. بل لو عُدنا إلى الوراء أكثر لرأينا أن جُلّ مراحل حياة النبي مرت في مواجهة المظالم من قِبل الأعداء. كم واجهت زوجته العزيزة على قلبه – التي كانت تملك ثروة تُعَدّ بمئات الآلاف وعشرات العبيد وكانت من أغنى نساء مكة – من المشاكل بعد إسلامها! فقد اضطرت للهجرة من وطنها في سنّ متأخرة. وليس ذلك فحسب بل اضطرت للبقاء في الشِّعْب إلى فترة طويلة في حالة يُرثى لها حيث عانت من قلة الطعام والماء، وهذه الظروف القاسية نفسها صارت سببا لموتها. ولكنها تحملت كلّ ذلك لهدف نبيل، آملة أن هناك وعودا بالنصرة والانتصار بعد هذه التضحيات وستتحقق حتما. ثم كم واجه النبي بنفسه من المصاعب والمصائب. لقد صُبّت عليه المظالم إلى 13 عاما متتالية في مكة. وقد تعرّض للهجوم بالعصي والسهام والحجارة وما إلى ذلك، بل لم يدخر الأعداء جهدا لإيذائه بأية طريقة ممكنة ولكنه تحمّل كل ذلك بالشجاعة والبسالة، وإلى جانب ذلك تحمل تضحيات الأرواح التي قدمها أقاربه وأصحابه الكرام، وكلما طُلب منه الدعاء على الظالم دعا لهم ولصالحهم دوما. لقد أُدمي ذات يوم جسُمه الشريف نتيجة رميه بالحجارة وقد عّد النبي بنفسه هذا اليوم أقسى يوم في حياته، وفي هذا الوقت سأله الله تعالى إن شاء أن يسحق هؤلاء الظالمين بين الجبلينِ ولكنه دعا الله تعالى ألا يُطبِق عليهم الجبال لعله سيكون منهم الذين يقبلون الحق وقال بأنه يأمل أنه يصبح منهم حتما الذين يقبلون الحق ويحسِّنون دنياهم وأخراهم. ثم بدأت سلسلة الحروب بعد الهجرة لأن العدو كان يشنّ الهجوم بالتكرار.

أما نحن فقد وعدنا الله تعالى بأن المظالم التي تُصبّ عليكم والإيذاءات التي تواجهونها، وذلك بموافقة الحكومة أو الحكومات أو بموافقة المسؤولين في الحكومة أو العاملين تحت مظلتها- إلا أن الله تعالى قد قدّر أنكم ستنالون مقابلها قريبا إنعامات يتلقاها المؤمنون بفضل الله الخاص، وسترثون إنعامات هذه الدنيا وإنعامات الآخرة أيضا.

فباختصار، هناك تاريخ طويل للمظالم، وكذلك هناك تاريخ طويل للصبر والرضا سجّله رسول الله ، إذ كان مقدرا عند الله أن يضرب مثلا أعلى في كل جانب من جوانب الحياة، وكذلك ضرب أصحابه أيضا نماذج عليا للتضحيات لأن نظرتهم كانت مركّزة على وعود الله تعالى. ولما كان مقدرا أن يُبعث المسيح الموعود كتابع ومطيع صادق لرسول الله فقد قال بكل وضوح أنه وجماعته سيتعرضون لهذا النوع من الظلم والعدوان وستأتيهم فترات المعاناة والمصاعب. وقد وضّح بأن طريقه ليس مفروشا بالأزهار والورود ولم يترك أحدا يجهل هذا الموضوع. فكل من ينضم إلى الجماعة يكون مطلعا جيدا على أنه ستأتيه المصاعب والمصائب. في بعض الأحيان أسأل المبايعين الجدد لأعلم هل هم مطلّعون على أن طريق الأحمدية ليس مفروشا بالورود. فقبْل بضعة أيام جاء إلى هنا للزيارة بعض المبايعين الجدد من بريطانيا فطرحتُ عليهم هذا السؤال لأنهم كانوا من أصول باكستانية، فقالوا في الجواب بأنهم بايعوا بعد أن فكّروا جيدا في هذه الأمور وأنهم جاهزون لتحمل المشاق أيا كان نوعها. كانت هناك بعض السيدات اللواتي اضطررن لتحمل مثل هذه المشاكل ولكن لم يتركن الإيمان. وقد فعلوا كل ذلك لإداركهم حقيقة تقديم الدين على الدنيا، وأدركوا أن الحياة والموت بيد الله. والسعداء هم الذين يُبدون الصمود والثبات في سبيل الله فيجعلهم الله ورثة الجنة في العالَمَين. وهذا ليس كلاما فحسب بل المشاهد من هذا القبيل تلاحَظ في الجماعة اليوم أيضا، ويقدم الإخوة نماذج هذه التضحيات لدرجة تترك الإنسان في حيرة من أمره. وكما قلت من قبل إن المسيح الموعود قد وضح لنا كل ذلك منذ البداية ونصحنا ألا نفسح للأعداء مجالا للشماتة بعد التعرض لكل هذه المصاعب أيضا لأن الله تعالى قد أعدّ لكم إنعامات كبيرة في الدارين نتيجة استقامتكم وصمودكم. لقد ذكر الله تعالى هذا الأمر مرارا في القرآن الكريم، كما في الآيات التي تلوتها في مستهل الخطبة.

لا شك أن الموت سيواجهه الجميع عاجلا أم آجلا. لقد وضّح الله تعالى أن الموت والحياة بيده هو ويأتي بإذنه. فأكثر ما يمكن للعدو فعله هو أن يخوِّفنا من الموت؛ ولكننا لا نبالي به إذا جاء في سبيل الله لأن هناك وعودٌ بالإنعامات والبشارات.

دائما أقول لزعماء البلاد وقادتها ولوسائل الإعلام أنه إن كنتم تريدون إقامة الأمن فعليكم أن تعدلوا ولا تسلكوا سلوكا مزدوجا، فيعترف معظمهم بسلوكهم هذا ويقرّون أن هذا العيب موجود فيهم، وهذا هو الحق، حتى يقول بعضهم بأننا لا نعترف بوضوح أن لنا مصالح وقد خططنا لها ولكن الحقيقة أننا نتحدث عن إقامة الأمن أمام الناس ولكن لنا مصالح شخصية نريد تحقيقها.

نرى في تاريخ الإسلام أن خالد بن الوليد كان على فراش الموت وذهب شخص لعيادته وأجهش بالبكاء برؤيته. ظن هذا الزائر أن خالد بن الوليد يخاف الموت فقال: يا خالد لقد وقعتَ مرارا كثيرة في شرك الأعداء وأظهرتَ دائما شجاعة يحتار الإنسان من أمره نظرا إليها فلماذا تخاف الموت الآن؟ فقال له خالد ، ارفع ثوبي عن جسمي ففعل ووجده مليئا بآثار الجروح حيث لم يكن أي مكان لم يتلق طعنا، ثم طلب منه أن يشمِّر عن رِجليه وهناك أيضا وجد آثار الجروح المنتشرة على رجليه كلتيهما. ثم قال له خالد أنا لا أبكي خوفا من الموت وإنما يثير بكائي التحسُّر على أني لم أُستشهَد في المعارك وأموت الآن على فراشي، بينما ذهبتُ إلى كل معركة متمنيا الاستشهاد ولم يحدث، وإن ما يُبكيني هو الخوف أن يكون موتي عقابا على أعمالي، فأخاف أن الله ربما لم يكرمني بالاستشهاد بسبب السخط علي. فهذا هو مقام الذين كانوا يُدركون مغزى تقديم التضحيات في سبيل الله أو الجود بالحياة. فهذه كانت حالة قلب خالد فهذه العواطف كانت عند هؤلاء للموت في سبيل الله، لكن الله يقول عن هؤلاء المجاهدين أن لهم أيضا بشارات. ثم في هذا العصر أيضا توجد الأمثلة لهذا الإدراك لأهمية التضحية، فحين قال الملك لصاحبزاده عبد اللطيف الشهيد بإصرار مرارا وتكرارا أنه إذا أنكر المسيح الموعود فسوف يخلي سبيله، فأغراه بذلك لكن الشهيد قال له كل مرة: إذا كان الله يمن علي اليوم بموت يُكسب الإنسان إنعاماتِ الله فأنى لي أن أنكره من أجل هذه الدنيا! فأنت تطلب مني كالجاهلين صفقة خاسرة. فهذا هو شأن المؤمنين الذين قال الله عنهم في هذه الآية:

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (آل عمران: 148)،

وإن ما يثير نقمة المعارضين اليوم أيضا أنهم لماذا لا يهِنُ الأحمديون ولماذا لا يخضعون لنا نتيجة اضطهادنا؟ لكنهم لا يعرفون أن الأحمدي الحقيقي ينظر إلى الله وحده كل حين وآن، ويسعى لنيل رضوانه دوما. فقد علَّمَنا الله الدعاء أيضا لطلب الرضوان من الله والثبات، ذلك لأن قوة الإيمان تأتي من الله فقط. فأهل الدنيا يستنـزفون جهودهم لإضعاف إيمانكم، فحذار أن تؤثر فيكم، فذلك الدعاء هو ما قرأتُه عليكم أي

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ،

فإذا كان الله علمَنا الدعاء أن نركن إلى الله في كل ميدان وقضية ففي الوقت نفسه علمنا أن النجاح يُنال بالدعاء فقط. لذا أنيبوا إلى الله وحده واسألوه، فحين يدعو الإنسان اللهَ بإخلاص فهو يرث ثواب الدنيا والآخرة أيضا.ثم إن الآيات الأخرى من سورة آل عمران ففيها أيضا كما قلت لكم، أورد الله كلمات مطَمئنة لتقوية الإيمان، فقد قال الله إنهم ليسوا أمواتا بل أحياء، فالميت من لم يؤخذ ثأره، والذي لا يخلفه أحد لتحقيق أهدافه، والذي لا ييئس ولا يحزن. فالذين يموتون في سبيل الله ليسوا أمواتا بل هم أحياء إذ سوف يأخذ الله ثأرهم، وأن الذين يخلفون هؤلاء الشهداءَ لن يَضعفوا ولن يستكينوا، بل سوف تبقى دوما فئةٌ تتمنى الموت في سبيل الله، وأن هؤلاء الشهداء يَكسبون عند الله مكانة عالية وسوف يعطَون عند الله رزقا يفرحون به، فموتهم لا يبعث على الأسف والحزن، بل قد سبب لهم الفرحة، فهم يفرحون أنهم سيستبشرون في العالم الآخر بأن تضحيتهم قد خَلقت جماعة تتمنى تقديم التضحيات في سبيل الله وأن تضحياتهم سوف تؤدي إلى الانتصار النهائي على العدو. فهذه التضحيات والمحن والابتلاءات المؤقتة تزيد سرعة تقدُّمنا ولا تدفعنا إلى اليأس.

فقد قال الله في موضع آخر:

إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ التِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ (فُصّلت:31-32)..

أي أن الذين قالوا ربنا الله وتخلوا عن الآلهة الباطلة، ثم استقاموا، أي ثبتوا في أنواع الاختبارات وصنوف البلايا، تتنزل عليهم الملائكة قائلين: لا تخافوا ولا تحزنوا، بل ابتهجوا وافرحوا لأنكم أصبحتم ورثةَ تلك السعادة التي وُعدتم بها. إننا أولياؤكم في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة أيضا. ولقد نبه بهذه الكلمات إلى أن الاستقامة تُكسب رضى الله تعالى. الحق أن الاستقامة فوق الكرامة. وكمال الاستقامة أن نرى البلايا قد حاصرتنا من الجهات الأربع، وأن نجد أنفسنا وعِرضنا وشرفنا عرضةً للخطر في سبيل الله، ولا نجد سبيلا للسلوان.. حتى إن الله أيضا يُمسك عنا كشوفه ورؤاه وإلهامه على سبيل الاختبار، ويتركنا في أخطار مهولة.. ورغم كل ذلك لا نُبدي فشلا، ولا نتقهقر كالجبناء، ولا نخِلّ في وفائنا، ولا نقصر في صدقنا وثباتنا، بل نفرح على الذلة، ونرضى بالموت، ولا ننتظر صديقا يكون لنا عونا على الثبات. (فلسفة تعاليم الإسلام)فلتحقيق هذه الحالة يجب أن يسعى كل واحد منا، وهو مستحيل دون الفضل من الله، فحين يستعد المرء لكل تضحية فلا يتركه الله أبدا، بل يتقدم إلى عبده ليمسكه، ولذلك وعدهم بالجنة، وعلَّم الدعاء لثبات الأقدام والانتصار على الأعداء. فالمراد من ذلك أن الله سيتقبل أدعيتهم ويفتح أبواب الفتوح بحيث لن يبقى للعدو أي مهرب. وإن الوعود التي قطعها الله مع المسيح الموعود ستتحقق حتما إن شاء الله وإن الفتح النهائي هو حليفنا. فإلى الذين يقدمون هذه التضحيات والذين يتلقون البشارات من الله قد انضم اليوم أخ آخر لنا أقصد خليل أحمد المحترم ابن فتح محمد المحترم، من بلدة بهوي وال من محافظة شيخوبوره، حيث اشتُشهد في 16/5/2014 إنا لله وإنا إليه راجعون.

وتفصيل ذلك أن المعارضين كانوا قد ألصقوا في القرية نشراتٍ معادية للجماعة فبعض الأحمديين أزالوها مما أدى إلى مشادة كلامية، فبناء على ذلك خرج المعارضون في مظاهرة في القرية وألقيت الخطب المثيرة ضد الجماعة من خلال مكبرات الصوت، وطالب المتظاهرون من الشرطة تسجيل القضية وأوقفوا حركة المرور، فاستجابةً لهم سَجلت الشرطة القضية ضد أربعة من الأحمديين هم مبشر أحمد المحترم، وغلام أحمد المحترم وخليل أحمد المحترم، وإحسان أحمد المحترم، واعتقلتْ الشرطة من المتهَمين المذكورين في التقرير المبدئي خليل أحمد المحترم وبعضَ أقاربه ووضعتْهم في الزنزانة. أما بقية المتهمين المذكورين فقد كان قد أُطلق سراحهم بكفالة. أما المرحوم خليل أحمد فكانت الإجراءات لإطلاق سراحه بكفالته قيد العمل، إذ جاء شاب يدعى سليم في الساعة الثانيةَ عشرةَ والربع في 16/5/2014 من سكّان القرية المجاورة ودخل مركز الشرطة بحجة إحضار الطعام لخليل أحمد المرحوم، وعند اقترابه من الزنزانة سأل مَن هو خليل أحمد، وعند تعيينه أطلق عليه النار بالمسدس على وجهه فأصيب بجروح شديدة، ثم حاول المجرم إطلاق النار على بقية الأحمديين أيضا فلم تنجح محاولته إذ لم ينطلق المسدس. ألقت الشرطة القبض على القاتل وأَخرجت خليل المحترم من الزنزانة إلا أنه كان قد تجرع كأس الاستشهاد، إنا لله وإنا إليه راجعون.

صحيح أن الشرطة ألقت القبض على القاتل في الظاهر لكن الحقيقة أن كل ما يجري من هذه الأحداث ضد الأحمديين كان أمام المسئولين الحكوميين ورجال الشرطة، هذا الشاب الذي كان المشايخ قد أعمَوه في عدائه للأحمدية رفَع الهتاف “قد نلتُ الجنة”، فهذا ما يعلِّمه المشايخ في العصر الراهن، إذ يقول الله ورسولُه إن جزاء قاتل الناطق بالشهادتين جهنم، بينما هؤلاء يبشرونهم بالجنة.

وقد وضّح بأن طريقه ليس مفروشا بالأزهار والورود ولم يترك أحدا يجهل هذا الموضوع. فكل من ينضم إلى الجماعة يكون مطلعا جيدا على أنه ستأتيه المصاعب والمصائب.

كانت عائلة المرحوم تنحدر من بهوي وال، وكانت الأحمدية جاءت إلى العائلة عن طريق والده فتح محمد المحترم، حيث كان قد بايع برفقة أخوَين سردار محمد المحترم وتشودري عمر دين المحترم الخليفةَ الثاني في 1918 وكان الشهيد أحمديا بالولادة، وكان عمره 61 عاما، وكان قد درس حتى الثانوية، وكان قد تقاعَد من الوظيفة في مديرية الكهرباء قبل شهر ونصف. كان المرحوم المحترم يداوم على الصلوات الخمس والتهجد أيضا، كما كان يقرأ القرآن الكريم أيضا يوميا بانتظام، وكان مخلصا جدا للخلافة، كان يستمع إلى خطب الجمعة والبرامج الأخرى التي يشارك فيها الخليفة، بكل شوق واهتمام، وكان ينصح الأولاد أيضا بذلك. كان يحب واقفي الحياة ويحترمهم جدا، وكان يتميز بإكرام الضيف، وكان يفتخر بتضييف الضيوف من المركز، كان أحمديا أمينا ومخلصا جدا. كان يسعى للاعتناء بالإخوة الضعاف والفقراء، ولقد خدم الجماعة بصفة السكرتير للدعوة إلى الله وزعيما لمجلس أنصار الله. ترك أرملة وبنتين وابنين أحدهما وهو لئيق أحمد وهو يقيم في ألمانيا والثاني يقيم في القرية نفسها وهو قائد خدام الأحمدية. لقد كتب الداعية الأحمدي في قريتهم أن المرحوم كان يُكثر من الدعاء، وكان يدعو بمنتهى الخشوع ويطيل ركعات السنة والنوافل، سأصلي عليه جنازة الغائب بعد الصلاة.

وهناك جنازة أخرى للداعية الأحمدي إحسان إلهي المحترم الذي كان يقيم هنا في لندن بعد التقاعد، فقد توفي في 17/5/2014 عن عمر يناهز 84 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون.

وهناك جنازة موجودة هنا هي للسيدة نسرين بَتّ المحترمة، التي توفيتْ في 18/5/2014 إثر نوبة قلبية عن عمر يناهز 48 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون.

رفعهم الله درجاتهم جميعا وغفر لهم ورحمهم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك