دعوة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في مرآة كتاباته

دعوة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود في مرآة كتاباته

أبو حاشر

يقول الله تعالى في كتابه الحكيم القرآن العظيم :

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب: 57).

فمن أجل ماذا يصلي الله وملائكته على النَّبيّ ؟هل من أجل جسمه العنصريّ أو كيانه الماديّ ،أو هل من أجل لونه أو طوله وعرضه؟طبعًا لا. وكلُّ عاقل يقرّ بأنَّ صلاة الله وملائكته على النَّبيّ هي لغاية أسمى من كلّ مافي هذا الكون من مادَّة، وأسمى حتَّى من الوجود نفسه. إنَّ صلاة الله وملائكته على النَّبيّ لاتعني إطلاقًا صلاة كصلاتنا لله تعالى، وإنَّما هي البركة والتَّأكيد والنُّصرة لنبيِّ الله ودعوته، فهو وحده الَّذي حمل الأمانة العظمى وقدَّمها لمخلوقات الله من بني آدم، وكان أحسن أسوة وأفضل قدوة في إظهار جمال وكمال تلك الأمانة وتطبيقها عمليًّا في حياته اليوميَّة.

والأمانة العظمى الَّتي حملها أفضل وأكمل إنسان خلقه الله هي الدَّستور الإلهي العالمي الأبدي للنَّاس أجمعين، ألا وهو القرآن العظيم الَّذي أنزله الله تعالى رحمة للعالمين. وقد أكَّد الله فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ (آل عمران: 20). وأعلن للنَّاس كافَّة بكلّ وضوح:

وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران: 86).

وقال تعالى:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة: 4).

لقد أكمل الله الدّين، وأتمَّ نعمته. ومن ذلك اليوم وحتَّى تقوم السَّاعة ويحين يوم الدِّين ستبقى هداية القرآن العظيم النُّور الهادي الوحيد والصِّراط السَّوي المستقيم للنَّاس أجمعين.

وبسبب حمل محمَّد لهذه الأمانة العظمى وتقديمه إيَّاها للنَّاس عمليًّا ونظريًّا بقدوته المثلى وأسوته الحسنى وإثبات صدقها وطهارة تعاليمها وإظهار أفضليتها .. خاطب الله عبده محمَّدا ، وقال له  :(لولاك ماخلقت الأفلاك)، ومن أجل ذلك قال أيضًا:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ..

أي: لولا الأمانة الَّتي حملتها بصدق وأمانة أيُّها الصَّادق الأمين لما خلقت الدُّنيا، ولما سخَّرت كلّ ما في الكون لبني آدم، لأنَّني ماخلقت الجنَّ والإنس إلَّا ليعبدون. وأنت أيُّها النَّبيّ عبدتني العبادة الَّتي توخَّيتها، وتفانيت في عبادتي حتَّى كانت تتورَّم قدماك، وتوكلت عليَّ وسلَّمت كلَّ أمورك إليّ، ولم تذق طعم الرَّاحة طوال حياتك حتَّى ثبَّتَّ الحق كلَّ الحقّ في الأرض.فإنعاما عليك أيُّها العبد الصَّادق الأمين وجزاء لأسوتك الحسنة وتسليمك المطلق، فإنَّ الله وملائكته يصلُّون عليك، وفرضٌ على جميع عباده المؤمنين أن يصلُّوا ويسلِّموا عليك. فاللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على نبيِّك الكريم محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يتَّضح للقارئ الكريم من هذا المختصر الموجز بأن الرِّسالة المحمَّدية العالميَّة نزلت كاملة، ومن المحال أن تتغيَّر أو تتبدَّل. هذا هو حكم الله وتلك هي مشيئته تعالى. وللمحافظة على نقاوة وصفاء هذه الرِّسالة المدوَّنة بين دفَّتي القرآن المجيد، وعد الله تعالى على لسان نبيِّه خاتم النَّبييِّن ، ببعث المجدِّدين لإحياء الدِّين وإقامة الشَّريعة للأمَّة المحمَّديَّة على رأس كل مئة سنة. وقد تحقَّق هذا الوعد على مدى القرون الماضية حتَّى مطلع القرن الرَّابع عشر بعد رسول الله ، وهذا مايقرُّه ويعترف به أجلَّة علماء المسلمين. وكان من المحتَّم أن يظهر في مطلع القرن الرَّابع عشر أيضًا مجدِّد لهذا القرن البدر. وحينما ظهر هذا المجدِّد سيِّدنا ميرزا غلام أحمد أعلن للملأ كما أمره الله تعالى بأنَّه المسيح الموعود والمهدي المعهود على لسان محمَّد المصطفى . وفيما يلي بعض ما أعلنه وأشهره حضرته : “ومن أعظم المنن أنَّه جعلني لهذا العصر ولهذا الزَّمان إمامًا وخليفةً، وبعثني على رأس هذه المائة مجدِّدًا، لأخرج النَّاس إلى النُّور من الدُّجى، وأنقلهم من طرق الغيّ والفساد إلى صراط التَّقوى” (التَّبليغ ص21).

وطبقًا لما ورد في سورة النُّور قوله تعالى:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 56)..

كلَّف الله مجدِّد القرن الرَّابع عشر حضرة مرزا غلام أحمد بهذه المهمَّة، وأنعم عليه بهذه المنزلة، وألبسه هذه الحلَّة، وأوحى إليه : “أنت الشَّيخ المسيح الَّذي لايضاع وقته”. “الحمد لله الَّذي جعلك المسيح ابن مريم”. “بشرى لك يا أحمدي .أنت مرادي ومعي. سرُّك سرِّي. إنِّي ناصرك وإنِّي أحافظك. وإنِّي جاعلك للنَّاس إمامًا”. “قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله”. “إنَّ الَّذين يبايعونك إنَّما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم”.

وأمر الله تعالى حضرته بتقبُّل البيعة من النَّاس. وقد جاء في الصِّحاح عن النَّبيِّ أمر للمسلمين جميعًا بمبايعة الإمام المهدي عند ظهوره في قوله: “إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثَّلج، فإنَّه خليفة الله المهدي” (ابن ماجه،كتاب الفتن،باب خروج المهدي).

ويقول حضرة أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود : “فإنَّا لله على مصائب الإسلام وانقلاب الأيَّام. ماتت القلوب، وكثرت الذُّنوب، واشتدَّت الكروب. فعند هذه الليلة اللَّيلاء والظُّلمات الهوجاء اقتضى رحم الله نور السَّماء. فأنا ذلك النُّور والمجدِّد المأمور والعبد المنصور والمهدي المعهود والمسيح الموعود” (الخطبة الإلهاميَّة ص5).

ويقول أيضًا: “إنِّي جئت قومي لأمنعهم من مساوئ الأخلاق وشعب النِّفاق، وأريهم طريق المخلصين الموحِّدين. ولادين لنا إلَّا دين الإسلام، ولاكتاب لنا إلَّا الفرقان كتاب الله العلَّام، ولانبيَّ لنا إلَّا محمَّد خاتم النَّبيين وبارك وجعل أعداءه من الملعونين. إشهدوا أنَّا نتمسَّك بكتاب الله القرآن ونتبع أقوال رسول الله منبع الحقّ والعرفان. ونقبل ما انعقد عليه الإجماع بذلك الزَّمان. لانزيد عليها، ولاننقص منها، وعليها نحيا، وعليها نموت. ومن زاد على هذه الشَّريعة مثقال ذرَّة أو نقص منها،أو كفر بعقيدة إجماعيَّة، فعليه لعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين. هذا اعتقادي وهو مقصودي ومرادي. ولا أخالف قومي في الأصول الإجماعيَّة، وما جئت بمحدَثات كالفرق المبتدعة. بيد أنِّي أرسلت لتجديد الدِّين وإصلاح الأمَّة على رأس هذه المئة. فأذكِّرهم بما نسوا من العلوم الحكميَّة والواقعات الصّحيحة الأصليَّة. وجعلني ربِّي عيسى ابن مريم على طريق البروزات الرُّوحانيَّة لمصلحةٍ أراد لنفع العامَّة ولإتمام الحجَّة على الكفرة الفجرة، وليكمل نبأه، وينجز وعده، ويتمَّ كلمته، ويفحم قومًا مجرمين. هذا دعواي وتلك دلائلي، ولن تجدوا زيغًا في دعاويَّ ومسائلي. وإنَّ كتابي هذا لبلاغ لقومٍ طالبين. ففكِّروا ياعلماء القوم وفتِّشوا الأمر قبل اللَّوم! ياعباد الله، استمعوا! واتَّقوا الله ثمَّ اتَّقوا. وإنِّي بلَّغت ما أمر به ربِّي، وما بقي الإخفاء! فاسمعي أيَّتها الأرض، واشهدي أيَّتها السَّماء” (مكتوب أحمد ص 30و31). وقال حضرته: “وجئتكم حكمًا عدلاً لأبيِّن لكم بعض الَّذي تختلفون فيه ولأقتل كلَّ حيَّة (أي بدعة) تسعى” (الخطبة الإلهاميَّة ص 16).

وذلك تمامًا كما قال عيسى ابن مريم لقومه لما ورد على لسانه في القرآن الكريم:

وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (الزخرف: 64).

واستشهد حضرته بالله عشرات المرَّات لإقناع النَّاس بصدقه، وفيما يلي بعضها:  “ووالله، إنِّي مأمور من الله الَّذي أرسل نبيَّنا وسيِّدنا محمَّدًا المصطفى لهداية كافَّة النَّاس، وأعلم من الله بأنَّه لن يضيِّعني. وقد خلع عليَّ من حلل الولاية، وسقاني من كأسها، وأعطاني مايعطى المقرَّبون. وما آمر النَّاس إلَّا بالقرآن وإلى القرآن وإلى طاعة الرَّب الَّذي إليه يرجعون) (التَّبليغ ص 42).

“وإنِّي والله، من الرَّحمان. يكلِّمني ربِّي ويوحي إليَّ بالفضل والإحسان”. وإنِّي أشهد الله على ما في قلبي. والله إنِّي منه، ولست فعلت أمرًا من تزويري” (الاستفتاء ص 43،وص 58).”وبعزَّة الله وجلاله، إنِّي مؤمن مسلم، أومن بالله وكتبه ورسله وملائكته والبعث بعد الموت وبأنَّ رسولنا محمَّدًا المصطفى أفضل الرُّسل وخاتم النَّبييِّن” (حمامة البشرى ص9).

“ووالله إنَّ عيسى مات. وإنَّهم يعاندون الحقَّ الصَّريح ويقولون مايخالف القرآن ومايخافون. وأيَّ إشكال يأخذهم في موت عيسى! بل هم قوم مسرفون. يخصُّونه بصفة لاتوجد في أحد من النَّاس، ويؤيِّدون النَّصارى وهم يعلمون. وكيف تقبل غيرة الله أن يخصَّص أحد بصفة لاشريك له فيها من بدء الدُّنيا إلى آخرها، وأيَّ عقيدة أقرب إلى الكفر منها لو كانوا يتدبَّرون؟ فإنَّ التَّخصيص أساس الشُّرك، وأيُّ ذنب أكبر من الشِّرك أيُّها الجاهلون؟ وإذا قالت النَّصارى: إنَّ عيسى ابن الله بما تولَّد من غير أب وكانوا به يتمسَّكون، فأجابهم الله بقوله: “إنَّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثمَّ قال له كن فيكون” (الاستفتاء :52).

ويقول حضرة أحمد المسيح الموعود والمهديّ المعهود:

“ووالله،ماقلت قولا في وفاة المسيح وعدم نزوله وقيامي مقامه إلَّا بعد الإلهام المتواتر المتتابع النَّازل كالوابل، وبعد مكاشفات صريحة بيِّنة، وبعد استخارات وتضرُّعات وابتهالات في حضرة ربّ العالمين” (حمامة البشرى ص9).

“ووالله إنِّي أنا المسيح الموعود” (الاستفتاء ص 38).

“أيُّها النَّاس، إنِّي أنا المسيح المحمَّديّ، وإنِّي أنا أحمد المهديّ. وإن ربِّي معي إلى يوم لحدي من يوم مهدي. وإنِّي أُعطيت ضراما أكّالا وماء زلالا. وأنا كوكب يماني ووابل روحاني. إيذائي سنان مذرَّب ودعائي دواء مجرَّب. أُري قوما جلالا وقوما آخرين جمالا. وبيدي حربة أبيد بها عادات الظلم والذنوب، وفي الأخرى شربة أعيد بها حياة القلوب. فأسٌ للإفناء وأنفاسٌ للإحياء. وإني على مقام الختام من الولاية كما كان سيدي المصطفى على مقام الختم من النبوة. وإنه خاتَم الأنبياء وأنا خاتَم الأولياء” (الخطبة الإلهامية ص8 و9)

وأظهر الله تعالى آيات باهرات على صدقه، ومعجزات سماوية وأرضية لإزالة الشكوك من قلوب الناس. فكُسفت له الشمس وخُسف القمر في رمضان كما أخبر النبي . وأخرج الله دابة من الأرض (أي مرض الطاعون) تكلّم المعاندين وتقعصُهم بعدما أقيمت عليهم الحجة وسطع الحق والبرهان. وجعل الله في أدعيته قبولا أمضى من حد السيف والسنان. وقد هُزم كل الذين بارزوه وباءُوا جميعا بالخزي والخذلان. وتحدى حضرته العالم بأسره في الإنشاء بالعربية وتفسير علوم القرآن مع أنه لم يدخل مدرسة ولا معهدًا علميا من معاهد الزمان، فلم يجرؤ على مقابلته أحد من بني الإنسان. ويقول حضرته :

“وإني أقسم بذاته تعالى وأقول إنه كما خَاطَبَ وكلَّم إبراهيمَ ثم إسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى والمسيح ابن مريم ثم بعدهم كلهم أجمعين نبينا محمدًا تكليمًا حتى أنه أنزل عليه الوحي الأجلي الأطهر، كذلك شرفني بمكالمته ومخاطبته. ولكن حصل لي هذا الشرف باتباع النبي وحده. ولو لم أكن من أمته ولم أتبعه، ولو كانت أعمالي مثل جبال الأرض كلها، لما كان ممكنا لي قط أن أتشرف بالمكالمة والمخاطبة الإلهية، لأن النبوات كلها قد انقطعت إلا النبوة المحمدية. فلا يمكن أن يأتي نبي مشرع. أمّا بعث نبي بدون شريعة فممكن بشرط أن يكون ذلك أولا من أمة محمد . فلأجل ذلك إني من أمته أيضا ونبي أيضا. وإن نبوّتي أعني المكالمة والمخاطبة الإلهية هي ظل للنبوة المحمدية ليس إلا، بل إنها هي النبوة المحمدية نفسها التي تجلت بي. وبما أنا ظل محض ومن أمته فلذا ليس في ذلك مسٌّ بكرامته . بما أن هذه المكالمة الإلهية التي قد أعطيتها ليقينية. وأن الكلام الذي نزل عليّ ليقيني وقطعي، وبما أن النبي عندي هو من ينزل عليه كلام الله اليقيني والقطعي بالكثرة ويكون مشتملا على الغيب فلذا سمّاني الله نبيا، لكن بدون شرع، أما الشرع فقرآن مجيد إلى يوم القيامة” (تجليات إلهية ص 28 إلى 30) (تعريب الأستاذ محمد شريف جوهدري)

وقال :

“وإن آدم آخِر الزمان حقيقةً هو نبينا ، والنسبة بيني وبينه كنسبة من علّم وتعلّم. وإليه أشار في قوله: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وأنزل الله عليَّ فيض هذا الرسول فأتمه وأكمله، وجذب إليّ لطفَه وجُودَه حتى صار وجودي وُجوده. فمن دخل في جماعتي دخل في صحابة سيدي خير المرسلين. وهذا هو معنى وآخَرِينَ مِنْهُمْ كما لا يخفى على المتدبرين. ومن فرّق بيني وبين المصطفى فما عرفني وما رأى” (الخطبة الإلهامية ص 50 -51).

ويظهر بجلاء من هذه البينات النيرة ومن حقيقة واقع الجماعة الإسلامية الأحمدية أن بعثة حضرة أحمد المسيح الموعود والمهدي ليست منفصلة ولا مستقلة أبدا عن بعثة محمد المصطفى ، وإنما هي ظل تابع متصل ونور مستمد من المصطفى الذي ما زالت تتنزل عليه بركات الله وتأييداته، وبفضل تلك البركات أنزل الله أخيرا لهذا الدنيا المسيح المهدي وأنعم عليه بأنوار الهداية الروحانية لإظهار دين الحق دين محمد . وهذا التنزيل بحد ذاته برهان ساطع ودليل قاطع متلألئ كالشمس على صدق الدعوة المحمدية التي تحظى وحدها بالبركات الإلهية والإنعامات الروحانية وما عداها من الديانات فمحرومة منها الآن ولاحَظَّ لهم فيها.

أما قول حضرة أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود بأن: “من دخل في جماعتي لحق بصحابة سيدي خير المرسلين”، وأن: “من فرّق بيني وبين المصطفى فما عرفني وما رأى”، فيعني ألاَّ فَرْقَ إطلاقا بين ما أدعو إليه وما دعا إليه حضرة المصطفى ، وأن كل من يتوهم أو يجعل أي فرق بين ما أدعو إليه وما دعا إليه حضرة المصطفى فإنه يجهل دعوتي ولم تدرك بصيرته أنوار الحقائق العظمى.

ويقول في بعض الأبيات:

وأُقسم أنني يا ابن الكرامِ

لقد أُرسلتُ من رب العبادَ

.

وإن هداية الفرقان ديني

وأدعوكم إلى نهج السدادِ (تحفة بغداد)

.

وقال في قصيدة أخرى:

وإن إمامي سيد الرسل أحمدا

رضيناه متبوعا وربي ينظُرُ

.

ولا شك أن محمدا شمس الهدى

إليه رغبنا مؤمنين فنشكرُ

.

له درجات فوق كل مدارج

له نعمات لا يليها تصوُّرُ

.

أبعد نبي الله شيء يروقى

أبعد رسول الله وجه منوَّرُ

.

عليك سلام الله يا مرجع الورى

لكل ظلام نورُ وجهك نيَّرُ

.

مدحتُ إمام الأنبياء وإنه

لأرفع من مدحي وأعلى وأكبرُ

.

دَعُوا كلَّ فخر للنبي محمد

أمام جلالة شأنه الشمسُ أحقَرُ

.

وصلُّوا عليه وسلموا أيها الورى

وذَرُوا له طُرقَ التشاجر تُؤجَروا

.

والله إني جئت منه مجددا

وفي كل آن من سناه أُنوَّرُ

.

وعلَّمني ربي علوم كتابه

وأُعطيت مما كان يُخفَى ويُستَرُ

.

ألا أيها الناس اذكروا وقت موتكم

فلا يُلهِكم غول خبيث مُخسَّرُ

(حمامة البشرى)

وقال عليه الصلاة والسلام:

“إنما يريد الله سبحانه منكم من حيث العقيدة أن تؤمنوا بأن الله واحد، وأن محمدا رسوله وأنه خاتم النبيين وأفضل الناس أجمعين. لا نبي بعده إلا الذي أُلبسَ رداءَ المحمدية على سبيل التمثل والبروز، فأن الخادم ليس بمنفصل عن مخدومه، ولا الفرع بمنفصل عن جذعه. لذلك فمن كان متفانيا تمامًا في سيده وينال من الله لقب نبي فما هو مخل بختم النبوة مثلما لا تكون أنت اثنين إذا نظرتَ في المرآة بل إنما تكون واحدا إن يتراءى لك اثنان بادئ الرؤية، وليس الفرق ثمة إلا ما بين الظل والأصل. فهكذا تماما قَضت مشيئة الله في المسيح الموعود. ومن أجل هذا السر المكتوم قال رسول الله يُدفن المسيح الموعود في قبري” (التعليم ص 71)

فظهور المسيح الموعود والمهدي المعهود من الأمة المحمدية وليس من خارجها لبرهان جليل الشأن على صدق الإسلام وصدق محمد رسول الله ، ودليل قاطع ثابت وواضح على استمرار نزول البركات الإلهية على خاتَم أنبياء الله، وبقاء ثمارها في أمته ، ومصداق لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ، ومصداق لوعد الاستخلاف الذي نزل في سورة النور في قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ، ومصداق لأحاديث المصطفى القاضية بأن إمامكم منكم.

ورغم ثبوت وإشراق هذه الآية الإلهية والبركات المحمدية أمام العالم بأسره، ولا يزال الكثيرون للأسف يتمسكون بظاهر أحاديث نزول عيسى بن مريم في الأيام الأخيرة، ويتشبثوِن بالرفع الجسدي والنزول الجسدي لحضرته خلاف سنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول. ويصرّون على نزول جسدي لإنسان طاهر نجاه الله من الموت على الصليب فلم يُقتل ولم يصلب ولكن شُبه لهم لأنه كان مغشيا عليه، وعاش عشرين ومائة سنة (الطبراني) ثم توفاه الله قبل أن يتخذه النصارى إلهًا. قد قال الله لرسوله:

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (الأنبياء: 35)،

وهذه هي سنة الله الأزلية

فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (فاطر: 44).

وهذا هو قول الحق وما يقبله العقل السليم والمنطق المستقيم، وهذا ما يُطمئن القلوب ويشفي الصدور بنور اليقين. وما دون ذلك فأنواع أوهام وخرافات واهية مستندة إلى ما استند عليه بنو إسرائيل وقت نزول عيسى ابن مريم فيهم وتشبُّثهم بظاهر أحاديث تخبرهم عن وجوب نزول إيليا من السماء قبل نزول المسيح وله كانوا منتظرين ولا يزالون حتى اليوم. وندعو الله العلي القدير ألا يجعل انتظار أُمتنا يطول كما طال انتظار بني إسرائيل. إن المسيح الموعود لا بد أن يكون مصدقا وخادما لشريعة القرآن المجيد وشريعة الله الكاملة الأبدية للناس أجمعين، فلا يحيد عنها قيد شعرة، ولا يزيد عليها ولا ينقص منها مقدار ذرة. وهكذا تماما جاءت بفضل الله دعوة المسيح الموعود والإمام المهدي المعهود حضرة ميرزا غلام أحمد عليه الصلاة والسلام. فيقول حضرته: “ألا لا كتاب لبني نوع الإنسان إلا القرآن، ولا رسول ولا شفيع لبني آدم من بعد اليوم إلا محمد المصطفى ” (التعليم: ص 28)، ويقول أيضا “من خرج مثال ذرة من القرآن فقد خرج من الإيمان” (مواهب الرحمان: ص 38)

ندعو الله العلي القدير أن يفتح قلوب الناس للإيمان بمهدي الأمة، ويبارك في مجهودات الجماعة الإسلامية الأحمدية بقيادة أميرنا المحبوب ميرزا طاهر أحمد نصره الله وأعزّه لإظهار الإسلام وتوطيده في العالم بأسره. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك