دجل الدجال

دجل الدجال

  • إن صفات الدجال تؤكد أنه ليس رجل .
  • من واجب المسلم أن يحذر الدجال ولا يقع في شركه.
  • يتجلى الدجال في مجالات كثيرة وأهمها التفاسير المغلوطة.
  • بعثة مسيح آخر الزمان رحمة للعباد لنشلهم من فتنة الدجال.

__

ترى لو كان الدجال الذي تنبأ بخروجِه الرسولُ مجردَ رجل خارق، فهل يُطلق عليه الدجال؟ أم كان يجب أن يسمى بالرجل الخارق أو العملاق أو الهائل أو ذي العجائب؟
بل إنه واضح من هذا الوصف أنه لَقب، لأنه يحترف الكذب والتضليل والخداع والتزييف وإظهار الحق بصورة الباطل والباطل في صورة الحقّ. وواجبُ المسلم حين يرى هذا الدجال واحترافه أن يتنبّه حتى لا يسقط في شَرَكه. أما لو كان مجرد رجل ضخم يخرج علينا ولا نستطيع شيئا مقابله فلا قيمة للتنبؤ به؛ فالنبوءات ليست لمجرد التنبؤ، بل فيها تحذير أو تبشير أو تقوية إيمان، فأين هذه الغايات من نبوءة خروج رجل ضخم مفتول العضلات وجعد الشعر وله قدرات ألوهية؟
لستُ هنا بمعرض أدلة نقض التفسير التقليدي للدجال، فهي كثيرة، بل أريد توضيح كيف تنطبق هذه الصفات الدجالية على إحدى قنوات التنصير العربية، وبه سيُعرف الدجال عمليًّا وواقعًا. وفيما يلي مظاهر هذا الدجل مع أمثلة ترتبط بالمرأة، ولن نتطرق لأمثلة تتعلق بالجهاد والوحي وغيرها، وما أكثرها!، فهي على المنوال نفـسه:
أولاً: سياسة ويل للمصلين وفيما يلي مثال:
يقول قمص دجال: إن الرسول قد أخذ الفتاة الفزارية من الصحابي سلمة، حسب ما جاء في البداية والنهاية لابن كثير، ثم سرد ما جاء فقال: “قال سلمة خرجنا مع أبي بكر وأمَّره رسول الله علينا فغزونا بني فزارة.. وفيهم امرأة من فزارة ومعها ابنة لها من أحسن العرب فوهبني أبو بكر بنتها. فما كشفت لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا وفي الغد لقيني رسول الله في السوق فقال لي: يا سلمة هب لي المرأة.. يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك (أي هدده) فقلت يا رسول الله، والله ما كشفت لها ثوبا وها هي لك يا رسول الله”. يحاول هذا الكذوب أن يقول إن الرسول يأخذ السبايا الجميلات اللاتي يقعن في نصيب الصحابة الآخرين غصبًا. ولكن، اقرأوا تكملة الرواية التي قصّها.
فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ. (مسلم، البداية والنهاية). إذن واضح من النص أن الرسول لم يأخذها ليتزوجها بل ليبادل بها بعض الأسرى من المسلمين.
ثانيا: اعتمادهم على أخطاء الفقهاء، مع علمهم أنّ هذه الأخطاء ليس عليها دليل قرآني أو حديثي، أو أنها منقوضة بأدلة قرآنية واضحة. وفيما يلي أمثلة:

1. إمكانية بقاء الجنين في بطن أمه عشر سنوات!
القائلون بذلك من الفقهاء اعتمدوا على معلومات عصرهم وشهادات نساء جاهلات أو مُوَسْوَسات أو كاذبات، ولم يعتمدوا على القرآن الكريم ولا على الأحاديث النبوية، فلا مبرر لِلَوم الإسلام على ذلك، وإلا فأتباع الأديان الذين مضَوا كانوا يقولون بما لدى عامة الناس من مفاهيم تتناقض مع العلم ومنها ديانة هذا الدجال. مع أنّ القرآن الكريم بيّن مدة الحمل في قوله وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا (الأحقاف: 15)، وقد قال ابن حزم: “ولا يجوز أن يكون حملٌ أكثرَ من تسعة أشهر ولا أقلَّ من ستة أشهر لقول الله تعالى وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا وقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ (البقرة: 233). ومن ادعى أن حمْلاً وفصالاً يكون في أكثر من ثلاثين شهراً فقد قال الباطل والمحال وردَّ كلام الله عز وجل جهارًا. (المحلى). فهذه الآيات تنقض رضاع الكبير وتنقض الحمل الطويل.

2. زواج الرجل من ابنته من الزنا!
قولُ بعض الفقهاء بذلك لا يعني أنّ المسألة قد طُرحت عليهم عمليا.. أعني أنه لم يأتِ رجل يستفتي قائلا: لقد زنيتُ قبل عشرين سنة بفلانةٍ، فأنجبتْ فلانةَ التي صارت في سنّ الزواج الآن، وأريد أن أتزوجها، فهل يجوز لي ذلك؟ كلا، لم يحصل مثل ذلك البتة، فالزاني لا يعرف أنّ فلانة هي ابنتُه من الزنا أصلا، ثم لو عرف جدلا، فهو لن يكون وقحًا لدرجة أن يعترف بالزنا، ثم يطلب الزواج منها. فالمسألة نظريةٌ بحتة، وهي مثل كثير من المسائل النظرية البحتة التي أنشَأَتها التُّخَم الفقهية، وإلا كان على الفقهاء ألا يتحدثوا بمثل هذا ولا يتطرقوا إليه.
وحجةُ من قال ذلك هي أنّ بنتَ الزنا جاءت من ولادةٍ لا يتعلق بها ثبوت النسب، فما دامتْ لا تنتسب إلى صاحب النطفة، وما دام لا يجوز أن نقول إنها بنت فلان، لذا فهي أجنبية عنه. والزواج بالأجنبية جائز. ولكن فات صاحب هذه الفتوى أنه إذا كان الإسلام قد حرَّم على الرجل مَن تُرضعها زوجتُه، فكيف لا يحرِّم عليه البنت التي من نطفته! يعني إذا أرضعت امرأةُ زيدٍ هِندًا، فلا يحلّ لزيدٍ أن يتزوج هندًا، مع أنه لا صلةَ مادية بينهما، أما في مسألتهم هذه فالصلة واضـحة، وهـي أن البـنت من نطـفة الرجـل.

3. أنّ المحلّل مأجور!
مع أنه لا يجهل مسلم الحديث الشريف: “لَعَنَ الله الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ” (أبو داود)، ولا الحديث: ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ الله الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ” (ابن ماجة)، لكن الدجال لا يتطرق إلى هذين الحديثين قط، ولا يركز سوى على عبارة شاذة لا يُعرف قائلها، وهي: “وَقِيلَ الْمُحَلِّلُ مَأْجُورٌ، وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ. (درر الحكام شرح غرر الأحكام) ومعلوم أن التحايل مذموم، فكيف بالتحايل على الشرع؟ ومعلوم أنّ الحكمة من قوله تعالى (الطلاق مرتان) هو أن لا يتهاون الناس بالطلاق، وأن لا يُقدم المرء عليه إلا بعد يقينه أنه أفضل من استمرار الزواج. أما لو لم يكن مقيَّدا بعدد فقد يطلّق الرجل امرأته كلما غضب منها! وهذا فساد كبير. وينتج عن هذا أنه لا تحلّ عودة المرأة إلى الرجل بعد أن يطلقها التطليقة الثالثة. والباب أمامها مفتوح لتتزوج من تشاء. فإذا تزوجت زوجا آخر بِنِيّة الزواج الحقيقي وليس التلاعب، ثم اختلفا وطلَّقها ولم يُرجعها خلال فترة العدة، فيمكنها أن تتزوج زوجًا آخر، حتى زوجها الأول يُسمح لها بالزواج منه؛ ذلك أنها إنْ لم تستطع العيش مع الزوج الثاني فلعلها توقن أنها هي من سبَّبَت الخلاف، أو لعل زوجها الأول يغيّر من طباعه ويتعهد بتغيير ما كان عليه. فالإسلام لا يريد أن يجعل من الطلاق ألعوبة، وفي الوقت نفسه يريد أن يمنح المخطئين فُرصًا. المهم أنّ الأحاديث تلعن المحلّل وتصفه بالتيس المستعار، لكن الدجّال لا يتحدث إلا عن تصرفات الناس الخاطئة وعن فتوى لا يُعرف قائلها وتُناقض النصوصَ الواضحة القاطعة.

4. إذا أحبَّ الرسولُ امرأةً فيجب على زوجها أن يطلِّقَها!

معلوم أن زينب بنت جحش كرهت زوجَها زيدَ بن حارثة رضي الله عنهما ولم تعُد تطيقه، فظلّت تطالب بالانفصال عنه، وبعد أن حقَّق لها الرسول مرادها وانقَضَتْ عدتُّها أمر الله رسوله بالزواج منها قضاءً على عادة العرب في عدم الزواج من مطلقات أدعيائهم، وتعويضا لزينب عما لحقها من ضرر بزواجها من زيد الذي كان بطلب من الرسول نفسه لإزالة العصبيات وترسيخ المساواة.. لكنّ الدجال يخفي هذه الحقائق ويركز على قول شاذ قاله أحدهم، وهو أن الرسول قد رأى زينب في ثياب خفيفة في بيتها فأعجبته، فطلقها زيدٌ، لذا “إذا أحبَّ الرسولُ امرأةً فيجب على زوجها أن يطلِّقَها”. فالعالِم الذي هرأ بهذا لم يستدلّ بآية أو حديث، بل بناه على إضافةٍ مغلوطة للقصة. والدجالُ حين يبني على هذا القول الفاسد يركز على تصوير الرسول أنه كان يطيل النظر إلى النساء، وأنه حيثما أعجبته امرأة وجب على زوجها تطليقها فورا، وكأنّ هذا الحدث يتكرَّر شهريا! والعياذ بالله. فماذا هو الدجل إن لم يكن هذا؟ وما هو التضليل إن لم يكن التصيّد الكاذب؟

5. المهر هو ثمن المرأة، فالزواج بيع وشراء!
مع أنّ المهر هو هدية للزوجة يعبر فيها الزوج عن بذله الغالي والنفيس من أجل الحصول على زوجته. ولكن لا ينبغي المغالاة في المهور بحيث لا يتمكن الشباب من الزواج.
هذه اللفتة الإسلامية الرائعة يصورها الدجال على أنها بيع وشراء، فالرجل يشتري المرأة، وتصبح له أمَة.. أي أن الزواج ليس أكثر من تجارة بالبشر!
ثالثا: تحريف الروايات بإضافة أكاذيب ليست فيها البتة، مثال على ذلك ما أضافوه للرواية التالية التي أخرجها الطبراني في المعجم الكبير:

“عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ لِلْجِدِّ ابْنِ قَيْسٍ: يَا جِدُّ ابْنَ قَيْسٍ، مَا تَقُولُ فِي مُجَاهَدَةِ بني الأَصْفَرِ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرُؤٌ صَاحِبُ نِسَاءٍ، وَمَتَى أَرَى نِسَاءَ بني الأَصْفَرِ أُفْتَتَنُ فَائْذَنْ لِي فِي الْجُلُوسِ، وَلا تَفْتِنِّي. فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ: “وَمِـنْهُمْ مَنْ يَقـُولُ ائْـذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا” (المعجم)

فقالوا: كان الرسول يقول للناس: هيا اخرجوا للغزو حتى تحصلوا على النساء، وخصوصا بنات الروم الشقراوات. ولكن هذا جِدُّ ابْن قَيْسٍ كان لديه بعض المروءة فرفض.
مع أنّ المسألة واضحة كالشمس أن جِدَّ ابْنَ قَيْسٍ كان منافقا، وقال ذلك “على سبيل الهزء” وبحثا عن مبرر لعدم الخروج في قتال الروم المعتدين.

رابعا: استغلالُ أحداثٍ شخصيةٍ عابرة، ونزْعُها من سياقها بحيث تبدو كأنها حالة أصيلة، وذلك مثل رواية أو اثنتين تتحدثان عن غِيرةِ إحدى زوجات الرسول ، أو مزْحة ثقيلة مزَحَتْها إحداهنّ، أو ما شابه ذلك. مع أنّ هذه الأحداث العابرة هي من أدلة صدق الرسول لأنها تبيّن أنه قد وصلنا من سيرته كلُّ شيء، كما أنها لا تخلو من تعاليم نافعة.

خامسًا: تحريف المعنى الواضح كالشمس
وفيما يلي مثال، فعن ابن عباس قال : لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب خلع رسول الله قميصه، وألبسها إياه، واضطجع معها في قبرها، فلما سوى عليها التراب، قال بعضهم : يا رسول الله رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه بأحد، فقال: « إني ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة، واضطجعت معها في قبرها ليخفف عنها من ضغطة القبر، إنها كانت أحسن خلق الله إلي صنيعا بعد أبي طالب » (معجم الطبراني)
فالرواية تقول: إن الرسول قد مدّد جسده الشريف لحظات في قبر فاطمة التي اعتنت به جدًّا بعد وفاة أمه وجدّه وكانت حنونةً جدا عليه، فأراد أن يردّ لها الجميل فدعا الله تعالى لها وهو ممدّدٌ جسده الشريف في قبرها.
لكن الدجال يقول أن معنى اضطجع معها في قبرها أنه زنا بها! وكلامُه هذا لا يُنقل إلا لإثبات دجله وجهله. فالاضطجاع هو التمدّد كالنائم، وإذا أُطلق على الجماع فهو من باب المجاز، فالجماع يُكنى عنه بألفاظ كثيرة، وكذلك كل لفظ غير مرغوب بذكره، كبيت الخلاء مثلا. وسياق الرواية واضح فيما ذكرنا، بل هي روايات عديدة، ولا أظنّها تخفى عليه.

سادسا: التركيز على مرويات ينقضها العقل والقرآن الكريم، مثل رضاع الكبير، الذي لو صحّ لكان قد وصلنا عشرات المرويات حوله وحول مشاعر الصحابة وقتها وردة فعل الرجل سالم الذي نُسب إليه الرضاع، وردّة فهل المنافقين واليهود والمشركين الذين لن يفوّتوا مثل هذه الفرصة الذهبية لو حدثت.

سابعًا: الخلط المتعمّد بين العادات والتقاليد وأقوال عامة الناس وبين الإسلام.
فمثلاا: جاء في تفسير القرطبي: “والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة، لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب”. وقيل أيضا: “وقد يُكنّى عنها بالبقرة والحجرة والناقة، لأن الكل مركوب”. (القرطبي) ونسأل الدجّال: ما علاقة الإسلام بذلك؟ ولماذا لا يُنسب إلى المسيحية، فكثير من العرب مسيحيون قبل أن يعتنقوا الإسلام، فلعلّ هذه الكنايات تُستخدم منذ ذلك الزمان؟!
وأسلوب الدجال هذا قد ينجح مع مَن ليس لديه فهمٌ صحيح للدين وللأدلة الدامغة على صدق الرسول ، وما أكثر هؤلاء! وقد نجح هذا الدجال نجاحًا لا نظير له في التاريخ الإسلامي، لذا كان لا بد أن ينزل المسيح ليقتله، وقد نزل. والحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك