
نقدم للقارىء الكريم إحدى المحاضرات الدينية العلمية التي مثّلت إحدى فعاليات الاجتماع السنوي للجماعة الإسلامية الأحمدية في ألمانيا ألقى هذه المحاضرة الحاج عطاء الله كليم الداعية الإسلامي الأحمدي، وذلك في الجناح العربي، شهر أغسطس (آب) 1997.
الحمد لله الذي منَّ علينا بإرسال الرسل لهداية الناس، والصلاة والسلام على خير الرسل ونخبة النخب.. محمد خاتم النبيين، وشفيع المذنبين، وأفضل الأولين والآخرين، وآلِهِ الطاهرين المطهرين، وأصحابه الذين هم آيات الحق وحجة الله على العالمين، وعلى خليفته المسيح الموعود والمهدي المعهود، الذي نال كل درجة روحانية فقط باتباع مُطاعه كما قال الله تعالى في إلهامه إليه:
“كل بركة من محمد ، فتبارك من علّم وتعلّم” وعلى كل عبد من عباده الصالحين. آمين. برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد؛ أيها الإخوة والأخوات.. أريد أن أهنئكم تهنئة مباركة لمجيئكم في هذه الحفلة الدينية، وأرحب بكم ترحيبًا عميقًا بصدق مهجتي، وألتمس منكم أن تشكروا الله شكرًا جزيلاً لأنه وفّقكم إلى معرفة وقبول الإمام المهدي، وفضّلكم على كثير من الناس الذين لم يعرفوه ولم يقبلوه حتى الآن. والحذر فالحذر لهم لقول النبي : “من لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية” وهم بعدم قبولهم إياه قد ارتكبوا معصية النبي الذي قال:
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي إلا أن يشاء الله رب العالمين.
أما بعد؛ أيها الإخوة والأخوات.. أُمرت أن أبين بين أيديكم موضوع “تقوى الله”. إن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود ، قد بيّن في كتابه المسمّى “أيام الصلح” الذي كتبه باللغة الأردية ما ترجمته:
كذلك فإنه يقول :
أيضًا يقول :
وكذلك يقول:
وأيضًا يقول: “إن التقوى ترياق.. من تناوله نجا من سائر السموم، ولكن يجب أن تكون التقوى كاملة. أما العمل ببعض أجزاء التقوى فيكون كمثل رجل جوعان يأكل حبة واحدة، أو كعطشان ظن أن تكفيه قطرة واحدة من الماء. إن التقوى الحقيقية هي كما بينها الله تعالى بقوله: إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ، أي أن معية الله تدل على الشخص المتقي”. (ملفوظات ج 9 ص 271)
ثم يقول: “إن تريدون رحمة الله فعليكم بالتقوى، واتركوا كل الأقوال التي تغضب الله تعالى. إن التقوى الحقيقية لا تكون بغير خوف الله، فاجتهدوا أن تكونوا من المتقين. عندما يُهلك الذين لا يختارون التقوى، يُعصم الذين يتقون”. (ملفوظات ج 9 ص 370) وأيضًا يقول: “تذكروا أن أدعيتكم لن تُقبل ما لم تكونوا متقين. فلذلك اختاروا التقوى. التقوى تنقسم إلى قسمين: أحدهما يتعلق بالعلم والآخر يتعلق بالعمل. وأما عن العلم فقد بيّنتُ أن تحصيل علوم الدين ومعرفة الحقائق والمعارف مُحال حتى تكونوا متقين. كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ (البقرة: 283)”، وأما عن العمل فاعلموا أن الصلاة والصوم والعبادات الأخرى ستبقى ناقصة إذا لم تكونوا متقين” (ملفوظات ج 9 ص 124). وأيضًا إنه يقول: “إن الذي يريد أن يكون تقيًّا فعليه أن يكون مخلصًا في ترك الكبائر مثل الزنا والسرقة وهضم حقوق الآخرين والرياء والعُجب والاحتقار والبخل، وبعد ذلك عليه أن يجتنب الأخلاق الرذيلة وأن يتقدم في الأخلاق الفاضلة، ويقابل الناس بالمروءة والدماثة والتعاطف، ويُظهر الوفاء والصدق مع الله تعالى، ويتطلع إلى مقام محمود في مجال الخدمات. فالإنسان الذي يكون متصفًا بهذه الأمور يسمى متقيًا. والذين يجمعون في أنفسهم هذه الأمور هم المتقون فقط. أعني أنه إذا كان أحد متصفًا بخلق واحد فلا يسمى متقيًا، حتى يكون جامعًا لسائر الأخلاق الفاضلة، ولهذا جاء في القرآن الكريم: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . أي أنهم لا يحتاجون بعد هذا لأي شيء، لأن الله تعالى يكون متكفلاً بهؤلاء، كما يقول سبحانه: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (الأعراف: 97) (ملفوظات ج 4 ص 400). إن سيدنا الإمام المهدي كان يقرض مرة الشعر فقال: “إن جذر كل بر هو التقوى”، فأوحى إليه الله تعالى قائلاً: “وإذا سلم هذا الجذر سلم كل شيء”.
ولقد ذُكر في التفاسير أن أحد من أخص أصحاب النبي أعني أُبَي بن كعب بيّن معاني التقوى، فنظم تلك المعاني الشاعر المعروف ابن المعتز فأنشد يقول:
خَلِّ الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
.
واصنع كماشٍ فوق أرضِ
الشوك يحذر ما يرى
.
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى
وقد حذر سيدنا المسيح الموعود الناس في بيت له من الشعر ما ترجمته:
ولا تحسبن ذنباً صغيرًا هينًا
فإن وداد اللمم إحدى الكبائر
ويقول في كتابه سفينة نوح ص 13:
“هذا التعليم القرآني يفوق على غيره حيث يقول تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ، أعني أن في أي درجة يختار أحد أدق طرق التقوى بعينها، تترقى درجته عند الله تعالى. فلا شك أن الدرجة الفائقة من التقوى تكون سببًا للوقاية من المهالك. (نور القرآن ج 2 ص 71)
سادتي وسيداتي! إن الله يقول في كتابه الكريم:
فعلى كل واحد منا أن يكون مقيمًا على التقوى حتى الممات. إن الدنيا دار فناء، وإن الآخرة لهي الحيوان، ونحن في هذه الدنيا مسافرون، وإن غايتنا هي الدار الآخرة، وكل مسافر يأخذ الزاد معه لسفره، والزاد الذي يجب أن نأخذه لسفرنا إلى الآخرة قد بينه الله تعالى في القرآن الكريم بقوله:
ونعم ما قال الشاعر:
تزوّد من التقوى فإنك لا تدري
إذا جُنّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ
.
فكم من سليم مات من غير علة
وكم من سقيم عاش من الدهرِ
.
وكم من فتى يُمسي ويُصبح لاهيًا
وقد نُسِجت أكفانه وهو لا يدري
إخواني وأخواتي، إن المسلمين كما تعلمون يحتفلون بعيد الأضحى بذبح البقرات والجمال والأغنام والخراف، ولكن الله تعالى قد بين حكمة القربان في القرآن الكريم في سورة الحج فقال:
وأوضح هذا الأمر سيدنا أحمد المسيح الموعود في كتابه: “الخطبة الإلهامية” حيث قال بأسلوبه العربي الفريد:
لقد وعظ سيدنا أحمد المسيح الموعود أفراد جماعته في كتبه التي كتبها أيضًا باللغة العربية فقال: “فاعلموا أيها الإخوان أن الإيمان لا يتحقق إلا بالعمل الصالح والاتقاء، فمن ترك العمل متعمدًا متكبرًا فلا إيمان له عند حضرة الكبرياء. فاتقوا الله أيها الإخوان وابدروا إلى الصالحات، واجتنبوا السيئات قبل الممات، ولا تغرنكم نضرة الدنيا وخضرتها، وبريق هذه الدار وزينتها، فإنها سراب، ومآلها تباب، وحلاوتها مرارة، وربحها خسارة.. اتقوا الله اتقوا الله يا ذوي الحصاة، ولا تكونوا كمن لوى عنانه إلى الشهوات، ولا تنسوا عظمة رب يرى تقلبكم في جميع الحالات، وإن الله لا يحب إلا قلوبًا صافية ونفوسًا مطهرة” (مواهب الرحمن)
وأيضًا يقول:
وأيضًا يقول:
ويقول كذلك:
هذا ما ذكره سيدنا أحمد نثرًا في العربية وفي غيرها، وقد أكد على أهمية التقوى في النظم والشعر أيضًا حيث قال:
أليست تقاة الله شرطًا لمؤمن
فما لك يوم الأخذ لا تتذكرُ
.
أتأمر بالتقوى وتفعل ضده
وتنكث عهدًا بعد عهد وتهربُ
.
وما الخسران في موت بتقوى
وخسر المرء في سبل الفسادِ
.
فيا حِبي تفكر في كلامي
فإن الفكر للتقوى وشاحُ
.
يا أيها الناس اتقوا
يومًا يشيّب ثوهدا
.
ومن تقوى غير هدي رسولنا
فذلكم الشيطان يعتو ويشغر
.
ألا أيها الناس اتقوا ربكم
وإن عذاب الله أدهى وأكبرُ
ز
إذا قلّ تقوى المرء قل اقتباسه
من الوحي كالسلخ الذي لا يُنوّرُ
.
إذا ذرفت عينا تقي بغمة
يفرّج كرب مسّه أو يُبشَّرُ
أيها السادة والسيدات.. أريد أن أختم خطابي بذكر دعاء النبي الكريم ، ولكني أذكره بصيغة الجمع لأشملكم جميعًا في الدعاء: اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. آمين. برحمتك يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.