ندوة علمية لإمام الجماعة مع إخوة من المملكة المتحدة

ندوة علمية لإمام الجماعة مع إخوة من المملكة المتحدة

  لقد انتهى الوقت ونستكمل الموضوع في الخطبة القادمة إن شاء الله تعالى.   

ندوة علمية لإمام الجماعة – أيده الله

مع إخوة من المملكة المتحدة

تمت باللغة الأردية بتاريخ 29/9/95

سؤال: سيدي، من طالب بالصف السابع من لاهور، يقول: ورد في الحديث أنه بعد مجئ الإمام المهدي والمسيح الموعود سوف تهب رياح باردة لفترة.. إلى أن يتغلب الشر على الخير، وعندئذ تقوم القيامة. وسؤالي لماذا يكون الشر غالبًا على الخير عند حلول القيامة.. مع أن نهاية الدنيا يجب أن تكون على الخير؟

جواب: طيب، عندما يتلاشى الأبرار تكون الدنيا قد انتهت، أما هذا الذي تقوله فهو تتمة للنهاية. إن حلول القيامة على الأشرار يتضمن حكمة ً إلهية خاصة، هي بيان أن الخير وحده هو الذي له قيمة ووزن عند الله، ولا قيمة للشر عنده. لذلك سوف يرفع الأبرار في وقت حسن قبل حلول القيامة، ثم يبقى الأشرار الذين سوف يعاملهم الله كما يشاء.

ولكن هذا لا يعني أن الشر قد تغلَّب على الخير، فالكثرة ليس اسما للغلبة في الحقيقة.. لأن القرآن يخبرنا في مواضع عديدة أن الأكثرية عارضوا الحق في معظم الأحيان. فيجب أن نرى: هل إنكار الأكثرية علامة للغلبة؟

صحيح أن الشر له تفوقٌ على الخير بصفة عامة.. بمعنى أنه أسرع نفوذا وجاذبية من الخير، ومثال الشر كمثل شخص ينزل من مكان مرتفع.. فإنه يهبط بدون بذل مجهود، وتجذبه القوى الطبيعية إلى أسفل بشدة، ولو أنه ترك نفسه تنجذب إليها فلا أحدَ يستطيع الحيلولة دون نزوله.

هذه هي علامة الغلبة.. تلك هي الغلبة التي لها قدر وقيمة. وإلا كان تحوُّل الأشياء ترابا يعني غلبة للموت.. فالموت سائد في كل جهة بهذا المعنى. ولكن استثناء الحياة يدل أن في الحياة قوة. إذن فعندما يضعف أصحاب ملكات نسبيا ويقلّون عدديا، أو يصيب الصدأ ملكاتهم بمرور الوقت، فإن الله سوف يرفع من بينهم الأبرار، قبل حلول وقت يطوي الله فيه صف البشر غضبًا عليهم. هذا موضوع دقيق وعميق.. ربما يصعب فهمه على طالب من الصف السابع، ولكن صاحب السؤال يبدو ذكيا.. لذا أرجو أنه سيفهم جوابي.

سؤال: سيدي، منذ الحرب العالمية السابقة لا تزال كل البلاد الإسلامية تقريبا تتعرض للاضطهاد بطريق أو آخر، أحيانا على يد القوى الخارجية وأحيانا أخرى بسبب أخطاء تقع فيها.. مثلا ملاقاة العرب في فلسطين، وما حل بمسلمي كشمير، وما وقع بين العراق وإيران وبين العراق والكويت، وما يحدث في أفغانستان، فما هي الحكمة أو السبب وراء نزل هذه الآفات بالمسلمين؟

جواب: يجب البحث في أحوال المسلمين عن سبب الآفات الواقعه بهم. هناك ظاهرة عامة لدى الأمم، فكلما تعرضت أمة للإدبار والنكبة والذلة باستمرار.. فإنهم يلقون باللوم على غيرهم بأن هؤلاء هم السبب. فهم مثلا هذه الأيام، بل منذ فترة طويلة، يلقون المسئولية على الانجليز عند كل مصيبة وشر. ثم ضمُّوا إسرائيل والآن أمريكا أيضا إلى قائمة المتهمين. أما الإنجليز فإنهم يُعتبرون مسئولين باستمرار عن كل شر وبلاء.

والسؤال الآن، ماهي القوة التي ينفرد بها الإنجليز حتى يتغلبوا بها على الحق في كل مرة؟ يدوسون الحق ويهينون أهله.. لدرجة أن يشهد قرنان من الزمان على أنه كلما أراد الإنجليز الإساءة إلى الحق هان الحق ُّدائما، وكلما حاولوا الشقاق بين أهله تمكنوا من ذلك في كل مرة!!

هذه إحدى النتائج التي يمكن أن يتوصل إليها البعض. ولكن المشايخ وغيرهم ممن يبحثون عن كسب الصيت بثمن بخس.. يرفعون مثل هذه الشعارات الفارغة، ويلقون باللائمة على الإنجليز. وهؤلاء المشايخ إما أنهم غافلون تماما عن الظروف الحقيقية، أو يريدون عقد صفقة للصيت ببذل ثمن قليل، حيث يوجهون الأنظار إلى حيث لا يجد شعبُهم أي شفاء لأمراضهم. لم تنفع مشورتُهم الشعبَ أبدا.

لقد خلقوا مثل هذه التيارات المعادية للأجانب في العالم الإسلامي مئات المرات.. ولكن لم يكسبوا من شيئا في أية مرة.

فهذا التحليل لأسباب البلاء خطأ. وهو خطأ -ليس لأن الإنجليز لم يعادوا المسلمين أو لا يعادونهم الآن.. فأنا لا أنكرعداء الانجليز، ومع ذلك فإن هذا التحليل خاطئ- ذلك لأنه لو كان المرض الموجود بجسم المريض يدعو أنواع الآفات الأخرى لمهماجمته حتى تقع عليه صنوف الجراثيم .. فلن يفيد المريض عندئذ أن يبدأ في سب الجراثيم. إنه ما لم يعالج المرض المتمكن من جسده، وما لم يُعط طاقة كافية لمقاومة الجراثيم، ، وما لم يتخل عن عيوبه، وما لم يستجمع جميع قواه، وما لم يقم لمحاربة المرض كجسدٍ صحيح.. فلابد أن تنشهة الجراثيم في كل حال.

ثم إن من الغباء إلقاء اللوم على الإنجليز وحدهم. الجميع أعداء للاسلام. ليس الهندوس أقل عداءً.. فهم كلما وحيثما وجدوا فرصة أضروا بالمسلمين. ونفس الحال بالنسبة للأمم الأخرى كلها. كلما وجدوا فرصة لإيذاء المسلمين ألحقوا بهم أضرارا.

ماذا حدث في بورما؟ لماذا لا يرون ما يجري في بورما؟ إن الحكومة هناك قد اضطهدت المسلمين باستمرار لفترة طويلة، ولم تسمح لهم بالنهوض.

وفي منغوليا أهانوا المسلمين لدرجة أن اسم المسلم لا يعتبر شرفا لأحد هناك. كان بمنغوليا عدد كبير من المسلمين. كان هناك حوالي 1.25 مليون مسلم ألقت بهم روسيا إلى هناك من تاجكستان وغيرها من الولايات المسلمة في روسيا. كان لهم في منغوليا قوة كبيرة ومساجد كثيرة، ولكن الحكومة المنغولية دفعت بهم إلى الحضيض، ودمرت المساجد فلم يبق منها إلا أنقاض. ولم يبق للمسلم هناك كرامة، بل صار اسم المسلم سُبة. لذلك فقدوا وحدتهم وتشتتوا وتشردوا، ولم يبق منهم إلا حوالى مائة ألف، ولكن ليس لهم أية قوة ولا نشاط واتحاد. لقد اتصلنا بهم، ولكن ليس بهم همة ولا رغبة في النهوض. ويحاولون الامتزاج بالآخرين بدون أية هوية إسلامية لهم.

لماذا لا يستطيع المشايخ وغيرهم رؤية هؤلاء الأعداء؟ البوذيون أعداء للإسلام، وكذلك الهندوس والمسيحيون واليهود. وهناك اتجاه لاضطهاد المسلمين وإهانتهم في كل بلد يشَكِّل فيها المسلمون أقلية. فلا يصح والحال هذه أن يقال أن الجرثومة الفلانية تعادينا، بل الحق أن المريض يواجه عداوة الجراثيم من كل الأنواع. الذي فقد القوة والحصانة تكثر أمراضه. إذا لم يكن مصابا اليوم بالسل فسيصاب به غدا. ويصاب أيضا بالدوسنتاريا، أو بالأنيميا، أو بتعب الكبد، أو فشل في الكُلى.. فالجراثيم تتربص به وتهاجم كل عضو منه.

ثم إن الأمم المريضة تموت بعض أعضائها كما يحدث للمريض أحيانا، وعلى هذه الأجزاء الميتة تهجم الضواري والكواسر من ذئاب ونسور من طرف وصوب لتنهشها بشراسة.. فلا تملك أمامها شيئا.

ولقد رأى العالم مناظر مؤلمة من هذه الشراسة ضد المسلمين.. كما حصل بالفلسطينيين. فقد جاء عليهم أوقات قام اليهود علنا وبدون أي تردد أو خوف من أحد بوحشية وبربرية ضد الفلسطينيين العزل من السلاح في مخيماتهم فمزقوهم إربا وفرقوهم أشلاء.

وتكررت هذه المأسي في لبنان. فهل كان لأحد أن يرفع أصبعًا للاحتجاج على ذلك أو يستطيع وقفها؟

لماذا فعلو ذلك؟ لأنهم رأوا هذا الجزء من جسد المسلمين قد مات ، فلينهشوا لحم هذا الميت.

كل هذه مشاهدُ مؤلمة ٌ للغاية، وهي مؤشرات إلى أمراض داخلية في المسلمين، ولكنهم لا يولونها اهتماما، ولا يزالون يشتكون: لماذا تحل بنا نحن المسلمين كلُّ مصيبة؟ أو كما قال الشاعر إقبال: كلما نزلت صاعقة تصيب المسلمين وحدهم .. فهل الله تعالى هو المخطئ؟ هناك قوتان خارجيتان مؤثرتان يمكن أن يتهموها: الله أو الإنجليز. والأمة التي تعرضت لعداء من الله ومن الانجليز أيضا.. فماذا يكون مصيرها؟ الحق أن الأمم الأخرى أيضا أعداء لهم ولكنهم لا يدركون ذلك.

الواقع أن الوَحدة هي المدار لنظام الحياة. لولا الوحدة لفقد نظام الحياة مركزيته. يفقد الجسد عندئذ الملكات المركزية. فلايعود المركز العصبي بالمخ يعمل بنظام. والقلب مركز الدورة الدموية لا ينبض بنظام. ولو كان بالجسد أثر من الحياة لكان مثل حركات تظهر هنا وهناك في فخذ الخروف الفروج المذبوح.

هكذا -بدون الوحدة- يضطرب الناس اضطراب الذبيح. وحالتهم هذه بمثابة دعوة مفتوحة للجميع كي يفعلوا بهم ماشاءوا.

إنهم لا يُعيرون إهتماما للبحث عن هذه الأمراض وأسبابها. بل هناك عنصر ثالث يهتمون به.. وهو الأحمدية. هناك في باكستان من المشايخ الجهلة مَن أعلنوا أنه اضطربت سمكة في المحيط الهادي لكان للقاديانيين يد في ذلك! وكأن هناك ثلاثَ قوي قد اتحدت ضد المسلمين- والعياذ بالله. الحق أن الشيخ هو المسئول عن اضطراب السكمة الروحانية. إنه هو الذي أوقع الظلم بالقوم ثم وجَّه اهتمامهم إلى ناحية أخرى. إذا كنت مصابا في العين وداويتَ رُكبتك فلن ينفعك هذا شيئا. إن المركز مختل: مخكم مريض وقلبكم مريض، وأشد علة وأفتك مرض فيكم هو الشيخ التعس.. الذي كان واجبه أن يحافظ على المثل الدينية، لأن المثل الدينية هي التي تبني الأمم وتجمعُهما.

إن الأنبياء لا يستطيعون إحياء الأمم بالنظريات وحدها، لأن الأمم تموت رغم وجود النظريات بينهم.

إن التوحيد موجود بين المسلمين في أكثر البلاد لا شك، ولكنه مجرد عقيدة فقط، إن القرآن موجود بينهم لا ريب، ولكنه مجرد تعليم فقط. ونجدهم مؤمنين بالتوحيد وبالقرآن وباليوم الآخر أيضا..

فلماذا لا نجد فيهم قوة إذن؟ لقد وضح لنا القرآن هذه المسأله أيما توضيح.

لقد بيَّن القرآن الكريم أن “الكلِم َ الطيبَ” عقائدُ تَهب الروح نقطةَ حياة مركزية. وهذه العقائد أو الكلِم لا تقدر على الصعود ما لم يزوِّدها العمل الصالح بقوة ترفعها. فالعقائد سماويةٌّ بلا شك، ولكنها تئنُّ على الأرض إذا لم تصحبها قوة العمل. باتت الأعمال الصالحة مفقودة.. ولكن لو سئل المشايخ: ما الذي يهدد الإسلام، لقالوا على الفور: الإسلام مهدَّد فقط من القاديانيين، فمهما تعاطيتم خمرا، وفعلتم شرا، وامتص بعضكم دماء بعض، ومارستم سفك الدماء بلا هوادة، وأفسدتم أخلاق الصغار، وسطوتم على ممتلكات الناس، وجمعتم الأموال بالرشوة، ونشرتم المظالم في كل الشعب، ومهما ارتكبتم من ظلم وجور.. فإننا -نحن المشايخ العالمين بالدين- نؤكد بالرغم من كل هذا أنكم لو كلتم السباب لمرزا غلام أحمد القادياني، واضطهدتم أتباعه ولم تُطيقوهم.. فسوف تستقبلكم الملائكة عند الموت إلى الجنة بحفاوة كبيرة، ولكنتم مسلمين مخلصين. هذا هو ملخصُّ تعاليمهم. أقرأوا الصحف تجدوا هذا فيها. وكلما عقدوا اجتماعا يعلنون هذا فيه باسم الإسلام.

ولكن ماذا فعل الأنبياء يا تُرى؟ إنهم حضُّوا على الأعمال الصالحة، وضحُّوا لأجلها. لقد جعلوا الناس يعملون الصالحات، ووهبوا لهم بذلك حياة جديدة. ولقد اشترط القرآن في كل مناسبة اقتران الإيمان بصالح الأعمال. ما ذكر الإيمان إلا وأتبعه بذكر الأعمال الصالحة. حتى الأمم الأخرى التي التي لم تبلُغهم رسالة الاسلام، والتي لم توفق إلى قبول صدق الإسلام.. لقد صرح عنهم القرآن أنهم -مهما كان دينهم- إذا عملوا أعمالا صالحة بحسب إيمانهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. إذا كانوا مؤمنين أيضا بيوم الجزاء والعقاب، بمعنى أن يكون الإيمان بيوم الجزاء والعقاب مراقبًا لأعمالهم. هؤلاء لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.

فالمشايخ يتجاهلون المرض المركزي الذي أشار إليه القرآن الكريم ويقولون: كلا، لا حاجة للأعمال الصالحة أبدا. نعم، هناك حاجة للرفض والتكذيب، وبالتكذيب سوف تحيا ليس مرادفا للإيمان. إن الإيمان يعني التسليم بالمبادئ الإيجابية بحيث تصبح جزءا من الحياة. لقد ركزَّ العلماء في أقوالهم عن الإيمان على التصديق مع عمل الجوارح شرط أساسي للإيمان الصحيح. وهذا هو العمل الصالح. فهولاء المشايخ لا يعرفون ما الإيمان، وما العمل الصالح. وما هي فلسفة الحياة الروحانية.. وإنما سَمُّوا التكذيب حياة.

وهم يكذِّبون من يعتبرونه هيِّنا ضئيل الشأن، ومع ذلك يقولون أيضا أنه بمثابة السرطان. إنه صغير، ولكن ليس عندنا علاج له. إنه تافه، ولكنه يتغلب علينا باستمرار! إذن كيف يُرجى شفاءُ مريض تهدُّه الأمراض من داخل جسمه، وعدوه الخارجي هم الانجليز، والله أيضا يؤيد عدوه هذا.. بحيث تكون كل هجمة منه ناجحة، ثم يصاب هذا المسكين بالسرطان من الداخل؟ ماذا يمكن أن يحقق هؤلاء مع كل هذه المصائب؟

إنهم لا يعقلون ولا يفقهون شيئا. إنهم لا يدركون أنه لا يمكن أن يعتبر سرطانا مَن لم يستطع حتى الإنجليز أن يهزموه ولو مرة واحدة. لقد سعى الإنجليز لمحو الأحمدية طيلة حكمهم في الهند، ولكنهم فشلوا دائما. والحق أن الأحمدية هي وحدها التي تصدت للمسيحية. والواقع أن سيدنا المهدي والمسيح هو االذي جاهد الإنجليز حقيقة.. فقد أعلن في مملكتهم وحُكمهم عن أمرين. الأول: أنه لا يوجد في القرآن أي تعليم لنشر الدين بحد السيف، فلذلك ليس جهادا ما تعتبرونه جهادا. فانفضوا عن أذهانكم فكرة ما يسمونه جهادا. إنه حرب وقتال ولا يسمى هذا جهادا. إنما الجهاد ما يتم بسلاح القرآن لنشر عقائد الدين، مع بذل تضحيات في هذا الصدد. ولو أن أحدا حمل عليكم بالسيف منعًا لكم من القيام بهذا الجهاد.. فيمكن أن تتصدوا له بالسيف دفاعا عنكم، وهذا هو الجهاد الديني.

ما أصدقه وما أروعه تعريفا للجهاد! لقد بيَّنه حضرته، ثم اشتغل بالجهاد الذي رآه صحيحا. وأعلن عن الانجليز في دين المسلمين.. فلا يجوز الجهاد ضدهم. ذلك لأن أي حكومة استتب لها الأمر، ولا تتدخل في الدين .. ليس من الجهاد قلب حُكمها باسم الدين. لم يذكر حضرته المساعي السياسية أبدا. قال إنني مهتم باللين فقط. لو أن حكومةً لا تؤمن بدينكم ولكنها لا تتدخل في دينكم، بل تحميكم ممن يضطهدونكم بسبب دينكم.. فلا يجوز الحرب ضدها. طالما كان الهندوس والسيخ يتدخلون في دين المسلمين ويضطهدونهم وكانت الحكومة الانجليزية تمنعهم. فقال حضرته: هذا هو العدل والإنصاف. وليس في القرآن آية تسمح بمحاربة العدل والإنصاف. الاختلاف في الدين شيء، ولكن العدل أمر به الله وسانده دائما. فأفتى حضرته: ما دام الانجليز يحافظون على العدل.. أي لا يسمحون لأحد بالتدخل في دين الآخرين، ويحولون دون أن يمنع غيره من العمل بأي دين شاء، فلا يجوز محاربة حكومة الانجليز، يجوز محاربة دين الإنجليز، لأن دينهم هو الدجال. وهذه فتوى محيرة للغاية، إذ أنه رغم كونه محكوما للِإنجليز.. إلا أنه شن على دين الحكام هجمات عنيفة مستمرة، حتى صاح الجهلة من المسلمين أنفسهم: إن هذا الرجل قد ظلم سيدنا عيسى .

ما أشد غباء هؤلاء! ألم يروا هذا الذي كان يهاجم دينَ الإنجليز.. فإنه من ناحية يمنع من محاربتهم بالسيف، ومن ناحية أخرى يهاجم دينهم هجمات عنيفة، صرخ المسلمون بسببها؟ ثم يهاجم دين الآريين الهندوس أيضا، حتى شكى المسلمون أنه تحرش بهم بلا مبرر؟ لقد قام حضرته ضد كل الأمم المعادية للإسلام. لقد أعلن أن “بابا غورنانك” كان صوفيا مسلما، وهذا هيَّج السيخ أيضا، لأنهم يرون أنه لو ثبت إسلام “بابا نانك” لم يعد لدينهم أساس، ولم يفكروا أن ثبوت إسلامه لن يكلفهم إلا الإنضمام إلى دين عالمي هو الإسلام، ومع ذلك يستطيعون فيه الاحتفاظ بهويتهم كفرقة إسلامية صوفية.

على أية حال، لا يهم الآن كيف فكروا، وإنما أقول: إن سيدنا المهدي قد حارب أعداء الإسلام المهاجمين من كل طرف وصوب. لقد أخبر المسلمين بمرضهم قائلا: لا تقومون بأي جهاد.. ومع ذلك تدعون إلى الجهاد وأنتم لا تملكون أي سيف! وكما قال الشاعر عن حبيبه أنه يحارب بدون أي سيف في يده. تستجدون السلاح ممن تريدون حربه. تسألونهم السيوف والرصاص والبنادق قائلين: آتونا السلاح لنحاربكم، إن ديننا يأمر بحربكم لذا تكرموا علينا بالمدافع، والبنادق والطائرات من طراز إف 16 كي نحاربكم! ما أشدهم حمقا وغباء.

قال لهم حضرته: لا أساس لجهادكم. إنه هتاف وضجيج فارغ تماما. ولئن أثرتم المسلمين فلن يتم جهادُكم الا فيما بينكم، وسوف تعاقبون على ذلك. وهذا ما حدث بالضبط. لقد أراقوا دماء بعضهم البعض، ولكن جهلة المشايخ يسمونه جهادا. في المائة سنة الماضية أعني من بعثة سيدنا المهدي.. متى حارب المسلمون الإنجليز أو أمريكا وانتصروا عليهم؟ أو متى حاربوا اليهود فازدادت رقعة أراضيهم وانكمشت الأرض اليهودية. سمَّوا أي قوة معادية للإسلام حاربوها باسم الاسلام وبقوات المسلمين ثم انتصروا عليها. اللهم إلا أن يكونوا قد اعتمدوا على القوى على قوة أخرى مستخدمة اسم الاسلام، وساندتهم. نعم، عندئذ انتصروا حقا. مثلما حدث بأفغانستان. والعجب أن الإعلان عن الجهاد في أرض أفغانستان كان يتم من أمريكا. والإعلان السعودي أو الباكستاني عن هذا الجهاد لم يكن شيئا إزاء الإعلان الأمريكي. كانت أمريكا تساند الجهاد الإفغاني مائة بالمائة. كانت العقول أمريكية، والخطط من جنرالات الأمريكية تساند هذا الجهاد الأفغاني ضد الروس، أوضح هذا الأمر لكي لا ينخدع أحد من المسلمين فيدعي أننا نحن طردنا الروس من افغانستان مرة.. سئل سكرتير الحكومة الأمريكية أو سكرتير الدفاع الأمريكي: ألم تتلقنوا درسا من حرب فيتنام؟ لماذا تقحمون أنوفكم في هذه الحرب؟ ألا تسمعون التهديد الروسي بأننا سنفعل بكم ما فُعل بكم في فيتنام؟ لا تنسوا هذا الدرس.

هل تعرفون جوابه؟ قال: هناك بون شاسع بين حرب فيتنام بين وهذه الحرب الأفغانية التي أثرناها هنا. هذه الحرب المقدسة جهاد، ولم تكن حرب فيتنام كذلك!

فكأن الحرب المقدسة لا يمكن أن تحارب إلا بعون قوم غير مقدسين. ولقد تبين الآن مدى قداسة هذا الجهاد بعدما تخلت القوى الغربية عن المجاهدين الأفغان، وبعد أن انسحب الروس والأمريكان من أراضيهم. هاهم يقتلون بعضهم بعضا قتلا عاما، ويضطهدون إخوانهم بدون حدود. ولكن انظروا كيف يسمُّون هذا. إنهم لم ينتصروا في أي جهاد إلا إستعانوا بمن يعتبرونه أكبر عدو للاسلام. وبدون ذلك لم يتحقق لهم النصر، ولكن لا يفكرون في ذلك.

ماذا حدث في العراق؟ هل كان بوسع السعودية وغيرها أن تصيب العراق بسوء؟ لقد هاجمته كل القوة الأمريكية، واجتمعت عليه كل أوروبا، وأعلنوا للعالم: لقد قام زعيم عراقي سوف يتضاءل أمامه ما فعله هتلر. وكانت هذه خدعة فقط قالوا: ما لم نجمع ضده كل قوى العالم فلن نتغلب عليه.هكذا كانت دعاياتهم. وضموا إليهم عشر دول إسلامية أيضا ضد بلد مسلم. ثم مارسوا ضد هذا البلد المسلم أنواع المظالم التي لاتزال تمارس ضده إلى اليوم.

كيف انتصرت البلاد الإسلامية على العراق؟ بمساعدة أعداء الإسلام الإنجليز وأمريكا وغيرهم من بلاد الغرب. واشتركت مع الغرب في كل ما أشاعه الإعلام الغربي من دعاية مزورة فاسدة لتضخيم القوة العراقية .. عبر التلفاز والراديو والصحافة.

تعرفون كيف كانوا يرعبون العالم من قوة العراق الوهمية؟ كانوا يعرضون على العالم مدفعا طويلا كهذا .. هذا المدفع سوف يرمي القذائف لمسافة الآف الأميال، فماذا يكون مصيركم يا أهل أوروبا؟

وكيف صنع العراق ذلك المدفع؟ الإنجليز هم الذين هربوه إلى داخل العراق. وكان العراق لا يزال في مرحلة جمع قطع هذه المدفع الوحيد.. بينما يملك الغرب من حمالات القنابل النووية ما يستطيع بها ضرب أي مكان في العالم، ومع ذلك كانوا يخوِّفون الغرب قائلين: ماذا نفعل الآن لقتاله؟ لقد صنع العراق المدفع، ألسنا مضطرين الآن لقتاله؟ مع أن العراق لم يتمكن من صنع المدفع.. لأن الغرب كان قد امتنع عن تزويد العراق بقطع ضرورية لصنعه؟ فقط أعطوه أنبوبته الطويلة مقابل ثمن غال! وهكذا كانوا يخدعون الناس بأن “هتلرًا كبيرا” ظهر، وسوف يبتلع العالم كله!

ماهي قوة صدام؟ لا يستطيع المسكين حتى بيع نفطه؟ الأطفال في العراق يعانون من ظلمهم. لقد مات مئات الآلاف من الصغار شر ميتة لفقدان الغذاء والدواء، ويخبرون عن موت الآخرين في الأيام القادمة. هناك صورة قاتمة للجوع والإفلاس تسود كل البلد.

هذا هو جهادهم. وهناك جهاد ثالث قاموا به بدون استعانة أو مشاركة مع أعداء الإسلام، ومثاله الحرب بين العراق وإيران. لقد قاموا بهذا الجهاد كثيرا؟ في هذا الجهاد اغتالوا عدة زعماء مصريين. وفي الجزائر أيضا اغتالوا شخصيات كبيرة، وأنشأوا حركات للهجوم على مسلمين أبرياء، وأهانوا السيدات. تعرضوا للنسوة بحجة أنهن لم يتحجبن كما يجب. وفرقوا بين المرأة وزوجها عنوة، ثم ضربوا الزوج وأهانوه. ووقعت أحداث قتل كثيرة بسبب ذلك. والحجة عندهم أن هؤلاء لا يعملون بالاسلام. هل عنفهم وتطرفهم هذا عمل الاسلام؟ هل فعل الرسول هكذا ولو مرة واحدة؟ هل أهان الرسول امرأة بتهمة عدم الحجاب، أو أهان امرأة أمام زوجها وضربها ونزع عنها الثياب؟ هذا هو إسلامهم!

إنه استغلال مشين لاسم الإسلام. إنها خدعة مزورة تلحق ضررا مزدوجا. فالمرض الموجود داخل الأمة في ازدياد مستمر، لا يولون لعلاجه اهتماما، ولا يفعلون لإصلاح الأخلاق. ولكن الصورة التي يرسمونها للإسلام بأعمالهم المتطرفة لهي بمثابة سلاح يناولونه للأعداء ليهاجموا به الإسلام. إن الأعداء لن يعطوهم أسلحة يستخدمونها ضدهم. أما هم فقد أنشأوا مصانع لإنتاج ما يسبب الإساءة إلى الإسلام.. مرة باسم مسألة سلمان رشدي، وتارة بحجة أخرى. إنهم يزوِّدون الغرب بكل الأسلحة التي يهاجم بها الإسلام.

هذا هو حال العالم الإسلامي. الآن أخبروني من هو المسئول؟ هناك ثلاث جهات على الأكثر يمكن اعتبارها مسئولة عن ذلك: إما الإنجليز، أو الله تعالى، أو نحن.. فقد ضمونا نحن الأحمديين أيضا إلى هذه القائمة بدون مبرر. الواقع أن هناك مرضا وحيدا فقط جاءت الإشارة إليه في بيت شعر للشاعر غالب. ولربما لا يرغبون في حكمه الشعرية. قال:

أيها الشيخ الشقي، لو صرت صديقا لقوم فلا حاجة للدهر أن يعاديهم.. فأنت وحدك تكفي لتدميرهم.

(يتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك