رعاية عمر الفاروق رضي الله عنه للشباب وللدواب وللآداب
- فما مظاهر رعاية الفاروق للشباب؟
- وما مظاهر حيطته وحذره على المال العام؟
- وكيف قدم الأسوة في احترام حق المواطنة بغض النظر عن الانتماء الديني؟
- ألا يتوازى هذا مع ترسيخ مبدأ الحرية الدينية؟
__
رعاية الشباب
كان للعلماء ولاسيما لعلماء القرآن الكريم حظوة ومكانة عالية في بلاط عمر سواء كانوا شبابًا أو أطفالًا أو كبارًا. هناك رواية في البخاري:
كيف كان عمر يقوم بتربية الأطفال؟ هناك رواية بهذا الخصوص كما يلي:
عن یوسف بن یعقوب قال: قال لي ابن شهاب ولأخ لي وابن عم لي ونحن صبیان أحداث: لا تحقروا أنفسکم لحداثة سنِّکم فإن عمر بن الخطاب کان إذا نزل به الأمر دعا الصبیان، فاستشارهم یبتغي حدة عقولهم.
الغيرة للحق
في غزوة أُحد لما تغير الوضع بشكل فجائي وتعرض المسلمون لخسارة كبيرة ظهرت غِيرة عمر حين نادى أبو سفيان ثلاثًا: أفيكم محمد؟ ولكن النبي منع المسلمين من الرد عليه. ثم قال ثلاثًا: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثم سأل ثلاث مرات: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثم أقبل أبو سفيان على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قُتلوا، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله! إن الذين عددتهم لأحياءٌ كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال، مرة ينتصر فريق وأخرى فريق آخر.
الحيطة والحذر على المال العام
ثم كيف كان سيدنا عمر حذرًا بخصوص الحفاظ على أموال بيت المال؟ يتضح ذلك من خلال رواية:
كان عمر شديد الحفاظ على أموال بيت المال، ولقد ذكرت هذه الواقعة الدالة على ذلك من قبل أيضًا وأذكرها هنا باختصار، كان عمر يسوق بِكرين (من الإبل) إلى الحمى في ظهيرة شديدة الحر حتى لا يضلا، فرآه عثمان فقال: هلم إلى الظل ونكفيك. فقال عمر: عد إلى ظلك، فهذا عملي ويجب أن أقوم به. (معرفة السنن والآثار باب الحمى)
ولقد ذكر المصلح الموعود هذه الواقعة فقال:
لقد أعطى الله المسلمين المال والعز حسب وعده، ومع ذلك لم يغفلوا عن الإسلام. (وهنا يوجّه حضرته أفراد الجماعة بألا يغفلوا عن دينهم وعن تعاليم الإسلام وعن أداء مسؤولياتهم) فيقول: فقد رُوي عن عثمان أنه كان جالسًا في قبته ذات يوم، وقد أنهكه الحر الشديد بحيث لم يقدر على فتح بابها. فقال خادمه أُنظر إلى شخص يسير في الحر الشديد. فلم تمض برهة إلا وقد اقترب من قبتي فعرفت أنه عمر ، فقلقت وقلت له: ماذا تفعل في هذا الحرّ يا أمير المؤمنين؟ قال: أبحث عن بعير فُقد من بيت المال.
يقول المصلح الموعود: أخبر الله تعالى بقوله عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ أن هؤلاء سيراقبون مهماتهم دائمًا رغم جلوسهم على الأرائك، فلن يجعلهم رخاء الدنيا ونعمها كسالى. ولن يدفعهم جلوسهم على الأرائك إلى النوم والكسل، بل سيكونون فيها يقظين حذرين يراقبون حقوق الناس ويؤدون واجباتهم أحسن أداء.
حق المواطنة بغض النظر عن الانتماء الديني
وهناك رواية عن إقامة عمر مبدأ المساواة وهي
عن أنس أن رجلًا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين! عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذًا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين فكيف تجرؤ على أن تسبقني، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص يأمره بالقدوم ويحضر ابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين.
قال أنس، فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين! إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه، فقال عمر لعمرو: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين! لم أعلم ولم يأتني هذا المصري.
مرة جاء عمر مالٌ فجعل يقسمه بين الناس، فازدحموا عليه، فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس، حتى خلص إليه، فعلاه بالدِّرة وقال إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض، فأحببت أن أعلمك أن سلطان الله لن يهابك.
وخطب سيدنا عمر في الناس فقال: أعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضاري النصيحة. ثم قال في موضع: رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي.
ويروى قول سيدنا عمر : إني أخاف أن أخطئ فلا يردني أحد منكم تهيّبًا مني.
ذات يوم جاءه رجل فقال له على رؤوس الأشهاد: اتق الله يا عمر: فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام، فقال لهم عمر: لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها.
ذات يوم وقف عمر يخطب في الناس فما كاد يقول: (أيها الناس اسمعوا وأطيعوا) حتى قاطعه أحدهم قائلاً: لا سمع ولا طاعة يا عمر، فقال عمر بهدوء: لم يا عبد الله؟ قال: لأن كلاً منا أصابه قميص واحد من القماش لستر عورته. فقال له عمر: مكانك، ثم نادى ولده عبد الله بن عمر، فشرح عبد الله أنه قد أعطى أباه نصيبه من القماش ليكمل به ثوبه، فاقتنع الناس كلهم وقال الرجل: الآن السمع والطاعة يا أمير المؤمنين. فكان هناك بعض الجهلة من هذا القبيل، لكنكم لن تسمعوا أبدًا مثل هذه الأقوال من لسان كبار صحابة النبي الذين تلقوا منه تربية جيدة. بل كان يتكلم هكذا أولئك الذين أسلموا متأخرين، أو الذين كانوا جهلة وغير متعلمين تماما، أما كبار الصحابة فلن تسمعوا من فمهم مثل هذا الكلام، بل كانوا مطيعين طاعة كاملة.
يقول المصلح الموعود: أخبر الله تعالى بقوله عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ أن هؤلاء سيراقبون مهماتهم دائمًا رغم جلوسهم على الأرائك، فلن يجعلهم رخاء الدنيا ونعمها كسالى. ولن يدفعهم جلوسهم على الأرائك إلى النوم والكسل، بل سيكونون فيها يقظين حذرين يراقبون حقوق الناس ويؤدون واجباتهم أحسن أداء.
ترسيخ مبدأ الحرية الدينية
إن الإسلام يمنح الحرية في الأمور الدينية فماذا كان عمل سيدنا عمر عن ذلك، فهناك رواية عن ذلك أنه بعد فتح الإسكندرية كتب حاكمُها إلى عمرو بن العاص: إني قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلي منكم معشر العرب أي فارس والروم، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علي ما أصبتم من سبايا أرضي فعلت.
فكتب عمرو بن العاص إلى بلاط الخلافة كل الأوضاع فردَّ علیه قائلًا: اعرض على حاكم الإسكندرية أن يعطيك الجزية. أما الأسرى الذين هم عند المسلمين فينبغي أن يُخيَّروا في أن يقبلوا الإسلام أو يبقوا على دين قومهم. فمن اختار منهم الإسلام فهو مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَهُ مَا لَهُمْ وعليه مَا عليهم، ومن اختار دين قومه، وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه.
فجمع عمرو الأسرى وقرأ علیهم أمرَ عمر بن الخطاب فأسلم الكثیر منهم.
كم كان محتاطًا وحذرًا في الحرية الدينية، فمما يروى بهذا الصدد أن عجوزًا نصرانية جاءت إلى سيدنا عمر ذات يوم، وكانت لها حاجة عنده فقال لها: أسلمي تسلمي؛ إن الله بعث محمدًا بالحق، فقالت: أنا امرأة عجوز والموت إليَّ أقرب، فقضى حاجتها، ولكنه خشي أن يكون في مسلكه هذا ما ينطوي على استغلال حاجتها لمحاولة إكراهها على الإسلام، فاستغفر الله مما فعل وقال: اللهم إني أرشدت ولم أكره. فكان حذرًا جدًّا.
ثم هناك واقعة، أنه كان لعمر عبد نصراني اسمه (أشق) قال: كنت عبدًا نصرانيًّا لعمر، فقال أسلِم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمور المسلمين بمن ليس منهم، فأبيتُ فقال: (لا إكراه في الدين). فلما حضرتْه الوفاة أعتقني وقال: اذهب حيث شئت.
من مشاهد رفقه بالحيوانات
قال الأحنف بن قیس: وفدنا علی عمر بفتح عظیم، فقال: أین نزلتم؟ فقلت: فی مکان کذا وکذا، فقام معي حتی انتهینا الی مناخ رکائبنا، فجعل یتخللها ببصره ویقول: ألا اتقیتم الله في رکائبکم هذه؟ أما علمتم أن لها علیکم حقًّا؟ ألا خلیتم عنها فأکلت من نبت الأرض؟
وعن سالم بن عبد الله قال: رأى سيدنا عمر بن الخطاب بعيرًا ظهرت عليه آثار المرض والعجز فوضع يَدَهُ عند جرح على ظهره وقال: إِنِّي لَخَائِفٌ أَنْ أُسْأَلَ عَمَّا بِكَ.
وهناك رواية عن أسلم قال: قال عمر لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري، فرحل يرفأ راحلته وسار أربعًا مُقبلًا ومُدبرًا واشترى مِكتلا، فجاء به وعمد إلى الراحلة فغسلها فأتى عمر، فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر وقال: نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذبت بهيمة في شهوة عمر، لا والله! لا يذوق عمر مِكتلك.
قدِم على عمر بن الخطاب وفدٌ من العراق في يوم صائف شديد الحر وفيه الأحنف بن قيس أيضًا وكان عمر متحجزًا بعباءة يهنأ بعيرًا من إبل الصدقة (أي يطليه بالقطران) فقال: يا أحنف ضع ثيابك وهلمَّ وأعِنْ أميرَ المؤمنين على هذا البعير فإنه من إبل الصدقة فيه حق اليتيم والأرملة والمسكين.
ومما يروى أيضًا عن سيرته عن طَارِقِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ
قَالَ عُمَرُ قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
يقول سيدنا المصلح الموعود عن ذلك أن يهوديًّا قال لسيدنا عمر : آيةٌ في كتابكم تقرَأونها لو علينا معشرَ اليهود نزلتْ لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا! قال: أي آية؟ قال الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ . فقال لليهودي: كان لنا في ذلك اليوم عيدان: عيدُ يوم عرفة وعيدُ الجمعة.
عن الأشعث، قال: سمعت الإمام الشعبي يقول: إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف صنع عمر، فإن عمر لم يكن يصنع شيئًا حتى يشاور.
وعن الشعبي قال: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت أقرأ لكتاب الله ولا أفقه في دين الله، ولا أحسن مدارسة منه.
وقال الحسن البصري إذا أردتم أن يطيب المجلس فأفيضوا في ذكر عمر.
وعن مجاهد قال کنا نتحدث أن الشیاطین كانت مصفدة فی زمن عمر فلما قُتل وثبت في الأرض.
وقد ورد أن سيدنا عمر كان ذواقًا للشعر، ولم يكن ينظمه بنفسه لكن كان يستمع له ويعجب به.
فعن ابن عباس قال خرجتُ مع عمر في بعض أسفاره فإنا لنسير ليلة وقد دنوت منه إذ ضرب مقدم رحله بسوطه وقال:
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ، يُقْتَلُ أَحْمَدُ
وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ
>
وَنُسْلِمُهُ حَتّٰى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ
وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلائِلِ
ثم أنشد:
وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
أَبَرَّ وَأَوْفى ذِمَّةً مِنْ مُحَمَّدِ
يقول المؤرخ الدكتور علي محمد الصلابي في كتابه عن سيدنا عمر وأعماله وذوقه الشعري:
كان عمر أكثر الخلفاء الراشدين ميلاً لسماع الشعر وتقويمه كما كان أكثرهم تمثلاً به حتى قيل: كان عمر بن الخطاب لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيتًا من الشعر. وقيل أنه خرج ذات يوم في لباس جديد فبدأ الناس يرنون إليه فأنشد لهم أبياتًا:
لَمْ تُغْنِ عَنْ هُرْمُزٍ يَوْمًا خَزَائِنُه
وَالْخُلْدُ قَدْ حَاوَلَتْ عَادٌ فَمَا خَلَدُوْا
>
أيْنَ الْمُلُوكُ الَّتِي كَانَتْ لِعِزَّتِهَا
مِنْ كُلِّ أَوْبٍ إلَيْهَا رَاکِبٌ يَفِدُ؟!
يتابع الدكتور علي محمد الصلابي ما معناه: كان عمر يحب أبياتًا تترشح منها أسوة الحياة الإسلامية، ولا تخالف معانيها ومفاهيمها تعليم الإسلام ومبادئه. كان يحض المسلمين على حفظ الأشعار الحسنة، ويقول: تعلموا الشعر، فإن فيه محاسن تبتغى، ومساوئ تتقى، وحكمة للحكماء، ويدل على مكارم الأخلاق. وما كان يكتفي بذلك فقط بشأن فضائل الشعر بل كان يحسبه مفتاح القلوب ودافعًا لإثارة عواطف حسنة لدى الإنسان. فقد وصف فضل الشعر وأهميته بالقول بأن أحسن فنّ الإنسان هو نظم بعض الأشعار التي يقدمها في حوائجه وبها يليّن قلب كريم وجوّاد ويميل إلى نفسه قلب اللئيم.
فالحق أن الصدّيق والفاروق، كانا من أكابر الصحابة وما أَلَتَا الحقوق، واتخذا التقوى شرعة، والعدل نُجْعة، وكانا ينقّبان عن الأخبار ويفتّشان من أصل الأسرار، وما أرادا أن يُلْفِيا من الدنيا بُغْية، وبذلا النفوس لله طاعةً. وإني لم ألقَ كالشيخَين في غزارة فيوضهم وتأييد دين نبي الثقلَين. كانا أَسْرعَ من القمر في اتّباع شمس الأمم والزمر،
كان يحفظ الشعر الجاهلي أيضًا برغبة وشوق، لأن له علاقة قوية مع فهم كتاب الله وتفهيمه. وقال أيضًا ما مفاده: أيها الناس، عليكم بديوانكم لا يضل. قالوا: وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسيرًا لكتابكم.. إن قوله هذا ينسجم مع موقف تلميذه ترجمان القرآن، عبد الله بن عباس أيضًا حيث قال: إذا أعيتكم العربية في القرآن فالتمسوها في الشعر، فإنه ديوان العرب.
يقول العلامة شبلي نعماني -وهو كاتب السيرة المعروف في القارة الهندية- في كتابه «الفاروق» عن ذوق سيدنا عمر الشعري:
مع أن شهرته كشاعر كانت قليلة بوجه عام، ولا شك في أنه كان نادرًا ما ينظم الشعر إلا أنه كان ذواقًا له ولا يمكن أن يهمل هذا الجانب من تاريخ حياته. فقد حفظ كثيرًا من أشعار شعراء العرب المعروفين، وكانت له آراء خاصة في شعر جميع الشعراء ويعترف مؤرخو الأدب عمومًا أنه لم يكن في عصره ناقد للشعر أفضل منه.
وقد كتب الجاحظ في كتابه البيان والتبيين: كان عمر بن الخطاب أعلم الناس بالشعر.
وقد بلغ تذوقه الشعري درجة أنه كان يستمع الشعر ثم كان يتذوقه جيدًا وكان ينشده مرارًا.
مع أن عمر كان بسبب انشغاله في أمور الخلافة الهامة لا يجد فرصة للاهتمام بمثل هذه الموضوعات إلا أنه كان يحفظ مئات الأبيات. والتذوق الشعري كان من طبعه. ويذكر مؤرخو الأدب أن مدى حفظه للشعر قد بلغ حدًّا أنه عندما كان يحكم في أي قضية ينشد بيتًا من الشعر.
كان عمر يفضل الأشعار التي تتضمن معاني الإباء والحرية وشرف النفس والحمية والغيرة. وبناء على هذا أرسل الأوامر إلى أمراء الأجناد وعمال البلدان ليهتم الناس بحفظ الشعر. وأرسل هذا الأمر إلى أبي موسى الأشعري: مُر من قبلك يتعلم الشعر فإنه يدل على معاني الأخلاق وصواب الرأي ومعرفة الأنساب.
كانت هذه كلماته التي أرسلها إلى جميع الأقاليم:
«علّموا أولادكم العوم والفروسية وارووا لهم ما سار من المثل وحَسُنَ من الشعر.» فقد كان من عادة العرب آنذاك أن الشعراء كانوا يشببون بالنساء المحصنات في أشعارهم ويصرحون فيها بعواطفهم تجاههن. فقضى عمر على هذه العادة تمامًا وقرر لها عقابًا صارمًا كما قرر عقوبة للهجاء، كما وسجن الحطيئة شاعر الهجاء المشهور بهذا الذنب.
يتابع العلامة شبلي نعماني قائلًا: إن أكبر شاعر في ذلك الزمن كان متمم بن نُويرة الذي قتل خالد أخاه خطأ في عهد أبي بكر . فقد أحزن ذلك أخاه كثيرًا فكان يبكي دائمًا ويرثي له. وذات مرة جاء إلى عمر فقال له: أنشدني بعض ما قلت فيه. فأنشده مرثيته، فقال له عمر : لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدا. فقال متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين، لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته. فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني به.»
عمر مصداق نبوءات نبوية
يقول سيدنا المسيح الموعود في ذكر فضائل عمر ومناقبه:
ويقول في مكان آخر: من الواجب الاعتقاد أن سيدنا الصديق الأكبر وحضرة عمر الفاروق وحضرة ذي النورين وحضرة علي المرتضى رضي الله عنهم كانوا كلهم أمناء الدين المتين حقًّا. لو لم يكن أبو بكر الذي كان آدم ثانيًا للإسلام وكذلك عمر الفاروق وعثمان أمناء صادقين للإسلام لتعذر علينا اليوم أن نحسب آية من آيات القرآن الكريم من الله تعالى.
وقال أيضًا ما نصه:
وقال أيضًا ما نصه:
ثم قال ردًّا على اعتراض للشيعة:
ثم قال :
ثم قال :
واتصالًا بمناقب حضرة عمر ثمة فقرة كتبها المولوي عبد الكريم ذكر فيها مقدار حب المسيح الموعود واحترامه لرسول الله وللشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، جاء فيها:
ذات مرة قال للمسيح الموعود أحدُ الإخوة المبايعين المتفانين في حبه:
