ماهية السلام النازل على الأنبياء
  • من يا ترى من النبيين قد نص القرآن على اشتراكه مع المسيح بن مريم (ع) في تمتعه بالسلام خلال مراحل حياته؟
  • ما ماهية ذلك السلام النازل على النبيين؟

___

وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم 34)

التفسير:

لقد وصف الله تعالى يحيى أيضًا بهذه المزايا نفسها فقال وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (مريم: 16). غير أن ثمة فرقًا، وهو أن الله تعالى نفسه قد شهد بذلك عن يحيى ، أما المسيح فيقول بنفسه عن نفسه وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا .

وهناك أمران خاطئان يستنتجهما البعض من قول المسيح هذا، فيقال أن قوله والسلام عليَّ يوم وُلدتُ دليل على أن الشيطان لم يمسّ المسيحَ قط، وأن قوله ويوم أموت ويوم أُبعث حيًّا دليل على أنه لم يعلَّق على الصليب (فتح البيان، وتفسير القرآن لِـ «ويري» مجلد 1 ص 21).

وأقول: إذا كان قول المسيح والسلام عليَّ يوم وُلدتُ دليلاً على براءته من مس الشيطان، فلم لا يسلِّمون ببراءة يحيى من مس الشيطان لقوله تعالى عنه وسلام عليه يومَ وُلد .

الحق أنه ليس في هذه الكلمات أي دليل على أن المسيح وحده معصوم من مس الشيطان، وإنما معناها أن الله تعالى قد جعل في المسيح البركة منذ يوم ولادته. ولا خصوصية للمسيح في ذلك، فإن موسى وداود وسليمان وآلاف وآلاف غيرهم من الأنبياء – عليهم السلام – كانوا كلهم مباركين منذ ولادتهم.

أما استدلالهم الآخر من قول المسيح إنه سيكون عليه سلامٌ يَومَ يمُوتُ بأنه لم يعلَّق على الصليب فهو الآخر غلط. ذلك لأن تعليقه على الصليب لا ينافي كونه تحت السلام، بل إن موته على الصليب هو الذي ينافي السلام. إذ جاء في العهد القديم: «وإذا كان على إنسان خطيّةٌ حقُّها الموتُ، فقُتل وعلَّقتَه على خَشَبة، فلا تَبِتْ جُثّتُه على الخشبة، بل تدفِنُه في ذلك اليومِ، لأن المعلَّقَ ملعونٌ مِن اللهِ» (التثنية 21: 22-23). فالمراد من السلام على المسيح يوم يموت أنه لن يموت ميتة ملعونة، بل سيموت ميتة رضوان من الله تعالى، وأن الله تعالى سيرفعه إليه. فثبت بذلك أن سلامة المسيح يوم يموت تنفي موته على الصليب، ولكنها لا تنفي تعليقه على الصليب.

وليكن معلومًا أن قوله يوم أُبعَثُ حيًّا يمكن أن يفسَّر بمفهومين: مفهوم من وجهة النظر الإسلامية ومفهوم من وجهة النظر المسيحية، إذ يوجد بين الوجهتين بون شاسع جدًّا. نحن نؤمن بأن المسيح لم يمت على الصليب، وإنما قد عُلّق على الصليب وصار كالميت فقط، فالمراد من يومَ أُبعث حيًّا ذلك الوقت الذي علِّق فيه المسيح على الصليب، حيث طرأت عليه حالة كحالة الموت، ولكنه شمله السلام من عند الله تعالى، فأُنقذ من ذلك الموت. أما المسيحيون فيقولون أن المسيح قد مات على الصليب حقيقة، وأن الله تعالى أحياه بعد ثلاثة أيام،  فيكون المراد من يومَ أُبعث حيًّا من وجهة نظر المسيحيين ذلك الوقت الذي أعيد فيه إلى الحياة ثانية في زعمهم.

مما لا شك فيه أن الوقت الذي سيُعاد فيه الإنسان من الموت الحقيقي إلى الحياة ثانية أيضًا يسمى بعثًا، ولكنا لا نملك أي دليل على نـزول السلام عليه عندها، أما المعنى الذي بيّنتُه لقوله تعالى يوم أُبعث حيًّا فبوسعنا أن نقدم عليه الدليل لكل مسيحي، حيث إنه من الثابت من الإنجيل أن الله تعالى أنقذ المسيح وهو في حالة شبيهة بالموت، ونجاه من الموت على الصليب. كما يمكننا أن نقيم الحجة عليهم، بالنظر إلى معناهم، بقولنا لهم إنكم أنفسكم تعترفون بأن المسيح كان قد مات، ثم أُعيدَ إلى الحياة، وهذا يعني نـزول السلام عليه عندئذ كما أعلن القرآن الكريم. ولكنا لو قلنا لهم إن يوم أُبعث حيًّا يعني أن السلام سيشمل المسيح في الآخرة فلا دليل بيدنا على ذلك؛ مع أنه يجب على المرء أن يكون بيده دليل على صدق موقفه وإلا لم يقتنع الخصم بقوله أبدًا. لا جرم أن هناك أشياء لا تحتّم على المرء تقديم الدليل عليها، ولكنها أمور لا علاقة لها بالعقائد. فمثلاً إذا أثبتنا بالبراهين لشخص غير مؤمن أن الإنسان يُبعث بعد الموت فهذا يكفينا، ولا حاجة بنا أن نقدم لـه البراهين على نوعية نعماء الجنة وأشكالها، إذ يدخل هذا في إيماننا فقط، ولا علاقة لـه بمعتقداتنا التي يجب أن نقدّم الأدلة عليها لإقناع الخصم. وكذلك لو جاءنا أحد وطالبنا قائلا يجب أن تبرهنوا على أن كل ما يتمناه المرء في الجنة سيجده، لقلنا لـه إنه سؤال لا طائل وراءه؛ لأن ما يخصّك من عقيدتنا إنما هو أن الإنسان يُبعث بعد الموت، أما كيفية معاملة الله معه فهو ليس مما يجب علينا أن نبرهن عليه. إن هذه الأمور تدخل في الذوقيات عند البعض، بينما اعتبره البعض الآخر من الإيمانيات وقال إن المؤمنين يفرحون بما وعدهم الله به وأن الله تعالى قد أعدّ لهم في الآخرة نعمًا عظيمة. بيد أنه لا حاجة بنا أن نبرهن على ذلك حتى يقتنع به الخصم.

أما هنا فقد قدم القرآن دعوى عظيمة وقال إن المسيح قد شمله السلام وقت ميلاده، كما ظل موردًا للسلام فيما بعد أيضًا؛ لذا فلا بد لنا من أن تكون بأيدينا أدلة على نـزول السلام على المسيح .

وجدير بالذكر أيضًا أن الله تعالى نفسه قال عن يحيى وسلام عليه ، بينما قال المسيح بنفسه عن نفسه والسلام عليَّ . وكل واحد من القولين يفوق الآخر بشكل ما. فما قيل في يحيى فهو أفضل مما ورد عن المسيح من حيث إن الله تعالى نفسه شهد بنـزول السلام على يحيى، ولا شك أن لشهادة الله أهميتها ومكانتها. أما ما ورد عن المسيح فهو أفضل مما ورد عن يحيى من حيث إن المسيح نفسه قام بهذا الإعلان بعد أن بشره الله بذلك حتمًا. لا شك أن المسيح لم يصرح هنا بأن الله تعالى قد وعده بالسلام، إلا أن قوله هذا يدل أن الله تعالى هو الذي بشره بذلك فقام بهذا الإعلان للناس. غير أن المسيح قد نسب ذلك السلام إلى نفسه، وهذا يعني أن صفة الله «كُن فيكون» قد تجلت في المسيح حيث أعلن بنفسه والسلام عليَّ .. ولن تقدر قوة في العالم على أن تجرّدني من هذا السلام.

كما أن هذه المقارنة تكشف لنا أن السلام قد شمل ولادة يحيى كما شمل ولادة المسيح عليهما السلام. فلو ظننا أن هذا يعني فقط أن يحيى وعيسى سينجوان من الموت عند ولادتهما، فلم تعد لهما أي خصوصية في هذا الأمر، فإن جميع المواليد الذين يحيون بعد ولادتهم إنما يحيون نتيجة السلام الذي يشملهم من عند الله تعالى. الحق أن هذه الألفاظ قد جاءت لتدل على أن ولادتهما تنطوي على آية من عند الله تعالى. وكأن نـزول السلام عليهما لا يدل هنا على السلامة الجسمانية أي أنهم سيُرزَقان الحياة، بل المراد أن السلام سينـزل بسببهما على الدنيا، إذ سيأتيان بآيات من الله تعالى بحيث إن ولادتهما ستتسبب في نجاة العالم من الكفر والإلحاد. فكل من نظر إلى ولادة يحيى وعيسى الإعجازية وإنجازاتهما المدهشة، وكل من شاهد الانقلاب العظيم الذي أحدثاه في العالم، وكل من رأى الآيات السماوية التي ظهرت على أيديهما، لا بد أن يزداد إيمانًا، ويكره الكفر والإلحاد، ويخرج من ظلمات الشبهات والوساوس، وسيتجلى لـه نور الله، فيدرك أن ربنا ذو قدرة واسعة.

فعندما نقول إن موت فلان موت سلام فلا يعني ذلك استحالة قتله بيد أحد، لأن الذي قد مات فليس مهمًّا أن يموت بطريق معين.

ثم قال الله تعالى إن السلام شمل يحيى وعيسى لدى موتهما أيضًا. ولكن هذا لا يعني أن موتهما كان خاليًا من أي تدخُّل من البشر كما يظن البعض عن يحيى . ذلك لأن المرء ما دام لا مفر لـه من الموت، فلا فرق بين أن يُستشهد وبين أن يموت موتًا طبيعيًّا. فإما أن يقال أن السلام هنا يعني نجاته من الموت أبدًا، ولكن هذا غلط، وإلا لما قال الله تعالى هنا إنه سيكون في سلام يوم يموت ، بل لقال إنه سيكون في مأمن من الموت أبدًا. فما دام الله تعالى لا ينفي موته فلا فرق في أن يموت على يد بعض البشر أو أن يموت على يد بعض الملائكة.

إذًا فلا بد لنا من تفسير هذه الآية بما يؤكد نـزول السلام على يحيى وعيسى رغم موتهما. وهذا التفسير هو أن موتهما لن يحول دون الغاية التي قاما من أجلها وبُعثا لتحقيقها. إنهما سيموتان حتمًا، ولكن سيبقى اسمهما خالدًا. سيأتي عليهما الفناء، ولكن أعمالهما لن تفنى؛ وهكذا يكون موتهما موت سلام. وأي شك في أن المرء إذا لم تمت دعوته بموته، وإذا لم يتضرر عمله بوفاته، بل صار بعده أكثر ازدهارًا وأوسع انتشارًا من ذي قبل، فمِيتتُه ميتة سلام! أما إذا مات عمله بموته، وانمحى اسمه بفنائه، فلا شك أن ميتته ميتة دمار وهلاك. ولكن إذا استمر عمله في الانتشار والازدهار فلن نسميه ميتًا.

ورد في التاريخ أن المأمون الرشيد أمر ابنيه بالتعلم على يد الفرّاء النحوي الشهير. وذات يوم أراد الفراء أن ينهض لبعض شأنه، فابتدر الأميران إلى نعل الأستاذ يقدّمانه إليه. فتنازعا أيهما يقدّمه، لأن كل واحد منهما كان يريد أن ينال شرف وضع النعل أمام أستاذه. وأخيرًا اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردًا من النعلين أمامه. ولما بلغ ذلك المأمونَ قال للفراء: ما هلَك مَن خلف مثلَك (تاريخ بغداد للبغدادي مجلد 14 ص 150). أي أن المعلم الذي يكنّ له تلاميذُه مثل هذا الأدب الجمّ لا يمكن أن يموت أبدًا. إذًا فالشخص الذي يترك وراءه جماعة من أتباعه الذين يخلّدون اسمه وعمله فموته ميتة سلام، إذ لا شك أن الموت قد حلّ به، ولكنه لم يعرقل عمله.

فعندما نقول إن موت فلان موت سلام فلا يعني ذلك استحالة قتله بيد أحد، لأن الذي قد مات فليس مهمًّا أن يموت بطريق معين. إن ميتة سلام هي ذلك الموت الذي لا يفنى به عمل صاحبه، بل إنه ينجح في مقصده. لا شك أن يحيى قد مات وانمحى أي أثر لجماعته، ومع ذلك كلما يذكره المسلمون يقولون: يحيى . وكلما قرءوا في القرآن الكريم قول الله تعالى في شأنه وسلام عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيًّا جدّدوا ذكراه، وتراءت لهم أحداث حياته، وامتلأت قلوبهم بمشاعر الحب والاحترام نحوه. فثبت أنه حيٌّ رغم موته، وسيظل خالدًا إلى يوم القيامة.

ثم  يقول القرآن الكريم عن يحيى إن السلام سيشمله يوم يُبعث حيًّا ، بينما ورد عن عيسى أنه قال إن السلام عليّ يوم أُبعث حيًّا . والسؤال هنا: ما هو الدليل على ذلك، ومن ذا الذي سيرى في يوم البعث أن السلام قد شملهما؟ إذ يمكن لكل امرئ أن يدعي بأنه سيتبوأ الدرجات العلى يوم يُبعث حيًّا، وليس بيدنا طريق لمعرفة صدقه أو كذبه في دعواه.

والجواب الأول على ذلك هو أن صدق المرء في دعواه يقاس على ما سبق منه من أقوال وأعمال. وهذا القانون مطبق في كل مكان في العالم. لقد قدّم القرآن الكريم هذا الأمر كبرهان على البعث بعد الموت، حيث لفت انتباه معارضي النبي إلى الأنباء التي تخص هلاكهم وغلبة الإسلام والتي قد أُنيطت بها بعض الوعود التي ستتحقق في الآخرة؛ وقال لهم:

ألا ترون أن العقل لم يكن يصدق تحقُّق الأنباء المتعلقة بالرقي المادي للمسلمين، مع ذلك قد تحققت فعلاً، فيمكنكم أن تقيسوا بذلك صدق الأنباء المتعلقة بالآخرة وتعرفوا أنها هي الأخرى ستتحقق حتمًا في يوم من الأيام.

وهذا الدليل نفسه قد ساقه القرآن الكريم هنا، فذكر ثلاثة أمور، واستشهد بالأمرين الأولين المتعلقين بالحياة الدنيا على صدق الأمر الثالث المتعلق بالآخرة، حتى لا يتردد أحد في تصديقه مدركًا أن الأمرين الأولين ما داما قد تحققا رغم الظروف غير المواتية جدًّا، فلم لا يتحقق الأمر الثالث أيضًا. ومن البديهي أنه إذا أتى أحد إلى الدنيا، وأنبأ أنه سيُحدث انقلابًا عظيمًا، ثم بالفعل أحدث بجهوده وتضحياته وإيثاره وصلاحه وورعه وطهارته انقلابًا طيبًا عظيمًا ما كان أحد ليتوقعه أبدًا، فإن ذلك يكون أيضًا برهانًا على صدق الأنباء التي أخبر بها هذا الإنسان حول الآخرة. لقد جاء يحيى والمسيح عليهما السلام، وأعلنا أن الله تعالى سيُظهر من خلالهما مجده وقدوسيته، وأنهما سيبذران في الدنيا بذرة الخير، وسيمحوان الكفر والمكائد الشيطانية من العالم. فعارضهما الناس، وحاولت الدولة قمعهما، وقام الأعداء بتعذيبهما، فقتَلوا الواحد وعلّقوا الآخر على الصليب. ولكن بالرغم من أنهم حاولوا عرقلة طريقهما بكل وسيلة ممكنة إلا أن التعليم الذي جاءا به قد انتشر في العالم في نهاية المطاف. لقد هلك أعداء يحيى وعيسى رغم كونهم ذوي قوة ومنعة، وانمحت الحكومات القوية المعادية لهما، بينما صار النجاح حليفهما. فما دام الأمر الأول الذي أخبرا به قد تم، فلا بد أن يعترف كل إنسان أن الأمر الثاني أيضًا سيتحقق لا محالة. لو أن عيسى قال «والسلام عليَّ يوم أُبعث حيًّا» كان هناك مجال لأن يشك المعارض ويقول: كيف أصدّق أن السلام سيشمل المسيح عندما يُبعث. ولكن الله تعالى قد ذكر هذا الأمر بعد الأمرين الآخرين وهما والسلام عليَّ يوم وُلدتُ ويومَ أمُوت . وهذا يعني أن الله تعالى قد أكد نـزول السلام على المسيح في مناسبات ثلاث: عند ولادته، عند موته، وعند بعثه بعد الموت. وعلى المرء أن يتوقف هنا ويتدبر الأمر. فمن ذا الذي كان بإمكانه أن يقول عند ولادة يحيى في بيت زكريا – عليهما السلام – إن هذا المولود سيكون إنسانًا عظيمًا حتى إنه يتسبب في نجاة الدنيا؟ ومن ذا الذي كان بوسعه أن يقول عن عيسى عند ولادته إن هذا الصبي سيكون نبيًّا عظيمًا، وسيحرز رقيًّا مدهشًا رغم الظروف غير المواتية؟ كلا، ما كان لأحد أن يقول ذلك، لأن البشر لا يعرفون أخبار المستقبل. ولكن الله تعالى قد أنبأ بهذه الأمور حتى قبل مولد يحيى وعيسى، ثم حصل كما أخبر الله به. إن الإدلاء بهذه الأنباء من عند الله تعالى قبل مولدهما، ثم تحقُّق هذه الأنباء، لبرهان أكيد على أن ولادتهما كانت معجزة، وأن ما أخبر الله به قد تحقق فعلاً.

ثم قال يحيى وعيسى – عليهما السلام – إن ربنا معنا، وإنه لن يخذلنا أبدًا.

والجواب الثاني هو أنه بالإضافة إلى البعث بعد الموت هناك بعثٌ آخر مقدر لكل نبي في هذه الدنيا أيضًا، حيث يظهر في الدنيا ثانية في شخص نبي آخر. وهذا يعني أن من سنة الله تعالى أن يبعث بعد كل نبي صادق نبيًّا آخر يصدّق النبي السابق، وهكذا يُظهر الله على الناس صدق النبي الأول مرة أخرى، ويُنـزل عليه السلام ثانية بشهادة النبي الجديد. لقد جاء موسى إلى الدنيا، وقام بإنجازات عظيمة، ولكن بعد انقضاء فترة طويلة على بعثته أخذ الناس يشكّون في صدقه رويدًا رويدًا، فبعث الله تعالى المسيحَ الذي شهد على صدق موسى أمام الناس، وهكذا نال موسى حياة جديدة من خلال المسيح الناصري عليهما السلام. أما يحيى والمسيح فقد نالا الحياة ثانية من خلال محمد رسول الله . أما النبي   فيقول الله بشأنه أَفَمَنْ كان على بيّنة مِن ربه ويتلوه شاهدٌ منه ومِن قَبله كتابُ موسى إمامًا ورحمةً أولئك يؤمنون به ومَن يكفُرْ به من الأحزاب فالنار موعدُه فلا تكُ في مِريةٍ منه إنه الحقُّ مِن ربك ولكن أكثرَ الناس لا يؤمنون (هود: 18).. أي كيف يمكن أن يكون كاذبًا مَن احتوت حياتُه على آلاف الآيات من عند الله تعالى، بالإضافة إلى الأنباء التي نبّأ بها موسى في حقه ، كما سنبعث بعد وفاته مأمورًا من عندنا ليعلن أن محمدًا كان رسولاً صادقًا من عند الله تعالى. بتعبير آخر، يعلن الله تعالى هنا أن ذلك ماضي هذا الرسول ، وهذا حاله، أما فيما يتعلق بمستقبله فإننا لن نـزال نبعث من عندنا من السماء أناسًا سيشهدون أن محمدًا كان رسولاً صادقًا من عند الله تعالى.

Share via
تابعونا على الفايس بوك