كمال الوسيلة لكمال الغاية

كمال الوسيلة لكمال الغاية

حلمي مرمر

كاتب
  • هل نكون عنصريين بزعمنا بأفضلية العربية على سائر الألسنة؟
  • أي دليل لدينا على هذا الزعم؟
  • كيف تسنى للعربية الذيوع في أكناف العالم؟

____

كمال الوسيلة لكمال الغاية

حديث عن فضل العربية  على سائر اللغات

 الفصل في الأفضلية بين الحق والعنصرية

إن إيماننا القاطع بأن العربية هي أعظم اللغات وأكملها على الإطلاق، بل هي أم الألسنة جميعا، ليس نابعا من التعصب العرقي أو النعرة القومية كما يزعم الزاعمون، وكانت مزاعمهم تلك قائمة على شيوع تعصبات سالفة من النوع ذاته بين الشعوب وأصحاب اللغات الأخرى، فقد قاد هذا التعصب الإغريق مثلا أن يعتقدوا بأن لغتهم ليست أعظم اللغات فحسب، بل أنها هي لغة الآلهة أنفسهم، وحدا بالهندوس أن يعتقدوا بأن رب الأرباب لا يتكلم إلا السنسكريتية، وكذلك اعتقاد المصريين واليهود وغيرهم من الشعوب، وبالتبعية فقد تبعهم العرب وخصوصًا المسلمون حيث باتوا يتغنون بأن لغتهم العربية أكمل اللغات إطلاقا، ولذلك سوف تكون هي لغة أهل الجنة. بحسب منطوق الحديث النبوي. *

وبعيداً عن تلك المزاعم الفارغة التي لا تتكئ على حيثيات وجيهة، فقد اختلف الباحثون اختلافا بيِّنا على كون اللغة العربية لغة فصيحة أو بليغة، وقد طار كثير من الباحثين العرب بلغتهم كل مطار فجعلوها تاجاً على رؤوس سائر اللغات جميعاً، وهذه دعوى حق، وإن افتقرت لديهم إلى دليل معقول مقبول، فأصحابها لم يتمكنوا من التدليل على صحة أقوالهم بالأدلة العلمية الدامغة التي تُلجم المعارضين، كذلك لم يكن مع هؤلاء الأغيار رائحة من دليل على أقوالهم تلك، فلم تكن إلا ادعاءات فارغة خالية من أي منطق، وعارية من أية براهين، فلم يكن يقودهم في ادعاءاتهم إلا التعصب الذي يجعل من أصحابه سادة والآخرين عبيدًا.

العربية لسان كامل

في كتاب «منن الرحمن» يؤكد المؤلف حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام أن اللغة العربية لغة كاملة تضم كافة الألفاظ الدالة على كافة المعاني التي يحتاج الإنسان إلى التعبير عنها بحيث لا يشعر بالعجز عند رغبته في التعبير عن أي معنى يريده بدقة متناهية، بل يجد من تنوع الألفاظ ثراء اللغة وكثرة الاشتقاقات ما يساعده على التعبير بكل دقة عن المعاني التي تخالجه، ونضرب على ذلك مثالاً، فإنك إن أردت أن تقول أن زيداً أعطى عمراً ثوباً، فإنك تستطيع أن تعبر عن ذلك بالأساليب التالية:

أعطى زيدٌ عَمراً ثوباً/ أعطى عمراً زيدٌ ثوباً/ أعطى زيدٌ ثوباً عمراً/ زيدٌ أعطى عمراً ثوباً/ زيدٌ أعطى ثوباً عمراً/ زيدٌ أعطى عمراً ثوبا/ عمراً أعطى زيدٌ ثوباً/ عمراً أعطى ثوباً زيدٌ/ عمراً ثوباً أعطى زيدٌ..

ولن تجد تركيبا من هذه التراكيب يحمل معنىً مكرراً أبداً، إنما لكل تركيب دلالته ومعناه وجوهره الذي يعطي معنى جديداً يغاير في سياقه المعاني الأخرى لبقية التراكيب، فما هي اللغة التي يستطيع أصحابها أن يأتوا لنا منها بمثل هذه التراكيب الغنية الفاحشة الغنى كما هو حال اللغة العربية، ولعلنا نأخذ الإنجليزية مثالاً على ذلك، فهل فيها تعبيراً عن هذا المعنى غير:

Zayd gave Amr a dress ليس إلا، ولا يمكن أن نعبر عن هذا المعنى إلا على هذا النسق بحال من الأحوال، وبالتالي فاللغة جامدة فقيرة سطحية، ومن هذا المثال وحده يتضح عمق العربية وثراؤها وهشاشة إحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم وضعفها، ولم يكن انتشار الإنجليزية إلا لأنها لغة المستعمِر أولا، ومن ثم تم فرضها كلغة العلم ثانيا، وليس لأنها أغنى اللغات وأكثرها قدرةً على التعبير، وما يقال في الإنجليزية يقال فيما سواها.

 وللتدليل على أن العربية كاملة وسائر اللغات الأخرى ناقصة نسوق دليلاً واحداً وهو أن القرآن الكريم لا يمكن بحال من الأحوال ترجمته ترجمة حرفية دقيقة إلى أي لغة أخرى مهما ادعى أصحابها كمالها، ومهما وصفوها بالثراء والعمق، وها هو التحدي لا يزال قائما لأتباع أي لغة أن يكون بمقدورهم ترجمة هذا النص العربي إلى أيٍّ من لغاتهم بحيث تكون الترجمة مشتملة على ذات الدلالة التي تدل عليها الألفاظ والأصوات العربية، لماذا؟ لأن القناة (بفتح القاف جمع قنى وقناء وقنوات، ما يحفر في الأرض ليجري فيه الماء.) لا يمكنها أن تستوعب البحر

تطور اللغة يوازي تطور الكون

وقد ضرب حضرته مثالاً أثناء تفسيره الرائع لسورة الفاتحة يكشف تميز العربية عما سواها، وهو موجود في أول سورة من القرآن الكريم، بل وموجود على رأس كل سورة من القرآن كله، ألا وهو التعبير القرآني المتضمن في البسملة «الرحمن الرحيم» وقال ـ انطلاقاً من هذه الآية ـ  أن العربية هي اللغة الوحيدة التي تُظهر جمال الصنعة الإلهية كما هو موجود في أفعاله الأخرى في الكون، بمعنى أن هناك تطابقاً كاملا بين كلام الله وفعله، فإن كان العقل يؤكد أن كل إنسان نال وجوده ومستلزمات وجوده كاملةً بلا أي سابق عمل، فقد أكد القرآن الكريم على هذا المعنى حيث قال: الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، نعم، لم يكن لأي مخلوق دخل في خلقه، إنما وجد نفسه مخلوقاً، وشمساً تضيء النهار وقمراً ينير الليل وهواء يتنفس وثمرات يأكل وماء يشرب وأجهزة داخلية تعمل بكفاءة عالية دون أي تدخل منه أو عناية، حتى أنها قد زُودت بوسائل إصلاح ذاتية في حالة حدوث أي خطأ من الإنسان، فإنها تصلح ما أفسد هو، إذن قد أعطى الله كل شيء خلْقه فعلا، لكن في المراحل البدائية الأولى لم يكن الإنسان قادرا على التمييز الكامل بين الضار والنافع، والسيئة والحسنة، فلم يكن هناك تكليف ولا حساب ولا جزاء، فظل الله يلقي بإنعاماته على المخلوقات من أجل الإنسان دون أن يطالبه بشيء، حتى سوّاه وعدله، وأعطاه كامل القدرة على الفهم والتمييز، وطابت له الحياة وحلَت، ونمت مشاعره وعواطفه، وأصبح قادراً على التمييز بدقة متناهية بين القسوة والرأفة، وفهم المواساة والمساواة والعدل وشتى القيم الإنسانية التي تفرق بينه وبين كل المخلوقات بجلاء، وأصبح قادراً على ان يكون خليفة لله في أرضه، بمعنى أنه صار بوسعه أن يكون شبيها بالله صاحب السمو والرفعة على قدر طاقته، هنا، أنزل عليه الأنبياء وبلغوه رسالات ربه، وهنا ظهر مبدأ الثواب والعقاب، فكان مزيدٌ من الإحسان للمحسنين، ومدّ يدِ العون للمعينين، هذا ما هو حادث في الكون فعلا، وهذا ما توصلت إليه أغلب الدراسات العلمية الحديثة، وقد عبر عنه القرآن الكريم بقوله: هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، نعم، قد أتت على الإنسان دهور طويلة لم يكن شيئا يستحق أن يذكره التاريخ، لأنه لم يكن بينه وبين العجماوات كثير، ثم قال سبحانه بعد ذلك: إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً، نعم، بعد هذه الفترة الطويلة من جهله بالعالم وجهل العالم به، هداه ربه السبيل، فكمل قدراته وقواه، وجعله قادراً على الفهم والتمييز بشكل كامل، ليتمكن وحده بما أوتي من مواهب ذات قدرات على الترقي الدائم غير المنقطع أن يكون إما محسنا أو مسيئاً، كلنا يعلم أن هذا بالفعل ما جرى في الكون، ولكن هل كلنا يعلم أن هذا ما قيل بالفعل في كتاب الله، وهكذا عبرت عنه كلماته؟ هكذا قال المسيح الموعود عليه السلام في كتابه منن الرحمن، حيث قال أن الكلمة الإلهية (القرآن) موافقة تمام الموافقة للصنعة الإلهية (الكون) حيث جاء ذكر مرحلتين من مراحل الخلق باسم الرحمانية والرحيمية، وهما مشتقتان من اسميْ الله (الرحمن والرحيم) وجاء اسم (الرحمن) سابقا لاسم (الرحيم) لأن مرحلة الخلق والهبات الربانية المجانية التي يعبر عنها اسم الله (الرحمن) كانت سابقة على مرحلة العطاءات الربانية مسبوقة الدفع التي يعبر عنها اسم الله (الرحيم)، وليس هناك لغة وحيدة في العالم تفرق بين اسم الله الرحمن والرحيم كما ميزت بينهما العربية، وكما وظفهما القرآن الكريم وكما كان قد جرى في الكون منذ مهده الأول، بل وكما يجري اليوم بل في كل صباح وكل مساء، إذ إن سلسلة رحمانية الله جارية لا تنقطع، وكذلك تعقبها سلسلة رحيميته، فمهد الإنسان التاريخيّ البدائيّ الأول الذي ظل ملايين السنين بلا تكليف يقابله مهد الإنسان أثناء طفولته إلى ان يبلغ ويصل إلى سن التكليف، من هنا تبدأ مرحلة الرحيمية التي يثاب الإنسان فيها على أعمال الخير وتُمد له أيدي العون طالما يمد يده ليعين غيره، وظل اسما الله (الرحمن الرحيم) متعاقبين في القرآن الكريم تعاقب الليل والنهار، وتعاقب رحمانية الله ورحيميته في الكون في تناغم لا يزول، ومن هنا أثبت حضرة مرزا غلام أحمد عليه السلام أن كلا من القرآن والكون من آثار الله بلا أدنى ريب نظراً لوحدة المنهج المتبع في كليهما بكل وضوح وجلاء، فلو لم يكن القرآن كلام الله فكيف حصل هذا الترتيب المحكم بلا أي اختلاف في موضع واحد بهذا الشكل المبهر؟ وإذا كانت مجموعة من المصادفات هي التي أدت إلى خلق الكون فكيف وافقت المصادفات كلام القرآن بهذا الأسلوب المعجز؟ وإن كان صاحب القرآن خلاف صاحب الكون فمتى تم بينهما هذا التوافق الذي يحير الألباب؟ لا شك أن كلا الصنعتين لصانع واحد.

كيف شاعت العربية في العالم كله؟!

وإذا كنا نقول بلغة واحدة كانت سائدة بين هذا المجتمع الواحد الذي بدأ في مكة ثم بعد فترة انتقل إلى بابل ومنها انتشر في أنحاء العالم بعدما ضاقت عليهم الأرض، فإننا نميل إلى أن تلك اللغة كانت العربية، لأن هذه الأرض هي أرض العرب، وإذا كانت العربية مبدأها مكة، فقد وصلت إلى اليمن عبر الهجرة حيث الماء والزراعة والرخاء، ثم تأثرت بها الحبشة بسبب العلاقات التجارية الكثيرة جدا بينهما، ثم هجرة الناس من اليمن بعد انهيار سد مأرب إلى مختلف أرجاء الجزيرة العربية بحثا عن الماء ورغد العيش، كذلك المناذرة والغساسنة الذين عاشوا في بلاد الشام كانوا من هؤلاء العرب الذين هاجروا من اليمن بعد انهيار سد مأرب، وقد كانت هجرتهم في القرن الأول من ميلاد المسيح، مما يدل على أن العربية القحطانية الأصيلة كانت قد سادت تلك البلاد منذ هذا الوقت، ذلك بعد فترة من سواد بعض اللهجات العربية الأخرى كالآرامية والموآبية والكنعانية وغيرها، ولأن هذا المنطقة كانت بمثابة سرة العالم الثالث، فقد كان كل غذائه يصله منها، وخصوصاً هذه اللغة الفاعلة الجبارة، التي ألقت بظلالها قسراًعلى كافة الألسنة الأخرى وتركت فيها آثارها بحيث أن اللغة المصرية القديمة قد تأثرت بالعربية ونالت منها نصيباً، بحيث أنك تجد لفظاً مثل «حنيف» هو في الهيروغليفية، وقد رُسم بجواره رجلٌ يرفع كفيه متضرعاً توضيحاً للمعنى، فإذا كانت الهيروغليفية التي يعود تاريخ معرفة البشر بها إلى ستة آلاف عام قد تأثرت بالعربية واستمدت منها ألفاظاً وتعبيرات، فلا شك أن العربية أكثر منها قِدماً وعراقة، وليس ذلك فحسب، فقد أثبت بعض علماء اللغة ـ والأمر مطروح ليتيقن من أراد ـ أن سبعين بالمئة من مفردات اللغة اليونانية واللغة التركية مأخوذ من العربية نقلاً، كذلك تمكن الباحث مهند الفالوجي أن يثبت وجود خمسة وعشرين ألف كلمة انجليزية مأخوذة من أصل عربي، وقد ألف كتابه هذا تحت اسم «معجم الفردوس» وهو موجود في الأسواق منذ سنوات، وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال يلحّ علينا: أليس من المعقول أن العربية أكمل اللغات ما دامت تلك اللغات جميعا تقتبس منها وتتأثر بها وقد ثبت قِدمها التاريخيّ الذي ليس بوسع لغة أخرى أن تنافس العربية فيه؟

 

لماذا ترجمة القرآن مستحيلة؟

وللتدليل على أن العربية كاملة وسائر اللغات الأخرى ناقصة نسوق دليلاً واحداً وهو أن القرآن الكريم لا يمكن بحال من الأحوال ترجمته ترجمة حرفية دقيقة إلى أي لغة أخرى مهما ادعى أصحابها كمالها، ومهما وصفوها بالثراء والعمق، وها هو التحدي لا يزال قائما لأتباع أي لغة أن يكون بمقدورهم ترجمة هذا النص العربي إلى أيٍّ من لغاتهم بحيث تكون الترجمة مشتملة على ذات الدلالة التي تدل عليها الألفاظ والأصوات العربية، لماذا؟ لأن القناة (بفتح القاف جمع قنى وقناء وقنوات، ما يحفر في الأرض ليجري فيه الماء.) لا يمكنها أن تستوعب البحر، ولهذا نزل القرآن الكريم بالعربية، لأن كافة اللغات بلا استثناء تقريبا تحتوي على الكثير من الألفاظ العربية، وبالتالي فأصبح من اليسير على كافة تلك الشعوب أن يتعلموا العربية لأنهم ينطقون بالعديد من ألفاظها سلفاً كما قلنا، فلن تكون عسيرة التعلم عندهم، وعندما أراد اللغويّ العربيّ الكبير فاضل السامرائي أن يقارن بين العربية وغيرها من اللغات الأخرى قال أن العربية كجهاز متطور جدا، أما اللغات الأخرى فهي كأجهزة بدائية، وهذا صحيح تماماً، لأن اللغة اللاتينية التي هي أصل الإنجليزية الحالية ليس لها إلا سبعمائة جذر لغوي، فكيف نضعها في مقارنة أصلاً مع العربية ذات الستة عشر ألف جذر لغوي؟! وكذلك اللغة السكسونية ذات الألف جذر لغوي فقط، وكذلك حال الخمسة آلاف لغة حول العالم!

(*  أورد ابن عراق الكناني  في كتابه “تنزيه الشريعة” روايةً عن ابن عباس قال: قال رسول الله : ” أحبُّوا العرَبَ لثلاثٍ: لأنِّي عربيٌّ، والقرآنَ عربيٌّ، وكلامَ أهلِ الجنَّةِ عربيٌّ”، وهذا الحديث برغم أن بعض المُحدَثين قد ضعَّفوه إلا أننا نجده بروايات مختلفة، وعلى أية حال فإننا لا نورده هنا استدلالا، ولكن استئنائًا.)

تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via