ترجمة: عبد المجيد عامر
أولا وقبل كل شيء أريد أن أوجه أنظار القراء الكرام إلى حقيقة مهمة. ألا وهي أن الجماعة الإسلامية الأحمدية قد تأسست بناء على الوحي الإلهي، ذلك لأن إحياء الإسلام يتم بقدرة الله تعالى ولا يكون بمجرد مساعٍ إنسانية.
إن قيام الجماعة الإسلامية الأحمدية له أصل عميق وثابت في نبوءات نبينا الكريم . فقد أنبأ المصطفى عن انحطاط المسلمين وما سيصيبهم من فوضى بعد القرون الثلاثة الأولى. وهذا ما نراه متحققا. ثم أنبأ المصطفى أن الله تعالى سينزل من عنده علاجا شافيا لهذه المفاسد ولإحياء دينه القويم وإقامة شريعته الغراء. ذلك أن الله تعالى سيبعث الإمام المهدي والمسيح الموعود لإقامة نظام عالمي جديد. وقد أخبر رسول الله عن زمن بعثة هذا المهدي والمسيح وعن الآيات التي ستنزل من السماء، والآيات المتدفقة في الأرض التي سيظهرها الله إثباتا لصدقه .
تَقدَّمَ مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية للناس بدعواه بناءً على الوحي الذي تلقاه من الله أنه المسيح الموعود والمهدي ونبي من أمَّة المصطفى الذي سماه بنفسه نبيا أربع مرات في حديث في صحيح مسلم. إن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية دعا الناس للبيعة على يده والانضمام إلى جماعته التي أسسها امتثالا لأمر الله . في اليوم الأول من ديسمبر 1888 أعلن حضرته قائلا:
“أريد أن أبلغ رسالة أخرى إلى الناس عامة وإلى إخواني المسلمين خاصة، وهي أنّي أُمرت أن آخذ البيعة من الباحثين عن الحق لينالوا الإيمان الصادق والطهارة الإيمانية الحقة، والهداية إلى سبيل محبة الله تعالى، ويتمكنوا من ترك حياة الخبث والكسل والخيانة. فالذين يجدون في أنفسهم القدرة على ذلك فعليهم أن يأتوني، فإني مشفق عليهم. وسوف أحاول لأخفف عنهم إصرهم. ولسوف يبارك الله فيهم بسبب التفاتي إليهم ودعائي لهم، بشرط أن يكونوا مستعدين بكل القلب والروح للعمل بجميع أوامر الله سبحانه. هذا أمر من الله، وها أنا قد بلغته اليوم لكم.
ومما أوحى الله إليّ في هذا الشأن:
وفي اليوم الثاني عشر من يناير عام 1889م قام حضرته بإعلان شرائط البيعة العشرة للانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية. وهذه الشرائط العشرة تصور الإسلام الحقيقي تصويرا رائعا، صادقا وجذّابا. إذا أراد أحدٌ أن يعرف حقيقة الإسلام وإزالة جميع الشبهات وأراد أن يعرف الإسلام الذي يعمل به الأحمديون المسلمون الحقيقيون، فسيجد في هذه الشروط العشرة له جوابًا شاملاً. وروعة هذا الجواب تكمن في أنه لا يتحدث عن الإسلام فقط، بل أيضا يخبرنا كيف يطبقه المسلمون في حياتهم.
هل لي أن أقترح عليكم أنه بدلاً من أن نحتفظ بهذه الشروط العشرة في خلفية أولويات حياتنا، وبدلا من أن نضعها فوق الرفوف أو نعلقها على الجدران أو نكنزها في الخزائن مصونة سالمة، تعالوا بنا نُخرجها ونعرض على العالم ميثاقنا العظيم. وبدلا من أن نتردد في بيانها للآخرين دعونا نبرزها كي يقرأها كل إنسان، والأهم من ذلك أن نراها مطبقةً في حياتنا. ولقد أعلن حضرة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية في اليوم الرابع من شهر مارس عام 1889م قائلا:
مطلع عهد جديد
إن يوم 23 من شهر مارس 1889م يحمل أهمية خاصة في تاريخ الجماعة الأحمدية. إذ أمسك سيدنا الحاج نور الدين، الخادم الوفي المخلص بيد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، وردد بعده كلمات البيعة. في تلك اللحظة الميمونة قامت الجماعة الإسلامية بصفة رسمية في بلدة “لدهيانة”، الهند.
اشتعل مصباح إيمان سيدنا نور الدين بلمسه يد رجل خادم كامل لنبينا الكريم ، ونوّر الإيمان البيئة كلها كما ينوّر المصباح الكهربائي ما حوله، بتطهير القلوب ومحو السيئات وإنشاء حب الله تعالى وحب الإنسانية فيها.
ثم جاء الآخرون الذين كانوا ينتظرون دورهم، فأسرعوا لإشعال مصابيح قلوبهم، وأخذت كلُّ لمسة يدٍ وكل عهد صادق وكل دقة قلب تقشع غيوم الظلام التي كانت مستولية على حياة المسلمين منذ قرون، من حيث أخلاقهم وفكرهم ودينهم، وأخذ الصدأ المتراكم على مرآة الإسلام يزول عنها شيئا فشيئا.
وهكذا بلغ نور بهاء الإسلام إلى أقصى أنحاء العالم، فعاد إلى تألّقه السالف بأمر من الله سبحانه بسبب التغير الواقع في القلوب وطهارة الأرواح والوحي الإلهي والعهد العظيم من الناس بين يدي الله القادر.
إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تعتقد وتعمل بنفس الدين الذي عمل به رسولنا الكريم . إننا نعلن بصوت جهوري أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تطبق نفس الإسلام الذي عمل به المسلمون في شوارع مكة من قبل. أولئك المسلمون الذين كانوا يعيشون تحت اضطهاد قاس لم يزل يزداد شدة وعنفًا. وكما أن الظالمين الطاعنين الكذابين فشلوا في وضع العراقيل في سبيل انتشار رسالة الله تعالى أول مرة، كذلك فإن الجور والعنف ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية لن يزال خائبا خاسرًا.
إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تبلّغ نفس الرسالة التي بلّغها رسولنا الكريم وأحجار المعاندين وسباب الصعاليك في قرية الطائف تطارده، إنها تنشر وتنعش نفس الإسلام الذي كان في صدر سيدنا بلال وهو تحت أثقال الألواح المحرقة الساحقة. الجماعة الإسلامية الأحمدية تردد نفس الكلمة وبنفس الأسلوب الذي اختاره سيدنا بلال لإعلان كلمة الشهادة بشفتيه الجافتين ولسانه اليابس. الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هي في الحقيقة إعلان الإسلام وإحياؤه وليست مجرد تحريك الشفاه كما يظن ملايين المسلمين. ولا يزال صدق الأحمديين وإيمانهم بالكلمة الطيبة يُختَبَرُ تحت أثقال الظلم الساحقة حيث يقومون بتضحية أنفسهم وأموالهم وأولادهم.
وهل يوجد على وجه البسيطة أحد يبلغ إيمانه بكلمة الشهادة قدرًا يجعله يُضحي بنفسه وممتلكاته وأولاده. إن للناس في أقطار العالم حرية تامة للإعلان عن كلمة الشهادة بدون أن يخافوا ظلمًا أو بلاء. ولكن المسلمين الأحمديين في باكستان يُطرحَون في السجون ويهانون ويجرون في الأسواق ويجلدن وتُسلب أموالهم ويُقتلون عند ترديدهم نفس كلمة الشهادة.
إن الأمر يتطلب مجلدات كثيرة لبيان أي الجماعات الصادقة في دعواها لتجديد الإسلام. فإذا كان الإسلام هو كلمة التوحيد فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية قد أثبتت بدون أي ريب أنها قد جددت الإسلام بأبنائها الذين ضحوا بأرواحهم لإعلاء كلمة التوحيد وكرامتها. وكذلك جميع القيم الإسلامية التي أقامها القرآن الكريم وعمل بها النبي وأصحابه الذين أحدثوا انقلابًا عظيمًا في المجتمع. أعادتها اليوم الجماعة الإسلامية الأحمدية وتمسكت بها.
وفي العصر الحاضر، وقد بلغ حب الدنيا منتهاه. لا يزال أبناء الجماعة الأحمدية يقومون بواجبهم لإقامة علاقة حية بالله ، حتى أنه يتكلم مع الإنسان كالصديق الحميم. وهذه العلامة المميزة للإسلام تختص اليوم بأفراد الجماعة من أهل التقوى والولاية أكثر من أي أحد آخر.
وكذلك أحيت الجماعة الإسلامية الأحمدية هذه العلامة الإسلامية المميزة بإسداء الخدمات إلى الإنسانية المعذبة ببذل تضحيات شخصية رائعة بجهود منظمة تنظيمًا محكمًا. لقد قامت الجماعة الإسلامية الأحمدية مرة أخرى بوضع مستوى عالمي لتوحيد بني آدم في انسجام ووئام، للتغلب على العوائق من جنس ولون ولغة. فالأحمديون من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأمريكا كلهم منخرطون في سلك الأخوة الإسلامية والاحترام المتبادل وعلى قدم المساواة كما لو كانوا أعضاء من أسرة واحدة.
ونظام الخلافة هو العلامة الإسلامية المميزة لصيانة بركات النبوة واستمرارها. أي تلاوة الآيات الإلهية وتعليم الكتاب والحكمة وتزكية الأرواح بعد وفاة النبي . إن الجماعة الإسلامية الأحمدية أثبتت مرة أخرى أنها هي الجماعة الوحيدة التي تقوم بواجباتها نحو الخلافة الإسلامية الراشدة في أنحاء العالم. فكل الأحمديين رجالا ونساء مستعدون لتقديم أي نوع من التضحيات للحفاظ على نظام الخلافة.
وأخيرا أقول إن تحقيق حُلم إحياء الإسلام في الزمن الحاضر أمر مقدر من الله تعالى وسيتم من خلال الجماعة الإسلامية الأحمدية بإذن الله. وهذا ما وعده الله تعالى لرسولنا الكريم وأكّده لسيدنا المهدي والمسيح الموعود . ولكن يجب ألا نأخذ هذا الأمر مأخذ التسليم المطلق. هذا القدر سوف يتحقق على أية حال وبغض النظر عن مساعينا الشخصية. فلا يغرب عن البال أنه من سنة الله المستمرة أنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
-
مجموعة إعلانات المجلد الأول، مطبعة الرقيم بلندن 1986م ص98. -
مجموعة إعلانات المجلد الأول، مطبعة الرقيم بلندن 1986م ص188.