
- من هو دوئي هذا؟
- فيم كانت تكمن قوته وسطوته؟
- لماذا هب سيدنا المسيح الموعود عليه السلام لإفحامه؟
- علام أسفرت المواجهة بين المسيحين: المسيح الموعود، والمسيح الدجال؟
____
إن من الوقائع والأحداث الفارقة ما يصدق أن نسميها «آية» لما يواكبها من ظهور دين الله على الدين كله ولو كره الكافرون، وفي هذا المقال نحتفي بآية من آيات الله تعالى، حيث نصر مسيحه وجماعة المؤمنين به، وأوهن كيد الكافرين. وحيال مسيرة جماعة المسيح الموعود لا بد للكلاب أن تنبح، غير أن قاطرة الجماعة تسير دون توقف، فتمزق كل من تسوِّل له نفسه التصدي لها بدهائه، أو بغبائه، التصدي لها». إننا نتحدث عن المسيح الموعود الذي طالما يكفرونه منذ أعلن دعواه، ثم لا يَثبت كل يوم غير صدقه وتُقَاه..
فتنة التنصير، وحال الإسلام بين قرنين
لقد ألمت بالإسلام في آخر الزمان فتن كثيرة، لكن أشدها وأكثرها مرارة كانت فتنة التنصير الدجالية، وكيف لا ونحن نعلم أن «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر عند الله من الدجال»(1).. وقد شهد القرنان التاسع عشر والعشرون ذروة مشاريع التنصير العالمية، بما تحقق فيهما للمستعمرين الأوربيين من وسائل تكنولوجية وعسكرية أتاحت لهم السيطرة على مقدَّرات البلاد والعباد، فها هي المطابع بأيديهم، ومن خلالها تُنشر الكتابات المعادية للإسلام. وفي زمن المسيح الموعود وحده امتلأت أرفف المكتبات على آخرها بالعناوين المعادية للإسلام وكل ما يتصل به. هذا وقد لاقت موجات الهجوم على الإسلام والنيل من شرفه ترحابا كبيرا من الجمعيات التنصيرية، فجُمِعت في سبيل ذلك التبرعات.. ولمن أراد التقاط صورة موجزة عن واقع الحال في تلك الآونة، يكفيه بضعة أسطر وصف فيها المسيح الموعود الأمر برمته، فنقرأ ما كتب حضرته في كتاب «التبليغ» إذ يحدثنا عن أبرز دواعي بعثته وتسميته بالمسيح الموعود فيقول: «إني أُمرت وأنا أول المؤمنين، وسماني باسم قوم.. أُرسلت لإفحامهم وإلزامهم.. وهم قوم المتنصّرين […] فتَن الناسَ فهمُهم ودرايتهم، وكبُر سرّ غوايتهم، وكانوا في علوم الدنيا وصنائعها من المستبصرين. أوقدوا من المفاسد نارًا، وأجرَوا من الفتن أنهارًا، ومكروا مكرًا كُبَّارًا، وبلغوا مقدارًا لن تجدوا مثله في مكائد المتقدمين. أجمعوا همتهم لاستيصال الإسلام، واستدرّوا لِقحتهم لتأليف قلوب اللئام، وأدخلوا أيديهم في قلوب المسلمين. وكان العلماء كمفلس في أعين أعيانهم، أو كمضغة تحت أسنانهم، وكان قومنا سُخْرة المستهزئين. فأراد الله أن يفصل بين النور والظلمة، ويحكُم بين الرجس والقدس، ويمن على المستضعفين. ورأى فتنتهم بلاءً عظيمًا على الإسلام، ورأى أيّامهم كليالٍ مخوفةٍ من الإظلام، ووجدهم في الفتن قومًا عالين. ما كان فتنة مثل هذا من يوم خلق آدم إلى يومنا هذا.. بل إلى يوم الدين. ومع ذلك تملكوا وعلوا في الأرض، وأثمروا وأكثروا، وأملأوا الأرض كثرة، وزادوا هيبة وشوكة، وبارك الله في أموالهم وأولادهم، وعلومهم وفنونهم وصنائعهم، وأعانَهم في إراداتهم وأفكارهم وأنظارهم، وفتح عليهم أبواب كُلّ شيء.. ابتلاءً من عنده.. فعمُوا وصمّوا وكانوا من الـمُعْجبين»(2).
ومن بين دجاجلة التنصير، برز القس الأمريكي جون ألكسندر دوئي، الذي أساء إلى سيدنا محمد ودعا لهلاك جميع المسلمين والقضاء عليهم، وكان معاصرا لسيدنا المسيح الموعود ، وتلك لمحة مقتضبة عنه:
لم يكن القس الأسترالي الأمريكي المولود في أسكتلندا «جون ألكسندر دوئي» قسًّا عاديًّا، بل كان من كبار قساوسة العصر على مستوى العالم كله، وقد امتلك أسباب الثراء والنفوذ، فمن جهة الثراء كانت مبالغ طائلة من تبرعات الجمعيات الخيرية تحت تصرفه، ومن ناحية النفوذ كان أحد بارونات الإعلام في زمنه، فكان يمتلك جريدة معروفة في ذلك الحين باسم «أوراق الشفاء» والعديد من وسائل الإعلام، ويُعزى إليه تأسيس مدينة «صهيون» في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية. اشتهر دوئي بعدائه الشديد للإسلام ونبيه الكريم ، ويشيع عنه في الأوساط المسيحية، لا سيما الغربية منها، أنه أحد أهم الشخصيات المسيحية وأنه رائد الشفاء بالكتاب المقدس في أمريكا وأحد أهم القساوسة المسيحيين المختصين بالشفاء بواسطة الكتاب المقدس في العالم إن لم يكن هو الأشهر على الإطلاق(3).
بغض النظر عن مسألة صدق المعتقد أو كذبه، لا نرى غضاضة في بذل دوئي مساعيه في سبيل تنصير الجموع، ما نتحفظ عليه هو شيطنة الإسلام في نظر الناس واستعدائهم عليه، وهذا بالضبط ما كان يفعله دوئي، وبالطبع لم يكن متفردا بذلك، فما سر خطورة تصرفه إذن؟! إن السر كامن في ما أوتي ذلك القس الدجال من مقدَّرات لو وظِّفت في سبيل إظهار الباطل لكانت مصيبة على الإسلام وأهله، وقد كان بالفعل، فبلغ من استعداء الجماهير على الإسلام أن كتب في جريدته: «إنني أحذر الأقوام المسيحية في أمريكا وفي أوربا أن الإسلام لم يمت بعد، وما زالت فيه قوة كبيرة، فيجب القضاء تماما على الإسلام وعلى المحمدية. إن دمار الإسلام لن يتحقق بمجهودات الكنيسة الكاثوليكية أو الكنيسة الأرثوذكسية الضعيفة»(4).
باختصار، كان دوئي نموذجا متجسِّدًا للكراهية الدينية، وقد بلغ من الشهرة حتى نمى خبره إلى سيدنا المسيح الموعود في أقصى الشرق، ومع ذلك لم يُسمع لمن يُدعَون علماء المسلمين ولا لدهمائهم أي حس، لم يُسمع سوى صوت المسيح الموعود الصاعد من أقصى الشرق، مظهرًا نبوءة هلاك تحققت بالفعل بحق ذلك العدو الحقود اللدود، وأثبتت مجددا صدق ذلك الدين الحي والمفعم بالنبوءات المستقبلية التي لا يملك الاطلاع عليها إلا مُلهم من الله تعالى ومتصل به اتصالا مباشرا(5).. على أية حال فبعد فشل محاولات إقناعه بالإقلاع عن تلك العداوة غير المبررة، أنبأ المسيح الموعود بقرب نهايته الذليلة، وهو إذَّاك في أوج ثرائه وسطوته ونفوذه، وأن هلاكه سيكون آية من الله على انتصار الإسلام.
ويُعزى إليه تأسيس مدينة «صهيون» في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية. اشتهر دوئي بعدائه الشديد للإسلام ونبيه الكريم ، ويشيع عنه في الأوساط المسيحية، لا سيما الغربية منها، أنه أحد أهم الشخصيات المسيحية وأنه رائد الشفاء بالكتاب المقدس في أمريكا وأحد أهم القساوسة المسيحيين المختصين بالشفاء بواسطة الكتاب المقدس في العالم إن لم يكن هو الأشهر على الإطلاق
فلسفة الآيات وحتمية بقائها
الآيات في فلسفتنا علامات صدق، والعلامة إنما اكتسبت صفتها من بقائها واستمرار وجودها حينا من الزمان، بحيث تكون حجة سواء على الحاضر المشاهِد، أو الغائب المبلَّغ. من هنا ندرك بعدا آخر من أبعاد عظمة نبوءة سيدنا المسيح الموعود عن انتصار الإسلام بهلاك دوئي، إذ لن يقتصر الأمر على هلاك شخص، إنما الخطورة في أفكاره التي يمكن أن تذيع بعد هلاكه، وبصورة أكثر اتساعا من ذي قبل! إذن لضمان أن يكون هلاك الخصم آية، ينبغي أن يرى اللاحقون بأم أعينهم مصداق ذلك، وقد تحققت النبوءة حرفيًا أول مرة في 09/03/1907، بهلاك جون ألكسندر دوئي هلاك الذلة والصغار.
صهيون، قسطنطينية القرن الحادي والعشرين
هناك من المدن ما كانت مكرسة لغرض معين، ثم لم تلبث أن خدمت غرضا آخر أجل وأسمى، وفي التاريخ أكثر من مثال على تحقق هذا الأمر، ألم تكن مكة مكرسة في الجاهلية للشرك بالله الواحد؟! حتى إن جدران الكعبة أُغلِقت على ثلاثمائة وستين صنما يُطاف حولها كل يوم وتُزار كل عام، ثم هي الآن مركز التوحيد في الأرض! وها هي القسطنطينية التي كانت عاصمة المسيحية الشرقية، فلما فُتحت صارت حاضرة من حواضر الإسلام والمسلمين! ولنترك المشرق موجهين وجوهنا قِبَل المغرب، حيث ولاية إلينوي الأمريكية، وتحديدا مدينة صهيون، التي أسسها دوئي عام 1900 مكرسا إياها للتبشير بالمسيحية، وقد أنشأ فيها العديد من المصانع والمؤسسات الخدمية، وصار، في واقع الأمر ملكها غير المتوَّج. وفي نفس عام افتتاح مدينته ادَّعى كونه إيليا الثالث.. على اعتبار أن إيليا الأول هو النبي إلياس الذي بُعِث لبني إسرائيل، وإيليا الثاني هو يوحنا المعمدان، أو يحيى بن زكريا، الذي ذكرت التوراة أنه يأتي قبل المسيح.. فمن قبيل حسن الطالع أن صهيون التي كرسها مؤسسها لتكون معقلا للتبشير المسيحي ونشر الكراهية ضد الإسلام ونبيه الكريم، تلك المدينة فتحت ذراعيها على اتساعهما لاستقبال الفتح الإسلامي، فتح من نوع آخر غير الذي يتصوره الظلاميون، إنه فتح القلوب.. وقد تسلم خليفة المسيح الخامس مفتاح المدينة في مشهد رمزي جمالي لا يقل عظمة عن الفتوح الإسلامية الجلالية، وفي تلك المناسبة ألقى سيدنا الخليفة الخامس للمسيح الموعود كلمة ذكر فيها أن رد فعل المسيح الموعود على كراهية دوئي للإسلام، قبل أكثر من قرن من الزمان، كانت مثالًا رائعًا لضبط النفس في مواجهة الاستفزاز والعداء الكبير، فقال حضرته: «أعلن المسيح الموعود أنه سيبلغ تعاليم الإسلام بينما يسير على الخطى الروحية للمسيح الموسوي، النبي عيسى . وهكذا، مثل النبي عيسى، أظهر المسيح الموعود المواساة والرحمة تجاه البشرية. كانت كل كلمة من كلماته وكل عمل قام به، من أجل السلام وغرس روح المصالحة في المجتمع. وقد ذكّر أتباعه أن معنى «الإسلام» هو «السلام والأمن». وأن الإسلام ببعثته سيعود إلى جذوره الروحانية، ويومًا ما سيُعرف في جميع أنحاء العالم بأنه دين المحبة والتسامح والسلام والوئام»(6).
الحسرة، كل الحسرة، على أعداء المسيح الموعود ، من المسلمين المعاصرين له وكذلك اللاحقين، فعلى الرغم من اطلاعهم على آية هلاك دوئي ومن سواه، لم يأخذوا من ذلك أية عبرة، فليعلموا أن من لا يكتسب العبرة يُحكم عليه بتكرار الدرس.
دعوة للزيارة، ولاستيعاب الدرس
من هنا نوجه دعوة مفتوحة للجميع، لزيارة مجمع مسجد «الفتح العظيم» مسجد الجماعة الإسلامية الأحمدية في مدينة صهيون، بما في ذلك المعرض الملحق به وفيه تفاصيل الجوانب المختلفة لتحقق نبوءة المسيح الموعود ، ويشمل من بين محفوظاته المقالات العديدة التي نشرت في الصحف الأمريكية الكبرى في ذلك الوقت.
إن الهدف من الزيارة لا يقتصر فقط على الاطلاع على وثائق تاريخية هامة، وإنما أيضا للاعتبار بضرورة الحفاظ على الاحترام المتبادل بين الناس من مختلف الأديان والمعتقدات وإفشاء التسامح. إن دوئي من موقعه كرجل دين، وبغض النظر عن مسألة الاختلاف العقائدي بيننا وبينه، قد عمل عكس ما كان من المفترض من مثله أن يعمل، فكان مصيره الاستئصال وذوق الوبال، فقد خالف أبسط القواعد التي تعلَّمها من الإنجيل، حيث: «كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ»(7). لذا لا نستغرب توصية خليفة المسيح الخامس (أيده الله بنصره العزيز) في أحد اللقاءات التلفزيونية المُجراة معه في مدينة صهيون من أن واجب المتدينين جعل الآخرين يدركون قيمة الدين وأنه لا يوجد ما يخافون منه. وقال إن الأهداف الأساسية للإسلام هي تقريب البشر من خالقهم وضمان أن يؤدي الناس حقوق بعضهم البعض(8).
الهوامش:
- دارك فيلاند جون ألكسندر دوي، أوراق الشفاء، ٢٥ أغسطس ١٩٠٠
- افتتاحية التقوى، مارس 2023
- (إنجيل متى 7: 19)
- جون ألكسندر دوي، أوراق الشفاء، ٢٥ أغسطس ١٩٠٠
- افتتاحية التقوى، مارس 2023
- مرزا مسرور أحمد، خطاب يوم 01/10/2022 بمناسبة افتتاح مسجد “الفتح العظيم” بمدينة صهيون في ولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية.
- (إنجيل متى 7: 19)
- إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية يفتتح أول مسجد في مدينة صهيون التاريخية