اقتبست لك

يحتاج الإنسان أحيانا إلى الهزل أكثر من الجد ، وإلى الترويح عن النفس أكثر مما هو بحاجة إلى العمل المتواصل الدؤوب ، فالنفس ميالة إلى الملل والضجر ، إن لم تأخذ حظها من الاستجمام والترفيه . ومن هنا كان للدعابة والفكاهة أثرهما في تنشيط النفس وجلب السرور لها ، وكتب العربية ملآ بهذه الطرائف ومنها ما كتبه ابن عبد ربه في كتاب العقد الفريد عن الفكاهي أبي دلامة .
كان أبو دلامة شاعرا فاكها ، ومحدثا بارعا ، وعذب الروح ، خفيف الظل ، حاضر البهية ، حلو الدعابة ، فأعجب به الخلفاء وأصحاب السلطان ، يستعذبون حديثه ، ويستطيبون مجلسه ، ويجزلون عطاياه ، وله معهم نوادر كثيرة وطرائف مستملحة، فمن ذلك : أنه دخل على الخليفة العباسي المهدي ، وعنده جماعة من بني هاشم ، فقال له المهدي :
إن لم تهج واحدا ممن في البيت قطعت لسانك ، أو ضربت عنقك ، فنظر إليه القوم ، وكلما نظر إلى واحد منهم غمزه بأن علي رضاك ، فقال أبو دلامة في نفسه : فعلمت أني قد وقعت ، وأنها عزمة من عزمات لا بد منها ، فما أرى أحدا أحق بالهجاء مني ، ولا داعي إلى السلامة من هجاء نفسي فقلت :
ألا أبلغ لديك أبا دلامة
فلست من الكرام ولا كرامة
>
جمعت دمامة ، وجمعت لؤما
كذاك اللؤم تتبعه الدمامة
.
فإن تك قد أصبت نعيم دنيا
فلا تفرح فقد دنت القيامة
فضحك القوم ، ولم يبق منهم أحد إلا أجازه.
( العقد الفريد لابن عبد ربه)