
- من المسؤول عن إحراز الكمال في اللسان؟
- أيمكن أن يكمل المرء نقصه في اللسان بنفسه؟ أم أن هذا فضل لا يأتي إلا من قوة عليا؟
- لماذا لا يكمل في العربية سوى نبي؟
____
الكمال في اللسان، تعبير قديم شائع على ألسنة علماء أعلام في تاريخ الحضارة الإسلامية كالشافعي الذي قال في معرض حديثه عن فضائل العربية أنها لسان لا يكمل فيه إلا نبي، وقول الشافعي هاهنا جدير بالتفكر فيه مليا، إذ تستوقفنا فيه عدة أمور، مثل:
أيمكن أن يكمل المرء نقصه في اللسان بنفسه؟ أم أن هذا فضل لا يأتي إلا من قوة عليا؟
لماذا لا يكمل في العربية سوى نبي؟
إن مثل هذه التساؤلات كانت وما زالت مثار جدل، حتى على المستوى اللساني العام في كل لغات الدنيا، على الأقل حتى القرن التاسع عشر الميلادي، حين كانت قضية أصل اللغات مادة للطرح الأكاديمي، إلا أنها ألغيت مؤخرا بدعوى أن البحث في قضية أصل اللغات من قبيل الأمور الغيبية التي لا دليل علمي ولا تجريبي عليها!
وبالتزامن مع نهاية القرن التاسع عشر، علت صيحة تدحض ذلك الزعم القائل بأن قضية أصل اللغات هي قضية بحثية علمية بالفعل، حيث صدر عام 1895 كتاب سيدنا المسيح الموعود المعنون بـ «منن الرحمن»، والذي يشكل بدءا من عنوانه مفتاحا لفهم قضية أصل اللغات، ومصدر الكمال فيها..
فكرة الكمال بدءا من عنوان «منن الرحمن»
الكمال على المستوى الإنساني هو أمر نسبي، ولا يملك أحد أن يدعي الكمال في الأمور العلمية تحديدا ما لم يؤتَ مددا من أعلى جهة مختصة بذلك العلم، وبما أن العلماء التجريبيين قد أعلنوا عجزهم عن إدراك ملابسات قضية اللغات وأصلها، فهم بذلك يعلنون ضمنًا أنهم ليسوا بأهلٍ لنقاش هذا الموضوع أصلا. فلنتوجه صوبَ مَن يدّعي أنه أهل لنقاشه إذن، ليس هذا فحسب، بل ويدّعي أيضا الكمال فيه، وهو المسيح الموعود ..
لقد تناول حضرته مسألة اللغة العربية وفضلها وكماله فيها في أكثر من كتاب من كتبه، والتي منها إلى جانب كتاب منن الرحمن المشار إليه آنفا، كتب أخرى مثل: كرامات الصادقين 1893 ومكتوب أحمد 1896 ونجم الهدى 1898 ونزول المسيح 1902 والاستفتاء 1907..
وبخصوص دعوى المسيح الموعود الكمال في اللسان العربي بشكل إجمالي. يقول حضرته:
وقال في نجم الهدى ما يلي:
وفي كتاب نزول المسيح، وهو المؤلف باللغة الأردية يتحدث فيه سيدنا المسيح الموعود عن كماله في العربية، وسر ذلك الكمال وسببه، بما من شأنه أن يهز ضمائر أهل العربية العرباء أنفسهم، فيقول حضرته ما تعريبه:
دعوى البسطة الكاملة وتعريفها
لقد أعطي المسيح الموعود بسطة كاملة في اللغة العربية، وورود لغات العرب الكثيرة في كتبه، وتعابيرهم وأساليبهم المتفرقة والنكات الأدبية وغيرها، لهو خير دليل على صدق دعواه. يقول حضرته:
وعليه فإن كتابات حضرته تعكس البسطة الكاملة في العلم، ومن أراد أن يتعمق فيها ويعرف مكانتها العالية لابدّ أن يكون متمتعًا بمذاق علميّ عميق، وإلا فإن جهله وقلة علمه قد يفضي به إلى الاعتراض عليها.
والبسطة الكاملة عرّفها حضرته بنفسه وذكر أمورًا ضروریة للوصول إليها، فقال :
وعليه، إذا أراد أحدٌ سبر أغوار لغة المسيح الموعود ، والبحث في حقيقتها أو إثارة الاعتراضات العلمية عليها، فلابد أن يكون عالمًا بهذه الأمور الواردة في النص أعلاه، وإلا فإن اعتراضه سينمّ عن جهله لعدم معرفته بالكثير من الأمور اللازمة.
أما الذي يكون عالمًا بهذه الأمور كلها، فلابد أن يكون عارفا بلغات العرب ولهجاتهم المختلفة، وبالتالي سيجد جوابًا تلقائيا على كل اعتراض ينشأ عنده. ولكن إذا كان المعترض لا يعرف شيئا عن لغات العرب وتعابيرهم وأساليبهم وعن استخداماتها المختلفة، فلا شك أن اعتراض مثل هذا الشخص دليل على جهله.
«سألتُ الله أن يكمّلني في هذه اللهجة، ويجعلني واحد الدهر في مناهج البلاغة. وألححتُ عليه بالابتهال والضراعة، وكثُر اطراحي بين يدي حضرة العزّة، وتوالى سؤالي بجهد العزيمة وصدق الهمة وإخلاص المُهْجة. فأُجيب الدعاء وأوتيتُ ما كنت أشاء»
الإحاطة الكاملة باللغة العربية من معجزات الأنبياء عليهم السلام
لقد ذكر المسيح الموعود أمورًا لإحراز البسطة العلمية الكاملة في اللغة العربية وهي صعبة المنال، وقد يتخطى أحدهم بعض هذه المراحل بجهوده، ولكنه لن يستطيع الإحاطة الكاملة باللغة العربية، وذلك لأن الإحاطة الكاملة باللغة العربية من معجزات الأنبياء عليهم السلام. وقد نقل حضرته بهذا الخصوص قول الإمام الشافعي رحمه الله، فقال:
إن قول الشافعي رحمه الله هذا بمنزلة نبوءة حيث قال عن اللسان العربي: «لا يعلمه إلا نبي»، أي من المستحيل لأي إنسان أن يحيط بهذا اللسان بشتى لهجاته وأساليبه بشكل كامل إلا نبي». ثم تحققت هذه النبوءة في شخص المسيح الموعود ، الذي بعثه الله تعالى نبيًّا تابعا في أمة محمد ، فقد أعلن أنه أُعطي من الله تعالى معجزة تعلم اللغة العربية، وأنه تعالى أعطاه البسطة الكاملة في علوم هذه اللغة. (يتبع)
الهوامش:
- مرزا غلام أحمد القادياني، مكتوب أحمد، الخزائن الروحانیة ج11 ص234
- مرزا غلام أحمد القادياني، نجم الهدى، الخزائن الروحانية ج14 ص 111
- مرزا غلام أحمد القادياني، نزول المسیح الخزائن الروحانية ج18ص437
- مرزا غلام أحمد القادياني، نزول المسيح الخزائن الروحانية ج 18ص 440
- مرزا غلام أحمد القادياني، نزول المسیح الخزائن الروحانية ج18 ص436
- مرزا غلام أحمد القادياني، نزول المسیح الخزائن الروحانية ج18 ص437