في شارع الصحافة

في شارع الصحافة

نشرت مجلة «الصحيفة المغربية» في عددها الأسبوعي رقم 40، بتاريخ 23/29 حزيران/يونيو 2006 ملفا خاصا تحت عنوان كبير تصدر غلاف المجلة: «تنظيم إسلامي مغربي سري  يدعي مؤسسوه النبوة ولا يعتبرون الرسول آخر الأنبياء»، حيث تناول هذا الملف الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية وتواجدها في المغرب. وقد تطرق الملف إلى الجماعة من مختلف الجوانب بتقديم ثم تحليل اعتمد فيه بشكل كبير على ما قدمه الأستاذان الباحثان: محمد ضريف، ومصطفى بوهندي كمصدرين للتعريف بماهية دعوة الجماعة، في حين غاب موقف الجماعة في المجلة، رغم ادعاء المجلة أنها تحتفظ بسرية مصادرها التي ما هي في حقيقتها إلا أحد الطلبة الباحثين الذين كانوا على صلة حوار فكري ديني مع أحد أفراد الجماعة بالمغرب فقام بتسريب الموضوع إلى أحد أصدقائه الصحفيين!…وقد قام أحد أبناء الجماعة المغاربة بتحرير رسالة تعقيب إلى المجلة المذكورة بخصوص بعض ما نشرته تصحيحا لبعض المفاهيم المنسوبة للجماعة على أمل أن تعيد نشره  تبصيرا للرأي العام ممن تنقصهم معرفة ماهية ومقاصد الأحمدية.  (التقوى)      وهذا نص التعقيب:

«تنظيم إسلامي مغربي سري  يدعي مؤسسوه النبوة ولا يعتبرون الرسول آخر الأنبياء»

 بسم الله الرحمن الرحيم

السيد مدير تحرير “مجلة الصحيفة” المغربية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

نشرت مجلتكم الموقرة في عددها الأسبوعي رقم40، بتاريخ23/29 يونيو (حزيران) 2006 ملفا كاملا حول جماعتنا الإسلامية الأحمدية، وإننا إذ نشكر لكم اهتمامكم، إلا أننا وبعد الاطلاع على ما تم نشره حول جماعتنا، فوجئنا ببعض النقاط والمفاهيم المنسوبة إلينا التي لا تمت لنا بأدنى صلة؛ كونها من التهم المغرضة التي لطالما أشاعها ورددها المغرضون. وكنا نتوقع من مجلتكم الغراء، حفاظا على المصداقية والمهنية وطرح الرأي والرأي الآخر، أن تعمل على الاتصال بالجماعة الإسلامية الأحمدية والاطلاع على معتقداتها وفكرها وآرائها منها مباشرة. وهذا ما نرحب به دوما دون أدنى تردد.

وبداية اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم إلى أن ما جاء في غلاف المجلة من عنوان مثير تحت عنوان: “تنظيم إسلامي مغربي سري يدعي مؤسسوه النبوة ولا يعتبرون الرسول آخر الأنبياء!” إنما كان عنوانا مثيرا مجافيا للحقيقة ومخالفا أيضا لمضمون الملف كما هو عليه الآن. وهو عنوان لا يليق بمجلة ذائعة الصيت مثل مجلتكم الموقرة. فالجماعة الإسلامية الأحمدية ليست تنظيما أولاً، كما أنها ليست سرية في المغرب أو في أي بلد من بلدان العالم.

وليس صعبا على أي باحث أو متتبع أن يكتشف حقيقة الجماعة الإسلامية الأحمدية المنتشرة في أكثر من 181 دولة حتى الآن، لها تاريخ طويل في كثير من هذه البلدان يؤكد أنها كانت دوما عامل أمن وسلام واستقرار في مجتمعاتها، ولم تكن يوما إلا خادمة للإسلام العظيم وللإنسانية جمعاء، ولم تعمل سوى على إرساء التفاهم والانسجام والتسامح في محيطها وفي العالم أجمع. وقد أكد الباحثان الكريمان السـيد محمد ضـريف والسيد مصطفى بوهندي على هذه الحقيقة كما هو واضح. وهذه النتيجة يمكن التوصل إليها بسهولة بالغة وبشيء قليل من البحث والتقصي.

وبشيء قليل من الاستقراء المنطقي أيضا، لا يملك الباحث إلا أن يُسلِّم بأن مرجع هذا التاريخ الناصع المسالم المشرف إنما يرجع إلى معتقدات الجماعة الإسـلامية الأحمـدية وفكرها إضافة إلى قيادتها التاريخية العظيمة المؤمنة بتلك العقائد والأفكار والتي ترعاها وتصونها وتوحد الأحمديين تحتها. لذلك فإنه من غير المنطقي أن يُنظر إلى الأحمدية بعين الريبة بعد كل هذا؛ خاصة إذا لم يكن هنالك من دليل أو مؤشر يمكن الاستناد إليه في التحذير من خطر محتمل – لا قدر الله. وهذا ما أكد عليه الأستاذان الباحثان أيضا.

ولعل عدم فهم طبيعة الجماعة الإسلامية الأحمدية، وعدم فهم اختلاف بنيتها وتركيبها وتميزها عن غيرها من الجماعات والأحزاب والتنظيمات الإسلامية إضافة إلى اختلاف يبرر تأسيسـها واخـتلاف أهدافها، خلق التباسا وتشويشا أدى إلى تصنيفها كجماعة سياسية أو حزب حينا أو كفرقة صوفية حينا آخر.

لأن التكفير ليس من أدبيات الجماعة بل هي ضحية من ضحاياه رغم أنها لم تنفرد بعقيدة لم يقل بها غيرها، والمتتبع المنصف الدارس لفكر الأحمدية لا يملك إلا أن يجزم بذلك بكل ثقة. ولعل ما حمل البعض على عداء وتكفير هذه الدعوة المباركة لم يكن سوى أنها نفضت الغبار عن عقيدة أصيلة كانت قد طمست معالمها مع مرور الزمن

أما الصحيح فإننا لسنا من هذه الفئة ولا من تلك؛ بل نحن ندعي أننا جماعة المسلمين التي تسير على خُطى جماعة المسلمين الأولى التي أنشأها سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين، ونعتقد أن من واجبنا العمل على نشر الدين الإسلامي وقيمه العظيمة وسِلْمه في العالم أجمع، وعلى توحيد جهود المسلمين لتحقيق غايات الدين ومقاصده. لذا فليس غريبا أن كانت الجماعة الإسلامية الأحمدية رائدة في مجالات خدمة الإسلام على شتى الصُعد، وقامت بتحقيق إنجازات عظيمة لا يمكن إنكارها. فهذه الجماعة كانت أول من أنشأ مسجدا في بريطانيا في اوائل العشرينات من القرن الماضي، كما كانت أول من أنشأ مسجدا في برلين قبل الحرب العالمية الثانية وأول من أنشأ مسجدا في كل من فرانكفورت وهامبورغ بعد الحرب، وكانت أول من أنشأ مسجدا في هولندا، وفي كوبنهاجن عاصمة الدانمرك، وأول من أنشأ مسجدا في جوتنبرغ بالسويد، وأول من أنشأ مسجدا في أوسلو عاصمة النرويج، وأول من أنشأ مسجدا في ضواحي قرطبة بعد 500 عام من خروج المسلمين منها.

وكانت الجماعة أول من ترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغات العالمية حتى وصل عدد التراجم لكامل القرآن الكريم إلى 62 لغة عالمية. كما نشرت مختارات من الآيات القرآنية والحديث الشريف في أكثر من 100 لغة عالمية.

وقد كان لها شرف أن أنشأت أول قناة فضائية إسلامية عام 1994 مخصصة للشئون الدينية. وقد قامت منذ أواخر القرن التاسع عشر بالتصدي للتبشير النصراني في الهند ومن ثم قامت بالتصدي له في أفريقيا منذ بدايات القرن العشرين. وقامت بإنشاء العديد من المدارس والمستشفيات في الدول الإفريقية.

وعلى أية حال فالجماعة الإسلامية الأحمدية جماعة عالمية تحوي أجناسا وعرقيات وجنسيات مختلفة وهي منتشرة بشكل رسمي علني، ولها مراكزها الإسلامية وأنشطتها الدينية والثقافية والاجتماعية ومؤسساتها الإعلامية، وتعقد اجتماعاتها السنوية الموسمية المحلية، وأيضا لها مؤتمراتها العالمية التي يشارك فيها كل سنة المسلمون الأحمديون من مختلف دول العالم يتعارفون فيها ويلقون فيها المحاضرات الدينية الإسلامية التربوية والروحية والقصائد الدينية، ويتدارسون فيها مشاريع تبليغ رسالة الإسلام السمحة إلى كل الشعوب، وهذا كله تحت ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

أما من حيث العقيدة فجماعتنا جماعة مسلمة، تسير حسب الشريعة الإسلامية وحسب الكتاب والسنة النبوية الشريفة وسنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ولا تختلف في الأصول عن عموم أهل السنة إجمالا. وهي جماعة قائمة بأركان الإسلام الخمس، ومقرّة بأركان الإيمان، ولا تخرج عن هذه القواعد ولا تحيد عنها قيد شعرة. لذلك فإننا نستنكر مزاعم ما جاء في ملف المجلة من أن لنا كتابا غير القرآن اسمه “تذكرة” نستقي منه تصورنا التربوي! ونعتبر أن ما نُسب لنا جزء لا يتجزأ من حملة الافتراءات الكاذبة التي اقتبسها من أعد الملف من دعاية الخصوم المبثوثة عبر كثير من المواقع والكتب دون تمحيص أو تدقيق..

ونقتبس لكم هنا بعضا من أقوال مؤسس الجماعة يشرح فيه عقيدته وعقيدة الجماعة حيث يقول ما نصه: “إنا نحن مسلمون، نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد، قائلين لا إله إلا هو، ونؤمن بكتاب الله القرآن ورسوله سيدنا محمد خاتم النبيين، ونؤمن بالملائكة ويوم البعث والجنة والنار، ونصلي ونصوم ونستقبل القبلة، ونحرم ما حرم الله ورسوله، ونحل ما أحل الله ورسوله، ولا نزيد في الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرّة، نقبل كل ما جاء به رسول الله .وإن فهمنا أو لم نفهم سِرَّه ولم ندرك حقيقته، وإنا بفضل الله من المؤمنين الموحدين المسلمين.” (نور الحق، الجزء الأول ص5)

ويقول أيضا ما نصه: “وآمنت بأن نبينا محمدا خاتم الأنبياء، وأن كتابنا القرآن الكريم وسيلة الاهتداء. لا نبي لنا نقتدي به إلا المصطفى، ولا كتاب لنا نتبعه إلا الفرقان المهيمن على الصحف الأولى. وآمنت بأن رسولنا سيدُ وُلد آدم وسيدُ المرسلين، وبأن الله ختم به النبيين، وبأن القرآن المجيد محفوظ بعد رسول الله من تحريف المحرّفين، ومن خطأ المخطين، ولا يُنسخ، ولا يزيد، ولا ينقص بعد رسول الله، ولا يخالفه إلهام الملهمين الصادقين” (الخزائن الروحانية ج5، كتاب دافع الوساوس، ص 21)

وعليه فالأحمدية ترى أنها جزء من الأمة الإسلامية وامتداد لتراثها ومسيرتها. أما من يصف الأحمدية بالزيغ والضلال؛ فليس بخاف عليكم أن الفِرق تختلف فيما بينها في أصول وفروع وليس هناك من فئة إلا وتناصبها فئات أخرى الخلاف إلى درجة رميها بالتكفير والفسوق، والجماعة الأحمدية أيضا لم تشذ عن هذه القاعدة، إلا أن ما يميزها هو أنها تقف وحيدة في عدم تكفير أي فئة أو شخص يؤمن بأركان الإسلام الخمس وأركان الإيمان. وبالمناسبة فإننا نستهجن ما نسبه الملف إلى الجماعة بأنها تعتبر نفسها الفرقة المسلمة الوحيدة بينما غيرها ضال وكافر! أما من حيث قولنا أننا الفرقة الناجية فهذا ليس سوى من باب أن الأحمدية لم تتأسس عن اجتهاد بل تأسست بناء على أمر إلهي رباني أوحاه الله إلى مؤسسها منذ أزيد من مائة سنة، في حين أن غيرها من الفرق والطرق والمذاهب لم يؤسس على مثل هذا الإعلان، أما عمن هو الناجي عند الله فليس لنا أن نقرر هذا لأن الله وحده من يملك هذا الحق كما أن سبيل النجاة يتوقف على العقائد الإسلامية الصحيحة التي إن التزم بها المسلم في عقيدته ومسلكه فقد نجا. ولا يعني اعتقادنا بهذا أن كل من ينتمي إلى دعوتنا ظاهريا هو من أهل الجنة ولا أن كل من كان خارجها هو من أهل النار! بل الإيمان والنجاة هما أمران متعلقان بقلب كل إنسان والله حسيب على عباده فيما تكنه صدورهم من إيمان وتقوى، أو ما يسلكونه من أعمال خير أو شر، ونؤكد بيقين أننا لا ننفي صفة الإسلام عن غيرنا ولا نحتكره لأنفسنا بل الإسلام دين الله الذي ارتضاه لعباده في الأرض دون وصاية أو احتكار، يعتنقه من يعتنقه ويخرج منه من يخرج منه دون إكراه، وعلى هذا الأساس لا نقبل أبدا تكفير أي فرقة أو مذهب أو فرد يعلن انتماءه للإسلام. فمبدأ التكفير والإقصاء هو مبدأ التعصب المقيـت والتكفيريـين المنغلقين الذي لا سند له ولا دليل عليه في الإسلام المحمدي الأصيل..وعليه فالأحمدية تنهج هذا الإسلام الحنيف الذي لا ترى لها من إسلام أصيل رحيم سمح غيره، وهي تنأى بنفسها عن تكفير الناس، لأن التكفير ليس من أدبيات الجماعة بل هي ضحية من ضحاياه رغم أنها لم تنفرد بعقيدة لم يقل بها غيرها، والمتتبع المنصف الدارس لفكر الأحمدية لا يملك إلا أن يجزم بذلك بكل ثقة. ولعل ما حمل البعض على عداء وتكفير هذه الدعوة المباركة لم يكن سوى أنها نفضت الغبار عن عقيدة أصيلة كانت قد طمست معالمها مع مرور الزمن، أو لم يكن قد حان وقت إجلائها وتوضيحها من قبل. فكان أن قدمتها الجماعة في الوقت المناسب دفاعا عن الدين وعن كرامة خاتم النبيين . فكان رد فعل غيرها من الفرق وممن تعود على فهم الإسلام فهما تقليديا بالوراثة والعاطفة إلا أن يعتبر ما جددته الأحمدية كفرا أو زندقة أو خروجا عن الإسلام! مما عمد بأئمة التكفير والإقصاء باضطهاد أفرادها كما هو حاصل في بعض البلاد ..رغم أن ما نقول به ليس بِدَعا بل مبسوط في كتب التراث الاسلامي من السـلف والخلـف. وينحصر الخلاف بيننا وبين عامة المسلمين في أمرين رئيسين:

أولهما وفاة عيسى بن مريم عليه السلام وبطلان عقيدة حياته في السماء، وثانيها مفهوم خاتم النبيين الذي هو اللقب الأسمى لسيدنا محمد . أما الأمور الثانوية الأخرى فتتعلق بمسألة تنـزيهنا القرآن عن النسخ والنقصان، ودحضنا للجهاد العدواني الذي يتصوره البعض في الإسلام والذي يبرر به البعض أعمال الإرهاب، ونفينا لوجود عقوبة للمرتد غير المحارب، وإيماننا بأن لا إكراه في الدين..

أما بخصوص وفاة عيسى عليه السلام فهذا مذهب الإمام مالك رحمه الله -الذي يعتمد المغرب مذهبه المالكي – حيث ذكره الشيخ علامة طاهر، في كتابه (بحار الأنوار)، وهذا مذهب الإمام الرازي وابن حزم وغيرهم الكثير، ومن المتأخرين مثل الأستاذ محمد عبده والأستاذ الغزالي وشيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت، وسيد قطب، والأستاذ الأكبر الشيخ المراغي، وغيرهم.

أما بخصوص مفهوم خاتم النبيين فإننا أوضحنا مما سبق من أقوال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أن هذه الجماعة تؤمن إيمانا راسخا بأن رسول الله هو خاتَمُ النبيين. وقد أكد على ذلك مؤسس الجماعة بنفسه كما سبق بيانه، حتى إنه وضع من بين شروط البيعة والانضمام إلى جماعته أن يقرّ السالك فيها أن رسول الله هو خاتم النبيين. وفي الحقيقة فإن غالبية المسلمين العظمى تؤمن عمليا بقدوم نبي في الزمن الأخير بعد الرسول ؛ وهو المسيح ، وذلك بسبب تضافر الروايات الصحيحة من الحديث الشريف عن نزوله في آخر الزمان. وبما أن هذا النبأ قد يؤدي ظاهريا إلى بعض التناقضات والتحديات أمام الفكر التقليدي (كونه يؤكد قدوم نبي من بني إسرائيل للأمة الإسلامية بعد النبي سواءً كان سيبعث بعثة أو سينـزل من السماء، إضافة إلى بقاء نبي من الأنبياء السابقين حيا ووفاة النبي ، وكل ما يتبع ذلك من أمور تمس مقام النبي وتساند العقيدة المسيحية القائمة بمحاولة التأكيد على أن الإسلام يعطي خصوصية للمسيح وأفضلية له على كل البشر والأنبياء والمرسلين) إلا أن مؤسس الجماعة قد قدم – بإلهام من الله تعالى – هذه البعثة بصورة لا تمس مقام خاتمية الرسول ولا تمس مكانة الإسلام والقرآن الكريم والأمة الإسلامية، بل على العكس هي تؤكد على هذه المكانة العليا لسيدنا محمد ودينه وأمته وكتابه.

وعلى هذا فإن اعتقادنا بمفهوم خاتم النبيين يتضمن أفضليته المطلقة وكماله على كل الأنبياء وكمال تشريعه الذي هو أفضل وآخر الشرائع الباقية والصالحة إلى يوم القيامة، وكمال أمته التي هي خير أمة أُخرجت للناس. وحيث إن الرسول  الله آخر الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى بشريعة للناس كما قال تعالى:

  اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا (المائدة:4)،

وكونها الشريعة الموعودة بالحفظ كما قال تعالى:

  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر: 15)،

 لذلك قال سيدنا أحمد عليه السلام مؤسس الجماعة ما تعريبه: “ليس تحت السماء الآن سوى نبي واحد ورسول واحد أي محمد المصطفى ، الذي هو أعلى وأفضل من جميع الأنبياء، وهو أتم وأكمل من جميع الرسل، وهو خاتم الأنبياء وخير الناس، الذي بفضل إتباعه يفوز الإنسان بالاتصال بالله وترتفع الحجب المظلمة، وفي هذا العالَم تظهر آثار النجاة الحقيقية.”  (البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية ج 1 ص 557 الهامش رقم 3). وعلى هذا فلا مكان ولا حاجة لنبي آخر يأتي بشريعة أخرى من عند الله تعالى، لذلك كان رسول الله في اعتقادنا واعتقاد المسلمين أنه آخر الأنبياء المشرّعين، ولا ينافي هذا الاعتقاد أن المسيح الموعود به نبي تابع للشريعة الإسلامية ومتبع لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ومقتديا بهدي القرآن الكريم، وهذا ما قال به كثير من صلحاء الأمة وسلفها، ونحن نعتقد كغيرنا من المسلمين أن رسول الله قد أكّد في أحاديثه الشريفة وفي مناسبات عديدة على أنه لا نبي بعده وعلى أن الرسالة قد انقطعت وعلى أن النبوة قد انتهت. وتفهم الأحمدية هذه الأحاديث الشريفة في ضوء أحاديث أخرى وفي ضوء آيات القرآن التي تنص على انقطاع النبوة التي يتضمن الوحي فيها تشريعا يخالف تشريع القرآن أو يخالف سنة الرسول .. هذا المفهوم ليس بدعة وليدة بل هذا ما قاله وفهمه كثير من صلحاء الأمة وكبار أوليائها، مثل ما قاله الصوفي المعروف الإمام عبد الوهاب الشعراني في كتابه ( اليواقيت والجواهر): “اعلم أن النبوة لم ترتفع مطلقا بعد محمد ، وإنما ارتفع نبوة التشريع فقط.” (اليواقيت والجواهر ج2 ص35 دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت عام 1900م)

وهذا ما قال به أيضا الشيخ الصوفي الرباني محيي الدين ابن عربي في كتابه الشهير الفتوحات المكية، حيث قال: “فإن النبوة التي انقطعت بوجود رسول الله إنما هي نبوة التشريع، لا مقامها، فلا شرع يكون ناسخا لشرعه ، ولا يزيد في حكمه شرعا آخر. وهذا معنى قوله إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي. أي لا نبي بعدي يكون على شرع يخالف شرعي، بل إذا كان يكون تحت حكم شريعتي، ولا رسول أي لا رسول بعدي إلى أحد من خلق الله بشرع يدعوهم إليه. فهذا هو الذي انقطع وسدّ بابه، لا مقام النبوة” ( الفتوحات المكية، ج 3 ص 159، الباب الثالث والسبعون في معرفة عدد ما يحصل من الأسرار للمشاهد، مكتبة القاهرة بمصر سنة 1994م)

ويقول الصوفي الشهير محمد بن علي الحسن الحكيم الترمذي المتوفى سنة308هـ:

“فإن الذي عَمِيَ عن خبر هذا يظنّ أن خاتم النبيين تأويله أنه آخره مبعثا. فأيُّ منقبة في هذا؟ وأي علم في هذا؟ هذا تأويل البُلْهِ الجَهَلَة.” (كتاب ختم الأولياء، ص341، دار النشر بيروت، لبنان.1965)، وفي اعتقادنا أن مجدد الزمن الأخير الملقب بالمهدي والمسيح هو شخص واحد تابع لرسول الله وفرد من أمته التي هي خير أمة.. أما عن مقام النبوة الظلية التي ادعاها مؤسس هذه الجماعة منذ أزيد من قرن فليس معناه انه نبي جديد أو أنه أتى بدين جديد، أو شرع جديد، أوكتاب جديد، أو تعليم جديد.. بل نفهم هذا المقام الروحي النبوي بمعنى التجديد الرباني وانعكاس لنبوة المصطفى بفضل اقتدائه الكامل بهديه وسنته، وعلى هذا فسيدنا أحمد، مؤسس الجماعة جدد ما بلي من تعاليم الإسلام في نفوس الناس ومسح ما غشاه من معتقدات وشوائب مدسوسة وأظهره بحلته الحقيقية الجمالية والروحية التي كان عليها. فهو خاتم المجددين بأمر الله تعالى و نبي ظلي أيضا وليس ما جدده من باب الاجتهاد الشائع كالمجددين التقليديين الذين جاءوا عند رأس كل مائة سنة قبل مجيء حضرته عند نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر للهجرة، إذ أن الذين بعثهم الله مجددين قبله في القرون السابقة كانوا محدودي المهمة والإصلاح من حيث الجغرافيا والعطاء. بينما نعتقد نحن بحسب إعلانات سيدنا أحمد، مؤسس الجماعة أن تجديده تجديد رباني نبوي وفق البشائر المحمدية. لذلك ففي اعتقادنا أنه خاتم المجددين وذو نبوة ظلية كون تجديداته في إطار شمولية الإسلام وعالميته ومصداق بشارات القرآن والحديث، ولا ننسى أن هذه الدعوة التجديدية أقيمت بإلهام سماوي رباني من فيض الكمالات المنبثقة من عين النبوة المحمدية التي لا تنضب ماؤها ولا تتوقف، لذلك فمؤسس هذه الجماعة حصل على نصيبه من هذه الكمالات ببركة الرسول الأعظم محمد المصطفى.. وليس مما يزعج أي مسلم عاقل أبدا.. أن يرفع الله أحدا من المسلمين إلى النبوة التابعة علما أن هذه المدارج الروحانية الأربع منصوص عليها في القرآن الكريم كالصالحية والشهادة والصديقية والنبوة، حيث قال تعالى:

  ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (النساء:70-71)

ولا تعني درجة النبيين في الآية بعث أنبياء جدد أو نبوة كنبوات أنبياء بني إسرائيل على الطريقة المستقلة، بل هي نبوة ظلية تابعة لهدي القرآن والسنة المحمدية الطاهرة، لا تخالف حرفا واحدا مما ورد في القرآن المجيد، أو تعارض كلمة قال بها النبي .

ودفعا لأي سوء فهم أو لبس نقتبس لكم مقتبسا من أقوال سيدنا الإمام المهدي في هذا الشأن ومعنى ودلالة اصطلاح النبوة الظلية الذي لا يفهم منها إلا معنى المتابعة والمخاطبة الإلهية، يقول حضرته ما نصه:

“النبوّة قد انقطعت بعد نبينا، ولا كتاب بعد الفرقان الذي هو خير الصحف السابقة، ولا شريعة بعد الشريعة المحمدية، بيد أني سُمِّيتُ نبيّاً على لسان خير البريّة، وذلك أمرٌ ظِلِّيٌ من بركات المتابعة، وما أرى نفسي خيراً، ووجدتُ كل ما وجدتُ من هذه النفس المقدّسة. وما عنى الله من نبوتي إلا كثرة المكالمة والمخاطبة، ولعنة الله على من أراد فوق ذلك، أو حَسِبَ نفسه شيئاً، أو أخرجَ عُنُقَهُ من الرّبقة النبوية. وإن رسولنا خَاتَمُ النبيين، عليه انقطعت سلسلة المرسلين. فليس حقُّ أحدٍ أن يدعي النبوة بعد رسولنا المصطفى على الطريقة المستقلة، وما بقي بعده إلا كثرة المكالمة، وهو بشرط الإتباع لا بغير متابعة خير البرية. ووالله ما حصل لي هذا المقام إلا من أنوار إتباع الأشعة المصطفوية، وسمّيتُ نبيا من الله على طريق المجاز لا على وجه الحقيقة. فلا تهيج ههنا غيرةُ الله ولا غيرة رسوله، فإني أُرَبّى تحت جناح النبيّ، وقدمي هذه تحت الأقدام النبوية.” (الاستفتاء، الخزائن الروحانية ج 22 ص 688)

إننا نعتقد أن مؤسس الجماعة الإسلامية  الأحمدية، ميرزا غلام أحمد، الذى جاء  من عند الله عند بداية القرن الرابع عشر الهجري بصفته مهديا ومسيحا محمديا بحسب نبوءات الكتاب والحديث، لم يأتِ بشرع جديد ولا بدين جديد وإنما جاء لتجديد الدين الإسلامي وإحيائه ولمسح ما غشاه من معتقدات وشوائب مدسوسة ولإظهاره بحلته الحقيقية.

أما ما صرح به السيد مصطفى بوهندي، رئيس وحدة التكوين والبحث في مستقبل الأديان والمذاهب الدينية بالحوض المتوسطي للمجلة في معظمه، لهو مما يشكر عليه نظرا لمواقفه المتسمة بالتقوى والحكمة والموضوعية، ونود أن نوضح له نقطة مهمة تصحيحا لجملة وردت في كلامه حينما اعتبر أن الجماعة تعتمد الدين الإسلامي وسيلة لتبليغ أفكارها كما تفهمها!، ونؤكد له أن الجماعة لا تتخذ الإسلام وسيلة بل عقيدة لها. أما ما جاء في تصريح السيد محمد ضريف الباحث المتخصص في قضايا الحركات الإسلامية من محاولة تشبيهه الجماعة الأحمدية الإسلامية بالبهائية أو أنها ديانة جديدة لها طقوسها الخاصة!! فهذا افتراء ومغالطة كبيرة يلزمه عليها دليل! وهذا ما هو إلا نقل وترديد مما قرأه من مصادر الخصوم الكاذبين، وكنا نتمنى ألا يقع في هذا الخطأ الفادح وأن يتحرى بنفسه من المصدر الأصلي؛ الذي هو مواقع الجماعة الالكترونية أو الاتصال بمراكزها ووسائلها الإعلامية المفتوحة لكل باحث ومستفسر. ومن المفارقات العجيبة التي يجب أن تلفت انتباهكم أن البهائيين لا يدعون بالإسلام ولا يتمسكون بالشريعة المحمدية الغراء، لكونهم أخرجوا أنفسهم من حظيرة الإسلام، بإعلانهم انتهاء صلاحية الشريعة الإسلامية في القرن 19م فانتحلوا لهم شريعة خاصة بهم يعتبرونها ناسخة للشريعة الإسلامية، وهم لهم كتاب مقدس يدعى “الكتاب الأقدس”، وهم بأنفسهم ينكرون انتماءهم للإسلام، بل يؤكدون أنهم أتباع دين عالمي جديد جاء لتوحيد الأديان. فأين المماثلة والمشابهة بين ما تؤمن به الديانة البهائية وبين ما تؤمن به جماعة مسلمة كالأحمدية يتمسك كل أحمدي فيها بالشريعة الإسلامية والسنة المحمدية العطرة ويعلنون جهارا وعلى الملأ بأنهم مسلمون!

وعلى هذا فإن اعتقادنا بمفهوم خاتم النبيين يتضمن أفضليته المطلقة وكماله على كل الأنبياء وكمال تشريعه الذي هو أفضل وآخر الشرائع الباقية والصالحة إلى يوم القيامة، وكمال أمته التي هي خير أمة أُخرجت للناس.

وفي الختام نسرد لكم الغاية من هذه الجماعة ومقاصدها، يقول حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عليه السلام حول مبررات تأسيس هذه الجماعة وقيامها ما تعريبه: “إن نظام البيعة لا يهدف إلاّ إلى تكوين جماعة من المتقين، لكي تترك هذه الجماعة المتألفة من المتقين على الدنيا تأثيرها الحسن. ولكي يكون اجتماعهم مدعاة للخير والبركة والعواقب الحسنة للإسلام. ولكي يُستَخدَموا لأداء الخدمات النبيلة للإسلام ببركة إجماعهم على كلمة واحدة. ولكي لا يكونوا مسلمين كسالى وبخلاء لا فائدة منهم، ولا مثل هؤلاء الجهّال الذين ألحقوا بالإسلام أضرارا فادحة بسبب فُرقتهم وتشتُّتهم، ووصَموا وجهَه الجميلَ بسبب تصرُّفاتِهم الفاسقةِ. ولا مثل النُسَّاك الغافلين والمُنْطَوِين على أنفسهم الذين لا يعرفون شيئا عن حاجاتِ الإسلام، ولا يهتَمُّون بمؤاساة إخوانهم شيئا، ولا يجدون في أنفسهم أدنى حماسٍ لإيصال الخير إلى الناس. بل يجب عليهم أن يكونوا متعاطفين للأمة حتى يصبحوا ملاذا للفقراء، ولليتامى كالآباء، ويظلوا جاهزين للتضحية في سبيل خدمة الإسلام مثل العاشق المشغوف، ويبذلوا قصارى جهودهم أن تنتشر بركاتُهم العميمةُ فــي الدنيا وينفجرَ الينبوعُ الطاهر لحبِّ الله ومؤاساةِ عبادِه من كل قلبٍ، ثم يتَمَرْكزَ في مكان واحدٍ ويتراءى مِثل البحرِ الزاخِرِ..وإنني على ثقـــة بأن هذا ما سوف يَحصُل بالضَبْط للذين يترقبون بالصبر والمثابرة بعدَ انْضمامِهم إلى هذه الجماعة. لأن الله تعالى قد أراد أن يخلق هذه الجماعةَ ثم يهبَها تقدُّمًا ليُظِهر جلالَه ويُرِيَ قدرتَه لكَيْ ينشر في الدنيا حبَ الله تعالى والتوبةَ النصوحَ والطهارةَ والحسنةَ الحقيقيةَ والأمنَ والصلاح ومؤاساةَ البشر. فهذه الجماعة ستكون جماعته المختارة التي سوف يهبها القوةَ بروحهِ الخاصةِ ويُطهِّرهم من الحياةِ القذرةِ، وسوف يُحْدِثُ تغييرا طيبًا في حياتهم. وكما أنه سبحانه وتعالى قد وَعد في أنبائِه المقدسة فإنه سوف يجعل هذه الجماعةَ تزدَهِرُ، ويُدخِل فيها ألوفًا من الصلحاء. إنه تعالى سوف يَرْوِيها بنفسه ويهب لها الازدهار حتى أنَّ كثرتَها وبركتَها سوف تبدو غريبةً للأعين. وسوف ينشرون ضوءَهم إلى جميعِ أرجاءِ المعْمُورةِ مثل المصباحِ الموضوعِ في المكان المرتَفَعِ، وسـيكونـون نَمُوذَجًا للبركات الإسلامية. إنه عز وجل سوف يهب للأَتباعِ الكاملين لهذه الجماعة، غلبةً على الفئات الأخرى كلِّها في كلّ نوعٍ من البركاتِ. ولسوف يكون في هذه الجماعة أناسٌ إلى يوم القيامة الذين سوف يوهَب لهم القبولُ والنصرةُ. هذا ما أراد اللهُ الربُّ الجليلُ. إنه لَقادرٌ فعّال لما يريد. له القوةُ كلها وله القدرةُ كلها. فالحمد لله أولا وآخرًا وظاهرا وباطنا. أسلَمْنا له، هو مولانا في الدنيا والآخرة، نِعْمَ المولى ونعم النصير.”

وفي الختام نود أن نذكر أن عقائدنا مبسوطة في كتبنا ومواقعنا الالكترونية ومراكـزنا الإسـلامية للاستزادة والتعرف على معتقداتنا الإسلامية التي نؤمن بها، ولولا خشية الإطالة لأتينا بها تفصيلاً، لكننا ننصح كل باحث يكتب عن الأحمدية أن يتحرى الحقيقة والصدق وأن يستقي من مراجعها وأدبياتها لا مما يكتبه المغرضون الكاذبون.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وإليكم مواقع الجماعة: http://www.islamahmadiyya.net

Islam Ahmadiyya – Ahmadiyya Muslim Community – Al Islam Online – Official Website

http://www.mta.tv

Share via
تابعونا على الفايس بوك