مجيء المسيح بعثة تصحيح

مجيء المسيح بعثة تصحيح

التحرير

  • بم نفسر التشوه أو التشويه الطارئ على الحقائق التاريخية؟
  • ما مظاهر التشوه أو التشويه للحقائق المتعلقة بالمسيح الناصري عليه السلام؟
  • أية ضرورة داعية لبعث المسيح الموعود عليه السلام في أمة الإسلام في هذا العصر مثيلا للمسيح الناصري في أمة بني إسرائيل؟

__

في لعبة ذاتِ مغزى، أراد أحد المشتغلين بتعليم التاريخ إيصال فكرة إلى طلابه، مفادها أن المعلومة التاريخية يطرأ عليها التشوُّه أو التشويه التدريجي بمضي الزمن، ونعني بالتشوه ما يطرأ على الحقائق من تغير عارض دون قصد منا، بينما التشويه ما يرتكبه البعض من تزييف أو طمس متعمَّد للحقائق والوقائع مع سبق الإصرار والترصد.. على أية حالٍ، تَمَثَّل الهدف الرئيس من اللعبة في أن يفهم المشتركون أن الزمن في حد ذاته كفيل بالتغيير بشكل عام، فهو يغير الوقائع كما يغير ملامح الوجوه وحتى تضاريس الأرض.. وتفصيل اللعبة بشيء من الإيجاز أن يقف المشتركون صفا واحدا، ويتلقى الواقف في آخر الصف رسالة حركية بالإشارة من المعلم، فيبادر بإيصالها إلى زميله الذي يتقدمه، وهكذا دواليك، حتى تصل الرسالة الحركية إلى المشترك الأول، والذي يبادر بدوره بإيصالها إلى المعلم، وهنا ينفجر المشتركون بالضحك إزاء الفرق الشاسع بين الرسالة الأصلية وما آلت إليه خلال انتقالها بين الطلبة بمضي الزمن.. هكذا هي حركة انتقال المعلومات وتشكلها عبر التاريخ.

هذه الفقرة التي تبدو فكاهية كانت مدخلا أردنا الولوج منه إلى الحديث عن حدث تاريخي ترتبت عليه نبوءة بارزة وهامة لدى ثلاث ديانات على الأقل، اليهودية، والمسيحية، والإسلام. نعني بالتحديد بعثة المسيح الناصري ثم بعث المسيح الموعود ذلك أن الحدث المبارك الأول شأنه شأن كل ما يصل إلينا عبر التاريخ الإنساني الممتد في القِدَم إلى أكثر من ستة آلاف عام، هي عمر الإنسان العاقل باني المجتمعات، فقد طاله شيء غير قليل من التحريف على مستويات شتى، بدءا من الجدل بين اليهود حول مصداقية دعواه، مرورا بالجدل بين المسيحيين حول طبيعته المتأرجحة بين الناسوت واللاهوت، ثم وصولا إلى الجدل بين المسلمين في قضية رفعه ونزوله في الزمن الأخير. كان هذا شيئا من الجدل الدائر حول شخصية السيد المسيح الناصري ورسالته، وإصرارنا على نعت هذا الجدل بالتاريخي، إنما هو للتذكير بما يفعله الزمن في حقائق التاريخ، لندرك أن الزمن فعل فعله هاهنا أيضا، فدخل شيء من التغيُّر، أو التغيير، على الفهم السليم لكثير من تفاصيل حياة السيد المسيح الناصري ، هذا ما تقوله الملاحظة العلمية، وتؤكده المناهج التاريخية، ودون أن نعمد إلى إثارة حساسية البعض ظنا أننا نشكك في ثوابت دينية، لا سمح الله، لدى أي فريق!

ولأن المؤمنين في أية عقيدة تصيبهم بمرور الوقت آفة عقائدية تتمثل في سوء فهمهم القائل بأن الآيات مجرد معجزات بنات وقتها، تحدث لبيان صدق نبي، وسرعان ما ينقضي خبرها وينصرف المتفرجون، ثم لا يبقى من تلك المعجزة سوى أسطر تتناقلها الأسفار حتى تتحول هي نفسها إلى أساطير، فتمسي دواعي شرك بعد أن كانت دلائل تنزيه وتوحيد لله رب العالمين، نجد أن السواد الأعظم من مسلمي هذا العصر تعاملوا مع موضوع حياة وآيات المسيح بنفس أسلوب تعاملهم مع سائر الآيات السالفة، إذ نظروا إليها على أنها مجرد حوادث إلجائية وقعت على يد السيد المسيح الناصري ، ثم انتهى الأمر عند هذا الحد، وبقي أن يصدق اللاحقون وقوع تلك الأحداث دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، مع أن الآيات في حقيقتها علامات صدق، والعلامة إنما اكتسبت صفتها من بقائها واستمرار وجودها حينا من الزمان، بحيث تكون حجة، سواء على الحاضر المشاهِد، أو الغائب المبلَّغ. من هذا المنطلق ينادي بعض المتدينين من أصحاب التوجه العقلاني بضرورة إعادة النظر في فهم الآيات عن بكرة أبيها. (1)

ونحن إذ نضع بين أيدي قرائنا الأعزاء عدد شهر ديسمبر 2022 من مجلة التقوى، مواكب احتفال قطاعات واسعة من الإخوة المسيحيين حول العالم بميلاد السيد المسيح، واحتفاء قطاعات أخرى بالمجيء الثاني له. ومجيء المسيح هو موسم يُحتَفى به في العديد من الكنائس المسيحية كونه ذكرى انتظار قبائل بيت إسرائيل الاثنتي عشرة قدوم يسوع المسيح أول مرة بميلاده، وكذلك النبوءة عن عودته مرة أخرى في مجيء ثان. ويُطلق على الكنائس المحتفلة بهاتين المناسبتين معا اسم السبتية، لتمسك أتباعها بحرمة السبت، لا الأحد كما شاع لاحقا، ويسمى هؤلاء أيضا بالمجيئيين، أو الأدفانتست، حيث إن Adventus كلمة لاتينية تعني المجيء.

جد أن السواد الأعظم من مسلمي هذا العصر تعاملوا مع موضوع حياة وآيات المسيح بنفس أسلوب تعاملهم مع سائر الآيات السالفة، إذ نظروا إليها على أنها مجرد حوادث إلجائية وقعت على يد السيد المسيح الناصري ، ثم انتهى الأمر عند هذا الحد، وبقي أن يصدق اللاحقون وقوع تلك الأحداث دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى

فهذا العدد إذن هو من جهة، صيغة شكر وحمد لله تعالى على أن وفقنا للإيمان بالمبعوث الآتي على قدم المسيح الناصري، ومن جهة ثانية هو تصحيح عظيم لسوء فهم قديم نشأ من طول جدال حول شخصية المسيح الناصري وحياته ومماته ودعوته.

ونحن إذ نسطر آخر كلمة في عام 2022، حري بنا أن نحاسب أنفسنا على الحقين، حق الخالق وحق المخلوق، ونرى ما إذا كنا أديناهما على خير وجه أم لا، لذا نهدي القراء باقة أزهار معرفية، أجمل ما فيها خطاب لحضرة أمير المؤمنين أيده الله بنصره العزيز قدَّم فيه التَّأْصِيلَ الإِسْلَامِيَّ الفَائِقَ لحِقُوقِ جَمِيعِ الخَلَائِق، إذ أداء حقوق الخلائق شطر العبادة، والترقي بمستوى العبادة هو الهدف المحوري من بعثة المسيح الموعود وتأسيس جماعته وقيام الخلافة الراشدة الثانية بعدَه، تليها مادة مقالية منوعة ذات صلة وطيدة بموضوع بعثة وحياة المسيح الأول، وكذا نبوءة مجيئه ثانية، والتي هي في اعتقادنا، نحن المسلمين الأحمديين، إشارة إلى بعث المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد القادياني ، ليكون فريق تحرير التقوى قد وفى بما عود عليه القراء الأعزاء مع مطلع كل شهر، آملا أن تحقق لهم هذه التوليفة من المقالات إثراءً حقيقيا.

* المسيح يحيي الموتى لا الأموات، مجلة التقوى، عدد يناير 2018 بقلم سامح مصطفى

Share via
تابعونا على الفايس بوك