
- كيف يُضلُّ بعض الدعاة الناس من حيث يريدون هدايتهم؟
- ما السبيل إلى إصلاح الخطاب الديني؟
___
كلما اشتدت وطأة الداء كانت الحاجة إلى الدواء أولى وأَمَسَّ، وقياسًا على ذلك كل الحاجات الإنسانية دون استثناء. وأولوية إصلاح الأشياء والأحوال تتحدد بناءً على العلَّة الغائية من وجودها، وعليه فإنَّ إصلاح العلاقة بين المخلوق والخالق تتربع على قمة هرم الإصلاحات الضرورية، فَكَونُ تلك العلاقة هي الغاية من وجودنا يجعلها الأولى بالعناية والصيانة المستمرة، وإصلاح ما يعتورها من فساد، يقول :
وإذا كنا بصدد إصلاح العلاقة بين المخلوق والخالق، فإن من أكثر ما يشغلنا دُعاةً، ومُربِّينَ، وآباءَ، ذلك الانحراف الملحوظ لشباب اليوم عن جادة الصواب، وانجرافهم بتيار الإلحاد، الذي تَعَاظَم زَخَمُهُ بعدة عوامل، كان من أبرزها ذلك الأسلوب التقليدي المتَّبع في تعريف بعض الدعاة إياهم بالله ، فأضلُّوا الشباب من حيث أرادوا هدايتهم، فبدلاً من أن يُحببوهم في الذات الإلهية، تميل طائفة من دعاة هذه الأيام إلى بث الرعب والفزع من الله في قلوبهم، وذلك من خلال العرض الخاطئ للصفات الإلهية. فبتصرُّفهم هذا يبدو وكأنه قد صار وسيلة تخويف وإرهاب، والعياذُ بالله.. الأدهى أن يُمارَس ذلك التخويف والإرهاب على الشاب منذ نعومة أظفاره حتى يتحول إلى نفور تام ثم يتطوَّر إلى كراهية مضطرمة يتبعها سقوط في هوَّة الإلحاد السحيقة، بإنكار الوجود الإلهي! فإذا أردنا لأبنائنا الصلاح والفلاح، ينبغي علينا أن نحببهم في صفات البارئ ونُريهم جمالها الخلاب بأمِّ بصيرتهم، لا أن نملأ قلوبهم رعبًا!
والحق أن سلوك الآباء والمربين والدعاة سبيل إرهاب الشباب خلال تعريفهم بربهم، إنما يرجع إلى سوء فهمهم هم أنفسهم لصفات الله ، فهنا يجدر بنا التنويه إلى أن أول الطريق إلى تعريف الغير بربهم أن نكون نحن أنفسنا على معرفة واضحة به بدايةً.. لقد قيل قديما أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، من هذا المُنطَلَق فإن ما يرتسم في عقل المرء في صغره يكون أكثر ثباتا ورسوخا في فتوته وشبابه وكهولته، جميلا كان أم قبيحًا. وهنا فمن الأهمية بمكان أن تكون الصورة المنعكسة لصفات الله في عقل الطفل صورة جميلة جديرة بأن يحبها. إن أي عاقل لن يُجوِّز إقامة علاقة مع شخص مرعب وعدواني لا يتحلى بالرحمة، ناهيك عن أن تكون تلك العلاقة علاقة حب، من هنا يتوجب علينا أن نعرِّف الله إلى أطفالنا بوصفه رحيمًا ودودًا كريما جميلا يحبنا أكثر من والدينا، وهذا ما سيربطهم به منذ الصغر. الأمر العجيب كل العجب أن هؤلاء المُخوِّفين نسوا تماما أن صفات الله تعالى هي حسنى بذاتها، أي لها من الحسن والجمال ما يجعل المتصف بها محبوبا لدى الخلق! ولكنهم بدلا من ذلك يُصرُّون على أن يصدِّروا صورة مخيفة له ، فسبحان الله وتعالى عمَّا يصفون! إن مثل هؤلاء الدعاة المُخوِّفين هم الملحدون في أسماء الله تعالى الحسنى، بحيث يدفعون الآخرين إلى الإلحاد، دون أن يشعروا، بأسلوبهم البطَّال! ففي حق هؤلاء يقول :
إن عملية إصلاح العلاقة بين الله وخلقه كانت على مر العصور منوطة بجهة مختصة على أعلى مستويات الاختصاص.
إن أي عاقل لن يُجوِّز إقامة علاقة مع شخص مرعب وعدواني لا يتحلى بالرحمة، ناهيك عن أن تكون تلك العلاقة علاقة حب، من هنا يتوجب علينا أن نعرِّف الله إلى أطفالنا بوصفه رحيمًا ودودًا كريما جميلا يحبنا أكثر من والدينا، وهذا ما سيربطهم به منذ الصغر. الأمر العجيب كل العجب أن هؤلاء المُخوِّفين نسوا تماما أن صفات الله تعالى هي حسنى بذاتها، أي لها من الحسن والجمال ما يجعل المتصف بها محبوبا لدى الخلق!
لقد بتنا نسمع أصواتا تنادي بإصلاح الخطاب الديني، ونحن وإن كنا نحمد مساعي تلك الأصوات، إلا أننا لا نتوقع لها صدى، لأنها التمست الإصلاح من فاقديه، الذين بان فسادهم بالأمس القريب، وفاقد الشيء لا يُعطيه! وطالما سمعنا تعليم النبي :
وليس أهل تجديد الخطاب الديني من كانوا بالأمس القريب سبب نكبته، إنما أهله من نصبه الله ، وأعلن ذلك بنفسه،
وتزامنًا مع صدور عدد التقوى لهذا الشهر، فبراير 2025، تحضرنا ذكرى روحانيةٌ سعيدة، وهي ذكرى إعلان النبوءة المباركة عن المصلح الموعود ، وفي إطار الاحتفاء بها نتخير من أرشيف خُطب سيدنا أمير المؤمنين خطبة تناول فيها حضرته (أيده الله تعالى بنصره العزيز) مساعي المصلح الموعود لخدمة الإسلام والمسلمين ، آملين أن تلقى كل كلمة سُطرت في هذا العدد قبولا لدى قراء التقوى الفُضَلاء.
الهوامش:
- (الذاريات: 57)
- (الأَعراف: 181)
- صحيح البخاري 6496