- فما تعريف “المؤمن” في اصطلاح النبي ﷺ؟!
- وكيف كان قدحُ الشيعة في عدالة الصحابة قدحٌ في صفات الله ﷺ وكمالاته
- وكيف ثبت أن أكثر المتشيعين يسبُّون النبي ﷺ من حيث يدَّعون حبه؟!
____
تشوُّه العقائد عبر الزمن
بات واضحًا ما يفعله سوء الفهم عبر الزمن من تشويه لكثير من الأمور، بحيث يتلقاها اللاحقون معتبرين إياها مسلَّماتٍ فكرية أو ثوابت عقائدية. من هنا ندرك ضرورة تصحيح الانحراف الحاصل. ومن أبرز دواعي الانحراف في التاريخ الإسلامي ذلك الجدل القديم الدائر حول العلاقة بين الصحابة الكرام y، لا سيما بعد وفاة النبي ﷺ، الأمر الذي ما كان ليمر على عين الله الحي القيوم هكذا مرورا عابرا دون تصحيح لائق. ولحسن طالع هذه الأمة، فإن أدواتِ وسُبُلَ التصحيح موجودة سلفا، رحمة من الله العليم الخبير بهذه الأمة.
وكثير من عقائد إخواننا من المسلمين الشيعة يعتريها، بحسب اعتقادنا، خلل واضح فيما يتعلق بعدالة الصحابة الكرام y، والذين افترقوا، بحسب مزاعم المتشيعين إلى فرقتين متناحرتين.
وبما أن القرآن الكريم نزل على قلب الإنسان الكامل سيدنا محمد ﷺ مصححا كل خلل تاريخي وعقائدي ونفسي، فلا بد أنه تناول قضية عدالة الصحابة كذلك، وبت في الحكم عليهم وما إذا كانوا مؤمنين أو منافقين، والعياذ بالله. فهذه هي نقطة ارتكازنا في هذا المقال، وسنتخذ من آيات سورة «المؤمنون» مادة ثرية بالحجج الدامغة بهذا الصدد.
«المؤمن» في اصطلاح النبي ﷺ
إن الوصف اللغوي لامرئ ما بأنه مؤمن يختلف قطعا عن الوصف الاصطلاحي، أي الشرعي، فالمؤمن بالمعنى اللغوي هو المصدِّق لأية فكرة كانت، يقول على لسان إخوة يوسف:
أما وصف امرئ ما بأنه مؤمن، من حيث الاصطلاح الشرعي العقائدي، فهو مضاد الكفر المخرج من الملة، وهو لفظٌ عامٌ يشترك فيه من كان على عهدِ النبيّ ﷺ ومن كان فيما لحقه من عصور إلى يوم القيامة، فكلُّ من انطبقت عليه الصفاتُ التاليةُ فهو من المؤمنين، وقد وصف الله أصحابَ النبيِّ ﷺ كافة بأنهم مؤمنون إذ قال :
ووصف سبحانه رسولُ الله ﷺ أتباعَه من بعده بالمؤمنين،
كلهم مؤمنون، وجدير بالذكر أن الله ذكر الفلاحَ ولم يذكر النجاةَ، فليس كافيا أن تنجوا، وتظلَّ صِفْرَ اليدين من إحرازِ التقدمِ والنجاح، بل عليك أن تنجوَ من الظلمةِ أولا، ثم تسلكُ بنفسِك إلى ربك سُبلاً وعرة ودُروباً خطِرة وصولاً إليه، ولا يكونُ المؤمنُ إلا ذلك المناضلَ الباحثَ دائما عن كل مرتبةٍ عُليا تُقرّبهُ بسموّها من محبوبه .
قدحُ الشيعة في عدالة الصحابة قدحٌ في صفات الله وكمالاته
الحق أن الآية الثانية من سورة «المؤمنون» حيث قول الله :
تهدم العقيدة الفاسدة للشيعة في الصحابة الأكرمين y، إذ زعموا أنه لم يكن من مؤمنين حقيقيين مع رسول الله ﷺ إلا عليٌّ ومولى له وسلمان الفارسيّ، إذن فمن تخاطب هذه الآية؟! وعمن تتحدث؟! وعن أي مؤمنين تخبرنا؟! لا شك أن هذه الآية التي تؤكد فلاح المؤمنين كانت تعني كلَّ من حول رسول الله ﷺ، الفئة المباركة، الزمرة المشرفة، نخبة المخلصين، وزينة المناضلين المضحين بأموالهم وأنفسهم، الذين كان الله قد رضي عنهم، وأعلن ذلك في قوله :
فحسب زعم الشيعة، ألم يكن الله يعلم أنهم سوف يتغيرون ويصبحون كفارا ومنافقين؟! حاشا لله! بل هو عالم الغيب البصيرِ الخبيرِ. وكيف يقولون بقولهم هذا من حيث يعلمون أو لا يعلمون أن شجرةَ النبوةِ لم يكن لها ثمرٌ أيُّ ثمر، يأكل منه التابعون، ويأخذون منه بذورا يزرعونها لتكون خيرَ طعامٍ لأبنائهم وذويهم فهم منه يَطعَمون ويُطعمون؟ أم هم أرادوا أن يقولوا أن شجرةَ النبوةِ المحمديةِ لم يكن لها من الثمر إلا ما كان من الزقوم؟ فلم يكن من أتباعه إلا الكافرون والمنافقون، أفٍّ لهم ولما يقولون، إذن مَن هم المؤمنون الذين عدَّتهم هذه الآية، ومن أين جاءوا، أكانوا من بلاد بعيدة لم يكن فيها محمدٌ وسنته وتعاليمه، أكان لهم معلمٌ أعلى منه قدرا، وأكثر منه إلى ربه قربا، ومن أي سلالةٍ كان الشيعةُ أنفسُهم، أكانوا من سلالةِ أقوامٍ كافرين منافقين؟! إنهم بذلك يضيِّعون جهود رسول الله ﷺ، ويثبتون له الفشلَ الذريع، وكأنَّ اللهَ تعالى قد أساء اختياره إذ لم يكن المبعوثَ المناسبَ لإنجاز المهمة وتبليغ الدعوة وغرس غِراسٍ مباركٍ يصلح أن يكون دوحةً يأكل من ثمارها العالَمون.
يسبُّون النبي ﷺ من حيث يدَّعون حبه!
وعلاوة على أن قدح الشيعة في عدالة الصحابة هو قدحٌ في صفات الله وكمالاته بالضرورة، فإن قولهم هذا يُعدّ سبًا لرسول الله ﷺ أيضا، وانتقاصا كبيرا من قَدْره، كذلك هم بقولهم هذا يضَعونه ﷺ في مكانةٍ أدنى من سائر الأنبياء وهو الذى أكد أنه سيدُ ولدِ آدم، وقال عنه ربه إنه أفضل الأنبياء وأكملهم، وقال عنه المسيح الموعود أنه لولا نوره ما كان له من نور، ولولا اقتداؤه به ما كان شيئا وما ذكره أحد من العالمين، كيف يكون لسائر الأنبياء أتباع وحواريون كثيرون، يرفعون لواء دينه من بعده، ولا يكون للخاتم إلا رجلان من الأحرار، ورجل من العبيد؟ كيف تتسنى له السيادة على العالم ولم يصل تأثيره إلا لذلك العدد الذليل، وقد ذكر الله بعد هذه الآية سبع صفات للمؤمنين، وكل صفة منها تستلزم أدنى عدد للجمع وهو ثلاثة حتى تصح التسمية بجماعة المؤمنين الخاشعين، المعرضين المُزَكين …. إلخ، فعلى أقل تقدير حسب العمليات الحسابية لابد أن يكون عدد المؤمنين به المتمسكين بتعاليمه بعد موته واحدًا وعشرين رجلا، فأيّ فُحشٍ هذا الذي يقوله هؤلاء؟! وفي أي هُوة ساحقةٍ ألقَوا بأنفسهم ويريدون منا أن نلقيَ بأنفسنا معهم زاعمين أن ذلك هو الإيمانُ الحقيقي.
هؤلاء المؤمنون المفلحون هم الذين رضي الله عنهم تحت الشجرة، وهم الذين كانوا مع رسول الله حيث قال الله عنهم:
وهم الذين قال عنهم النبي ﷺ:
وقال الله :
مثل ذلك وأكثر من الآيات الربانية والأحاديث النبوية ما يدحض هذه المزاعم، ويرد هذه الافتراءات. ثم إن نجاح الصحابة على المستوى الواقعيِّ وفلاحَهم ولَمَّ شملِ الأمةِ على أيديهم، والقضاءَ على الفتن وتحقيق الفتوحات لهو خيرُ دليلٍ على كذب تلك المزاعم، وليس بعد العين أين.
إن هذه الصفات الواردة في هذه الآيات هي ما يتوق إليه العالم الآن وتشرئبّ له الأعناق، ويبتغي أن يصل إليه المربّون في النشء الجديد حتى يتسنى للعالم أن ينعم بسلام وهدوء وسكينة، فيامن تبحثون بصدق عن أسباب تبلغون بها مآربكم وتحققون بها غاياتكم في صلاح الإنسانية عليكم بتعليم أجيالكم الجديدة تلك التعاليم، وعليكم أن تُبلّغوهم أن تلك هي تعاليم إله الإسلام ونبيّ الإسلام وآيات القرآن الكريم الذي جاء ليعلم البشرية كيف يتركون وراء ظهورهم طباع البرية الوحشية الهمجية، ويترقّون في مدارج الإنسانية حتى تصافحهم الملائكة في الطرقات ويصيروا ربانيين كأنهم لله كجوارحه، فتحسُن دنياهم وأخراهم.
الهوامش:
- (يوسف 18)
- (الفتح 30)
- (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين)
- (المؤمنون: 2)
- (الفتح 18)
- (الفتح 29)
- شرح الطحاوية
- صحيح ابن ماجه
- (التوبة 100)