يوم الجمعة.. سيد الأيام وأعظمها
التاريخ: 2008-09-26

يوم الجمعة.. سيد الأيام وأعظمها

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • أهمية صلاة الجمعة
  • أهمية صلاة العيد
  • فضل يوم الجمعة
  • يوم الجمعة عند الأحمديين
  • التعريف بليلة القدر وذكر الله تعالى 

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

قبل أيام قليلة من هذا الأسبوع احتفلنا بيوم الخلافة بفضل الله تعالى ومنّته. وكما قلت في كلمتي بتلك المناسبة فقد كان ليوم الخلافة في هذا العام أهمية عظيمة، لأن هذا اليوم لا يأتي في حياة الإنسان عادةً إلا مرة واحدة، أو إذا عاش حياة طويلة فإن مثل هذا اليوم يأتي مرة واحدة في حياته وهو في كامل وعيه، اللهم إلا إذا كان الله تعالى قد منّ عليه منة خاصة فأعطاه قوى قوية سليمة، فظلّ في كامل وعيه رغم طول العمر. على أية حال، إنه لمن فضل الله علينا أن أتاح لكثير من الأحمديين أن لا يشهدوا يوبيل الخلافة فحسب، بل يوبيلين اثنين في تاريخ الجماعة الممتد إلى 120 سنة. فنظرًا إلى هذه المنن تمتلئ قلوب الأحمديين بمشاعر الشكر لله تعالى. فقد احتفلنا باليوبيل المئوي الأول قبل 19 عاما أعني في عام 1989م لدى مرور مئة عام على تأسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ثم احتفلنا في 27 مايو / أيار من هذا العام بعيد الشكر على مرور قرن على قيام نظام الخلافة، ولا تزال مختلف فروع الجماعة في العالم تحتفل بهذه المناسبة. وإن كثيرا من الأطفال في الجماعة اليوم لم يكونوا قد وُلدوا في عام 1989م، أو لم يكونوا قد بلغوا سن الإدراك، كما أن كثيرًا من الأحمديين لم يكونوا قد انضموا إلى الجماعة إلا بعد ذلك العام، فلا يعرف هؤلاء شيئا عن اليوبيل المئوي لتأسيس الجماعة، غير أنهم احتفلوا بهذا اليوبيل يوبيل الخلافة، ولا بد أنهم قد مروا ولا يزالون يمرون بتجربة رائعة لا مثيل لها. لقد أقام المسلمون الأحمديون في العالم كله برامج خاصة احتفالاً بيوبيل الخلافة ولا يزالون يقيمونها في فروع كثيرة، كما أنهم شاركوا في الاحتفال المركزي بواسطة MTA. قد تستمر برامج بعض فروع الجماعة إلى نهاية هذه السنة نظرًا لظروفهم المحلية. أما الاحتفال المركزي الذي عُقد في “إكسل سنتر” بلندن فقد بلغ عدد الحضور فيه 18000 أو 19000 نسمة، وشارك فيها مندوبون من فروع الجماعة في العالم كله. إن مشاهد الحضور التي نُقلت من قاديان وربوة قد تركت أثرًا عجيبا في نفوس المشاهدين، فقد بدأت تصلني رسائل وفاكسات الإخوة والأخوات حاملةً مشاعرهم بهذا الصدد. فبفضل الله وإحسانه، قد استولت حالة روحانية خاصة ليس على الحضور الموجودين أمامي في تلك الصالة فقط، بل على جميع الأحمديين الذين كانوا يستمعون ويشاهدون فعاليات هذا الاحتفال في مختلف أرجاء المعمورة، سواء كانوا يشاهدونها منفردين أو مع أفراد الجماعة، في بيوتهم أو مع أقاربهم وعائلاتهم، فكل واحد منهم نال نصيبًا من هذه الحالة الروحانية، وكأن الله تعالى قد جعل جميع الأحمديين في شتى بلاد وبقاع العالم يمرون بتجربة روحانية فريدة خرطتهم في سلك الوحدة. ولا جرم أن هذا دليل على صدق المسيح الموعود ، وتحقيق لوعود الله تعالى معه، ولقد عاينَه وشعر به الأحباب والأغيار على حد سواء. إن يوم 27 مايو / أيار الذي اكتملت فيه مئة عام على قيام الخلافة في الأحمدية، قد أرى الأحبابَ والأغيار آياتِ تأييد الله تعالى ونصرته. لقد سادت هذه الحالة الروحانية كل من كان حاضرًا في تلك الصالة رجالا ونساء وأطفالا بحيث أخبرني كل من لقيني أن هذا الاحتفال قد جدَّد إيمانه. وكما قلتُ، لم يكن حال الأحمديين الآخرين في العالم مختلفًا عن حالهم، إذ أعرب الجميع مِن كل مكان عن حبهم وتقديرهم وولائهم للخلافة. فقد كتب لي أحدهم: أشعر كأنني أصبحت اليوم أحمديا من جديد. وكان هناك البعض الذين كانت تراودهم بعض الشكوك رغم بيعتهم للخليفة الخامس، ولم تكن قلوبهم مطمئنة تمامًا، فقد كتب هؤلاء أيضا: لقد استغفرنا الله تعالى كثيرا الآن، ونعترف لكم بأن الله تعالى قد طهّر قلوبنا ببركة هذا الاحتفال، بل الأحرى أنه تعالى قد غسّلها ونقّاها وصقَلها، وها إننا نعاهدكم الآن أننا سنكون مستعدّين من الصميم لتقديم أية تضحية من أجل الخلافة، كما سننفخ في ذرياتنا روحًا تجعلهم يستفيضون بفيوض الخلافة على الدوام بإذن الله تعالى.

فعلينا نحن الأحمديين أن نعير اهتماما كبيرا ليوم الجمعة، لأن لها أهمية كبرى من حيث إلحاق الآخرين بالأولين في العصر الراهن الذي بلغ فيه حبُّ المادية منتهاه.

وكتب أحدهم: إذا كان مجلس ما سببًا لإحياء الموتى فكان هذا الاحتفال وخطابكم فيه يمثّل ذلك المجلس.

أدعو الله تعالى أن يكون هذا الاحتفال قد أحدث انقلابا حقيقيا في نفوس الأحمديين، كما أدعوه تعالى لدوام هذا الانقلاب، وأن نكون عبادا شاكرين له ونحافظ دوما على التغييرات الحسنة الحاصلة في قلوبنا.

لقد نظر الناس الساكنون حول “إكسل سنتر” إلى الأحمديين الذين اجتمعوا هناك بحيرة شديدة متسائلين: من هؤلاء القوم؟ علمًا أن الانطباع السائد في أوروبا أن المسلمين لا يعرفون الانضباط ولا النظام، ولهم تقاليد عجيبة غريبة؛ ولكن هؤلاء القوم قد دُهشوا كثيرًا لما رأوا الأحمديين في هذا الاحتفال إذ قالوا إنهم يبدون مسلمين ولكنهم يراعون النظام، وبرغم أن معظمهم من جنسيات آسيوية إلا أن هناك أناسًا من جنسيات أخرى قد انضموا إليهم، وأنهم جميعا رجالا ونساء وشيوخا وشبابا وأطفالا متّجهون إلى جهة واحدة، وأمارات الحب والتقدير المتبادلين اللذين يضمرونهما في قلوبهم باديةٌ في وجوههم، بل ترشح من كل عضو من أعضائهم.

قالت إحدى موظفات الأمن في “إكسل سنتر” لسيدة أحمدية: إن هذا المشهد غريب بالنسبة لي، وإني أمرّ بمثل هذه التجربة للمرة الأولى، وعرفت اليوم ما هو الإسلام، وإنني أرغب في أن أعتنق الإسلام برؤية هذه المشاهد وحدها.

إن هؤلاء القوم ينفعلون بسرعة من بعض الأمور فيُبدون انطباعهم فورا إزاءه، ولكننا ندعو أن يجعل الله تعالى تلك المشاهد تُحدثُ تغيرات حسنة في قلوبهم. إن غايتنا أن يعرف العالم خالقَه، ويجتمع تحت راية سيدنا محمد ، أيا كانت الوسيلة التي يفهم به هذه الحقيقة.

في هذا الاحتفال ليوبيل الخلافة قد رأى الأحباب والأغيار مشاهد وحدة الأمة، الأمر الذي هو خاص اليوم بجماعة المسيح الموعود . اليوم إذا كانت هناك جماعة في حرز العافية طبقًا لوعد الله تعالى فإنما هي جماعة المسيح المحمدي فقط، أما الآخرون فهم عرضة للتشتت والتشرذم، وسيبقون هكذا ما لم يُقَدِّروا نعمة الله هذه حق قدرها، وما لم يستجيبوا لدعوة النبي الذي أوصى الأمة أنه إذا ظهر الإمام المسيح والمهدي: “فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ” (مسند أحمد، مسند أبي هريرة ). وإن حالة المسلمين الآخرين خير شاهد على الفرقة والتشتت. وإن ابتعاد أهل الأديان الأخرى عن الله تعالى لدليل على أنهم سقطوا في حضن الشيطان، ونسوا إلههم الذي خلقهم، ونسوا الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، بل أصبحوا لا يشعرون الآن إذا كان ثمة هدف من خلقهم. فليس اليوم في العالم جماعة تعرف هذا الهدف وتسعى جاهدة للوصول إليه إلا جماعة المسيح الموعود ، وليس اليوم سوى جماعة المسيح الموعود التي استمسكت بتلك العروة الوثقى التي تنير لها دروبها القويمة، والتي أعطى الله ضمانا لها بأنه لا انفصام لها. لقد وفق الله بمحض فضله الأحمديين اليوم أن يستمسكوا بعروة ذلك الإناء الذي ملأه الله تعالى بواسطة المسيح المحمدي بماء روحاني زلال. إنه ماء يهب الحياة، وبِشُربه يستطيعُ المؤمن بلوغ الدرجات العلى من الروحانية. وثمة معنى آخر للاستمساك بالعروة وهو أن من يستمسكْ بها يسلَمْ إيمانُه. فمن يدخل في طاعة المسيح المحمدي، ويعقد معه عهد البيعة، ثم يحاول العمل بحسبه، فسوف يزداد إيمانًا على الدوام، وسيبقى إيمان المستمسكين بهذه العروة سليما في جميع الأحوال وعند كل معارضة. فإن المؤمن الذي يستمسك بهذه العروة لا يتخلى عنها ولو ضحى بحياته. إن تاريخ الأحمدية مليء بأحداث ووقائع تؤكد أن عواصف المعارضة لم تستطع زعزعة إيمان  المستمسكين بالعروة الوثقى. لقد قُتل الأبناء أمام الأمهات، وقُتل الآباء على مرأى من الأبناء بتعذيب شديد، واستُشهد الأبناء أمام أعين الآباء، وجُعل الأحمديون عرضةً لصنوف الأذى والتعذيب لردّهم عن إيمانهم، حتى تعرض بعضهم لتعذيب شديد بطيء مستمر، ومع ذلك لم يزلزل هذا كله أقدامهم من إيمانهم القوي الذي ثبتوا عليه. إنها ليست قصصا من الماضي بل قد حدثت أحداث مماثلة في السنة الراهنة أيضا.

فإن احتفالنا اليوم بيوبيل الخلافة، إنما هو تعبيرنا عن فرحتنا بنـزول أفضال الله علينا أمطارًا غزيرة حيث اكتملت مئة عام على قيام الخلافة. إنه احتفال بما أعطانا الله تعالى أثناء هذا القرن من حدائق غنّاء نتيجة اعتصامنا بهذه النعمة الإلهية، نعمة الخلافة. عندما نفرح برؤية هذه الحدائق الغنّاء شاكرين الله تعالى، فيجب أن نتذكر الشهداء الأحمديين الذين سقوا هذه الحدائق بدمائهم الزكية، وضربوا على قوة إيمانهم أروع أمثلة هي فصول ذهبية من التاريخ. وعلينا أن ندعو لهم ولأولادهم.

من معاني العروة: المرعى الأخضر الدائم الخضرة الذي لا يذبل نتيجة شح المطر. إذن، المراد من المرعى هنا جماعة المؤمنين التي أعطاها الله للمسيح الموعود، ومن المقدر لهذا المرعى أن يبقى مخضرًّا إلى الأبد، إذ تكفيه أقل بلّة لتجعله زروعًا خضراء وحدائق غنّاء. فلو تمسكتم بهذه العروة الوثقى لورثتم هذه الإنعامات العظيمة كابرًا عن كابر. فحين قال الله تعالى:

  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ

قال بعدها:

  فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا والله سميعٌ عليم ..

أي أن الذين يتمسكون بهذه النعمة بإخلاص ويدعون الله تعالى ليوفقهم للتمسك بهذه العروة الوثقى فليعلموا أن الله تعالى مجيب الدعوات، ويعلم ما في الصدور، فلن يضيع الجهود والأدعية التي تتم بحسن النية، وستظل قلوبنا عامرة بالإيمان، ولن نبرح نتمتع بالإنعام الإلهي أيضا، ويقوّي الله إيمان كل واحد منا. وبسبب حسن نيّاتنا سيرزقنا الله تعالى وذرياتنا الإيمان، ويورثنا وذرياتنا زروعا خضراء وحدائق غنَّاء.

فالمشاهد التي نشاهدها اليوم بمناسبة مرور مائة عام على قيام الخلافة، والتي نحيي بها إيماننا، والحقول الخضراء التي نراها متمثلة في وحدة الجماعة وازدهارها والتي أذهلت الأغيار وزادت بعض الحساد منهم حسدًا كما يحدث في باكستان مثلا، أقول إن هذا كله ليس إلا نتيجة لإيماننا بالمسيح الموعود وتمسكنا بالخلافة كما تنبأ به سيدنا رسول الله . يقول المسيح الموعود : “إن معجزات الأنبياء السابقين قد انتهت مع وفاتهم، أما معجزات نبينا الأكرم فلا تزال تظهر حتى اليوم ولن تزال تظهر إلى يوم القيامة. وكلّ ما يظهر من آيات لتأييدي إنما هو معجزات النبي في الحقيقة.”

ندعو الله تعالى أن يوفق جميع الأحمديين للتمسك بعتبته وبأهداب النبي ، ويجعلنا خدامًا أوفياء للمسيح الموعود العاشقِ الصادق للنبي ، ويوفّقنا أيضا للوفاء بجميع العهود التي عاهدناه عليها لحماية الخلافة الإسلامية الأحمدية. الواقع أن المشاهد التي شاهدناها اليوم، والوحدة الموجودة في الجماعة، وعواطف الحب والوفاء للخلافة كل ذلك كان له وقعٌ عظيم على الأغيار، بل إنه بحد ذاته لمعجزة توجب علينا أن نظل خاضعين لله تعالى للحفاظ عليها، ليجعل الله تعالى إنعاماته علينا دائمة نتيجة شكرنا له . ذلك لأن الله تعالى قد وعد المؤمنين أنهم لو شكروه لزادهم نِعمة وإيمانا، وأورثهم أفضاله على الدوام حيث قال تعالى:

  وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (إبراهيم: 8)

وفي هذه الأيام حين أقرأ الرسائل التي أتلقاها من قبل الإخوة تطرأ على قلبي حالة غريبة، وأفكر في نفسي كيف أؤدي حق شكر الله تعالى، إذ إن أفضاله تنـزل على الجماعة بحيث إذا قامت كل ذرة من أجسامنا بحمد الله تعالى لما تمكنا من أداء حقه. وأطّلع أيضا من خلال الرسائل كيف تشكر الجماعة على نعمة الخلافة التي أكرمها الله بها بواسطة المسيح الموعود . أتلقى أعدادا كبيرة جدا من الرسائل المحتوية على الشكر على هذه النعمة بحيث أستطيع القول بدون أدنى تردد إنه ليس في الدنيا أحد إلا أفراد جماعة الإمام المهدي يقوم بأداء واجب الشكر إلى هذا الحد. وما دامت مثل هذه العواطف للشكر باقية ومستمرة ورثنا نحن وذرياتنا نِعم الله تعالى. فعليكم ألا تدَعوا هذه العواطف تفتر أو تخمد. فإن الشكر هو الذي سوف يزرع لنا حدائق خضراء باستمرار ويقوي إيماننا بإذن الله.

الدنيا غارقة اليوم في اللهو واللعب، وليس هناك مَن يرشدهم إلى الصواب. وجماعة المسيح الموعود هي الوحيدة التي تصوِّب اتجاهاتها تحت راية الخلافة. لا شك أنها لنعمة عظيمة لا يمكن لنا تأدية حق شكرها مهما حاولنا. والله تعالى يقول بأنكم لو حاولتم الشكر – لكن ليس باللسان فقط – بل بإصلاح الأعمال لأكثرتُ عليكم نعمتي. لذا فعليكم أن تكثروا من الدعاء. فأرجوكم أن تدعوا لي وأنا بدوري سأدعو لكم حتى لا تفتر عواطف الشكر وبالتالي لا تنقطع نِعم الله تعالى علينا بل تبقى في ازدياد واستمرار.

وكما قلت من قبل، تصلني رسائل كثيرة بالبريد وعبر الفاكس من قبل الإخوة والأخوات والصغار أيضا، فأحاول قدر المستطاع أن أرد بنفسي على تلك الرسائل الفياضة بالحب والإخلاص وبأسرع ما يمكن، ولكن يمكن أن يحدث بعض التأخير في ذلك لكثرة إنشغالي في هذه الأيام في أمور أخرى مثل التحضيرات للجولات المقبلة التي سأقوم بها بإذن الله قريبا.

على أية حال، كما قلت من قبل، وأكرر وأقول وأدعو الله تعالى أن يزيدكم جميعًا إيمانا وإخلاصا. من الرسائل التي أتلقاها ما يجعلني مغلوبا بالعواطف، وأقول في نفسي ما أجمل هذه الأزهار التي جعلها الله تعالى تتفتح في حديقة سيدنا المسيح الموعود والتي يعجز الإنسان من بيان جمالها. أدعو الله تعالى مرة أخرى أن يزيدكم إيمانا وإخلاصا.

من نِعم الله تعالى أيضا القمرالصناعي الذي هو من الاكتشافات الحديثة في هذا العصر، وقد أعطاه الله تعالى للمسيح الموعود . أريد الآن أن أقول شيئا عنه. كما تعلمون أن كثيرا من المتطوعين يعلمون في قناتنا الفضائية MTA، وقليل جدا هم الذين يتقاضون راتبا، بل إن معظهم يكرِّسون أوقاتهم للعمل في هذه القناة بدون أن يتقاضوا مقابلها شيئا. فإنهم يبذلون قصارى جهودهم لجعل برامجها ناجحة وبثها على القناة بأحسن وجه، كما يراها العالم كله. فهم يعملون لكي يقدموا للناس مشاهد نزول أفضال الله تعالى على الجماعة، ويُروهم مشاهد تلك الوحدة التي أكرم الله تعالى بها جماعة المسيح الموعود ، ويواصلون جهودهم ليوصلوا رسالة الله ورسوله إلى أكناف العالم لكي تتوجه إليها الأرواح السعيدة فتعرف الحق والصدق.

لقد بشر الله تعالى المسيح الموعود بازدهار الجماعة وتقدمها عن طريق الإلهامات وملأ قلبه باليقين بأنه سينال وجماعته الغلبة حتما. فهناك إلهامات كثيرة تلقاها حضرته في هذه الصدد، منها ما أوحى الله إليه بكلمات آية قرآنية: “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي”.

وهذه البشرى إشارة إلى غلبة الإسلام وإلى غلبة جماعة المسيح الموعود أيضا، لأن رقي الإسلام وغلبته في هذا الزمن منوطة بالمسيح الموعود بحسب نبوءات النبي ووعود الله تعالى. فمن المقدر أن الله تعالى سوف يهب للمسيح الموعود هذه الغلبة، ولكن لا بد له من أسباب مادية، وقد هيأ الله تعالى من أجله هذه الأسباب في الوقت المناسب دائما وسيظل يهيئها. إن الكتب التي ألفها ونشرها حضرته في زمنه – بل الأحرى أن أقول إن هذا الكنـز الكبير  الذي وزعه على الدنيا – كانت إحدى وسائل هذه الغلبة الموعودة. أما في هذا العصر فقد هيأ له الله تعالى أسبابا جديدة لتبليغ هذا الكنـز إلى كل أنحاء العالم عبر MTA. كما جعل قناتنا الفضائية MTA وسيلة لإظهار بركات الخلافة الإسلامية الأحمدية التي قامت حسب وعد الله تعالى. إذن، فقناتنا الفضائية هي إحدى الوسائل التي أوصلت ولا تزال توصل دعوة الأحمدية إلى كل أطراف الأرض، معلنةً بصوت عال أن الاكتشافات الحديثة إذا أُحسنَ استخدامها في وقت من الأوقات، فإنما تم ذلك في زمن المسيح الموعود . إن القنوات الثلاث لـ MTA لا تعمل جاهدة على تربية أبناء الجماعة فقط، بل تفحم أيضا المعارضين بالأدلة التي زوَّدنا بها المسيح الموعود . فالله تعالى قد جعل قناتنا الفضائية MTA سلاحًا لنيل الغلبة من جهة، ومن جهة ثانية جعلها وسيلة لإظهار هذه الغلبة. لقد دخلت قناتنا في البيوت كلها محققةً أهدافَ بعثة المسيح الموعود .. أي القيامَ بالمهمات التي كلف بها وقام بها سيده وسيدنا رسول الله ، إذ وُكِّلت إلى المسيح الموعود في هذا الزمن نفس الأعمال، بما فيها إظهار المعجزات وتزكية القلوب ونشر تعليم القرآن الكريم ونثر لآلئ الحكمة بين بني البشر.

وإذا استعرضنا أوضاع اليوم وجدنا القناة الفضائية الإسلامية الأحمدية هي القناة الوحيدة التي تفي بهذه الأغراض والأهداف كـلهـا. هناك قنوات حكومية كثيرة في البلدان الإسلامية إضافة إلى قنوات خاصة للمنظمات الإسلامية العديدة، ولكنكم إذا أمعنتم النظر في برامجها فلن تجدوا في أي منها هذه الأمور الأربعة مجتمعة. فإذا بثّت هذه القنوات شيئا جيدا مرة، فإنها تبث مرارا كثيرة برامج رديئة تثير الضحك، ولا تقدم أي فكرة صحيحة عن الإسلام. ثم هناك في العالم عدد هائل من القنوات، ومن الصعب استمرارها بدون دعايات مشتملة على لغو ولهو وإباحية، وهذا هو حال قنوات البلدان الإسلامية أيضا، حيث يقدمون برامج عابثة سخيفة باسم التسلية والترفيه والاستراحة. فهناك اليوم قناة وحيدة تحقق الغاية المنشودة من خلق البشر، الغاية التي من أجلها بُعث النبي ، وهي قناة غلمان المسيح المحمدي. فعلى الأحمديين أن ينتبهوا إلى أهمية قناتنا من أجل تربيتهم من ناحية، ومن ناحية لأن هذه القناة تدار ببذل جهود ومساع جبارة. فعليكم أن تشاهدوها وتستمعوا إليها باهتمام خاص، ولاسيما خطب الجمعة والبرامج التربوية الأخرى. فثمة حاجة ماسة للانتباه إلى هذا الأمر. وأقول ذلك لألفت انتباهكم إلى شكر الله تعالى على ما أكرمنا به من نِعم لا تُعَدّ ولا تحصى، وعلى ما منَّ على جماعة المسيح الموعود حسب وعوده من نعمة الخلافة التي تصل دعوتها إلى العالم عبر شاشة MTA. هنا يجب أن أوضح أنه إذا لم تكن الخلافة فينا لما كان بوسع أي هيئة أو منظمة إدارة هذه القناة كما تجري الآن عندنا على ما يرام مهما بُذلت الجهود لذلك بنية حسنة. إذًا فإن MTA بركة عظيمة من بركات الخلافة وفضلٌ من أفضال الله على جماعة المسيح الموعود ، فينبغي أن نستفيد منها حق الاستفادة. وقد قلت إن من المستحيل إدارة القناة بدون الخلافة على الشاكلة التي ذكرتها لكي يتولد عند كل واحد منكم الشعور بأن كل نظام أعطاه الله تعالى للمسيح الموعود بحسب وعده فقد ربطه بنعمة الخلافة فاحترِموها دائما. والتغير الذي حدث في كل أحمدي بمناسبة الاحتفال باليوبيل المئوي على تأسيس الخلافة الإسلامية الأحمدية يجب ألا يكون مؤقتا، ويجب ألا يكون هذا الحماس مؤقتًا عابرًا، بل ينبغي أن تتذكروه دائمًا وتجعلوه جزءا لا يتجزأ من حياتكم. كنت أخذت منكم بهذه المناسبة ميثاقا وكان له تأثير كبير في النفوس، وهذا التأثير بادٍ في الجميع، فاسعوا ألا تنسوا هذا العهد أبدًا، لأن الله تعالى قال:

  وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا (الإسراء 35).

وحيث إن تأثير هذا الحدث لا يزال حيًّا في أذهانكم فأذكّركم مرة أخرى بأن هذا العهد يجب أن يظل نصب أعينكم دومًا ليقوي إيمانكم باستمرار. واذكروا أيضا أن أي عهد وأي أمر لا يتحقق بدون فضل الله تعالى، وهذا ما يشعر به كثير من الإخوة، فيقولون لي في الرسائل إننا قد عقدنا العهد، وسوف نسعى للعمل به والوفاء والتمسك به بإذن الله، لكن نرجو منك الدعاء بأن يوفقنا الله تعالى في هذا المرام، إذ لا يتأتى ذلك بدون فضله تعالى.

إذًا فلا بد من العمل بما علَّمنا الله للوفاء بهذا العهد. وهو أن ترفعوا مستوى عباداتكم أكثر من ذي قبل، وأن تعملوا الخيرات أكثر من ذي قبل، وأن تسعوا جاهدين للأعمال الصالحة التي منها طاعة نظام الجماعة أيضا، فبدونه لا يوفَّق المرء لفعل الخيرات ولا للوفاء بهذا العهد، لأن الخلافة هي التي أقامت نظام الجماعة، فلا بد من احترامه وطاعته. وفَّق الله كلَّ واحد منكم للتمسك بعهده والوفاء به، والتقرب إليه تعالى باستمرار.

هذا، وكنا نسعى جاهدين منذ مدة طويلة لشراء قطعة أرض في إيطاليا لبناء مركز للجماعة هناك، والآن وفي اليوم السابع والعشرين من مايو بالضبط تلقينا بشارة من الله أن البلدية هناك استدعت ممثّلَ الجماعة وأخبرته بسماحها لنا بشراء قطعة أرض، وقد عُقدت الصفقة أيضًا. هذا البلد الذي فيه عاصمة المسيحية ومقر قيادتها الدينية إلى الآن قد وهب الله لنا فيه، عند اكتمال مائة عام على إقامة الخلافة الأحمدية، أرضًا لنبني فيها مركزا لغلمان المسيح المحمدي ونشيد فيها بإذن الله مسجدًا يُرفَع من مآذنه اسم الله الأحد ويصدر عنه إعلان وحدانية الله تعالى.

إن المسلمين الأحمديين في باكستان أيضا قد احتفلوا بهذه المناسبة بفضل الله تعالى رغم ضجة المشايخ. فاشتركوا عبر MTA   في الاحتفال الذي أقمناه هنا، كما أقاموا احتفالات محلية أيضا. ورغم الحظر المفروض على احتفالنا أمس أو اليوم من قبل الحكومة، إلا أن الأحمديين لم يشعروا بالحرمان الذي أصابهم عند اليوبيل المئوي على تأسيس الجماعة في عام 1889، حيث صدر عندها مرسوم حكومي يمنع الأحمديين من الاحتفالات رغم جميع الاستعدادات والترتيبات، وفُرض بموجبه حظرٌ على أي فرحة يبديها أي أحمدي، وبأي طريق كانت، حتى توزيع الحلويات والسكاكر على الأولاد. هذه هي الأوضاع هناك.

وفي هذه المرة أيضا كان الأحمديون قلقين لأن الحزب الحاكم في منطقة البنجاب التي تقع فيها مدينة ربوة مركزُ الجماعة، هو نفس الحزب الذي فرض الحظر في الماضي، ولكن الله تفضل علينا وأكرمنا وانقضى يوم السابع والعشرين بسلام، وشارك الأحمديون في الاحتفال المركزي الذي بُث عبر  MTA من هنا وقاموا باحتفالات أخرى محلية؛ حيث وزِّعت الأطعمة والحلويات أيضًا. وبما أن هذه البرامج كلها قد تمت بمنتهى الهدوء ولم يتنبه لها الكثيرون، فقد ظن المشايخ أن الحظر كان مفروضًا من قبل الحكومة، خاصة أن الجرائد قد نشرت إعلانات كهذه، لذا فقد أعلن المشايخ تفاخرًا بأن الحكومة قد فرضت الحظر على احتفال “القاديانيين” ومنعتهم من توزيع الحلويات على الأولاد ومنعتهم من الابتهاج، وهكذا قامت بإنجاز إسلامي عظيم وأنقذت الأمة المسلمة من الدمار. فكأن الأمة المسلمة إنما تهلك بتوزيع الحلويات على الأولاد! فهذا هو مبلغ عقلهم!! إنهم لا يدركون أن تصرفاتهم هذه تدفعهم إلى هوة الهلاك. لذا فأرجو منكم أن تدعو لباكستان أيضا. أما المشايخ فلم يُقدَّر لهم الهدى على ما يبدو، فادعوا للشعب الباكستاني أن يهديه الله الصراط المستقيم ويلهمه الصواب والرشاد. وادعوا ألا يظل الساسة المغرضون يلهثون وراء مصالحهم الشخصية، بل يقوموا بواجباتهم ومسؤولياتهم ويؤدوا حقوق الفقراء. إن الأوضاع في باكستان سيئة جدا، فالخزينة خالية، والغذاء والمياه غير متوفرة. قد كثرت أحداث النهب والسرقة، وعمت الرشوة، ويموت الشعب جوعا، والحكومة لا تحرك ساكنا، ولا يهمّ أصحابَها إلا المناصبُ. رحم الله الشعب الباكستاني. ونحن حين نقيم احتفالات الفرح والسرور في العالم كله شكرًا على ما أنعم علينا بنعمة الخلافة، فعلينا أن لا ننسى الجماهير الفقراء في باكستان أيضًا. فادعوا الله تعالى أن يحسِّن أوضاعهم ويفرّج عنهم ويخلِّصهم من القادة الظالمين ويهديهم إلى طريق الصواب. كما ادعوا للبلدان الإسلامية بشكل خاص بأن يوفق أهلها لمعرفة المسيح المحمدي وللإيمان به. ثم ادعوا للعالم بشكل عام أن يحفظه الله تعالى من عذابه، ويوفقه لمعرفة الحق، فإنه مندفع إلى الدمار. ادعوا ليشاهد العالم مشاهد ملكوت الله على الأرض مرة أخرى، حيث نرى راية النبي ترفرف عاليا في العالم كله. آمين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ الله وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَالله خَيْرُ الرَّازِقِـينَ (الجمعة 10-12).

لقد علِمنا أهمية صلاة الجمعة من الآيات القرآنية التي تلوتها عليكم، وهي الأخيرة من سورة الجمعة، حيث أنزل الله أحكام الجمعة في سورة منفصلة. هناك في القرآن أحكام مفصلة عن العبادات وعن أداء الصلاة بالتزام وفي مواقيتها وفي المسجد وغيرها من شروط معينة من وضوء وطهارة، لكن الله قد أنزل حكمًا منفصلاً عن الجمعة التي هي الأخرى عبادة وصلاة. فصلاة الجمعة ذات أهمية بالغة نجد تفاصيلها في الأحاديث النبوية وأقوال المسيح الموعود . وفي الجمعة الأولى من شهر رمضان حين لفتُّ انتباهكم إلى ضرورة الدعاء كنتُ ذكرت أيضا أن في صلاة الجمعة أو يوم الجمعة ساعةً يستجاب فيها الدعاء خاصة بحسب ما ورد في الأحاديث، وأتوقع أن أغلبيتكم تكونون قد سعيتم جاهدين للانتفاع من تلك الساعة بشكل خاص في أيام الجمعة الماضية أثناء هذا الشهر الفضيل. إن اجتماع الجمعة والصيام يتيح للإنسان فرصة التقرب إلى الله واستجابة الدعاء. اليوم نحن نمر بفضل الله تعالى باليوم الخامس من العشرة الأخيرة من رمضان، وهذه الجمعة الأخيرة في شهر رمضان الجاري ذات أهمية قصوى عند بعض الفرق الإسلامية، حيث يعتقدون أنه يجب حضورها خاصة للحصول على المغفرة، ويعتقدون أيضا أنه عندما يصير اللوح (أي لوح أعمالهم) نظيفًا مرة بسبب هذه المغفرة، فلهم أن يعملوا بعدها كما يحلو لهم، بل يحسب بعضهم أنهم إذا صلوا صلاة الجمعة مرة واحدة بعد سنوات عديدة فهي تكفيهم.. هذه الفكرة سائدة عندهم، لأنهم عاجزون عن إدراك حكمة أحكام الله تعالى بشكل صحيح، وذلك نتيجة رفضهم للمسيح الموعود . فمِن مِنَّة الله العظيمة علينا نحن المسلمين الأحمديين أننا نهتم بأداء كل جمعةٍ لإدراكنا أهمية جميع أحكام الله ، سواء أكانت تتعلق برمضان أو غيره من أشهر السنة. وإذا كانت لأيام الجمعة في رمضان عندنا أيُّ أهمية فذلك لأن هناك بشارةً بأن في يوم الجمعة ساعةً يستجيب الله فيها أدعية العبد، كما هناك بشارة بأن الله يتقرب إلى العبد في رمضان ويسمع أدعيته حيث حثَّنا على صلاة التهجد وصلاة النافلة الأخرى بصفة خاصة، وكل مسلم يوليها اهتماما خاصا على العموم. فأيام الجمعة في رمضان ذات أهمية كبرى حيث يستجيب الله أدعية العبد في النهار رحمةً منه، ويسمع أدعيته ليلاً أيضا فضلاً منه. فيجب أن ندعوه دائمًا للنجاة من جهنم في هذه الدنيا وفي الآخرة أيضا مغتنمين هذه الأيام والليالي وسائلين الله تعالى رحمته الدائمة حتى يحمينا تحت رداء مغفرته، وحتى لا نهتم بالعبادة في رمضان أو أيام الجمعة فيه أو الجمعة الأخيرة منه وحدها فحسب، بل تحثُّنا كلُّ جمعة في السنة وكلُّ يوم في السنة على السعي للفوز برضا الله تعالى. فكل مسلم أحمدي بأمس الحاجة إلى أن يتمسك بهذا المبدأ. عليه أن يدرك جيدا أن أيام الجمعة في شهر رمضان أو الجمعة الأخيرة منها ليست وحدها جديرة بالاهتمام، كما يظن الذين يعتقدون أنه لا بد من حضور المسجد لأداء الجمعة الأخيرة من رمضان في كل حال، وكما يعتقد بعضهم الآخرون أنه يجب حضور المسجد يوم العيد؛ وذلك برغم أن الله لم ينـزِّل في القرآن أحكاما خاصة بالعيد. صحيحٌ أن لصلاة العيد أهمية كبيرة حيث أكد النبي عليها وقد أمر أيضا النساء اللواتي لا يصلين لعُذرٍ أن يحضرن صلاة العيد، وليس ثمة تأكيد مثله على حضورهن في صلاة الجمعة. ولكن لا يغيبنّ عن البال أن الأمر بالحضور في صلاة العيد لا يعني أن أداء ركعتين مرة في السنة أو الاستماع إلى خطبة العيد بضع دقائق يضمن مغفرة الذنوب. كلا! بل الحق أننا نحتفل بالعيد لأن الله تعالى قد وفِّقنا لعبادته وتقديم التضحية من أجله – أو كان بعضنا يود القيام بهذه العبادات ولكنه لم يستطع ذلك طاعةً لأمر الله إذ كان مضطرا نتيجة عُذرٍ،  فهو أيضًا مأمور بحضور العيد – ذلك لكي نشترك في عبادة نؤديها شكرًا لله على ما وفقنا من العبادة حتى نفوزَ برضاه، وندعوَه بأن يوفقنا في المستقبل أيضا لأداء العبادات كلها، سواء كانت فرضًا أو تطوعًا. وعندها فقط يكون الحضور في كل عيد نافعًا. وهذا ما يتميز به المؤمن حيث يسعى دائمًا أن يحتفل بالعيد بهذه الطريقة.

المهم أن الجمعة لها أهمية بالغة، فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة قال قال النبي : إن أجر الحسنات يوم الجمعة يُضاعَف أضعافا كثيرة. وفي رواية أخرى عن أبي هريرة أن النبي قال:

إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ (أي الذي يأتي مبكّرًا) كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي الْبَدَنَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْكَبْشَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الدَّجَاجَةَ، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي الْبَيْضَةَ. (صحيح مسلم، كتاب فضل التهجير يوم ا لجمعة)

وهناك رواية أخرى أقرأ عليكم جزءًا منها حيث قال النبي ما معناه: ألا أخبركم بأفضل الأيام؟ ثم قال: إن أفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهور شهر رمضان، وأفضل الليالي ليلة القدر. (كنـز العمال، رقم الحديث 35343)

وفي رواية: عَن أبي لبابة بْن عَبْد المنذر؛ قَالَ، قال النَّبِي : إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمُها عند الله، وهوأعظمُ عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر. فيه خمسُ خِلالٍ: خلَق اللهُ فيه آدم، وأهبطَ الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه تَوفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبدُ شيئًا إلا أعطاه، ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة. ما مِن مَلَكٍ مقرّب ولا سماءٍ ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يُشفِقْن من يوم الجمعة. (ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب في فضل الجمعة)

ومن المحال أن ننتفع من الصوم ولا من رمضان ولا من ليلة القدر ما لم نحدث في حياتنا تلك الثورة التي تساعدنا على تحقيق الهدف الحقيقي من خلْقنا، أي أن نصبح من الذين يداومون على صلواتهم وعباداتهم.

إن هذه الأحاديث كلها تؤكد أهمية الجمعة، وتلفت أنظارنا إلى أن الله تعالى حين قال في القرآن الكريم:

إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَّوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ

فقد قاله لينبّهنا إلى ما يوجد في هذا اليوم من بركات خاصة. فلا تظنوا أن تجاراتكم ومشاغلكم الأخرى خير لكم. كلا! بل الخير كله في عبادتكم في يوم الجمعة.

ولقد ورد في الحديث الشريف أن أجر الحسنات يُضاعَف في رمضان أضعافا كثيرة. وإن أُولى الحسنات هي طاعة الله تعالى حيث يترك الإنسان مشاغله الدنيوية وتجارته ويترك حب المال ويحضر المسجد لصلاة الجمعة طاعةً لأمر الله تعالى وحده. إن صلاة الجمعة تكون أطول من صلاة الظهر عادة حيث تُلقى قبلها الخطبةُ أيضا، والمشغول بالتجارة يظن أنه إذا غاب عن محله هذه الفترة الطويلة سيخسر، ولكن الله تعالى يقول: لو أطعتموني لما تعرضتم لأية خسارة. يقول الله تعالى في مكان آخر من القرآن الكريم:

  وَمَنْ يُّطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (النور: 53).

فهكذا قد نبّهنا الله تعالى أن الذين يطيعونه في الظروف العادية أيضا ينالون الفوز، أما يوم الجمعة فتجلب لكم فيه هذه الطاعة بركات لا تُعدُّ ولا تُحصى. إنما يحضر المسجد لذكر الله الذين في قلوبهم خشية الله وتقواه. ومن وصل هذه الدرجة في عباداته لا يُرَدّ صفرَ اليدين. إن الذي يأتي المسجد لوجه الله فقط ضاربًا أشغاله عُرض الحائط يقول النبي أنه حين يأتي للعبادة بقلب خاشع لله تعالى فإنه ينال أجره أضعافا مضاعفة.

إذن، فقول الله :

  ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ

يجب أن يكون مدعاة للطمأنينة لكل من يؤمن بأن الله يملك القوة والقدرة كلها وأنه ربّ العالمين. فالله تعالى يخبرنا أنكم لا تدرون كم من بركات تجنونها نتيجة حضوركم صلاة الجمعة. ولو علمتم البركات الكثيرة التي تنالونها بصلاة الجمعة لما رضيتم بالحضور في الجمعة الأخيرة أو الجُمَع الأخرى في شهر رمضان فقط، بل انتظرتم الجمعة إلى الجمعة، وسعيتم للحضور في المسجد مبكّرًا لتنالوا أجر تضحية الجَمل أو البقر، أو على الأقل أن يُكتَب لكم شيء من الأجر والثواب في سجلات الملائكة قبل أن يغلقوها، ولبذلتم جهدكم للبحث عن ساعة الاستجابة، ولآثرتم صلاة الجمعة على كل شيء آخر.

فعلينا نحن الأحمديين أن نعير اهتماما كبيرا ليوم الجمعة، لأن لها أهمية كبرى من حيث إلحاق الآخرين بالأولين في العصر الراهن الذي بلغ فيه حبُّ المادية منتهاه، ويحاول الشيطان منْعنا من كل عمل حسن يقرِّبنا إلى الله تعالى ويجلب لنا رضاه . حين تحدث سيدنا المسيح الموعود عما بين بعثته وبين هذا اليوم وهذا العصر من علاقة وحذّر منكريه، كما نصح أتباعَه أيضا بلهجة ملؤها الألم فقال :

“أقول، لقد هيأ الله تعالى هذه الفرصة المواتية لسعداء الحظ. فمباركون أولئك الذين يغتنمونها كما ينبغي. فيا من أنشأتم العلاقة معي، لا تغترّوا ظانين أنكم قد نلتم كل ما كنتم نائلين. صحيح أنكم أقرب إلى السعادة من الذين أنكروا وأسخطوا الله تعالى بشدة إنكارهم واستخفافهم بأمره، وصحيح أنكم أحسنتم الظن وبذلتم قصارى جهدكم لإنقاذ أنفسكم من غضب الله، ولكن الواقع أنكم إنما اقتربتم من النبع الذي فجَّره الله تعالى لخلق الحياة الأبدية، وبقي أن تشربوا منه.”

إن هذه الجملة لجديرة باهتمام خاص، وفيها تحذير شديد لنا جميعا.

“فاسألوا الله تعالى من فضله حتى يرويكم من هذا الينبوع، إذ لا يتم شيء بدون فضل الله . إني أعلم يقينا أن الذي سيشرب من هذا النبع لن يهلك، لأن ماءه يهب الحياة وينقذ من الهلاك ويحمي من هجمات الشيطان. ولكن ما السبيل للارتواء من هذا النبع؟ إنما سبيله أن تؤدوا الحقَّينِ اللذَين أوجبهما الله عليكم أحسن أداء، أحدهما حق الله وثانيهما حق الخَلق.”

إذن، فقد صرح بوضوح تام: صحيح أنكم قد آمنتم بي كإمام الزمان وأحسنتم بي الظن، واعترفتم بأهمية بعثة هذا الإمام في الزمن الأخير والذي كان من مهامه أن يُلحِق الآخرين بالأولين، حين تكون للعبادات أيضا أهمية كبرى، ولكن هذا لا يكفي، لأن هناك الكثيرين الذين لم يحدثوا في أنفسهم تغييرات مطلوبة إلى الآن، وكثير منهم بحاجة إلى انتباه كبير فيما يتعلق بأداء حقوق الله وحقوق العباد. وإذا كان يقول هذا عن أصحابه الذين عاصروه ونالوا بركة التربية على يده مباشرة، فكم بالحريّ بنا أن نحاسب أنفسنا باستمرار، ونسعى جاهدين لأداء حق هذه الجمعة العظيمة التي حظينا ببركاتها بسبب إيماننا بالمسيح الموعود ! ويجب ألا ننتبه إلى هذا الأمر مرة واحدة في السنة فقط أي في شهر رمضان فحسب، بل ينبغي أن نسعى دائما لأداء حق ذكر الله وغيره من حقوقه ولأداء حقوق خلقه. والحسنات التي وُفِّقنا لها أثناء شهر رمضان المبارك يجب أن تصبح جزءًا من حياتنا لا يتجزأ. لقد تجنبنا الخصومة والشجار في هذه الأيام خاصة قائلين: “إني صائم”، فيجب أن نتجنبها بعد مرور رمضان أيضا. لقد التزمنا الصلوات خلال هذا الشهر الفضيل، فيجب أن يصبح التزامنا بها جزءًا من حياتنا لا يتجزأ.

يتضح من الحديث الذي قرأتُه على مسامعكم أن أفضلَ الأيام يوم الجمعة، وأفضلَ الشهور شهر رمضان، وأفضلَ الليالي ليلة القدر، فمن واجبنا أن نستفيد من يومنا هذا وندعو الله تعالى – إلى جانب أدعية أخرى كثيرة – أن يوفقنا للاستفادة من أيام الجمعة المقبلة أيضا فنحدث تغييرات طيبة في نفوسنا.

ثم إننا نمرّ في هذه الأيام بأفضل شهر لم يبق منه سوى بضعة أيام، فعلينا أن ندعو الله فيها كثيرًا أن يمدّ لنا بركاتِها بحيث تنفعنا إلى حلول شهر رمضان المقبل، ثم نرتقي إلى مراتب أخرى في شهر رمضان الذي يليه، ونحظى بقرب الله تعالى ورضاه أكثر من ذي قبل، ولتبقى معنا إلى الأبد سلسلة غير مقطوعة من الحسنات، بل بعد وفاتنا يتغمدنا الله تعالى برداء مغفرته يوم القيامة.

ثم ذُكرَتْ في الرواية السابقة خيرُ ليلة، وهي ليلة القدر، وقد جاء عنها في الروايات أن النبي قال: التمسِوها فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وفي بعضها قال: في السبع الأواخر. (البخاري، كتاب صلاة التراويح). وها نحن نمرّ الآن من العشر الأواخر من رمضان. ثم ورد في بعض الروايات: “اطْلُبُوهَا فِي الْوِتْرِ مِنْهَا” (مسلم، كتاب الصيام). فمن هذا المنطلق يجب أن يكون تركيزنا على الدعوات لأنها ليلة استجابة الدعوات.

أود أن أُورد هنا تعريفًا وجيزا بليلة القدر بكلمات المسيح الموعود ، فقد قال في تفسير سورة القدر:

“هناك ليلة القدر التي تكون في الهزيع الأخير من الليل، حيث يتجلى الله تعالى ويقول مادًّا يده: هل مِن أحد يدعو ويستغفر حتى أجيب دعاءه؟ ولكن ثمة معنى آخر لقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر …. وهو أننا أنزلنا القرآن في ليلة حالكة الظلام كانت تدعو مصلحا عظيما”. (تفسير المسيح الموعود ، سورة القدر)

ثم أوضح هذا الأمر أكثر وقال إن ذلك الزمن كان يقتضي بعثة النبي ونزول القرآن الكريم، ولسوف يمتد الآن إلى يوم القيامة. وإن آية إنا أنزلناه في ليلة القدر تبرهن على ما كان الزمن يحتاج إليه في الواقع. وهذا موضوع مستقل في حد ذاته لا يمكنني الخوض في تفاصيله الآن، بل أتناول الآن الجزء الأول من قوله المذكور آنفًا، حيث قال إن الله تعالى يقول مادًّا يده: هل من أحد يدعو ويستغفر حتى أجيب دعاءه؟ فينبغي لنا أن نتحرى مثل هذه الليالي ونستفيض من بركاتها. ومن المحال أن ننتفع من الصوم ولا من رمضان ولا من ليلة القدر ما لم نحدث في حياتنا تلك الثورة التي تساعدنا على تحقيق الهدف الحقيقي من خلْقنا، أي أن نصبح من الذين يداومون على صلواتهم وعباداتهم. وإذا تحقق ذلك فلن نذكر الله تعالى في يوم الجمعة فحسب، بل سنكون من الذين يعطّرون ألسنتهم بذكر الله في كل حين وآن.

لقد نبّهنا الله تعالى في الآيات السابقة إلى الأمر نفسه، حيث أمرنا أن نرجع إلى أعمالنا وتجاراتنا بعد صلاة الجمعة، ولكن هذا لا يعني أن نظل منهمكين بتلك الأعمال حتى الجمعة القادمة، بل المراد أن نذكر الله تعالى ونعطّر ألسنتنا بذكره خلال قيامنا بأعمالنا وتجاراتنا ومشاغلنا أيضا، ويجب أن نجعل الالتزام بالصلوات الخمس نصب أعيننا. قال الله تعالى بهذا الخصوص:

  وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة 11)..

فقال: تحرَّوا فضل الله، مما يعنى أن تكون أعمالكم الدنيوية أيضا مشروعة، إذ من المستحيل أن يُعَدّ عمل غير مشروع مِن فضل الله. فكأنه تعالى يقول: لا تكونوا كأولئك المصلّين والحجاج الذين ما إنْ ينتهوا من عباداتهم الظاهرة حتى يعودوا إلى الخداع والغش في أعمالهم وتجاراتهم. إذًا فلا بد من ذكر الله تعالى لبقاء القلب والذهن نقيَّين صافيَينِ. إن مجرد تحريك حبات المسبحة ليس من ذكر الله في شيء، بل يجب أن يتذكر القلب والذهن أفضال الله ونِعمَه وصنائعه بحيث يولّد التقوى الحقيقية في المرء، الأمر الذي فيه فلاح الإنسان ونجاحه بحسب قول الله تعالى.

لقد بدأ بعضهم تجارته بدراهم معدودة، ومع ذلك ازدهرت تجارته وبلغت الملايين، وقد حققوا هذا الرقي الخارق بسبب أمانتهم وفراستهم وفوق كل ذلك فضل الله تعالى. وبتعبير آخر كانوا متحلين بالأمانة والفراسة مما استنـزل فضل الله تعالى…

كيف يجب أن نذكر الله تعالى؟ لقد ورد هذا الموضوع في القرآن الكريم بطرق شتى. على سبيل المثال ذكر الله تعالى في سورة آل عمران الخلْقَ والكونَ والأرض والسماء وقال:

  الَّذِينَ يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (آل عمران 192)

أي إنما الذكر الإلهي أن يتذكر المرءُ اللهَ تعالى في كل حين وآن. فإن الله تعالى قد لفت أولاً انتباهنا إلى خلق السماوات والأرض ثم قال إن الذين يفكرون في خلقهما لا يلبثون أن يقولوا:

  سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

وإنهم يقولون ذلك لأن الله تعالى خالقُ كل شيء، وعليه تعتمد حياتنا، وكل شيء بين السماء والأرض خُلق بيده . فإذا كان كل ما في السماوات وما في الأرض لله تعالى، ولا يوهب الإنسان شيئًا منه إلا بفضل الله تعالى، فكيف يسع الناسَ أن يتركوا هذا الرب ويتوجهوا إلى غيره. فلو أشركوا بالله شيئا فإنه تعالى لا يغفر أن يُشرَك به، وإن جعلوا تجاراتهم شريكًا له فلن يغفر لهم ذلك، وبالتالي يدخلون النار. ولأجل ذلك يدعو هؤلاء قائلين: سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . إن الله تعالى يغدق علينا بأفضاله كل حين وآن، فعلى الإنسان أن يواظب على الدعاء قائلا: اللهم لا تجعلْنا نقع في الشرك، أي لا نجعل شيئا ما شريكا لك في حياتنا. ووفِّقْنا أن نكون لك عابدين ولك ذاكرين على الدوام، حتى لا نخزى في الدنيا، ونأمن عذابك في الآخرة.

إذًا فإن الله تعالى حين يقول:

  وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله وَاذْكُرُوا الله كَثِيرًا

فكأنما يذكّرنا أن منافعكم وخسائركم بيدي، وإن ارتباطكم بي مدعاة لسعادتكم، إذ تنتفعون روحانيا وماديا. يقول المسيح الموعود :

“لقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أمرًا آخر أيضا، وهو أنه ليس أولو الألباب وأصحاب العقول السليمة إلا الذين يذكرون الله قياما وقعودا. يجب ألا يظن أحد أن العقل والفراسة يتيسران دون أن يحرك أحد ساكنا. كلا، بل لا يمكن أن يتيسر العقل والفراسة الحقيقيان دون الرجوع إلى الله تعالى، ولأجل ذلك قيل: اتقُوا فراسة المؤمن…. فالفراسة الحقيقية لا توهب بدون التقوى.” (تفسير المسيح الموعود ، سورة آل عمران، قوله تعالى إن في خلق السماوات والأرض)

فإذا كان أحد يزعم أنه يدير تجارته وأعماله بمحض ذكائه وعقله فهو مخطئ. لا شك أن الإنسان إذا اجتهد وجد ثمرة جُهوده وفقًا للنواميس الإلهية، ولذلك فالذين لا يؤمنون بالله تعالى ولا تربطهم معه علاقة أيضًا ينتفعون بتجاراتهم وجهودهم في الدنيا، ولكن يجب أن يتذكر المسلم الأحمدي دومًا أنه بعد الإيمان بإمام الزمان لن ينال بركة ولن تزدهر أعماله إلا إذا ذكر الله تعالى عند القيام بها ويتقيد بجميع شروط ذكره مراعيًا تقوى الله، إذ من المحال أن ينفع المرءَ بعد الإيمان بمبعوث الله العملُ بنفاق. يجب أن نتأسى في هذا الصدد بأسوة الصحابة، فإنهم لم ينسوا ذكر الله تعالى في تجاراتهم وأعمالهم. لقد بدأ بعضهم تجارته بدراهم معدودة، ومع ذلك ازدهرت تجارته وبلغت الملايين، وقد حققوا هذا الرقي الخارق بسبب أمانتهم وفراستهم وفوق كل ذلك فضل الله تعالى. وبتعبير آخر كانوا متحلين بالأمانة والفراسة مما استنـزل فضل الله تعالى، فنالوا رقيا وازدهارا. فعلينا ألا ننسى السعي الدءوب لجذب فضل الله تعالى ولرفع مستوى عباداتنا حتى نكون من المفلحين دوما. كان من المقدّر أن تؤثر تجارات هذا الزمن وأعمال اللهو واللعب على قلوبنا، لذلك نبّهنا الله تعالى إلى أنه وحده خير الرازقين، ومنه يأتي كل خير، كما أن المنافع التجارية واتخاذ القرارات الصائبة فيها لا تتأتى إلا بفضل الله تعالى. ترون أناسًا يقومون بأعمال وتجارات على نطاق واسع، ولكنهم أحيانا يُفلِسون نتيجة فشلهم في اتخاذ قرار صائب في الوقت المناسب أو لأسباب أخرى. انظروا كم من بنوك كبيرة تفلس في هذه الأيام نتيجة الظروف الاقتصادية المتردية. فيجب أن لا تعيروا اهتماما لأي شيء إزاءَ عبادة الله وذكره، لأن كل شيء منوط بفضل الله تعالى. وفَّقنا الله تعالى ليس فقط لأداء صلاة هذه الجمعة، بل كل الجُمَعِ باهتمام خاص، فقد قال النبي : “مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ الله عَلَى قَلْبِهِ. (سنن الترمذي، أبواب الجمعة عن رسول الله)

حفظنا الله تعالى من هجمات الشيطان، وجعَلنا في كنف رعايته حتى لا نبتعد عن أفضال الله تعالى أبدا. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك