ندوة علمية مع إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية

ندوة علمية مع إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية

ندوة علمية مع أمير المؤمنين سيدنا مرزا طاهر أحمد

إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية

مع مجموعة من الضيوف الألمان، بألمانيا بتاريخ 10-09-1995

نقلها عن الإنجليزية: الأستاذ محمد منير إدلبي

(س) أطرح السؤال نيابةً عن أختٍ هنا، والسؤال: كيف نبرهن منطقيًا على أنّ السيدة مريم ولدت عيسى وهي عذراء؟

لا يمكن أن نبرهن بشكل منطقي على حقيقة وهوية أي إنسان في العالَم. إنه مستحيل ما عدا في العصر الحديث والوقت الراهن حيث تتوفر معدّات الفحص الإلكتروني الدقيقة التي يمكن استخدامها على الأم والولد في فحوصٍ دقيقة، وعندئذٍ فقط يمكن بيان صلة المولود بوالديه. وفيما يتعلَّق بعيسى فقد مضى عليه ما يُقارب ألفي عام.. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك أيةّ إمكانيّة لمعرفة فيما إذا كان المولود لمريم قد جاء نتيجة علاقةٍ شرعيّة أم لا؟

الله هو الشاهد. ولقد قدَّم الله بشهادته على ذلك في العهد الجديد. ولكن الشهادة الأعظم جاءت في صورة القرآن الكريم الذي هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يشهد على صدق العهد الجديد بأنّ السيدة مريم كانت سيدةً عفيفةً طاهرة وأنّ ولدها لم يأتِ نتيجة علاقةٍ غير شرعيّة مطلقًا. لقد كان خلقًا خاصًا بقدرة الله. هذا ما نستطيع قوله، وهو برهانٌ قوي.

لماذا ذلك النبي، من الجزيرة العربية، يشهد لحقيقة الولادة الشرعيّة لطفلٍ في حين أنّ العالَم كله يعتبر ذلك الطفل غير شرعي؟ الحق أنّ القرآن قد صنع -بفضل الله تعالى- معروفًا كبيرًا للمسيحية التي تقول أنّ عيسى قد وُلِدَ بشكل إعجازي. الفرق الوحيد هو أنّ المسيحيين يعتقدون بأنّ الله هو أبوه بالمعنى الحرفي، ولكن القرآن يقول: لا، الله لا يمكن أن يكون أبًا بالمعنى الحرفي لأحد. فأن يكون أحدٌ أباك يوجب أن يكون هناك شيءٌ مشتركٌ بينكما. فأيُّ اشتراك كان بين مريم وبين الله؟ إذا ما زوجتم كلبًا بأنثى الفيل، فهل ستحمل أنثى الفيل أولادًا من ذلك الكلب؟ الحق أنَّ الفرق بين الله وبين أمهات البشر كبير وكبير جدًا. فكيف حدثت هذه الولادة؟ إنّها لا يمكن أن تحدث إلا بالخلق، والله قد خلق كل شيء، وأيّة صعوبة لديه إذا أراد أن يخلق ولدًا من دون أب؟ فالقرآن يعرض ولادة عيسى على أنّها حالة خاصة من قدرة الخلق الإلهي داخل رحم مريم دون أن يكون لله سبحانه وتعالى أي دور جسدي في ذلك.

والآن انظروا الموقف الخالي من التعقُّل لرجال الدين المسيحي، حيث أنّهم يدمِّرون بأيديهم الشهادة الوحيدة الخارجيّة في العالَم كله على صدق العهد الجديد. إذ يقولون أنّ محمدًا كان مُدَّعيًا كاذبًا. هذا النبي الوحيد في العالَم الذي يشهد على صدق المسيحيّة وهو غير مسيحي، ويشهد على صدق مريم وهو ليس بمسيحي، وعلى صدق عيسى وهو ليس بمسيحي، هذا الشاهد الوحيد يُكذِّبونه، وبالتالي يدمِّرون كلَّ هذا بأنفسهم، وبذلك لا يبقى لديهم أيّة شهادة مصدِّقة لهم.

(س)  إنّ كثيرًا من الناس يميلون إلى البوذيّة، والعلماء يُقدِّمون براهينهم على الولادة الجديدة والتناسخ؟

(ج) فيما يتعلّق بالبوذيّة فالقليل جدًا من الناس الذين ينجذبون إلى البوذيّة، وهناك دعاية لهذا الموضوع أكبر بكثير من الحقيقة، والواقع أنّ البوذيين أنفسهم يفقدون إيمانهم بالبوذيّة. وكل هؤلاء الذين صاروا مسيحيين في الشرق الأقصى كانوا من البوذيين. ولذلك فإنّ هذا الزعم تزييف للحقائق.

فقط كان أهل الصراعات الدينيّة يصيرون أحيانًا بوذيين أو يدخلون في ديانة السيخ. وهذا نوع من النزعة الدينيّة الشاذّة كان أكثر شيوعًا في أوربا في السابق منها اليوم. في تلك الأيام طبعًا شاهدنا الكثير يتحوّلون إلى البوذيّة أو السيخيّة أو غيرها.. ويتمتَّعون بعلاقةٍ مؤقّتة ثم يرتدون عنها. إنني لم أرَ، أُكرّر لم أرَ أية عائلات في الغرب ظلت موالية للبوذيّة لأنّ آباءهم قد تحوَّلوا إلى البوذيّة، فالأولاد يعودون إلى دينهم الأول أو إلى اللادين. إذن ما قيل لك ليس صحيحًا.

أما فيما يتعلّق بالشقّ الثاني من سؤالك فإنّ العلماء لم يُقدِّموا أبدًا أيَّ برهان على التناسخ. فإنّ من يزعم هذا لا بدَّ أن يكون بوذيًّا أو هندوسيًّا أو غيرهما ممن يعتقد ذلك. إنني أستطيع أن أُبرهن من فلسفتهم هم على أنّ التناسخ مستحيل بحسب زعمهم. المشكلة أنّهم يُخبرون الغرب فقط بجزء صغير من ذلك الزعم، فقط بالجزء الظاهر من جبال الجليد في حين أن الجزء المخفي من جبال الجليد هو تسعة أعشار.

الواقع أنّ كل إنسان يريد بدافع من فطرته أن يعيش ثانيةً. إنّها رغبة مغروسة في كل كائن بشري. إذن هي الغريزة الطبيعيّة التي تحثُّ الإنسان على العودة إلى الله، ولذلك فالكائنات البشريّة تحمل في عُمقها رغبةً شديدة في البقاء، فهم يريدون العيش إلى الأبد، وهذا هو الذي ولّد حقيقة التوالد والإنتاج الجنسي في المملكة الحيوانيّة، تلك الرغبة التي تمدُّ فترة بقاءها، إن لم يكن بشكل شخصي فمن خلال الولادة. إذا درستم التطور، ولقد درسته أنا بشكل جيد، فستندهشون بأنّ ذلك الدافع إلى إنتاج الحياة وجعلها مستمرة، يكمن في الرغبة العميقة الداخليّة لكل مخلوق كي يبقى إلى الأبد.

والمجتمع الذي لم يعد له إله وصار ملحدًا يظلُّ يشعر بتلك الرغبة في عمقه، ويجد الحل السهل بالنسبة إليه أن يؤمن بشيء دون أن يتحمَّل مسئولية، لأنَّ الخيار الآخر أمامهم هو الخيار الديني الذي يصعب عليهم جدًا العمل به، لأنّ الدين يقول: سوف تموتون ثم ستفتحون عيونكم في عالم روحاني آخر ستكونون مسئولين على كل فعل تعملونه على الأرض. هذا خيار، بينما الخيار الآخر يقول لهم: فقط أغلِقوا عيونكم مع أمل بأنكم ستُولدون ثانيةً هنا، وهذه هي نهاية كل شيء، وليس عليكم أن تفعلوا شيئًا غير ذلك.

هذا ما يخبرونكم به هنا، ولكن ما لا يخبرونكم به هو قصته مختلفة. إنّهم لا يخبرونكم أنّ التناسخ يعني أنّ كل من يفعل الخير في هذه الحياة ويعيش كأتقى ما يكون في عين الله، فإنّه سيعيش بعد موته من جديد في ولادة بشرية جديدة. أما غيره من الأشرار فسيعيشون من جديد مولودين في صورة الحيوانات أو الديدان أو الكلاب أو القطط وغيرها. فقد تكون كلبَ أخيك في الحياة القادمة إذا كان أخوك تقيًّا وكنت سيئًا.

إذن هم لا يخبرونكم عن سقطات فلسفاتهم التي تُبرهن على خطئهم، لأننا نعلم في هذا العصر الحديث أنَّ الحيوانات تنقص وتندر تدريجيًّا، حتى قامت حركات ومنظمات تنادي بإنقاذ الحيوانات من تدخُّل الإنسان فيها كيلا تنقرض جميعًا. فالأجناس الحيوانيّة تؤول إلى الانقراض، في حين أنّ الجنس البشري ينتشر بسرعة هائلة إلى حد أنّ الحكومات تُعاني قلقًا كبيرًا من زيادة السكان. فهل هذا يعني أنّ الأجيال البشريّة السابقة كانت أتقى ما تكون لدرجةٍ إنَّ الله قد أعادها في ولاداتٍ بشريّة جديدة؟ كلا، بل إنَّ ما نراه هو قصة مختلفة تمامًا. فالناس في هذا العصر قد صاروا غايةً في الفساد بدون اختلاف بين بلدٍ وآخر أو قارةٍ وأخرى. فجميعهم صاروا أكثر فسادًا وأنانيةً وإساءةً وغصبًا لحقوق الآخرين، ومع ذلك نرى تفجُّرًا سكانيًّا متزايدًا. كان يجب أن نرى نقصانًا وتدنيًا في الولادة البشريّة في الأجيال المتعاقبة وتكاثرًا للحيوانات بحيث تكون القطط والكلاب والديدان وغيرها غطّت وجه الأرض، ويصير الإنسان نادرًا بين هذه الحيوانات، وذلك بسبب التناسخ.

إنّها مجرّد أسطورة ظريفة خرافيّة لا أكثر. لو كانوا صادقين في دعواهم لكان يجب عليهم أن يُنذروا الغرب قائلين: تقبلوا عقيدتنا وإلا ننذركم بأنكم عندما تفتحون عيونكم في الجيل الثاني من التناسخ ستجدون أنفسكم خنازير للذبح أو دجاجات للأكل. فهل تحبّون أن تُؤكلوا من قِبل أبناء جنسكم؟

فإذا كنتم تقبلون وتصدِّقون كل هذه الأوهام فشأنكم، وإلا فاتركوا هذه العقيدة الزائفة.

(س) إنّ الله عليم ويعلم كل شيء، ولكن سؤالي يتعلّق بيوم القيامة عندما يجب على الإنسان أن يُجيب على أعماله، فمثلاً إذا كان قد سرق فإنّه سيقول لله بأنّه قد سرق والله يعلم أنّه قد سرق، وكأنه هنا يضع الناس في اختبار ليرى إذا كانوا سيكذبون على الله أم لا.. إلى غير ذلك.

(ج) يعظنا الله تعالى في جميع الأديان أن نُمارس العدل، وأن نقوم بجميع متطلَّبات العدل. في كثير من الأحيان يُدان المرء في الدنيا مِن قِبَل أبناء جنسه، ولكنه لا يقبل ذلك حتى أنّك تجد في كثير من الأحيان أنّ المجرمين يُقدِّمون الكثير من الأعذار ويقولون: لا أنتم الخاطئون في حقِّنا. صحيح الله هو العليم، ولكن كيف يمكن جعل ذلك الإنسان يعرف أنّ الله يدينه بالحق وأنّه هو خاطئ. هذا يمكن فقط حينما تتحقَّق مقوّمات العدل.. ولقد ذكر الله في القرآن الكريم نظامًا يتعلّق بالشهادة، حيث لا تؤخذ مجرّد كلمة الإنسان في ذلك العالَم الآخر في الحساب. فالقرآن الكريم يتحدَّث عن أمر بالغ الروعة، لم يُذكر في أيّ دينٍ آخر، فيقول: إنّ جلود البشر أيضًا سوف تشهد عليهم يوم القيامة. فما معنى ذلك؟ الجلد والقلب وجميع الكيان الماديّ للإنسان سوف تشهد ضده، وعند ذلك سيقول:

مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا

أي يا لَهُ من نظامٍ للذاكرة والتسجيل يغطّي كل شيء ولا يترك أي شيء!

إنّ هذه الحقائق تُذكِّرنا بقصة مختلفة عما يبدو لنا عادةً. ليست المسألة أنّ الله يجلس على الكرسي والناس يقفون أمامه، بل إنّه سيناريو مختلف تمامًا يلفت القرآن نظرنا إليه.

الحقيقة أنّ كل ما نفعل ينطبع في ذاكرة لا تُمحى، فلا يستطيع أحد مطلقًا أن يمحو ما قد فعل. مهما كان الفعل دقيقًا أو متضائلاً، لا يمكن مطلقًا محوه من الوجود.

عندما قرأتُ في القرآن أنّ القلب سيشهد على صاحبه وأنّهم سوف يشهدون على أنفسهم فكان ذلك مفهومًا، ولكنني كنت مندهشًا كيف ستتمكن الجلود أن تشهد! فدراستي حول المكتشفات الأخيرة للعلماء أدهشتني وملأتني بإيمانٍ أعظم بالقرآن. فهم يقولون: إنّ هناك خلايا في الجلد هي أنظمة ذاكرة أكبر وأعظم من جميع أجزاء الجسم الأخرى، لأنهم من الجلد قد أخذوا ال DNA وذلك كما تعلم يكون في أساس الخلية البشريّة التي فيها الشخصيّة. ورغم أنها تكون قد خربت جزئيًّا، ولكنهم في بعض الحيوانات القديمة استطاعوا الحصول على خطة خلقها الكاملة من عيّنة من جلدها. لذلك فإنّ في الجلود نظام ذاكرة، نحن لا نفهم بعد كيف يمكننا تطبيق ذلك ولكننا نعرف من دراسات العلماء أنّ الجلود فيها نظامًا للحفظ في الذاكرة بشكل لا يوجد في أي جزء آخر من الجسم. ويسعى بعض العلماء إلى إعادة بناء الدَينَاصُورات لو حصلوا على بقايا من جلودها. إنّهم يعتقدون أنّهم سيتمكنون من إعادة تخليقها وبالتالي بقية الحيوانات.

إنّ هذا فقط برهان ماديّ على صدق القرآن الكريم، ولكن من الناحية الروحيّة يمكن أن يعني هذا شيئًا آخر. فالجلد بالنسبة إلى الروح يمكن أن يعني الغطاء الخارجي مهما كان. والروح دائمًا تحمل ذكريات ما يصنع الإنسان هنا.. وبهذه الطريقة فإنّ الشهادة أمرٌ جوهري وإلّا لما أمكن لأحد أن يعرف لماذا يُدان. طبعًا لا يملك الإنسان أي قوةٍ أمام الله، ويمكن أن يقول لله تعالى أنت تُدينني حسنًا وأنا أمضي إلى حيث تشاء، ولكنني لا أفهم لماذا تُدينني، كما يقول أمثال هؤلاء هنا لبني جنسهم.. ولكن هناك سيجعلهم الله هم أنفسهم يتكلّمون ويُقدِّمون البراهين على أخطائهم، بحيث لا يبقى أدنى شك لدى الإنسان بأنّه قد فعل حقًا ما يُدان به.

(س) ولكني أُريد أن أفهم لماذا يسأل الله الإنسان في حين أنّه سبحانه وتعالى يعرف الجواب مُسبقًا؟

(ج) لقد أجبتُ على ذلك أنّ الإنسان أساء فهم نفسه ولم يعلم بما فيه الكفاية. ولكن عندما يبدأ جسده يشهد ضده من خلال نظام الذاكرة عند ذلك سيعرف هو وسيعرف الكل أنّ إدانة الله عادلة، أي أنّ ذلك الأمر يتعلّق بمقوِّمات العدالة، وهذا أمرٌ جوهري حتى بالنسبة إلى الله بأن يُبرهن للعالم على أنَّ إدانة إلهيّة إنّما هي مبنيّة على الحقِّ والبرهان.

(س) السلام عليكم أنا من أمريكا..

(ج) وعليكم السلام، ولكن الدعوة هنا هي فقط للمتكلِّمين باللغة الألمانيّة وللألمان، والحقُّ لهم أولاً، لذلك فإنّ عليك الانتظار بصبر، فإذا ما بقي وقت فإننا سندعوك مُرحِّبين بسؤالك.

(س) لماذا يجب على المرأة أن تتحجّب؟ لو كان الرجل يملك قلبًا نقيًّا لأمكنه النظر إلى المرأة دون حرج.

(ج) لأنّ الرجال لا يملكون قلوبًا نقيّة فلذلك ينبغي على النساء أن يحرصن حرصًا خاصًا. تلك هي روح الحجاب في الإسلام. القرآن الكريم لا يبدأ بالنساء بل يُخبر الرجال، بأن يغضُّوا من أبصارهم وألّا يتركوها هكذا سائحةً تبحث عن الوجوه. ثم يأمر النساء أن يفعلنَ الشيء ذاته.

والظاهرة الطبيعيّة التي لا يمكن تجاهلها هي أنّ الله قد جعل النساء أكثر حساسيةً وجمالاً وجاذبيّة، بمعنى أنّهنَّ يجذبنَ الانتباه إلى أنفسِهنَّ ويقع الرجال ضحيةً لذلك. فإذا خرجنَ مستوراتٍ لا يُبدينَ محاسِنهُنَّ، وامتنعنَ عن استخدام “الماكياج” للتجمُّل وأشياء أخرى، فإنّ المجتمع يصير أقلّ خطرًا، ولكن عندما يخرُجنَ بكل أنواع التجميل الهادف إلى جذب عين الرجل، سيقع الرجل ضحيةً -رغم كونه مُبرَّءًا نقيّ القلب- وستكون المسؤوليّة على المرأة التي تفعل ذلك وتخلق هذه التحدِّيات والمشاكل. ولهذا فإنّ الإسلام قد اتّخذ بعض الإجراءات التي تأمر النساء ألّا يخرجن سافرات عارضاتٍ حُسنهُنَّ، بل يجب أن يستُرنَ أنفسهنَّ باحتشام، وألا يُبدينَ جمالهُم حتى يظلَّ الرجال في حالة سلامٍ نسبي، لأنَّ الرجال أكثر خطرًا من النساء، وإذا ما تمّت دعوتهم وإثارتهم فلا نهاية لهذا الفساد.

ولكن لدى النساء أيضًا نقطة ضعف للأسف، فكل واحدٍ منكم يعرف من خبراته في بيته أنّه إذا قال لزوجته فجأةً: لنذهب للسوق أو لنذهب لمكانٍ ما.. فإنها ستقول: انتظر لحظة، عليَّ أن أُحضِّر نفسي. ستذهب أمام المرآة وتجمِّل وجهها بمساحيق التجميل، ولن تُغادر البيت دون ذلك، لأنّها تُفكِّر: إذا لم أظهر بمظهرٍ جذّاب فلماذا أخرج إذن. فالمرأة في عمقها تحبُّ أن تُعبَدَ بذلك المعنى، وإنّها تتصرَّف كصنم. وبما أنَّ الله يعرف الضعف لذلك خاطب النسوة آمرًا إياهُنَّ أن يُخفينَ زينَتَهُنَّ لأنّ فيها جاذبية بشكلٍ طبعي. الرجال راغبون دائمًا وما أن يُعطَوا أدنى بادرة تشجيع حتى يقوموا هم بالباقي. لذلك عليكنَّ، أيها النساء، أن تلتزمنَ بالسلوك المحتشم.

تلك هي روح الحجاب الإسلامي. إنَّ هذا الحجاب الذي يغطّي الوجه كما ترى ليس ضروريًا. هذه أشكال تقليديّة بيئيّة للحجاب. وأنا لا أطلب صاحبات هذا الحجاب المغطّي للوجه أن يمتنعنَ عن ذلك، لأنّهنَّ إذا تركنَهُ، فربما ينزلقنَ في مخاطر أخرى أيضًا. لذلك أنا أقبل جميع أنواع الحجاب. مثلاً ترى سيدات جالساتٍ هنا، ولكنهنَّ لا يُغطينَّ الوجوه، وهناك منهنَّ من يرتدين الحجاب الذي يغطّي الوجه. فإذا أردنَ ذلك فلنَدَعَهُنَّ، ليس من مشكلة، ليس ثمّة إكراه في الجماعة على أيّة سيدة لارتداء شكل معيّن من الحجاب، بل نطلب منهنَّ أن ينتبهنَ إلى أنفسهنَّ، هذا مهمّ وتلك هي روح الحجاب الإسلامي. فإذا وضعنَها في الاعتبار مع الثياب المحتشمة وخرجنَ بدون أن يكون فيهنَّ ما يجذب الانتباه، فنحن نعتقد أنهنَّ يكنَّ محجّبات بالحجاب الملائم.

واسمح لي أن أُقدِّم ثنائي وتقديري لتلك السيدات اللاتي يغطينَّ رؤوسهنَّ بالحجاب. لماذا؟ لأنَّ هذه تضحية منهنَّ في مجتمعٍ حرٍّ سائب، لأنَّ حجابهنَّ يُسبّب لهنَّ إحراجًا، ومع ذلك فهنَّ يلتزمنَ به ليكُنَّ المحافظات على روح التحجُّب. وبالنظر إليهنَّ تستلم الأجيال الأصغر سنًّا الرسالة بأنّه يجب علينا ألّا نُفرِّط في الحرية. ولكن إذا فرَّط الجيل الكبير في حريته فإنّ الجيل الصغير التالي سيقع في مخاطر الابتعاد عن الالتزام الصحيح والسليم. لذلك فإنّهنَّ الكوابح، وأنا أُسمِّيهنَّ “بالكوابح الممتازة”. في السيارة يكون لديك محرّك ليقودها، ولكن بدون كوابح تكون غايةً في الخطورة. ولذلك فإنّ على المجتمع أن يكون لديه بعض الكوابح التي تساعد على الحفاظ على عفّة وطهارة النساء. وأنا أعتقد أنهنَّ يعملن ككوابح ممتازة. فليَبقينَ كذلك ولا اعتراض لديّ.

(س) سمعت رأيك حول التناسخ، وأرى التناسخ بالنسبة لي كمدرسة إلهيّة يتعلّم فيها الإنسان، بحيث أنني إذا كنت مُدمنة على التدخين أو الكحول، فسأُعطى فرصةً في الحياة الثانية لأن أتعلّم أكثر أو أحصل على مستويات أعلى بالنسبة لروحي، ولذلك فبالنسبة إلي فليس من تراجع لأكون في الحيوانات، بل سأتوجَّه فقط إلى الأمام والأعلى في التناسخ في الحياة التالية. وكذلك عندي سؤال آخر: ما هي الرؤية بالنسبة إلى الإنسان؟

(ج) فيما يتعلق بالتناسخ فإنّك قد خلقتِ طائفة جديدة اليوم وكذلك عقيدة جديدة. لأنّ عقيدتك في التناسخ هذه لا يشترك فيها معك أصحاب هذه العقيدة الذين اخترعوها. فالفلسفة التي يبنون عليها عقيدة التناسخ هي فلسفة عدالة الله. فهم يقولون: لأنّ الله عادل فلا يمكن أن يُقيّد الأرواح إلى الأجساد بدون أي مبرِّر. ويقولون كذلك الأرواح أزليّة أبديّة، وكذلك مادة الأجسام أزليّة أبديّة، والله أزلي أبدي. فهذه ثلاثة أشياء أزليّة أبديّة عندهم. فالله هو كيميائي وليس خالقًا، فهو يضع الأرواح في الأجساد ويعطيها شكلاً. ولكن كي يفعل ذلك فلا بدَّ له من سبب ومُبرِّر، ويجب ألا يتصرّف كالمستبدّ. ولذلك فهم يقولون بأنّ العدالة المبرِّرة له هي “الكرما” أي أفعال البشر. فإذا كانت أفعال البشر حسنة، يمكن عندئذٍ لله أن يحرِّرهم من هذه الأجساد لفترةٍ فلا يعودون إليها. فالأرواح تنفصل عن الأجساد وتعيش منفردة، وتظل الأجساد بلا روح. ولكنهم يزعمون بانّ كرمَ الله محدود، فيقول: لماذا أُعطيهم تحرُّرًا أبديًا، ثم يقرِّر قائلاً: حسنًا، سأُعيدهم إلى الشكل الأرضي، وعندما يفعل ذلك فإنّه يأخذ في حسابه عوامل كثيرة، ولذلك فيمكن جعل الروح ذكرًا أو أنثى، أو إنسانًا جيدًا، أو سيئًا بحسب مشيئته واختياره هو. ثم إذا تصرَّف الإنسان بطريقةٍ شريرة في هذه الحياة أيضًا، فإنّه -بحسب هذه العقيدة- لن يُعاد إلى الشكل البشري بكل تأكيد، بل إنّه سيتدنى في الترتيب. إذن هي لعبة السلّم والأفعى التي يقترحونها.

أما أنتِ فتقولين أنّك تشعرين في روحك حركةً متصاعدة، لذلك فإنني سأترقَّى من حالةٍ أدنى إلى حالةٍ أرقى ولكنها متضمَّنة دائمًا في الشكل الجسدي، هذا ما تقولينه. ولكن ما من أحدٍ آخر من أصحاب عقيدة التناسخ يوافقك على قولك هذا. أما الأديان الإلهيّة فتقول: بأنّ الروح هي شكل متطوّر من الوعي، فهي متطوّرة ولابدَّ من تحريرها من الجسد حيث تستطيع أن تحيا بشكلٍ مستقل، ولذلك فهي تنفصل عن الجسد. وإنّ البشر وحدهم هم الذين يمكن أن تكون لهم أرواحٌ مستقلة، وبقيّة الحيوانات ليس لها أرواحٌ مستقلة. أرواح البشر تنتقل إلى أشكال أرقى من الوجود وليس إلى أشكال أدنى. حيث أنّ الأرواح في تلك المراحل العليا تُعطى أرواحًا جديدة داخلها، وتلك الحياة التي هي حياة روحيّة تأخذ شكلاً جديدًا، وليس هناك عودة إلى هذه الحياة الدنيا. تلك هي الفلسفات المختلفة. أما فلسفتك فهي آمال فكريّة. قد تكونين محقّة، ولكن يؤسفني القول لك أنّ بقية العالَم لا يتفق معك في ذلك.

أما عن الرؤى والأحلام، فهي نوع من الغرق في الموت. عندما يبدأ الوعي البشري أثناء النوم بالغرق شيئًا فشيئًا إلى داخل اللاوعي، فإنّه يظلّ يفكّر باستمرار، ولكن العقل اللاواعي لا يتحوّل إلى ذاكرة واعية، ولذلك فبالرغم من استمرارك بالحلم، فإنّك لا تذكرين إلّا ذلك الحلم الذي يكون قريبًا من مرحلة عودتك من الموت. إنّه لأمرٌ رائع، فبهذه الطريقة الجميلة يحفظ الله الجسد البشري من الموت الكلي. عندما تنامين يبدأ وعيُكِ بالغوص والغرق إلى مستوى بحيث لو مضى أبعد من ذلك فسيمضي إلى الموت، ولكنه يُعاد ويُدفع إلى الأعلى باتجاه العقل الواعي، وعندما يلمس ذلك الحدّ، فإنّ الإنسان يمكن أن يستيقظ أو أن يعود إلى النوم ثانيةً. ولكن في ذلك الحين عندما يكون على السطح ويبدو على عينيه حركات سريعة، فما يراه من أحلام في ذلك الحين هي الأحلام الوحيدة التي يذكرها. هذه ظاهرة طبيعية علم – نفسيّة.

ولكن للأحلام أهمية دينيّة أيضًا، حيث يستخدم الله لأجل أمور دينيّة الأحلامَ ذاتها التي زوّد بها الإنسان. عند ذلك يحرّكها الله لتنقل رسائله، وعندما تقرؤون هذه الاحلام تندهشون حيث تجدونها تحمل معلومات عن المستقبل وعن الأشياء الغيبيّة الخفيّة، التي لا يعرف عنها الحالم شيئًا ولكنها تتحقّق. وهذا هو الفرق الرئيسي بين الأحلام التي هي من الله وبين أحاديث النفس. فالأحلام النفسيّة مشتركة أيضًا مع القطط والفئران، ولكن الأحلام التي هي من عند الله تكون خاصة بالبشر، والموهوبون من الله بعلم تأويل هذه الأحلام يفسِّرونها وتتحقّق بحسب تفسيراتهم. والمثال المشترك لذلك بين اليهودية والمسيحيّة والإسلام هو ذلك الحلم الذي رآه سيدنا يوسف ( ) وكذلك عندما رأى ملك مصر حلمًا لم يتمكن أحد من تفسيره، ولكن سيدنا يوسف فسَّره لأنّه كان منوّر العقل والقلب من الله بما علّمه الله. وكم كان تفسيره صحيحًا على ضوء ما برهنت عليه حقائق الأحداث، حيث تمَّ إنقاذ مئات الألوف من الناس في مصر، وذلك بسبب تفسير صحيح لحلم. لذلك فإنّ من المهم جدًا أنّكِ عندما ترين حلمًا غريبًا فعليكِ أن تذهبي إلى عالم بتفسير الأحلام، وسيساعدك عندئذٍ على فهم المعنى. شكرًا.

 (س) أنا سيدة ألمانيّة أُدين بالمسيحيّة، وأودُّ أن أُعبِّر عن مدى سروري بتواجدي معكم في هذه الندوة حيث أشعر بأنني مقبولة من قِبَل الناس هنا، رغم أنّهم يعرفون أنني لست منهم. وآمل أنَّ قومك الذين هم أقليّة أن يتمّ قبولهم في ألمانيا.. (يشكرها أمير المؤمنين).

لديّ سؤالان: الأول: كيف أصبحتَ خليفةً؟ وهل من الممكن في المستقبل أن تصير إحدى السيدات خليفة؟ والسؤال الثاني كيف تنظر إلى قضية سلمان رشدي؟

(ج) أما كيف صرتُ خليفة فاعلمي أنّه بعد موت الخليفة، هناك مجلس انتخابي دائم في الجماعة الإسلامية الأحمدية، يصبح فاعلاً على الفور ليس أثناء حياة الخليفة بل بعد موته. يجتمعون معًا ويدعون الله ويختارون رجلاً يعتقدون أنّه سيكون الأفضل للجماعة. عندما تُوفي الخليفة السابق قام هؤلاء بذلك الاختيار خلال دقائق. اجتمعوا وفكَّروا ودعوا الله واختاروني، ولأنّهم أُناسٌ أتقياء، لأننا دائماً نتأكَّد ونتيقَّن بأن يكون أعضاء المجلس الانتخابي أتقياء يخافون الله، لذلك لم يكن ذلك الانتخاب ممارسةً صعبة أبدًا، ولم يكن خلاف في الأمر. هكذا تمَّ الأمر.

أما عن الجزء الثاني من السؤال فاعلمي أنّ مهمة الخلافة في حدِّ ذاتها صعبة للرجل أيضًا، وسيكون من القسوة على النساء أن يُسمح لهنَّ بأن يصِرنَ خلفاء. لأنّ النسوة بحكم طبيعتِهنَّ أضعف قوةً ومنعة من الرجال. هل تعلمين أنّ ما يُقارب من مائة ألف امرأة قد تمَّ اغتصابهُنَّ في البوسنة. وتعلمين أيضًا أن الأنبياء عُومِلوا بقسوةٍ ووحشيّة حتى أنّ الناس فعلوا معهم أقصى ما يمكنهم من العدوان والإيذاء.. فلو كانوا نساء وبدون أي ناصر ومُعين في المجتمع فتخيَّلِي ماذا يمكن أن يحدث. وكذلك الحال بالنسبة إلى الخُلفاء. إنّها ليست مهمة سهلة، بل هي مسئوليّة خطيرة.

وعلاوةً على ذلك ففي الإسلام يُعفى النساء في فتراتٍ محدودة من المجيء إلى المسجد للصلاة. وكذلك جميع النساء معفيَّاتٌ أساسًا من حضور المسجد خمس مرّات في اليوم، لأنّهنَّ يَلِدنَ الأولاد، وعليهنَّ أن يَعتنينَ ببيوتِهنَّ، بالإضافة إلى كثير من المسئوليّات الأخرى التي من شأنها أن تحول دون ذهابِهنَّ إلى المسجد خمس مرّات في اليوم. في حين أنّ على الرجال أن يُصلُّوا خمس مرّات في المسجد إذا تمكّنوا من ذلك. فإذا جُعِلت النساء خُلفاء فكيف يُمكنهنَّ أن يُراعِينَ الأمور الروحيّة للجميع مع أنّهنَّ لا يكون بإمكانِهنَّ الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة لدى فترة حيضِهنَّ وغير ذلك. لذلك فقرار الإسلام بتحميل هذه المسئوليّة للرجال فقط لقرارٌ حكيم. إنّه ليس قرارًا مُسيئًا للنساء، بل هو في مصلحة النساء.

(هنا توجَّه أمير المؤمنين إلى أحد المسئولين وقال:) أرجو أن تخبرهم أننا قد تجاوزنا الوقت بحدٍّ كبير، أمّا أنا فأستطيع أن أجلس ساعات أطول معكم، ولكن لسوء الحظ هناك ضيوف كنت مُلتزمًا بلقائهم في حوالي الواحدة والنصف، ولكنهم تكرَّموا بتأخير ذلك الموعد حتى الساعة الثانية. لذلك لا يمكنني البقاء هنا بعد الساعة الثانية، ولربّما أستطيع الإجابة على سؤالين آخرين. لذلك أعتذر من الآخرين الذين يجلسون في الخلف بأنّهم قد لا يتمكّنوا من طرح أسئلتهم.

وقال حضرته متابعًا: من الصعوبة بمكان أن يصير المرء “مريم”، أما أن يصير “عيسى” فهذا غايةٌ في الصعوبة.

السائلة: أعتقد بأنّ النساء قويّاتٌ تمامًا كالرجال.

حضرته: يمكنك أن تَعتقدي ذلك، ولكنني أَلْفِتُ نظرك إلى حقيقة. انظُرِي إلى تاريخ الدين من آدم وحتى عيسى المسيح ( )، وراجعي فكرتكِ. أنتِ قد تكونين قوية، ولكنك لا تستطيعين تغيير التاريخ. لقد قلتُ: إنّه من الصعب جدًا أن يصير المرء مريم، واليهود لم يغفروا لها إلى الآن، وأما أن يصير المرء مسيحًا فهذا غاية في الصعوبة. لذلك ترك الله المعاناة الأكثر للرجال، فإنّه خلق النساء أضعف بنية وأكثر نُعومة. فإذا لم يكن الأمر كذلك فقومي لقيادة حركة في الرياضة العالميّة، وأَخبريهم أن يُزيلوا الفوارق بين النساء والرجال، وأنّ على الرجال والنساء أن يشتركوا معًا في جميع المباريات في الملاكمة والمصارعة والركض، افعلي ذلك ثم عودي إلي.

وأما عن قصة سلمان رُشدي فسأقول كلمة واحدة فقط: أنّ كل رجلٍ مُهذّب يجب أن يُدين رشدي على ما فعل، ولكننا نعتقد أنّه لا حقَّ لأحد أن يحكم عليه بالموت.

(س) أُريد ان أعرف هل يجوز لي أن يكون لي أصدقاء ذكور قبل الزواج أم لا؟ وإذا لا فلِمَ لا؟

(ج) لأنّكِ إذا حصلتِ على صديق ذكر قبل الزواج، يمكن أن تحصلي على أولاد قبل الزواج أيضا. ولقد ثبت أنّ ذلك -في معظم الحالات- يحدث. وبذلك سيُدمَّر مستقبلك ويقضي على طمأنينتك. وهذا هو السبب في أنّ المجتمع يصير أكثر قلقًا ومعاناة بسبب الأمّهات المنفردات ومشاكلهنَّ. فبالله عليكِ ألّا تُفكّري في ذلك، وهذا لصالحكِ وخيركِ. ثم تذكّري أنّه عندما تحمل الفتاة جنينًا من الصداقة -وهذا أمرٌ شائع في المجتمع المنحلّ ولا نستطيع القول أنّه نادر- ماذا يفعل الرجل الصديق عند ذلك. إنّه يهرب، ولا يهمّه مهما كانت النتيجة. البنت المسكينة هي التي تحمل الجنين في أحشائها لتسعةِ أشهر، ثم تعتني هي بالطفل منذ ولادته، ثم تُترَكُ لتُعاني وحدها. ولكن هذا لا يحدث في الزواج، لأنّه في حالة الزواج يمكن للقانون والشرع أن يُجبر الزوج على تحمُّل مسئوليّة المولود، الأمر الذي لا يحدث في الصداقات. وهذه مني كلمة نصيحة، ولك أنتِ أن تأُخذي بها أو تتركيها.

(س) لي جار أحمدي يقوم بعمله اليومي بالإضافة إلى أنّه يعمل للجماعة، فكيف يستطيع الأحمديون أن يجمعوا بين أعمالهم الخاصة والعمل للجماعة؟

(ج) تعلم أنّك عندما تنتهي من عملك المأجور فإنّك تسعى إلى الراحة والاسترخاء وأن تعيش سعيدًا. هذا ما يفعله كل واحد. ولكن إذا ما كانت سعادتك تكمن في خدمة الجنس البشري، في خدمة هدفٍ أسمى، فقد يظنُّ الناس أنّك تُقدِّم تضحيات، ولكن -في الحقيقة- لا تكون كذلك، بل إنّما تخدم ميولك ورغبتك، لأنّك تعرف تمامًا أنّك لو خرجت تلهو عبثًا بملاحقة النساء مثلاً أو فعل هذا وذاك أو الانغماس في الموسيقى، فإنّك لن تشعر بالسعادة التي تبغي. ولكنك عندما تخدم الجنس البشري وأهل البلاء والمعاناة، ودين الله، عندئذٍ تشعر غاية السعادة وأنّ ذلك خير جزاء على وقتك، فتقوم بتلك الخدمات عندئذٍ بشكل تلقائي. فلا يشعر المرء عندئذٍ بالإكراه، ولا بأيّة قوةٍ إجباريّة، بل يشعر بدافعٍ صادق ينبثق من أعماقه. ولهذا السبب فإنّ الأخ “مبشّر باجوه” الذي تعرفه تجده قادرًا على تلك الجهود للجماعة لأنّه يحبُّ ما يفعل. وكما ترى فإنّ هنا 20 ألف أحمدي، والآلاف الكثيرة منهم قد عملوا ليل نهار ليجعلوا هذا اللقاء ناجحًا. لماذا؟ لم يدفع لهم أحدٌ أجرًا، بل هم قد دفعوا تكاليف كثيرة للمواصلات والطعام وغيرها، ومع ذلك فلو أنّك منعتهم من هذا العمل لكانوا غير سُعداء، إنّ التكريس للخير هو المهم، وهذا ما نحن عازمون علي إيجاده في البشريّة جميعًا. التكريس للخير هو ما يحتاج إليه البشر اليوم.

شكراً لكم، وأستودعكم الله، لأنّ عليَّ التزامًا بموعد آخر. شكرًا لكم، وليُبارككم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Share via
تابعونا على الفايس بوك