- ما دلالة تسمية المسيح بـ “ابن مريم”؟
- لماذا تُثير تلك التسمية على روعتها وجمالها حنق المسيحيين؟
___
شرح الكلمات:
يَمتَرون: من الامتراء وهو الاختلاف حيث يطعَن كلٌّ من الخصمين في قول صاحبه، ويجادله وينازعه، ويتردد في قبول موقفه.
التفسير:
إضافةً إلى جانب ما يوجد بين النصارى واليهود من اختلاف حول المسيح ، فإن المسيحيين أنفسهم مختلفون فيما بينهم حوله، مما يشكل برهانًا على أنهم ليسوا على الحق. فمنهم من يقول أن أم المسيح هي الأخرى كانت إلهةً، ومنهم من ينكر ذلك. ومنهم من يقول أن المسيح كان في الواقع جزءًا من الإله، ومنهم من يقول أن الله تعالى خلق روحًا خصَّها بفضله ورحمته.
ثم إلى جانب الاختلاف الموجود بين اليهود والمسيحيين حول حادث الصلب، فإن المسيحيين أنفسهم يختلفون حوله. ولربما لا يوجد في العالم شخصية أخرى قد اختلف الناس حولها هذا الاختلاف الشديد، حيث تجد المسلمين أيضًا مختلفين في أمره اختلافًا كبيرًا. فمثلا نقول نحن المسلمين الأحمديين إن المسيح قد لحِق بالأموات، أما غالبية المسلمين الآخرين فيقولون أنه لم يمت، بل هو موجود في السماء حيًّا.
ثم هناك اختلاف كبير حول حادث الصليب أيضًا. يقول عامة المسلمين أن المسيح لم يعلَّق على الصليب أصلاً، بينما نؤمن نحن المسلمين الأحمديين أنه قد علِّق على الصليب فعلاً، ولكنه لم يمت عليه. ويقول اليهود أنه عُلّق على الصليب ومات عليه، بينما يقول المسيحيون أنه عُلّق على الصليب ومات عليه، ثم أُعيدَ إلى الحياة ثانية. وهذا يعني أن أربعة من الطوائف الكبيرة في العالم لمختلفة في حادث الصلب نفسه اختلافًا كبيرًا. فمن جهة، هناك اختلاف كبير حول المسيح بين اليهود والنصارى والمسلمين، كما أن هناك اختلافًا كبيرًا حوله بين شتى فرق اليهود، ثم إن الفرق المسيحية نفسها تختلف حوله .
ثم إن ولادة المسيح أيضًا لأمرٌ قد تضاربت حوله الآراء. فنحن المسلمين الأحمديين نؤمن بأن الله تعالى قد خلقه كمعجزة بمحض قدرته الكاملة من غير أب. بينما يقول غير المبايعين أن المسيح كان من نطفة يوسف النجار. ويقول المسيحيون أنه كان من نطفة الله . أما اليهود فيقولون أنه كان من نطفة الحرام. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى هنا: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (مريم 35).
لا شك أن المسيح كان يسمي نفسه ابن آدم، بحسب ما ورد في أماكن كثيرة من الإنجيل، ولكن لا خصوصية للمسيح في ذلك، فجميع البشر مشتركون معه في هذا الأمر. أما القرآن الكريم فيسمي المسيح باسم يُعرَف به بسهولة. ولو أن القرآن دعاه عيسى بن آدم لظل الإشكال في مكانه، إذ يوجد في الدنيا آلاف الناس الذين اسمهم عيسى، وهم من أبناء آدم طبعًا. فلو سماه القرآن ابن آدم فقط لزاد الإشكال أكثر، لأن الجميع أبناء آدم، فكيف يتم تمييزه عن الآخرين يا ترى؟
والحق أن قول الله هذا يمثّل توبيخًا للمسيحيين. ذلك لأنه ليست في الدنيا حقيقة هي أكثر صدقًا ويقينًا من وجود الله تعالى، بينما لا يوجد عند النصارى أمر واحد يقيني حول المسيح . فثبت أن قول الله تعالى هذا جاء تعييرًا وتوبيخًا للمسيحيين حيث قيل إنهم يؤلهون المسيح مع أنهم لا يعلمون أي شيء عنه علم اليقين. وها نحن نخبركم عنه خبر اليقين. إنه كان رسولاً منا بعثناه لإصلاح الدنيا.
لقد سُمي المسيح هنا عيسى ابن مريم ، والمسيحيون يتضايقون من هذه التسمية أيضًا ويقولون: لماذا سمى القرآن مسيحنا «ابن مريم»، مع أنه ابن الله. لم يفعل القرآن ذلك إلا لإيذائنا وتجريح مشاعرنا، ولكي يرفض كونه إلهًا. والواقع أن الإنجيل نفسه قد سمى المسيح «ابن مريم»، حيث ورد فيه: «أليس هذا هو النجّار ابنُ مريم وأخو يعقوب ويوسى ويهوذا وسِمعان؟ أوَليست أَخَواتُه ههنا عندنا. فكانوا يعثُرون به» (مرقس 6: 3).. أي أن الناس لما رأوا المسيح قالوا كيف يقوم هذا بدعاوى عريضة بأن الله تعالى قد قطع معي وعودًا عظيمة، وتفضَّلَ عليّ بنعم كثيرة؟ أليس هو ابن مريم؟ أليس هو ذلك النجار الذي كان يصلح لنا الأسرّة والطاولات.
في عهد سيدنا المسيح الموعود كان حضرة المولوي عبد الكريم السيالكوتي يؤمّ الناس في الصلاة. كان عذب اللحن، رفيع الصوت، ومثير الخطاب. ورغم أنني كنت إذّاك صغير السن، إلا أني أتذكر جيدًا أنه كلما تناول في خطبه المعنى المذكور أعلاه قال بحماس شديد: ما الذي يمكن للمسيحيين أن يقدّموه إزاءنا. دَعِ الحديث عن نبينا محمد رسول الله فإنه أسمى شأنًا كثيرًا. لقد جاء نائب لـه لإحياء الإسلام في هذا العصـر. ونحن نعلم أنه ينحدر من أسرة نبيلة، ومن ذرية الملوك، ويشهد تاريخ آلاف السنين على عظمة أسرته. وعلى النقيض لا يزال صوت المسيح الأول يتردد في آذاني وهو يقول: ها قد جاء النجار، فمن أراد فأرمم له سريره الذي قد فسد، ومن شاء فأصلح له كرسيه الذي قد انكسر.
هذه هي دلالة الفقرة الإنجيلية المذكورة أعلاه، حيث عيّر اليهود المسيحَ وقالوا: أليس هو النجّارُ ابنُ مريم؟ وكما تلاحظ، فإنهم لم يقولوا إنه ابن يوسف النجار، بل قالوا: النجارُ ابن مريم؛ وهذا يعني أن المسيح أيضًا كان يعمل نجّارًا.
لا شك أن المسيح كان يسمي نفسه ابن آدم، بحسب ما ورد في أماكن كثيرة من الإنجيل، ولكن لا خصوصية للمسيح في ذلك، فجميع البشر مشتركون معه في هذا الأمر. أما القرآن الكريم فيسمي المسيح باسم يُعرَف به بسهولة. ولو أن القرآن دعاه عيسى بن آدم لظل الإشكال في مكانه، إذ يوجد في الدنيا آلاف الناس الذين اسمهم عيسى، وهم من أبناء آدم طبعًا. فلو سماه القرآن ابن آدم فقط لزاد الإشكال أكثر، لأن الجميع أبناء آدم، فكيف يتم تمييزه عن الآخرين يا ترى؟
لقد سُمي المسيح هنا عيسى ابن مريم ، والمسيحيون يتضايقون من هذه التسمية أيضًا ويقولون: لماذا سمى القرآن مسيحنا «ابن مريم»، مع أنه ابن الله. لم يفعل القرآن ذلك إلا لإيذائنا وتجريح مشاعرنا، ولكي يرفض كونه إلهًا. والواقع أن الإنجيل نفسه قد سمى المسيح «ابن مريم»، حيث ورد فيه: «أليس هذا هو النجّار ابنُ مريم وأخو يعقوب ويوسى ويهوذا وسِمعان؟ أوَليست أَخَواتُه ههنا عندنا. فكانوا يعثُرون به» (مرقس 6: 3)
أما اسم «ابن الله» الذي يطلقه المسيحيون على المسيح ، فقد ورد في التوراة بكثرة، فما كان صالحًا لتمييز المسيح عن الآخرين بصورة قطعية، لأن جميع الصالحين الأبرار هم أبناء الله تعالى بحسب التوراة. أما إذا كان المسيحيون يفسرون لفظ ابن الله بمعنى الابن الحقيقي لله تعالى فيجب أن يقدموا على ذلك دلائل ظاهرة، ولكن لا وجود لمثل هذه البراهين.
فالواقع أن معرفة المسيح وتمييزه إنما تتم بذلك الاسم الذي قد اختاره الله لـه في القرآن الكريم أي «ابن مريم». ذلك أننا، كما قلت، لو نادينا عيسى فقط لوجدنا في كل محافظة عشرات الناس الذين اسمهم عيسى. ويوجد في جماعتنا أيضًا عدة أشخاص بهذا الاسم، وإن قل استعماله الآن حيث يحب الناس محمدًا وأحمد أكثر من عيسى، فيفضلون تسمية أولادهم بمحمد وأحمد. أما المسلمون القدامى فيوجد بينهم مئات باسم عيسى. إذًا فلو سُمي المسيح باسم عيسى فقط لم يدل هذا على شخصه بصورة قطعية. ولو سمي عيسى ابن آدم لظلت المشكلة كما هي، لأن كل من اسمه عيسى هو من أبناء آدم أيضًا، ولا خصوصية للمسيح في ذلك. ولو سمي ابن الله لقال الناس إنه كذب وافتراء. فدفعًا للبس والإشكال أطلق القرآن على المسيح اسم «عيسى ابن مريم»، وهو اسم لا يمكن الاعتراض عليه بوجه من الوجوه. فالجميع راضون به، ويعترفون أنه هو الاسم المناسب جدًا لمعرفة شخص المسيح .
فثبت أن الاسم الذي اختاره الإنجيل والمسيحيون للمسيح اسم خاطئ، وأن الاسم الذي اختاره القرآن الكريم لـه هو الحق والصواب.