معتــرض مجهول!!

معتــرض مجهول!!

أبو الحارث

ترجمة: عبد المؤمن طاهر

هناك شخص “مجهول” يوزع منشورات باللغة العربية تحتوي على افتراءات قذرة ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية، ويبدو من أسلوبه أنه أخذ هذه الترهات من المشائخ المتعصبين من الهند وباكستان المشهورين بكيل الشتائم وفتاوى التكفير بثمن بخس بإشارة من مستأجريهم، كما سيبدو هذا في السطور القادمة جليًا. رأينا من الواجب الرد على هذه التهم والافتراءات كي يطلع القارئ على الحقيقة ويحكم بنفسه في الأمر. (التقوى)

يعترض هذا “المجهول” أن سيدنا المهدي والمسيح (عليه السلام) أفتى أن طاعة الحكام الإنجليز (بالهند) واجبه على المسلمين، وأنه أفتى بنسخ الجهاد تأييدًا للإنجليز!!

الواقع أن الإنسان عندما يعرض عن طريق الهدى والنور فإنه يتخبط في الضلالة والظلمات هكذا، وحينما يدفعه للهجوم فلا يدرك ما إذا كان هجومه على أنبياء الله وعلى رأسهم سيدنا وحبيبنا محمد المصطفى . الواقع أن هذا الجاهل يعترض في الحقيقة في قول الله تعالى في القرآن:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .

فالله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين هنا بطاعة أولي الأمر أيضا. وطاعة أولي الأمر هي سنة أنبياء الله على مر العصور. فلقد عاش سيدنا يوسف تحت حكم عزيز مصر مطيعًا لقوانين دولته. وكذلك سيدنا عيسى كان يفعل نفس الشيء حيث قال قولته الشهيرة حين سئل عن طاعة الحكام الرومان

“أعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 22: 21).

ونفس الشيء فعله سيدنا محمد المصطفى خلال المدة التي عاشها في مكة. فكان يطيع نظام الحكم السائد هناك حتى أنه قضى سنتين والنصف في شعب أبي طالب خاضعًا للحكم الصادر من قبل قومه، وهكذا تعرض كل هذه المدة لمقاطعة القوم والإيذاء والجوع.

فإذا كان هذا الطاعن يخطِّيء سيدنا المهدي والمسيح الموعود في قوله بطاعة أولي الأمر والحكم فإنما يطعن في الواقع في سنة الأنبياء وسنة رسولنا المصطفى ، بل ويطعن في الأمر الإلهي المذكور آنفا، ونعوذ بالله من هذه الترهات.

لقد أعلن سيدنا المهدي والمسيح الموعود مرارًا وتكرارًا ووضح الأمر وقال: “وما فعلتُ ذلك خوفا من هذه الدولة أو طمعًا في إنعامها وإكرامها. إن فعلتُ إلا لله وامتثالا لأمر خاتم النبيين. فإن نبينا وسيدنا ومولانا وحبيب الله وخليله محمدا المصطفى قد أمرنا أن نثني على المنعمين ونشكر المحسنين”. (1)

ألا ترى أيها الطاعن أنك تعترض في الواقع على سنة أنبياء الله وعلى القرآن نفسه. فلو ألقيت نظرة على تاريخ الأنبياء في مختلف العصور والبلاد وجدتَ أنهم كانوا يطيعون أولي الأمر في قانون دولتهم، ومع ذلك بلغوا رسالة الله إلى الملوك الجبابرة والحكام القساة. وهذا بالضبط ما فعله سيدنا المهدي والمسيح الموعود . فعلى الرغم أنه كان يطيع الحكام الإنجليز في قانون دولتهم فإنه وجه بكل شجاعة وأمانة خطابا إلى الملكة البريطانية فيكتوريا داعيا إياها إلى الإسلام حيث قال:

“أيتها الملكة الكريمة الجليلة، أعجبني أنك، مع كمال فضلك وعلمك وفراستك، تُنكرين فضل الإسلام، ولا تُمعنين فيه بعيون التي تمعنين بها في الأمور العظام!؟ قد رأيتِ في ليل دجى، والآن لاحت الشمس، فمالك لا تَرين الضحى؟

أيتها الملكة الجليلة، اعلمي، أيدك الله، أن دين الإسلام مجمع الأنوار، ومنبع الأنهار، وحديقة الثمار. وما من دين إلا هو شعبته. فانظري إلى حبره وسِبره وجنته، وكوني من الذين يُرزقون منه رزقًا رغدًا ويرتعون. وإن هذا الدين حي، مجمع البركات، ومظهر الآيات، ويأمر بالطيبات، وينهي عن الخبيثات. ومن قال خلاف ذلك أو أبان فقد مان.

ونعوذ بالله من الذين يفترون. فبما إخفائهم الحق وإيوائهم الباطل لعنهم الله ونزع من صدورهم أنوار الفطرة، فنسوا حظّهم منها، وفرحوا بالتعصبات وما يصنعون.

أيتها الملكة، إن هذا القرآن يطهّر الصدور، ويُلقي فيها النور، ويُري الحبور الروحاني والسرور. ومن تبعه فيجد نورا وجده النبيون. ولا يلقى أنواره إلا الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، ويأتونه راغبين (2) في أنواره، فأولئك الذين تُفتح أعينهم، وتُزكَّي أنفسهم، فإذا هم مُبصرون.

وإني بفضل الله من الذين أعطاهم الله من أنوار الفرقان، وأصابهم من أتم حظوظ القرآن. فأنار قلبي، ووجدت نفسي هداها كما يجده الواصلون. ثم بعد ذلك أرسلني ربي لدعوة الخلق، وآتاني من آيات بينه لأدعو خلقه إلى دينه. فطوبى للذين يقبلونني، ويذكرون الموت، أو يطلبون الآيات وبعد رؤيتها يؤمنون. أيتها المليكة الكريمة، قد كان عليك فضل الله في آلاء الدنيا فضلاً كبيرًا، فارغبي الآن في مُلك الآخرة، وتُوبي واقنتي لرب وحيد، لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وكبريه تكبيرًا.

اتتخذون من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون. وإن كنت في شك من الإسلام فها أنا قائم لإراءة آيات صدقه. وهو معي في كل حالي. إذا دعوتهُ يُجيبني، وإذا ناديتهُ يلبيني، وإذا استعنته ينصرني. وأنا أعلم أنه في كل موطن يعينني ولا يضيعني. فهل لك رغبة في رؤية آياتي وعيان صدقي وسدادي، خوفًا من يوم التنادي؟ يا قيصرة، تُوبي، تُوبي، واسمعي اسمعي. بارك الله في مالك، وكل ما لَك، وكنت من الذين يُرحَمون” (3)

هذه هي سنة رسل الله الكرام التي أحياها في هذا العصر سيدنا المهدي من جديد.

لماذا أمر بطاعة الإنجليز

ولقد كان في زمن سيدنا المهدي نفسة من طعنوا فيه بسبب ذلك فرد عليهم قائلا:

“إسمعوا أيها الأغبياء، إنني لا أداهن أبدا هذه الحكومة، وإنما الواقع أن أية حكومة لا تعتدي على دين الإسلام، ولا تمنع من الشعائر الإسلامية، ولا تشهر السيف في وجوهنا لنشر دينها فحرام علينا بحسب تعليم القرآن أن نحاربها حربًا دينية). (4)

وقال:

“والأمر الثاني الذي بُعثت لأجله هو إصلاح تلك النظرية الخاطئة للجهاد التي راجت واشتهرت بين بعض المسلمين الجهال. لقد عرّفني الله سبحانه وتعالى أن الأساليب التي اعتبروها اليوم جهادا إسلاميا تتعارض كلية مع التعاليم القرآنية. لا شك أن القرآن الكريم قد ورد فيه الأمر بالحروب، ولكن أسباب وأهداف تلك الحروب كانت أكثر منطقًا وحكمة من حروب سيدنا موسى وحروب يوشع بن نون، إذا كانت حروبًا دفاعية ضد أولئك المعتدين الذين حملوا السيف لقتل المسلمين بغير حق، وسفكوا الدماء بغير حق، وارتكبوا فظائع خطيرة جدًا. فأمر الله تعالى أن يُقتلوا هم الآخرون بالسيف” (5)

        وقال: “إن القرآن لا يأمر بحرب أحد إلا الذين يمنعون عباد الله أن يؤمنوا به ويدخلوا في دينه ويطيعوه في جميع أحكامه ويعبدوه كما أُمروا. والذين يقاتلون بغير الحق ويُخرجون المؤمنين من ديارهم وأوطانهم، ويُدخلون الخلقَ في دينهم جبرًا وقهرًا، ويريدون أن يطفئوا نور الإسلام، ويصدون الناس من أن يسلموا.. أولئك الذين غضب الله عليهم، ووجب على المؤمنين أن يحاربوهم إن لم ينتهوا.

فانظُر هذه الدولة، أي فساد يُوجد فيها من هذه المفاسد؟ أتمنعنا من صلاتنا وصومنا وحجنا وإشاعة مذهبنا، أو تقاتلنا في ديننا، أو تخرجنا من أوطاننا، أو يجعل الناس نصاري ظلمًا وجبرًا؟ كلا. (6)

هذا هو موقف مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية.

كبارهم أطاعوا الإنجليز ومدحوهم 

إنهم يعترضون عليه بأنه مدح الإنجليز وأمر بطاعتهم فثبت بذلك أنه عميل لهم. ولكن المرء يندهش عندما يرى ما قاله وكتبه الكبار من مشائخ وعلماء هؤلاء المعترضين أنفسهم.

إقبال ومدح الانجليز

إن أكبر وأهم الشخصيات التي أبدى الحكام والمشائخ الباكستانيون إعجابهم بها والتي يُعجب بها هذا المعترض كما يبدو جليا من كتابته هي شخصية السير إقبال الشاعر الشهير. تعالوا نر ماذا كان إقبال يقول ويكتب ويفكر ويشعر نحو الإنجليز عندئذ.

عند وفاة الملكة فكتوريا رثاها السير إقبال بمرثية طويلة قال فيها:

لقد رفعوا نعش الملكة

إقبال، قم تعظيمًا لها وكن ترابًا بطريق نعشها. أيها الشهر، شكلك مثل شكل المحرم. ولا بأس لو سميناك أنت الآخر محرمًا.

يقول إقبال: لا عجب لو أطلقنا على هذا الشهر الذي توفيت فيه الملكة اسم “المحرم”، إذ أن حادث وفاة الملكة في الواقع لا يختلف كثيرا عن حادث استشهاد مروع لسيدنا الحسين حفيد الرسول الكريم ، في شهر المحرم!!

ويستمر إقبال قائلا:

يقولون: اليوم يوم العيد، فهنيئًا العيد لكم، أما نحن فالموت خير لنا من هذا العيد.

هذا هو مجاهد الملة الإسلامية العلامة، حسب قولهم، السير محمد إقبال، وأكبر معاندي الأحمدية.

الإنجليز ظل الله!

ومما يطعن به هؤلاء الأعداء في سيدنا المهدي والمسيح الموعود أنه قد سمّى الإنجليز (ظل الله) مع أن الشاعر إقبال قد سمى الإنجليز (ظل الله) في نفس المرثية، حيث قال:

أي: يا بلاد الهند، قد زال عنك ظِل الله. وحُرمت من التي كانت تواسي وتعطف على أَهلك.

هذا البكاء الذي يهتز له عرش الرحمان هو بكاء الناس إياها،

وهذه الجنازة هي جنازة التي كانت زينة لك، يا بلاد الهند.

الحكومة الإنجليزية عند علماء أهل الحديث والديوبنديين

  1. فرقة أهل الحديث (الديوبنديين) تعتبر اليوم من أكبر المعاندين للجماعة الإسلامية الأحمدية.. ويبدو أن المعترض المجهول قد اقتبس من كتبهم. يقول أكبر علمائها العظام شمس العلماء الشيخ نذير أحمد الدهلوي، عن الإنجليز:

“من مصلحة الهند كلها أن يحكمها حاكم أجنبي، لا هو هندوسي، ولا مسلم، إنما يجب أن يكون من أحد سلاطين الغرب. -لاحِظ أنه لا يخص الإنجليز فقط وإنما يقول أي واحد من لأهل الغرب- ومن عناية الله العظمى أن الإنجليز تولوا الحكم هنا”.

ثم يقول: “هل هذه الحكومة قاسية ومتشددة؟ كلا، ثم كلا، بل هي أكثر عطفًا وحنانًا من الوالدين” (8).

ويستمر قائلا:

“كنت أنظر، بمنظار معلوماتي، إلى ولاة الهند عندئذ. كما كنت أجول بفكري إلى بورما، وأفغانستان، بل إلى فارس ومصر والعرب، فلم أجد في كل هذه البلاد من أقصاها إلى أقصاها أحدًا أسلِّم إليه حكم الهند، وما رأيت فيمن يريدون السيطرة على الحكم أحدا أحق من هؤلاء. فقررت عندئذ أن الإنجليز هم أحق وأولى بحكم بلاد الهند، ويجب أن يستمر الحكم فيهم”. (9)

  1. كما يوضح السيد شورش الكاشميري وهو أحد الأحراريين وهم أيضا من أشد الناس عداوة للجماعة الإسلامية الأحمدية، وهو مدير مجلة (تشتان):

“وكان الكاتب الشهير ديبتي نذير أحمد أيضا من بين الذين قالوا في تلك الفترة المشحونة بالأحداث الخطيرة، بنسخ الجهاد، واعتبروا الإنجليز أولي الأمر، مؤولين قول الله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (10)

  1. البطالوي يفتخر بالحكومة الإنجليزية

والآن استمعوا ماذا يقول أحد مشائخ أهل الحديث وأعدى أعداء سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .. المولوي محمد حسين البطاولي: “لاشك أن سلطان الروم ملك مسلم، ولكننا، نحن المسلمين، لسنا أقل منهم اعتزازًا وافتخارًا بالحكومة البريطانية نظرًا لحسن نظامها، وبصرف النظر عن الدين. وإن فرقة أهل الحديث على الأخص لما تتمع به من أمن وحرية من قبل هذه الحكومة، لتفتخر أمام جميع الدول الإسلامية الحالية، سواء في الروم أو في إيران أو في خراسان”.

وأيضا يقول “نظرًا للأمن والاستقرار والحرية العامة وحسن النظام التي تتحلى بها الحكومة البريطانية، فإن فرقة أهل الحديث بالهند تعتبرها غنيمة عظيمة، وتفضل أن تكون من رعاياها على أن تكون من رعايا الدول الإسلامية”(11).

يشيع هؤلاء اليوم بان الأحمديين لما كانوا يكرهون الدول الإسلامية لذلك ازدهروا تحت الحكم الإنجليزي، وكانوا يتمنون امتداد هذا الحكم، ولكن انظروا كيف أن آباءهم كانوا إلى الأمس القريب يقولون: “نفضل كوننا من رعايا الإنجليز على أن نكون من رعايا الدول الإسلامية”.

  1. المولوي ظفر علي خان مدح الإنجليز

كان المولوي ظفر على خان لمدة من الزمن يعمل في جماعة الأحراريين، ولكنه تركهم فيما بعد وعدّهم من خونة البلد والوطن والإسلام. يقول المولوي في جريدته بعد اختبار طويل:

“إن المسلمين .. لا يمكن أن يسيئوا الظن بهذه الحكومة (أي الإنجليزية) حتى ولا للحظة واحدة.. فلو أن شقيًّا من المسلمين تجاسر على الخروج على الحكومة فإننا نقول علنًا بأنه ليس مسلمًا” (12).

ويستمر قائلا: “نحن مستعدون لإراقة دمائنا نظير كل حبة عرق تسقط من جبين ملكنا المعظم ملجأ العالم. وهذا هو الحال عند جميع مسلمي الهند” (13).

ثم يقول في إحدى قصائده ما معناه: “انحنى رأسي بفرط الاحترام والإجلال كلما سمعت ذكر الملك المعظم. الجلالة نفسها تعتز به اعتزازًا، فهو ملك البر والبحر. ليتني أحظى بنظرة واحدة من جلالته”. (14).

  1. والآن نقدم لكم رأي المودودي، الشيخ الشهير في القارة الهندية والبلاد العربية. يقول: (مما لاشك فيه أن بلاد الهند كانت فعلا دار الحرب عندما كان الإنجليز يحاولون القضاء على حكم المسلمين فيها وعندئذ كان من واجب المسلمين أن يضحوا بأرواحهم دفاعًا عن الحكومة الإسلامية بالهند، أو يهاجروا منها بعد الهزيمة. أما وقد صاروا مغلوبين فيها، واستتب حكم الإنجليز، ورضي المسلمون بالعيش تحت حكمهم مع حرية العمل حسب قوانينهم الإسلامية الخاصة، فلم تعد هذه البلاد دار الحرب.) (14.أ)

هذه هي السيرة وهذا هو الماضي لهؤلا الذين يرمون الأحمدية اليوم بعمالة الإنجليز والذين أخذ عنهم هذا المعترض المجهول!!

نفاق المشائخ

هذا، وإن مدح سيدنا المهدي والمسيح الموعود للحكومة الإنجليزية يرجع إلى حسن خلقه حيث مدحهم على جميلهم الذي أسدوه إلى المسلمين. ليس هذا فحسب، وإنما كانت وراءه أيضا مشاكل خلقها له أعداؤه. فمن ناحية كان المشائخ أثاروا عواطف المسلمين ضد سيدنا أحمد قائلين بأنه يمدح الإنجليز ويقول بنسخ الجهاد، مع أنه لابد من محاربة هذ الحكومة للقضاء عليها، ومن ناحية أخرى كانوا لا يبرحون يمدحون الإنجليز بالكلمات التي كتبناها آنفًا، ومن ناحية ثالثة وشوا بحضرته إلى الحكومة الإنجليزية سرًّا وعلانية، بأن هذا الرجل يشكل خطرًا كبيرًا على حكمكم. فلا تنخدعوا بأقواله. إذ يدعي بكونه مهديا. إنه مهدي دموي قام لإبادة مملكتكم.

أُنظر إلى مدى نفاقهم وكذبهم: فمن جهة يشيعون بين المسلمين بأنه عميل للإنجليز، وفي نفس الوقت يسعون إلى الحكومة الإنجليزية بأنه عدو لكم يريد القضاء عليكم، فاقتلوه. فقد كتب المولوي محمد حسين البطالوي في مجلته ناصحًا الحكومة الإنجليزية:

“ومما يدل على خداعه (أي سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني ) أنه يؤمن في قلبه (كذا!) بإبادة كل حكومة غير إسلامية واستباحة أموالها. لذا ينبغي ألا تنخدع الحكومة منه، بل عليها بالحذر منه، وإلا نخشى أن يلحق هذا المهدي القادياني بالحكومة من الأضرار ما لم يستطع المهدي السوداني إلحاقها” (15).

ويحذر المنشي محمد عبد الله الإنجليز من حضرته قائلا:

“إنه يحض أتباعه على محاربة الحكومة مستشهدا بالآيات القرآنية” (16).

وبالفعل تأثر الناس جدًا من هذه الدعاية المسعورة الباطلة، وكان من بين المتأثرين مدير جريدة (Civil  & Milita y Gazette). الصادرة من لاهور في تلك الأيام، وكانت جريدة قيمة، استمرت في الصدور لمدة طويلة. فكتب في إحدى افتتاحياتها مقالاً أثار فيه الحكام الإنجليز ضد سيدنا المهدي والمسيح الموعود ، محذرًا إياهم بأنه رجل خطير جدًّا، ويجب ألا يغتروا ببياناته وأقواله الداعية إلى الصلح والوئام، وإلا سوف يقضي على حكومتهم.

وتأثر الحكام الإنجليز بهذه الدعاية المسعورة وأرسلوا الشرطة فداهمت بيته وقامت بالتفتيش عبثًا.

أيها المعترض المجهول الشقي الذي يرى الحق باطلا والباطل حقًّا، ألا ترى أن أسيادك الجدد هؤلاء عاشوا عيشة المنافقين حيث أثبتوا بعملهم أنهم اعتبروا عبودية الإنجليز محض الإسلام، بل أفتوا أن الذي لا يطيعهم ليس مسلمًا، وأن ظِلَّ الإنجليز هو ظل الله، ذلك لينالوا من الحكام الإنجليز حظوة ونوالا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قالوا للناس أن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية مدح الإنجليز وأمر بطاعتهم لذلك فهو عميلهم!!

ومرض النفاق هذا ما أصابهم في الماضي فقط، بل لا يزال يلازمهم إلى اليوم أيضا. فأسيادك هؤلاء الذين بعتَ لهم ضميرك ودينك لجيفة الدنيا لا يزالون يسجدون بوفاء للإنجليز مع أنهم لا يحكمون بلدهم اليوم. لقد قيدوا أنفسهم في الأغلال الذهبية للسعوديين الذين باعوا لمصالح الإنجليز والأمريكان كرامة الإسلام ومصالح الأمة الإسلامية كلها، وجعلوا المسلمين محتاجين لليهود والنصارى لأمد بعيد.

نسخ الجهاد؟!

أما قولك بأن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية نسخ الجهاد لمصالح الإنجليز فهو جسارة ما بعدها جسارة. ولكن لا نستغرب منك هذه الوقاحة، لأننا لا نرجو منك أي خير بعدما أعرضت عن الحق ووليت الدُبر لأهله، بل لا يرجو منك الخير حتى أولئك الذين بعتَ لهم ضميرك (إذا كان لك ضمير) وبعتَ لهم دينك، إذ يستخدمونك لنشر الفتنة والشر ليس إلا.

إن سيدنا المهدي والمسيح لم ينسخ الجهاد بالسيف لمصالح الإنجليز، وإنما أجلّه لعدم توافر شروطه لمصلحة الإسلام وامتثالا لسيده وسيدنا محمد المصطفى الذي حينما أنبأ عن الإمام المهدي والمسيح الموعود أخبر أن من آيات صدقه أنه يضع الحرب. فانظر أيها الطاعن الجاهل، هل تعترض على مؤسس الأحمدية أم على سيدنا محمد المصطفى الذي بنفسه أخبر أن هذا الموعود سوف يضع الحرب. فبالله عليك، لا تكشر أنيابك المسمومة ضد حبيب الله وسيد الأولين والآخرين محمد المصطفى ، حتى لا تجلب عليك غضب الله وسخطه.

أنواع الجهاد:

أما الجهاد فقد أعلن عنه النبي بالصور الثلاث بناءً على الوحي القرآني حيث ورد في القرآن:

الجهاد بالقرآن

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (الفرقان: 53)

أي بالقرآن انشروا نور الهدى في العالم.

  • الجهاد بالسيف أي القتال

حيث قال:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (الحج: 40)

وقد سُمح بهذا الجهاد بعد أن أوذي المسلمون بكثرة وبشدة بسبب إسلامهم فقط، وقد سُمح لهم بالقتال دفاعًا عن النفس وردًا لهجوم المعتدين، يقول الله تعالى في القرآن:

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة: 191)

الجهاد بالنفس

أي قتال الشهوات النفسانية حيث ورد أن رسول الله كان راجعًا من إحدى الغزوات بعد أن قاتل المسلمون الكفارَ بالسيف فقال : “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر”. فسأله الصحابة يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: ألا وهي مجاهدة النفس.

هذا هو الصوت الحق الذي ارتفع من الحجاز قبل أربعة عشر قرنًا. ومن نفس البقعة المباركة سمعنا هذه الأيام صوتًا معاكسًا له رفعه أسياد هذا المعترض.. عندما رفض العراق والكويت حسم الخلاف فيما بينهما والتحاكُمَ إلى البلاد الإسلامية واستدعت الحكومة السعودية إلى الأراضي المقدسة ألوفًا مؤلفة من الجنود الإنجليز والأمريكان وغيرهم ليصبوا النارَ على الجنود العراقيين والموتَ على المواطنين العراقيين الأبرياء. وذلك بقيادة أمريكا وعلى أيدي اليهود والنصارى. قال: “إن حرب الخليج هذه جهاد في سبيل الله”.

كما دعت السعودية حينئذ مؤتمرا أحضرت فيه المشائخ والعلماء من مختلف البلدان الإسلامية، فأصدروا في نهاية المطاف هذا القرار الغريب:

“إن الاتحاديين الأمريكان يجاهدون في سبيل الله هنا”.

ومثل هذه البيانات توجد بكثرة في جرائد تلك الأيام.

أقول: لقد سمع العالم من جهة صوتا سماويا للجهاد على لسان سيدنا المصطفى ، وبسبب هذا الصوت كان أعداء الحق ينهزمون دائما. ومن أشداء على الكفار وينتصرون عليهم دائما. ومن جانب آخر سمعنا صوتًا للجهاد أيضا صدر من لسان الأمريكان ولكن من مكبرات الصوت المركبة على المنارات السعودية، وبسبب هذا الصوت وبحجة وجود المسلمين إلى صفهم أجرى اليهود والنصارى الأنهار من دماء مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء حتى احمرت الأراضي العربية بهذه الدماء الزكية البريئة. أيها المعترض المجهول، فهل هذا هو الجهاد الذي تصر على استمراره، والذي نتيجة لإلحاح أسيادك عليه احتفالا مزدوجًا.. احتفالا بعيدهم الديني واحتفالا بإراقة دماء المسلمين الأبرياء.

وبما أنك لا تريد قبول القول السديد الحق كما يتضح من منشوراتك فلذلك نحاول توضيح الحقيقة أمامك بطريق آخر. إن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أخّر وأجّل الجهاد بالسيف بحسب النبأ النبوي المشار إليه سلفًا، ولذلك لم يقم المسلمون الأحمديون بقتال الإنجليز وغيرهم من غير المسلمين والكفار. ولكن من الذي منع أسلاف أسيادك من هذا الجهاد؟ لماذا لم يقوموا بهذا القتال المقدس؟ لماذا لم يجاهدوا في سبيل الله مع أنهم لم يكونوا مقيدين بطاعة هذه الفتوى؟

تعال معنا نخبرك الخبر اليقين. الحق أن هؤلاء، رغم اختلافهم مع مؤسس الأحمدية، كانوا يسعون لاتباع أحكام الشريعة، ولذلك لم يمتنعوا عن هذا ا الجهاد أي القتال فحسب، بل تشددوا لدرجة أنهم أصدروا الفتاوى بتحريمه. ولكنك ما دمت لا تريد إلا بث الفتنة ونشر الفساد فلذلك تقول أن الأحمديين لم يقوموا بالجهاد مع أن الموقف كان يتطلب ذلك. ولولا أنك تريد إثارة الفتن وتشويه صورة الأحمدية لأثرت نفس هذا الاعتراض على أسلاف أسيادك الذين هم أنفسهم أيضًا أصدروا الفتاوى بتحريم القتال ضد الإنجليز. فثبت أنك تخفي الحقيقة، وإلا لقلت للناس أن أسلاف أسيادي قالوا ما قاله مؤسس الأحمدية، حيث ورد:

  • “لقد استوردوا الفتاوى (بتحريم قتال الإنجليز في الهند) حتى من الشيخ جمال الدين ابن عمر عبد الله الشيخ عمر الحنفي مفتي مكة المكرمة، ومن الشيخ أحمد بن ذهني الشافعي مفتي مكة المكرمة ومن الشيخ حسين بن إبراهيم المالكي مفتي مكة المكرمة. فكلهم أفتوا بأن الهند ليست دار الحرب وإنما دار الإسلام”(18)
  • وأعود فأقول لو كنت تريد الحق لبيّنتَ للناس أن الملك السعودي الراحل فيصل أيضا ذكر نفس الشيء في خطابه أمام مؤتمر رابطة العالم الإسلامي سنة 1385 هجري أيام الحج حيث قال ما معناه:
“إخوتي الأعزاء، إنكم دُعيتم لرفع الجهاد في سبيل الله. ولا يعني الجهاد رفع البندقية أو ضرب السيف فحسب، وإنما يعني أيضا دعوة الناس إلى كتاب الله وسنَّة رسوله، والعمل بهما. والتمسك بهما حتى في الابتلاءات الشديدة والمحن القاسية. كما يجب علينا خدمة الدين الحنيف واتباع أوامر الله دائما. إننا لا نأمر إخواننا المسلمين بأن يثوروا على حكوماتهم، وإنما أن يتحاكموا إلى الكتاب والسنَّة كما يعتقدون. عليهم بالعيش بالأمن تحت الحكومات التي تضمن لهم الأمان، وألا يخالفوا القانون بتخريب البلاد.” (19)

ج . ولقلتَ أن الشيخ الهندي محمد حسين البطالوي وهو أكبر معارضي سيدنا المهدي والمسيح الموعود وأشدهم طعنًا فيه بسبب موقفه تجاه الجهاد. قال:

“إن المسلمين الذين اشتركوا في ثورة 1857 (ضد الإنجليز في الهند) هم جد آثمين. وحسب حكم القرآن والسنة يعتبرون من البغاة الأشرار المفسدين. إن محاربة هذه الحكومة (الإنجليزية) أو تقديم أي نوع من المساعدة للثائرين عليها، ولو كانوا من إخواننا المسلمين، حرام وخيانة شنيعة”(20).

كما قال في أحد كتبه:

“فثبت جليًا من هذه الأدلة أن بلاد الهند هي دار الإسلام، رغم كونها تحت حكم دولة نصرانية. فلا يجوز أبدًا لأي حاكم مسلم سواء كان من العرب أو العجم، وسواء كان المهدي السوداني أو ملك إيران أو أمير خراسان، أن يشنّ الحرب على الحكومة الإنجليزية بالهند”(21).

أي إن الشيخ البطالوي لا يفتي بوجوب طاعة المسلمين الهنود للحكومة الإنجليزية فحسب، بل يعلن لمسلمي البلاد الأخرى أيضا بأنه حرام عليكم محاربة حكامنا الإنجليز!

ويضيف في مجلته قائلا:

“حرام على المسلمين مناوئة أو محاربة الحكومة الإنجليزية بالهند لانتزاع الحكم من أيديها”(22).

ويوضح قوله قائلا:

“في هذا الزمن ليس هناك أية صورة شرعية للجهاد بالسيف، لأن المسلمين ليس لهم إمام تتوافر فيه صفات الإمامة وشروطها، كما ليس لديهم قوة عسكرية يأملون بها التغلب على الأعداء”(23).

د. وزعيم آخر من كبار علماء الهند السير سيد أحمد خان، يصدر فتواه في الذين ثاروا على الحكم الإنجليزي سنة 1858 كالآتي: “إن هؤلاء قد ارتكبوا خيانة كبرى، ولا علاقة لهم بالإسلام”(24).

و. وكانت فتوى زعيم الفرقة البريلوية الشيخ سيد أحمد خان البريلوي كالتالي: “الهند دار الإسلام، ولا يصح تسميتها دار الحرب”.

فتوى مبنية على التقوى

كان حضرة سيد أحمد الشهيد البريلوي أحد المجاهدين الذين حاربوا السيخ الظالمين حتى أنه اتجه لمحاربتهم إلى إقليم الحدود الأفغانية. كان يحمل بين جنبيه قلبًا يغار للإسلام والمسلمين. ولكن كان له موقف مختلف تجاه الإنجليز. يقول كاتب سيرته السيد محمد جعفر التهانيسري:

“مرة سأله سائل: لماذا لا تحارب الإنجليز الحاكمين لبلادنا والكافرين بصدق الإسلام فتطردهم منها. فأجاب حضرته: لا شك أن الحكومة الإنجليزية كافرة، ولكنها لا تظلم المسلمين ولا تمنعهم من أداء عبادتهم وواجباتهم الدينية. نقوم تحت حكمهم بوعظ الناس وتبليغهم برسالة الإسلام بدون أية عرقلة من قبلهم. إن واجبنا الحقيقي إنما هو نشر التوحيد الإلهي وإحياء سنن سيد المرسلين ، وإننا نؤدي هذا الواجب في هذه البلاد بحرية تامة. فلأي سبب نحارب الحكومة الإنجليزية ونسفك الدماء مخالفين بذلك تعاليم الإسلام. وعند سماع هذا الجواب سكت السائل وفهم الغرض الحقيقي من الجهاد”. (26)

ولكن أعداء جماعتنا لم يستطيعوا تفهم غرض الجهاد إلى الآن!!

ولقد ذكرنا هذه الأقوال لبعض الزعماء والمشائخ. وإلا فلا يوجد هناك عالم دين حقيقي واحد عاش تحت حكم الإنجليز إلا وأمر بطاعتهم وعدم الخروج عليهم بالقتال. لأنها مسألة دينية فَهمها جميع العلماء من كل المكاتب الفكرية والمذاهب الإسلامية، وبالتالي علموا أتباعهم بطاعة حكم الإنجليز وحرموا القتال ضدهم.

إذاً فكان على المعترض المجهول أداءً للأمانة، إذا كان أمينًا، أن يوجه طعنه أولاً إلى كل هؤلاء العلماء والمشائخ والمفتيين الذين حرموا الجهاد بالسيف ضد الإنجليز. ولكن هيهات أن يفعل ذلك، لأنه يعيش على رغيفهم.

ثم نقول له: لو كنت حقًا ترغب في الجهاد فما الذي يمنعك الآن من أن تذهب للجهاد في البوسنة مثلا. لماذا لا ترفع علم الجهاد ضد النصارى هناك بكل وحشية؟ ولم لا يقاتل هناك أسيادك الذين ترتزق لديهم كما يبدو. هل مؤسس الجماعة يمنعك من هذا الجهاد أم أن نفاقك يمنعك من القفز إلى ميدان الجهاد.

الهوامش

  1. نور الحق، الخزائن الروحانية ج8 ص41 و42
  2. ورد في الأصل “راغبًا” كخطأ مطبعي.
  3. آئينة كمالات الإسلام (مرآة كمالات الإسلام). الخزائن الروحانية ج5 ص 531 و 533.
  4. كشتى نوح (سفينة نوح) ج19 ص75.
  5. المراجع السابق ص 68.
  6. نور الحق 62 و 63.
  7. باقيات إقبال، عبد الواحد معيني. الناشر: آئينة أدب، لاهور.
  8. مجموعة محاضرات الشيخ نذير أحمد الدهلوي، ط ص 1890 ص 4 و5 و19.
  9. المرجع السابق ص 26.
  10. سيرة عطاء الله شاه البخاري. للشورش الكاشميري ص 135
  11. مجلة “إشاعة السنة” مجلة 10 ص 292 ص 293
  12. جريدة “زمين دار” لاهور، نوفمبر 1911
  13. المرجع السابق 11 نوفمبر 1911
  14. المرجع السابق 19 أكتوبر 1911

14 أ. كتاب الربا، للشيخ أبو الأعلى المودودي، الجزء الأول ص 77 و 78 ، الناشر مكتبة الجماعة الإسلامية المودودية، لاهور، باكستان.

15 – “إشاعة السنة”- مجلد 16، العدد السادس ص 169، سنة 1893

  • شهادات قرآني، ط 1905 ، مطبعة إسلامية، ستيم بريس، لاهور ص 20
  • ؟؟؟؟
  • سيرة عطاء الله شاه البخاري ص 131
  • جريدة “أم القرى” مكة 24 إبريل1965
  • “إشاعة السنة”. المجلد 9، العدد العاشر ص 208
  • الاقتصاد في مسائل الجهاد للشيخ محمد حسين البطالوي، طبع 1876 ، ص 16
  • إشاعة السنة، المجلد السادس، العدد العاشر ص 187
  • الاقتصاد في مسائل الجهاد ص 42
  • ثورة الهند
  • نصرة الأبرار -لاهور- ص 129
  • سوانح الأحمدي الكبير ص 71

(2)

نظام التبرعات

يقول المعترض أن عائلة المرزا مؤسس الأحمدية قد فرضت على أتباعه ضريبة تبلغ 6 وربع % من دخولهم. وأحيانًا 30%.

الواقع أن كل فرد من أبناء هذه الجماعة يضحي في سبيل الله تعالى بالمال امتثالا لأمره تعالى وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . ويرى من واجبه أن يسبق الآخرين في هذا المجال، ومن أجل ذلك قد تأسس في جماعتنا نظام مالي محكم جدًا. فتنفق هذه الأموال على مشاريع دينية خيرية عظيمة مثل: تراجم القرآن الكريم إلى عشرات اللغات العالمية، ونشرها وتوزيعها في العالم، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية والمستشفيات والمدارس في البلاد الفقيرة وغيرها من الأعمال الغيرية العديدة.

وجماعتنا هي الوحيدة التي لا تقبل أي دعم مالي من أية جهة كانت، لا من حكومة أو حزب أو مؤسسة، وكل قرش من هذه الأموال له حساب من أين يأتي وعلى من ينفق وكيف يُنفق، ومن اعترض على ذلك بلا شك في جهله وسوء نيته وأعماله.

اجتذاب غير المسلمين

ومن اعتراضات هذا الضال المضل أن 99% من الأحمديين جاءوا من الفرق الإسلامية، ولكن المرزا وجماعته لم يستطيعوا اجتذاب أتباع الديانات الأخرى إليهم وجعلهم مسلمين.

إن قوله هذه لهو كذب متعمد صريح، فقد دخل في جماعتنا عشراتٌ من غير المسلمين في حياته.. .. من السيخ والهندوس والنصارى وغيرهم. أما اليوم فإن الأحمدية هي الجماعة الإسلامية الوحيدة على وجه البسيطة التي تقبّل الله جهودها فأسلم مئات الآلاف من غير المسلمين واجتمعوا تحت راية المصطفى شاهدين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وهؤلاء ينتمون إلى كل الأديان تقريبًا وكل القارات.

ولقد انضم إلى جماعة المهدي في هذه السنة وحدها أكثر من مائتي ألف شخص، ومعظمهم من نصارى أفريقيا وأوروبا، فالحمد لله على ذلك. لقد دخلوا في الإسلام على يد أمير المؤمنين سيدنا مرزا طاهر أحمد، في بيعة عالمية تاريخية بُثت على الهواء عبر الأقمار الصناعية مباشرة في 31 يوليو 1993 من إسلام آباد، مقاطعة سرى، في اليوم الثاني للاجتماع السنوي لجماعة بريطانيا.

محمدي بيجم

ومن اعتراضاته أن المرزا (مؤسس الأحمدية) أصر على الزواج بفتاة من أقاربه تُدعى “محمدي بيجم” عمرها 17 سنة. وقال أن الله تعالى أمره بذلك.

إننا في هذه العجالة لا ندخل في تفاصيل هذا الحادث خصوصًا وقد سبق أن نشرنا هذه التفاصيل في مجلتنا هذه قبل شهور فقط في عدد (ديسمبر 1993)، إلا أننا نذكر أن طعنه يشبه تماما ما طعن به أعداء الإسلام – وخصوصًا المستشرقون والقساوسة سيدنا محمدًا بأنه تزوج فتاة صغيرة جدًا (عائشة)!! وليس جوابنا عليه إلا أن نقول: إذا لم تستح فاصنَعْ ما شئتَ.

ونختصر الكلام ونقول: كان سيدنا المهدي والمسيح ( ) في غنى عن هذا الزواج إذ كان متزوجًا من قبل وكان له أولاد. وإنما الله الذي أمره أن يطالبهم بذلك ليريهم آية، لأن هؤلاء كانوا يسبون النبي الكريم ، ويتآمرون مع أعداء الإسلام، ولكنهم لم ينتهوا، فعوقبوا أولا، وعندما كفوا عن سب النبي وعداء الإسلام، ومعارضة سيدنا المهدي.. .. عفا الله عنهم ما سلف.

فوالد هذه الفتاة وغيره من أقارب مؤسس الجماعة الذين تمادوا في معارضتهم له أول الأمر، فلم يبالوا بهذا الإنذار الإلهي، وكانت النتيجة أن مات أبوها في المدة المحدودة في الإلهام الذي نزل على مؤسس الجماعة، فتاب أقرباؤها الباقون عن معارضتهم لحضرته فنجوا من الموت، وكان هذا النبأ مشروطًا بشرط، فلما زال الشرط -وهو استمرار هؤلاء في معارضتهم لحضرته- زال المشروط، وتحقق الغرض من هذا النبأ، فلم ينج أفراد عائلة الفتاة من الموت فحسب بل زال شرط زواجها أيضا حتى دخل في الأحمدية العديد من أفراد عائلتها برؤية هذه الآية، ومن هؤلاء:

*السيد مرزا سلطان أحمد وهو زوج هذه الفتاة محمدي بيجم.

*السيدة والدة محمدي بيجم.

*السيدة محموده بيجم أخت محمدي بيجم.

*السيدة عنايت بيجم أخت محمدي بيجم.

*السيد مرزا أحمد حسن زوج أخت محمدي بيجم.

*السيد مرزا محمد بك أخو محمدي بيجم.

كما دخل في الأحمدية أولاد محمدي بيجم ذكورًا وإناثًا، وكل هؤلاء لا يزالون على إخلاصهم ووفائهم للجماعة.

أما هؤلاء الذين ظهرت فيهم هذه الآية فقد خافوا الله، وصدقوا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ولكن هذا  المعترض الشقي يطعن في حضرته كما كان القسيس عماد الدين -وكان خطيب جامع آغرا قبل تنصُّره- يطعن في سيدنا محمد بسبب زواجه بالسيدة عائشة رضي الله عنها، فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له.

ونعود ونكرر قولنا: من أراد الاطلاع على تفاصيل هذا الحادث فليرجع إلى (عدد ديسمبر 1993) من مجلة “التقوى”.

تناقضات في الدعوى

* يقول المعترض أن هناك كثير من التناقضات في أقوال وكتابات مؤسس الأحمدية.

ولكن الحق أنه لا يوجد في أقوال سيدنا المهدي أي تناقض أبدا. نعم من الممكن أن يكون حضرته قد قال شيئا بحسب علمه، ولكن الله تعالى صححه بوحيه فيما بعد، وهذا لا يسمى تناقضا، بل يسمى تصحيحا من عند الله، وقد حدث ذلك مع الأنبياء كثيرا.

والقرآن الكريم هو وحده البريء من التناقض، لأنه كلام الله تعالى. قال الله:

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (النساء: 83)

فليس ببعيد أن يكون في كلام البشر شيء من هذا التناقض، فما دام النبي بشرًا فيمكن أن يقول شيئًا قبل أن يخبره الله بالحقيقة التي تخالف ما قاله قبل تلقي الوحي. فمثلاً جاء عن سيدنا نوح.. .. قوله في القرآن الكريم: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ، ولكن الله تعالى قال له: إنه ليس من أهلك، والآن إذا لم يعتبر نوح ابنه من أهله فلا اعتراض عليه، لأن قوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي كان مبنيا على زعمه، وقبل تلقي الوحي، أن المراد منه أهل القرابة بالنسب، ولم يعرف أن المراد هنا هو أهل القرابة بالإيمان.

كما قال الله تعالى لرسوله :

وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (النساء: 114)،

وهذا يؤكد بوجود الاختلاف بين ما قاله النبي قبل تلقي الوحي وما قاله بعده. ولكن ذلك لا ينال من نبوته وصدقه، وإنما يشكل دليلا على صدقه وبراءته من التكلف. وقد يوجد مثل هذه الاختلافات أيضا فيما كتبه مؤسس الأحمدية، فيمكن أن يكون قد صدر منه قول يخالف ما تلقى من وحي الله فيما بعد. ولن يعترض على مثل هذا الاختلاف إلا جاهل أحمق أو معاند متعصب، ولو أن أحدًا اعترض بسبب ذلك، كما فعل هذه المعترض الشقي، فإنه في الحقيقة (أرغمه الله ولعنه) يهاجم النبي محمدًا ، لأنه سوف يجد مثل هذه “الاختلافات” في أقوال الرسول ، أيضا.. فقد قال مرة: “لا تخيِّروني على موسى” (1)، وقال: “من قال أنا خيرٌ من يونس ابن متّى فقد كذب” (2)، ثم قال بعد ذلك:

“أنا سيدُ وُلد آدم ولا فخر” (3)

فلا شك أن هذا الشقي قد انضم بهذا الاعتراض إلى صفوف المهاجمين على الأنبياء وخاصة على الرسول ، ومن هؤلاء الزعيم الهندوسي باندت ليخ رام الذي قال في أحد كتبه عن القرآن الكريم: “القرآن مرة يقول: ادعوا ربكم تضرعًا وبصوت عالٍ. ومرة أخرى يقول: ادعوا ربكم سرًّا وفي الخفاء. فأي القولين صحيح؟ هذه الأقوال المتناقضة لا تصدر إلا من المجانين” (4)

نعوذ بالله من هذه البذاءة، ونعوذ بالله من هؤلاء الأشقياء.

تهمة سب المعارضين

المعترض الشقي يقول أن مؤسس الأحمدية سب معارضيه واستخدم ضدهم لغة شديدة.

الواقع أن حضرته بالفعل قد استخدم لغة شديدة ضد بعض الأشقياء الذي تعودوا على استخدام السب والبذاءة ضده وباستمرار، وفعل ذلك بناء على قوله تعالى: جَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ، كما ذكر سبب ذلك قائلا:

“لقد استخدمتُ فعلا لهجة شديدة إلى حد ما ضد المعارضين في بعض المناظرات الخطية، ولكن لم تكن البداية مني أبدًا، وإنما صدرت جميع كتاباتي هذه ردًّا على هجمات شرسة جدًا، لقد استخدم المعارضون في كتاباتهم ضدي لهجة شديدة وسبًا لاذعًا، فرأيت من المصلحة أن أرد أنا أيضا بشيء من الشدة.. وكان في ذلك الرد مصلحتان، الأولى: أن يغير المعارضون أسلوبهم بقراءة كلمات شديدة مقابل شدتهم فيتمسكوا في المستقبل بالأدب، والثانية: حتى لا يثور عامة المسلمين بقراءة عبارات مجرحة للعواطف مثيرة للغضب من أقلام هؤلاء المعارضين، فعند قراءة كلمات منا شديدة اللهجة لحد ما ستهدأ طبائعهم الثائرة قائلين: إذا كان  الطرف الأول قد استخدم لغة شديدة فإنه قد قوبل من الطرف الثاني بشدة مثلها جزاءً على ما فعل أولا” (5)

إذن فسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود لم يكن هو البادئ في استخدام اللغة الشديدة، بل فعله لما عدى معارضوه كل حدود البذاءة والسباب والظلم، وقد فعل ذلك بناء على قول الله تعالى:

لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ .

وثانيا: لقد سبق أن استخدم أسلافنا من صلحاء الأمة لغة شديدة ضد المعتدين كهؤلاء. فمثلا قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:

“من شهد علينا بالزنا فهو ولد زنا” (6)

وكذلك روى أبو حمزة عن الإمام جعفر الصادق:

“عن جعفر قال: قلت له: إن بعض أصحابنا يفترون يقذفون. فقال: الكفُّ عنهم أجمل، ثم قال: والله، يا أبا حمزة، إن الناس كلهم أولاد البغايا ما خلا شيعتنا.” (7)

فالمعنى الذي أراده هؤلاء الصلحاء من كلمات مثل: “أولاد البغايا، أو ابن بغاء.. أراده بعينه مؤسس الأحمدية”.

وثالثا: استخدم مؤسس الجماعة هذه الكلمات الشديدة مثل (خنازير) ضد أولئك الأشرار من القساوسة الذين سبوا نبينا محمدًا وهاجموه بأنواع التهم المنكرة القذرة، كما طعنوا في أزواجه أمهات المؤمنين حتى ألفوا كتبًا في سب هذه الشخصيات المقدسة: مثل كتاب: “أمهات المؤمنين”، و”رنجيلا رسول”. ولا ندري من الذي وكّل هذا المعترض الشقي وأمثاله مهمةَ الدفاع عن هؤلاء القسس الأشرار.

ورابعًا: لقد قال حضرته عن هؤلاء الأشرار تقريبًا نفس ما قاله الرسول في وصفهم حيث قال: “تكون في أمتي فَزَعَةٌ، فيصير الناس إلى علمائهم، فإذا هم قِردةً وخنازير”. (8)

لعل هذا الشقي عندما يقرأ هذه الكلمات من الرسول فإنه لشقاوته سوف يهاجمه!؟

الوحي بعدة لغات

كما يقول المعترض المتعصب أن الرسول أُوحِيَ إليه بلغة واحدة.. العربية، ولكن مؤسس الأحمدية يدعي بتلقي الوحي بعدة لغات، مع أن الله يقول:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ .

لا ندري ماذا يحتج به المعترض من هذه الآية؟ فهي واضحة المعنى. يقول الله بأننا أرسلنا كل رسول بلسان قومه ليبين لهم بلسانهم ما نزل عليه، كي يفهموه. والآية لا تذكر أبدًا أن كل وحي ينزل عليه يكون فقط بلغة قومه، ولقد قال صاحب روح المعاني في تفسيرها:

“إلا بلسان قومه” أي متكلمًا بلسان من أُرسلَ إليهم من الأمم” (9)

وقال صاحب مدارك التنزيل:

“إلا بسلان قومه.. إلا متكلما بلغتهم” (10)

إذًا فالله تعالى لم يقيِّد لغة الوحي، كما أنه تعالى ليس بملزم لإنزال الوحي بلسان واحد، وإنما يقول إنه من الضروري أن يبين صاحب الوحي كلام الله لقومه بلسانهم. وقد فعل سيدنا المهدي والمسيح.. .. نفس الشيء وبين لقومه بلسانهم ما نزل عليه من وحي الله.

وإنه من خصوصيات الرسول محمد أن كتابًا عظيما معجزا مثل القرآن نزل عليه بلسان عربي مبين وهو أم الألسنة. ولكن الله تعالى ليس بملزَم لإنزال كل وحي باللغة العربية فقط، هناك الآلاف من صلحاء الأمة الذين كانوا من بلاد مختلفة، وتكلم الله معهم بألسنتهم المختلفة ولم يتقيد بالعربية، ولقد نزل الوحي الإلهي على سيدنا المهدي والمسيح الموعود باللغات المتداولة عندئذ في القارة الهندية كالعربية والفارسية والأردية والبنجابية والإنجليزية، كما أُوحيت إليه عبارات بالعبرانية توجد في كتب دينية لحكام الهند عندئذ وهم الانجليز المسيحيون، وكانوا يفهمونها، إذن… فالوحي النازل على مؤسس الأحمدية لم يخرج عن كونه “بلسانه قومه”.

سلطان القلم

يقول المعترض الشقي أن مؤسس الجماعة في أول الأمر نال من بعض قادة المسلمين لقب “الكاتب المدافع عن الإسلام”، ولكن لما رأى أن هذا المجال مليء بكتّاب آخرين بارزين وأنه لن يشتهر أكثر، فإنه اختار لنفسه ألقابا جديدة كالمجدد، والمهدي والمسيح، وآدم، بل أفضل منهم أيضا.

يبدو أن الازدهار الذي حققته وتحققه جماعة سيدنا الإمام المهدي قد أحرق قلب هذا الحاسد، فهو يحترق حسدًا ويموت كمدًا، ولا يدري ماذا يهذي.

أيها القارئ الكريم، لو قرأت قوله هذا وجدت أنه يدعي بدعوى ثم يأتي عليها بدليل لا يدعمها بل يهدمها، وبيان ذلك أنه إذا كان مؤسس الجماعة لم يستطيع أن ينال مقامًا حتى بين الكتّاب البارزين فكيف كان بإمكانه أن ينال منزلةً عند الناس بألقاب فخمة كهذه! الذي لم يتقن عَمَلَ شيء عادي كيف استطاع أن يحسن أعمالا عظيمة، إن الدليل الذي قدمه هو كقول: هُزم فلان في سباق القفز لمسافة مترين اثنين، ولكنه هزم الآخرين في مسافة عشرة أمتار؛ أو مثله كمثل الذي قول: فلان كان لا يقدر على عبور جدول صغير بالسباحة، ولكنه عبر النهر الواسع سابحًا!!

أيها المتعصب، مت بغيظك ألف مرة، ولكن لا تقل أن مؤسس الأحمدية لم يستطع أن ينال مقامًا بين الكتّاب البارزين المدافعين عن الإسلام، لأن أسلاف أسيادك الهنود أنفسهم قد اعترفوا بمكانته المرموقة بين الكتاب الإسلاميين وأشادوا بكتبه أيما إشادة، ومنهم المولوي أبو الكلام آزاد رئيس تحرير جريدة “الوكيل” الصادرة من أمرتسار بالهند، وآزاد هذا كان من أبرز الكتاب إن لم يكن أبرزهم، لقد كتب عند وفاة مؤسس الأحمدية:

أ- “لقد ارتحل ذلك الشخص العظيم الذي كان قلمُه طلسمًا، ولسانُه سحرًا، ونفسُه أعجوبةً من عجائب العقل، ونظرُه فتنةً، وصوتُه قيامةً، وأصابعهُ أسلاكًا كهربائية تحدث انقلابات، وراحتاه بطاريتين، لم يزل طول 30 عامًا كزلزال وطوفان وصيحة قيامة توقظ النيام في عالم الأديان… ومثل هؤلاء الشخصيات التي تحدث انقلابات في عالم الأديان أو عالم العقل لا تولد إلا نادرًا، بل إن هؤلاء، وهم وسام شرف في صدر التاريخ، يظهرون في الدنيا قليلاً جدًا، وعندما يظهرون فيحدثون انقلابات في العالم.

“ورغم وجود اختلاف شديد بينه وبين المسلمين الآخرين في بعض المسائل إلا أن رحيل المرزا أشعر المثقفين والمتنورين منهم أن عظيما من عظمائهم قد فارقهم للأبد. وكونه عاش قائدًا منتصرًا ضد أعداء الإسلام يُجبرنا على الاعتراف بهذه الحقيقة لكي تستمر في المستقبل أيضا حركته العظيمة التي أرغمت أنوف أعداء الإسلام وهزمتهم لفترة طويلة.إن المنشورات التي ظهرت على يد المرزا ضد المسيحيين والآريين قد لاقت رواجًا عظيمًا وقبولا عامًا. وهو في غِنًى عن التعارف في هذا المجال. وإننا لمضطرون اليوم لنقبلَ من أعماق القلوب عظمة تلك المنشورات بعد أن حققت الغرض منها. ذلك أننا لا نستطيع أن ننسى تلك الأيام الحالكة التي كان الإسلام فيها محاصرًا من كل طرف بأيدي الأعداء، وكان المسلمون الذين فرض عليهم الله المحافظُ الحقيقي أن يذودوا عن حياض الإسلام –يئنون ويتأوهون لما أصابهم بسبب تقصيراتهم، لقد كان بعضهم يحاولون أن يفعلوا شيئا للدفاع عنه، ولكن ما كانت بهم قوة لذلك. لقد بلغ بهم ضعفهم وقلة حيلتهم في هذه المعركة درجةً أنه ما كانت بأيديهم حتى السهام إزاء المدافع المدويّة. لذلك لم يكن هناك أي أثر للدفاع عن الإسلام، دعك عن الهجوم على أعدائه، ولكن هذا الدفاع الذي قام به (مؤسس الأحمدية) أزال كل تأثير حققته المسيحية في بداية الأمر.. مما أنقذ آلاف المسلمين من خطر التنصر. وليس هذا فحسب، بل بسبب دفاعه بدأ طلسم المسيحية نفسها يتبخر وينعدم، وأصبح الغالب مغلوبًا والمغلوب غالبًا.

كما قام حضرة المرزا بخدمة عظيمة للإسلام بكسر الأنياب السامة للطائفة الآرية من الهندوس. وكتاباتُه ضد الآرية لا تترك مجالا للشك في أنه مهما اتسعت دائرة الدفاع عن الإسلام فلن نستطيع الاستغناء عن كتاباته في هذا الموضوع. ولا نرى أنه سيولد في عالم الأديان بالهند شخص كمثله يضحي هكذا بأمانيه الغالية في دراسة الدين.

الحق أن الأجيال المسلمة القادمة ستظل تنظر بالإعجاب والامتنان إلى الخدمة العظيمة التي قدمها حضرة المرزا للإسلام، فقد أدى فريضة الدفاع عن حياض الإسلام متصدرا صفوف المدافعين عنه بالقلم، وخلف كتابات لسوف تظل حيةً مشرقةً ما جرت في عروق المسلمين دماء الغيرة على الإسلام، وما دامت حماية الإسلام شعارًا قوميًا لهم”. (11)

هذه هي شهادة أحد مشاهير العلماء المسلمين بالهند، ممن كان لديهم تقوى وإنصاف، والذين كان لديهم ذوق رفيع في الأدب وباع طويل في الدين.

ب. ويقول المرزا حيرت الدهلوي محرر جريدة “كرزن جزت” مؤبِّنًا:

“إن الخدمات العظيمة التي قدمها المرحوم أثناء دفاعه عن الإسلام ضد هجوم الآريين والمسيحيين لجديرة حقا بالإشادة والثناء. لقد غير تمامًا أسلوب المناظرة، ووضع أساسًا لكتابات جديدة بالهند، إننا نعترف، كمحقق وليس كمسلم، بأنه لم يكن بوسع أحد من زعماء الآريين ولا من قساوسة المسيحيين، مهما كان علمه ودرجته، أن يفتح فاه أمام حضرته. ولم نَرَ إلى الآن لا من الآريين ولا من المسيحيين وغيرهم من أعداء الإسلام ردًّا منطقيا على كتاباته المليئة بأدلة قاطعة وأجوبة مفحمة، أللهم إلا السباب والشتائم التي كالها الآريون الهندوس ضده أو ضد الشخصيات الإسلامية الأخرى أو ضد أصول الإسلام.لقد كان قلمه قويًا لدرجة أننا لا نجد اليوم كاتبًا مثله في إقليم البنجاب بل في الهند كلها. لم يزل رأسه على الدوام مليئًا بكلمات قوية مؤثرة صادقة. وعندما كان يجلس لكتابة موضوع كانت الكلمات المتزنة المناسبة تتوارد عليه بصورة لا يمكن وصفها. إن الذين لا يعرفون المولوي نور الدين المرحوم، خليفته الأول، ولكننا، بناء على معرفتنا الذاتية للمولوي نور الدين، نقول وبكل تأكيد أنه لا يقدر على كتابة حتى بضع جمل مثل المرزا المحترم. إن كتاباته القوية لهي عديمة المثال في عظمتها وشأنها، وبقراءة بعضها تستحوذ على القارئ بالفعل حالة من السرور والوجدان” (12)

ج. وكتب السيد ممتاز علي محرر مجلة “تهذيب النسوان” (تربية النساء) الصادرة من لاهور:

“كان حضرة المرزا المرحوم وليًا من أولياء الله الكبار، كان فيه قوة الخير التي تسخر قلوب حتى أشد الناس قسوة، كان عالمـًا خبيرًا مصلحًا ذا عزم صميم ومثالا للحياة الطاهرة. إننا لا نعتبره “مسيحا موعودا”، ولكننا، مع ذلك، نرى أن تعاليمه وتوجيهاته كانت بالفعل تحيي النفوس الميتة” (13)

د. وقال مدير “صادق الأخبار” الصادرة من ريوارى:

“لقد أفحم المرزا أعداء الإسلام للأبد بتقديم ردود قوية على اعتراضاتهم والواهية، وذلك في خطاباته المؤثرة وكتاباته العظيمة، وأثبت للناس أن الحق حق. إنه لم يأل جهدا ولم يفتَر لحظة في الدفاع عن الإسلام، وأدى حق خدمة الإسلام حق التأدية، ومن مقتضى العدل والإنصاف أن نبدي أسفنا على موت مفاجئ لهذا المناضل البطل للإسلام، والنصير للأمة الإسلامية والعالم الفذ المنقطع النظير.” (14)

ه. وكتب الخواجة حسن النظامي الصحافي الشهير والمنتمي إلى عائلة شهيرة محترمة في كل الهند:

“كان المرزا غلام أحمد المحترم من أفاضل الناس في عصره، إن قراءة كتبه وملفوظاته تنفع الإنسان فائدة عظيمة، ولا يسعه الاعتراف بسعة علمه وفضله وكماله” (15)

هذا نموذج صغير من اعترافات مشاهير الكتاب الهنود المسلمين الذين اعترفوا، بما لا يدع مجالا للشك، بقوة قلمه وسعة علمه، ولكنك، أيها المعترض الجهول، تقول أن مؤسس الأحمدية لم يستطع أن ينال مكانةً بين الكتاب البارزين المدافعين عن الإسلام!!

أما اعتراضك أنه فيما بعد ادعى بكونه مسيحا موعودًا وإماما مهديا، بل أفضل من ذلك، فلا وجه للاعتراض على هذا، لأن مكانة الإمام المهدي عالية جدا كما ذكرها الإمام ابن سيرين:

“قال ابن أبي شيبة في باب المهدي عن محمد بن سيرين، قال: يكون في هذه الأمة خليفة خيرًا من أبي بكر وعمر، قيل:: خير منهما؟ قال كاد يفضل على بعض الأنبياء. وفي لفظ: لا يفضل عليه أبو بكر وعمر. (16)

وقال الإمام عبد الرزاق القاشاني، رحمه الله تعالى:

“المهدي الذي يجيء في آخر الزمان فإنه يكون في أحكام الشريعة تابعًا لمحمد ، وفي المعارف والعلوم والحقيقة تكون جميع الأنبياء والأولياء تابعين له كلُّهم، ولا يناقض (هذا) ما ذكرناه، لأن باطنه باطن محمد ” (17)

لا مهدي إلا عيسى

ومن ترهاته أن الأحمديين يبنون صدق دعوة “مسيحهم ومهديهم” على الرواية القائلة: “لا المهدي إلا عيسى”، ولكن راويها محمد بن خالد الجندي وهو كذّاب، وأصل الحديث الذي رواه عدة رواة هو: “لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا شحًا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس”، ولكن الجندي دسّ من عنده كلمات: “ولا المهدي إلا عيسى”. فما دام الجندي كذابًا فقد انهار بناء الأحمدية القائم على هذا الحديث الكاذب.

سبحان الله، فالشخص الذي يصدق فيه وفي أقواله قول الله تعالى:

مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ..

هذا الشخص يزعم أن صرح هذه الجماعة قد انهار. وذلك بناء على مقياسه الواهي السخيف.

قال العلامة الحافظ ابن كثير، رحمه الله:

“هذا حديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعين، وروى عنه غير واحد أيضا وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم، بل روي عن ابن معين أنه ثقةٌ” (18)

وقال العلماء: كل حديث لا يعرفه ابن معين فهو ليس بحديث” (19)

فعقيدة كون المسيح هو المهدي أمرٌ أكده الرسول ، فلقد قال الرسول في حديث آخر:

“يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إمامًا مهديًا وحكما عدلاً” (20)

أي أن عيسى ابن مريم المسيح الموعود هو الذي سينزل بصفة الإمام المهدي. وهذا ما اعتقد به الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل، والإمام الحافظ بن كثير والإمام ابن ماجه والإمام ابن معين. وليس الصلحاء الأوائل من الأمة هم وحدهم الذين تمسكوا بهذا الحديث والعقيدة، بل قال به أيضا المتأخرون من صلحاء الأمة.

يقول الصوفي الشيخ محمد إكرام الصابري:

“إن روح عيسى سوف تبرز في المهدي، وهذا هو المعنى من نزوله، حسب الحديث لا المهدي إلا عيسى ابن مريم” (21) (يُتبع)

الهوامش

  1. صحيح البخاري، كتاب الخصومات.
  2. المرجع السابق، كتاب التفسير، سورة النساء.
  3. صحيح البخاري.
  4. ستيارث بركاش، للباندت ليخ رام، ب14. دفعة75 ص 734.
  5. كتاب البرية، الخزائن الروحانية ج 12 ص 11.
  6. كتاب الوصية، طبعة حيدر آباد بالهند، ص 29.
  7. فروع الكافي، كتاب الروضة، مطبعة نول كشور، بالهند ص 135.
  8. كنز العمال.
  9. تفسير روح المعاني، للشيخ الألوسي، سورة إبراهيم الآية 5.
  10. تفسير مدارك التنزيل، سورة إبراهيم، الآية5.
  11. جريدة “وكيل”، “أمرتسار” يونيو 1908 وجريدة “الملة” لاهور 7 يناير 1911.
  12. مجلة “كرزن جزت” 1 يونيو 1908
  13. مجلة “تشحيذ الأذهان” ج 3 ص 382 عام 1908.
  14. المرجع السابق.
  15. جريدة “المنادي” 25 فبراير إلى 4 مارس 1930.
  16. حجج الكرامة، للنواب صديق حسن خان، ص 386.
  17. شرح العلامة القاشاني على “فصول الحكم” ص 35.
  18. هامش على ابن ماجه لابن كثير، باب شدة الزمان.
  19. تهذيب التهذيب.
  20. مسند أحمد بن حنبل، الجزء الثاني ص411.
  21. اقتباس الأنوار للصوفي محمد إكرام الصابري ص 52.
Share via
تابعونا على الفايس بوك