تقويم زمني وتقويم إيماني

تقويم زمني وتقويم إيماني

التحرير

  • ما هي التقاويم الزمنية؟
  • كيف تطورت التقاويم عبر التاريخ؟

____

تمضي بنا القرون والسنون، لنبلغ آخر صفحات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، ممثلة في آخر سنة فيه، إنها 2025. على أن العاقل من لا يدع الأيام تمر هكذا من بين يديه دون تفكُّر، في الأحداث الخاصة وارتباطها بأوقات خاصة، فقد ثبت بالتجربة المتكررة أن هذا الاتجاه من التفكر لا يسفر إلا عن صلاح أحوال الجماعات والشعوب والأمم على المدى البعيد.

وما من شك في ما لحسن إدارة الوقت من أهمية عظمى في الإسلام وفي حياة المسلمين جماعة وأفرادًا. وقد نبَّهنا النبي إلى حسن إدارة الوقت، بوصفه أول ما ينبغي على المرء استثماره من الموارد، فقال :

«لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم»(1).

ومقدار رجاحة عقل المرء يقاس بمدى حسن استثماره الموارد المتاحة، فكذلك العقل الجمعي للجماعات والشعوب والأمم. وبما أن الوقت يُعد أول مورد يجب استثماره كما أسلفنا، إذن فإهداره في ما لا يعود على المرء بمنفعة حقيقية لهو خسارة للحياة بشكل متعمد، ولهذا نبه الله في القرآن الكريم إلى أهميته، فأقسم بأجزاء الوقت في محكم تنزيله في غير ما موضع، فأقسم بالليل والضحى والفجر والعصر، وذلك لارتباط دلالة كل مقسَم به من أجزاء الوقت تلك بتحقق نبأ مستقبلي متعلق بمسيرة جماعة المؤمنين في هذه الحياة.

ولسيدنا خاتم النبيين نبوءة عظيمة تذكر صراحة وقت بعث المسيح الموعود المنقذ لأمة الإسلام، وقد ارتبط تأويلها بأمر يحدث للشمس والقمر مجتمعين، قال : «إن لمهدينا آيتين، لم تكون منذ خلق السماوات والأرض، ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض»(2). لقد تحققت تلك النبوءة العظيمة تحققا ما أجلاه! حتى إن مصداق ذلك التحقق الأجلى نطق بلسان اليقين معلنا عن نفسه ومجيئه الموعود، فقال :

الوقت يدعو مصلـحًا ومجدّدًا

فارْنوا بنـظرٍ طـاهرٍ وجَنانِ(3)

.

أتظـنّ أنّ الله يخـلف وعـده؟

أفأنت تُنـكر موعدَ  الفرقانِ؟

.

القمر يهديكم إلى نور الهـدى

والشمس تدعوكم إلى الإيمـانِ

.

هذا زمان قد سمعـتم ذكـره

مِن خيرِ خلقِ  الله  والـقرآنِ

.

مَن فاته هذا الزمان فقد هوى

واختار جهلا  وادِيَ  الخذلانِ

إن حرص الإنسان الفطري على إدراك وقت تحقق النبوءات الإلهية كان أحد أبرز دوافعه الحكيمة لابتكار التقاويم الزمنية، منظِّمًا بها سير وقته، أو كما يقول :

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. (4).

وبهذا العدد الجديد من التقوى، عدد شهر يناير توشك المجلة أن تطوي صفحة الربع الأول من هذا القرن، لتجتاز بقرائها الكرام مرحلة ربما رآها بعضهم طويلة قياسا على أعمار الأفراد، لكنها في الواقع قصيرة جدا بالنظر إلى أعمار الأمم.

وبين يدي قرائنا الأفاضل هذا العدد الجديد، الذي نفتتح به عام 2025م، نتخذ منه جرس تنبيه لأمور شتى تصب كلها في ذات المصب، فمن خلال خطبة سيدنا خليفة الوقت (أيده الله تعالى بنصره العزيز) نطلع على أمور تاريخية وتربوية دقيقة في ثنايا أحداث العام الثاني الهجري، وندلف من خطبة حضرته إلى قراءة شيء من تاريخ الإسلام، والمحاولات الإنسانية المبكرة لوضع التقاويم الزمنية، ثم أطروحتين نقديتين، إحداهما حول ما تُخفي ذكره الأيام بِمُضِيِّهَا، كذكر الأنبياء والأحداث المنصوص عليها في الكتب المقدسة، آملين من ربنا القدير أن يوفقنا وسائر قرائنا لإدراك قيمة تلك النعمة الثمينة، نعمة الوقت، فيعيننا على حسن إدارتها واستثمارها الاستثمار الأمثل، آمين.

الهوامش:

  1. الملا علي القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، الحديث 5197
  2. سنن الدارقطني
  3. مرزا غلام أحمد القادياني ، نور الحق، قصيدة «بشرى لكم يا معشر الإخوان»
  4. (يونس: 6)
Share via
تابعونا على الفايس بوك