- الرعب الغربي من شبح الحرب العالمية الثالثة يكشف عن تناقض أخلاقي.
 - العنصرية ظهرت بأقبح صورها في طريقة تعامل الحكومات الغربية مع اللاجئين من الجنوب والشرق مقارنةً باللاجئين من بلدان أوربية.
 - صحوة الشعوب المستعبَدة كانت ضمن نبوءات القرآن الكريم حتمية التحقق.
 
 ___
العالم اليوم ترتعد أوصاله فَرَقًا من تكرار مشهد الحرب العالمية بنسختها الثالثة ذات الترقية الشاملة في شتى المجالات، الاقتصادية والعلمية، والفنية، وغيرها. وفي خضم الأحداث الراهنة بين يدي المواجهة المسلحة التي باتت وشيكة بين معسكري يأجوج ومأجوج، المواجهة التي اطلعنا على جانب لا بأس به من تحقق النبأ بشأنها في قول الله تعالى:
فإن أكثر ما يثير رعب العالم ويَقُضُّ مضجعَه، حرصه الشديد على ما أحرزه من رُقِيٍّ ورَفَاهٍ مادي ملموس على مدى ثمانية عقود تقريبًا.
ومنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام ١٩٤٥م، قُدِّر للعالم أن يخطو خطواتٍ واسعةً في شتى ميادين العلم والمعرفة والفكر، بحيث إنه بعملية مقارنة بسيطة بين نمط الحياة الحالي ونمط الحياة الذي كان سائدا فيما قبلها ستكون كافية لإراءة البَوْن الشاسع والتطور العظيم الذي تحقق للإنسانية، يكفي على سبيل التمثيل أن أطفالنا لا يكادون يصدقون أننا كنا نستعمل هواتف ثابتة وثقيلة نسبيا لإجراء اتصالاتنا، حين لم تكن الهواتف الـخَلَوِيَّة قد ظهرت بعد! فالرعب العالمي، والغربي بوجه خاص، يعزى إلى الحرص على ما حققه ذلك الغرب من رقي حضاري مادي طوال تلك القرون، بعيدا عن قضية من أين له بالموارد التي أتاحت له ذلك الرقي، وأن تلك الموارد هي خيرات الشعوب المُستَعمَرة المستنزَفة، حتى إن مقولة «تأكل خيري وتجحَد شكري» لتنطبق تماما على الغرب الذي طالما استنزف خيرات شعوب أفريقيا وآسيا، ثم رفع عقيرته بمناهضة مهاجريها ولاجئيها والنازحين منها! إن الحرب، أية حرب، بغيضة وقبيحة ولا شك، بيد أن نظرة العالم إلى الحروب التي تأجج أُوارها مؤخرا في اليمن وسوريا وغزة وأوكرانيا والسودان أماطت اللثام عن وجه أكثر قبحا، إنه عنصرية مُحْدَثَة تُعرِّي كل ادعاءات الغرب وتبجحاته بدعوى حقوق الإنسان، حين وصف اليمين الأوربي اللاجئين الأوكران باللاجئين من نوعية عالية، والبيض أصحاب الأعين الزرق، في مقارنة بغيضة وظالمة مع اللاجئين النازحين من قِبَل الجنوب والشرق. إن تصريحات الساعة والمحللين تجعل المُشَاهِدَ والمُجتمَع على يقين من أن العالم، على الرغم من رقيه المادي، يعاني انتكاسة أخلاقية وروحية كبيرة، بحيث صار كمن يرتدي أفخر الثياب على جسدٍ نَتِنٍ! حتى إنه لم يعد من المستَبعَد لدى المتدين التقليدي أن السَّاعَةَ بَاتَتْ وَشِيكَةً وَتَطْرُقُ الأَبْوَابَ ، باعتبار الفهم السائد للحديث النبوي:
وحين نتحدث عن قيام الساعة، بحسب الفهم السلبي الذي يتداوله التقليديون، من أنها لحظة دمار العالم، نقول، على سبيل السخرية طبعًا، إن هذه اللحظة تبدو بعيدة جدًّا، حيث إن الساعة لا تقوم إلا وقد بلغت الأرض أَوْجَ تقدُّمها وزينتها، أما وأن العنصرية عادت لتطل برأسها الآن، في نكسة روحية فاضحة، فالساعة إذن ما تزال بعيدة! إن هذا ما قد يتوهمه البعض، علمًا أن الساعة، التي يتصورونها، لن تأتيهم إلا بغتة، وتلك البغتة متمثلة في صحوة غير متوقعة للشعوب المقهورة والرازحة تحت نير التوسع الإمبريالي قرونا طويلة. ويأتي على رأس قائمة تلك الشعوب المقهورة شعوب القارة السمراء، أفريقيا، التي كانت، ولم تزل، سُوقًا يروِّج فيه أتباع مختلف الأديان لبضاعتهم منذ وقت بعيد، فقامت البعثات التنصيرية بهذا الدور خدمة لأهداف استعمارية واضحة، حتى إن مقولة الزعيم الأفريقي «جومو كينياتا» مؤسس كينيا الحديثة تعبِّر أبلغ تعبير عن ذلك الواقع، حيث قال: «حين جاء المبشرّون إلى أرضنا، كانوا يحملون بأيديهم الكتاب المقدس، ونحن كنا نملك الأرض، مرت سنوات، علمونا خلالها كيف نصلي بأعين مغلقة، وعندما فتحنا أعيننا، كنا نحمل الكتاب المقدس، بينما استولوا هم على الأرض!». ولكننا حين ننظر إلى الواقع الأفريقي بأعين إسلامية نرى العكس تماما، فقد تقبَّل الأفارقة منذ قرون مديدة القيم الإسلامية وتصبغوا بها، وفي المقابل، لم يَمْحُ الإسلام الهوية الأفريقية، بل حافظ عليها وأظهر أجمل ما فيها، فبينما دأب المنصِّرون على محو الطابع والهوية الأفريقية، منح الإسلام أفريقيا طابعها الخاص، تماما كما فعل في كل البلدان المفتوحة، فعرفنا سلطنات إسلامية ذات نمط أفريقي فريد في تمبكتو، وفي نيجيريا، وفي زنجبار، وفي كينيا، وفي تنزانيا، وغيرها.
وفي هذا العدد من مجلة التقوى، يُحتفى بالقارة السمراء من أوجه شتى، منها العهد السعيد الذي أشرقت فيه على وجه أفريقيا شمس الإسلام، وكان ذلك عهد الفاروق عمر بن الخطاب ، حيث انطلقت جحافل فتوحات الإسلام تجوب شطرها الشمالي، منشئةً حواضر عظيمة، كالقيروان، وفاس، ومراكش، والرباط، وزاويلة، وغدامس، وورقلة، وتوات، وسلجماسة، وتلمسان، وأوداغست، وغيرها من المدن التي كان لها تأثيرها الثقافي على دول السودان الغربي (3). ومن تلك الحواضر ما مثَّل مركز إشعاع حضاري عالمي كالقيروان وفاس، التي أنشئت على أرضها أعرق جامعة تزاول نشاطها التعليمي دون انقطاع منذ تدشينها وفقًا للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو). ومنذ وطأت قدما الإسلام أرض أفريقيا، وتلك القارة ترسم ملامح هويتها التي سرقها لصوص الموارد والسياسة والفكر فيما بعد، بيد أن صحوة القارة السمراء باتت قريبة جدا، وهي الصحوة التي طالما كذَّب بها المستعمر الأوربي، في مشهد تحكيه آيات القرآن بأسلوب دراماتيكي بديع جاء فيه:
الهوامش
- (الكهف: 100)
 - حلية الأولياء الصفحة أو الرقم: 9/172
 - أحمد محمد أحمد إسماعيل، الحواضر الإسلامية في إفريقيا… كيف نشأت وتطورت؟!، مجلة قراءات أفريقية، عدد 30 ديسمبر 2024م.
 - (الأنبياء: 39-41)