- ما المعنى الأدق للصحة؟
- كيف كانت الرياضة ممارسة روحية منذ البدء؟
____
جميلة هي المقولة الشعبية الشائعة شيوع المثل السائر، ونعني هنا مقولة موجزة تتألف من كلمتين «صحتان وعافية، وتُقال تمنِّيًا لتمام الصحة والعافية لمن نحب. وتُقال تمنِّيًا لتمام الصحة والعافية لمن نحب. وبإتمام قراءة هذا المقال المقتضب، سندرك أنهما صحتان حقا، لا صحة واحدة..
حين نفكر أو نتحدث عما يؤثر في النفس إيجابا أو سلبا، فلا يعني هذا أن الحديث مقصور على الأمور الروحية والدينية وحسب، سيما بعد أن عرفنا ما للممارسات الجسدية من تأثير في الروح والعكس. من هذا المنطلق ثبت ما لصحة الإنسان الجسدية من تأثير خاص في النفس، وثمة العديد من الأنشطة التي تتعلق بالصحة الجسدية رغم أنها ليست جزءا من شعائر الدين، كنوعية وأسلوب الغذاء، وكذلك ممارسة الرياضة الجسمانية، ووصفنا للرياضة هنا بالجسمانية، تمييزا لها عن نوع آخر من الرياضات، وهو الرياضة الروحية، كرياضة التأمل ورياضة الصوم، وسائر المجاهدات الأخرى. والحديث في هذا المقال عن الرياضات الجسمانية بوجه خاص.
المعنى الأدق للصحة
المرء حال مرضه ربما يكون بمقدوره القيام بالأعمال الجسدية التي تسبب له مشقة وإجهادا، بما قد يؤثر على صحته السيئة فيجعلها أسوأ! بينما قد يمكنه في كثير من الأحيان أداء أنشطة ذهنية، وأحيانا معقدة، ولكن القاعدة الأشيع هي أن الإنسان يعجز غالبا عن إعمال ذهنه حال المرض، وهذا موضوع طويل بحيث لا يتسع المقام لشرحه.
في الحقيقة إن الصحة بمعناها الدقيق لا تقتصر على مجرد الخلو من الأمراض العضوية بقدر ما تعني التمتع بالقوى الذهنية الباطنة، وحتى إذا افترضنا خلو شخص ما من الأمراض العضوية مع فقده قواه العقلية، فلن نعتبر مثل هذا الشخص صحيحا بحال!
وقوى جسد الإنسان تنقسم إلى قسمين: قسم متعلق بأعضاء الجسد المادية، والآخر متعلق بقدرة ذلك الجسد على التحمل. أحيانا تبدو قدرة الإنسان على التحمل عالية، بحيث لا يمكن للأمراض الجسدية ثنيها. في هذه الحال يستطيع دماغ الإنسان أن يؤدي أعمالا ذهنية عديدة. ولكن في بعض الأحيان تضعف قدرة التحمل أيضا، ويصاب الجسد بالوهن، وهنا تكون قدرة الإنسان العقلية قد تأثرت سلبا بمرضه. القاعدة العامة هي أن الحال الجسدية السيئة تؤثر كثيرا على دماغ الشخص الذي لا يتمتع بقدرة تحمل جيدة. حينئذ تنشأ أمراض روحية مثل الكسل والوهن والجُبن لدى هذا الشخص على الأقل، فإذا ما وُجِدَت هذه الأمراض الروحية في قوم ما على المستوى الجماعي، فسرعان ما تُسفِر عن نتائج خطيرة، المدهش بهذا الصدد أن سيدنا خاتم النبيين استعاذ منذ بضعة عشر قرنا من تلك الأمراض الروحية سالفة الذكر فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ»(1).
الرياضة منذ القدم
حرصا على صيانة وتنمية الصحة الروحية والنفسية والجسدية، مورست أنواع الرياضات منذ القدم، حتى إن الألعاب الأولمبية، وهي إحدى الفعاليات الرياضية القديمة بدأت في الأصل كطقس ديني عند سفح جبل أولمب في بلاد الإغريق قديما، فقد بدأت كعبادة وتقرب للآلهة وترويح عنهم في الأساس، ولهذا فالهدف الأساسي من إقامة تلك الدورات الأولمبية هو إضفاء الحب ونشر السلام بين الناس، وكانت تتوقف خلال إقامتها الحروب نهائيا، ولعل الأمر يبدو مشابها لما كان عليه في بلاد العرب من إقامة موسم الحج خلال الأشهر الحرم التي كانت تتوقف فيها الحروب بين القبائل العربية قبل البعثة المحمدية.
ولم يعد خافيا ما للرياضة من أثر إيجابي فعال إذا مورست بانتظام في سن مبكرة، لذلك ينبغي أن تُغرس عادة ممارسة الرياضة في نفس الإنسان منذ طفولته حتى يتولد النشاط والرشاقة في جسده، فتبقى أعضاؤه صحيحة ولا تتأثر قوة شجاعته سلبا. وممارسة الرياضة تُعتبر ذريعة للتعرق الذي يزيل الكثير من الجراثيم، الأمر الذي يُفسِّر أننا حين نهمل ممارسة الرياضة البدنية وننخرط في أنشطة عقلية حصرا، فإن هذا سرعان ما يعود بالضرر على قوى الدماغ.
لقد لفتت حقيقة أهمية ممارسة الرياضة أنظار التربويين والمصلحين منذ القدم، حتى إن أحد عظماء الإسلام، وهو الخليفة الثاني حضرة عمر الفاروق t أوصى بأن يشرف الآباء على ممارسة أولادهم أنواعا من الرياضات البدنية التي تربي فيهم قوة التحمل والثبات الانفعالي والتركيز وسرعة البديهة، فقال: «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»(2).
في الحقيقة تربية الأولاد من خلال ممارسة الرياضة أمر ضروري جدا، وإشراكهم في أنشطة عقلية حصرا يحقق الفائدة بقدر كاف، فطريق التربية الصحيح في تلك السن يكون بسلوك طريق اللعب الذي يورثه النشاط والرشاقة.
الهوامش:
- (صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير)
- المتقي الهندي، كنز العمال، رقم ٤٥٣٤٢