نحو خارطة طريق للسير الآمن في عصر التطور التكنولوجي

نحو خارطة طريق للسير الآمن في عصر التطور التكنولوجي

التحرير

  • فكيف غيرت التكنولوجيا حياتنا في العقود القليلة الماضية؟
  • وهل تنبَّأ المفكرون قبل اتساع المد التكنولوجي في هذا العصر بمخاطر الحداثة المحتملة؟
  • وما المفارقة العجيبة في أمر منتقدي تغلغل التكنولوجيا المتطورة في عمق حياتنا؟

___

نُجانِب الدقة حين نقول بأن عصرنا هذا هو عصر التكنولوجيا الحديثة، فلكل عصر من العصور الخالية تكنولوجيته الخاصة، والتي كانت أيضا حديثة بمقاييس عصرها، فحين اكتشف الإنسان البدائي النار وطريقة قدحها بالغة البساطة، كان ذلك الاكتشاف ثورة تكنولوجية بحق غيرت وجه الكوكب. غير أن العصر الحاضر شهد تطورا ملحوظا في كافة المجالات المادية، بحيث صارت تغلب عليه التكنولوجيا بصور شتى، فما من مجال إلا وطالته أياديها، سواء على الصعيد الصناعي، أو الزراعي، أو التجاري، أو العسكري، وحتى على الصعيد الثقافي والفكري والاجتماعي والتربوي، بل وحتى النفسي. فمن ذا الذي يخبرنا بمجال لم تطله يدٌ من أيادي التكنولوجيا المتطورة في هذا الآن؟!

لقد غيرت التكنولوجيا حياتنا في العقود القليلة الماضية وتغلغلت في كل جانب من جوانب الحياة البشرية، من الأدوات المنزلية وهواتفنا الذكية إلى كيفية تسوقنا وطلب المواد الغذائية وغيرها من السلع. ولم يعد استعمال تلك التكنولوجيا مقصورا على جيل النشء من الأطفال والمراهقين، وإن كانت هذه الشريحة العمرية هي من يستحوذ على قلق الكبار وخوفهم.

لقد تنبَّأ عدد من المفكرين قبل اتساع المد التكنولوجي في هذا العصر بمخاطر الحداثة على كافة شرائح المجتمع وأطيافه، وهناك العديد من المفكرين البارزين الذين استشرفوا مبكرًا المخاطر المحتملة للتكنولوجيا الحديثة وتأثيرها السلبي على المجتمع، فمنهم من ركّز على نقد التكنولوجيا، حيث رأى أنها تتطور بشكل مستقل عن القيم الإنسانية، مما يجعلها قوة غير قابلة للسيطرة عليها. كذلك منهم من حذَّر من الهيمنة التكنولوجية على حياة الإنسان، مدركًا أن الإنسانية خلقت الظروف المناسبة لإبادة نفسها بسبب التطوير التقني غير المنضبط. أيضا ومن المفكرين من ناقش تأثير التكنولوجيا الحديثة، وخاصة وسائل الإعلام، على طريقة تفكير البشر، والدور الخطير لتلك التكنولوجيا في إعادة تشكيل الثقافة والمجتمع. الأثر الأخطر للتكنولوجيا الحديثة يتمثل في تأثيرها على القيم الإنسانية البانية للحضارات، لذا وجب التحذير المستمر من الاعتماد المفرط عليها، بما قد يؤدي إلى فقدان القيم الإنسانية الأساسية، ومن ثم انهيار البناء الحضاري بأسره. ولا تزال تداعيات الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في كافة مناحي الحياة، وتأثيراتها على مستقبل البشرية تثير جدلا حامي الوطيس في الدوائر الفكرية العليا، وفي نفس الإطار الجدلي حول أثر الحلول الجاهزة التي تقدمها إلينا التكنولوجيا في تشكيل ملامح حياتنا، وهو ما لا تتنبه له العقول الاستهلاكية بالضرورة.

العجيب في الأمر أن ما من أحد ممن انتقدوا تغلغل التكنولوجيا المتطورة في عمق حياتنا، إلا وهو نفسه لا يكاد يستغني عنها راغبًا أو راغمًا! وليس هذا عن تناقض بين فكرِهم وقولهم، ولكنه تأثير عام لا يسع أحدا من الناس الفكاك منه. فإذا كنا واقعين قسرًا في قبضة التكنولوجيا الحديثة ولا يسعنا التحرر منها، فعلى الأقل، لنتعايش معها مجتنبين أقصى ما يمكن اجتنابه من سوء آثارها. وهنا يبرز دور عقلاء الكوكب وحكمائه في رسم خارطة طريق هادية إلى سواء السبيل وسط مخاطر عصر الحداثة، المؤكَّدة منها والمحتملة على حد سواء. إذن فالتحدي الأكبر الآن يبدو في تحقيق المعادلة الصعبة، بجني أقصى استفادة من هذه التطورات دون فقدان أي من قيمنا الأسرية والاجتماعية.

العجيب في الأمر أن ما من أحد ممن انتقدوا تغلغل التكنولوجيا المتطورة في عمق حياتنا، إلا وهو نفسه لا يكاد يستغني عنها راغبًا أو راغمًا! وليس هذا عن تناقض بين فكرِهم وقولهم، ولكنه تأثير عام لا يسع أحدا من الناس الفكاك منه. فإذا كنا واقعين قسرًا في قبضة التكنولوجيا الحديثة ولا يسعنا التحرر منها، فعلى الأقل، لنتعايش معها مجتنبين أقصى ما يمكن اجتنابه من سوء آثارها. وهنا يبرز دور عقلاء الكوكب وحكمائه في رسم خارطة طريق هادية إلى سواء السبيل وسط مخاطر عصر الحداثة، المؤكَّدة منها والمحتملة على حد سواء.

لقد بات الوصول السهل إلى المعلومة بواسطة التقنيات الحديثة يشكِّل عبئًا كبيرا على إنسانيتنا، حيث بتنا في استغناء شبه تام عن بعضنا البعض، فصار التلميذ شبه مستغنٍ عن أستاذه! وإننا لا ننكر أن في الأمر ميزة نطمح لها، ففي ذلك ضمان كاف لاستقلالية الفكر، الأمر الذي طالما سعى لترسيخه مبعوثو الله تعالى وحملة رسالاته إلى عموم خلقه، ما ننتقده ببساطة هو الوصول السهل، فالوصول السهل إلى شيء يحمل في طياته فقدانه عما قليل.

وفي هذا الشهر، أغسطس 2025، يصدر عدد التقوى مفعما بمادة مقالية تتناول هذا الموضوع الذي يمس حياة الناس عموما ويُعنى به المؤمنون خصوصا، سواء على مستوى التعرُّف العلمي، أو على مستوى التعارف الإنساني، ولأجل هذه الفكرة تحديدا، ارتأى فريق التقوى أن يتخير إحدى خطب سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) التي ألقاها بمناسبة افتتاح أحد مساجدنا في الولايات المتحدة الأمريكية، بوصف هذا المسجد سبيلا جديدا للتعريف بالإسلام. فنأمل أن يحقق هذا العدد الغاية المرجوة منه، آمين.

تابعونا على الفايس بوك
Share via
Share via