تاريخ الانسان وتاريخ الأديان نظرة في موقعنا وتأثيرنا في العالم

تاريخ الانسان وتاريخ الأديان نظرة في موقعنا وتأثيرنا في العالم

رضوان سفير

  • لماذا ندرس التاريخ؟
  • هل للتراث الديني علاقة بالتاريخ؟ وكيف؟

 ___

البطل الظاهر في المشهد الأخير

إن ظهور البشرية حدث جديد نسبيا، إذا ما قيس بزمن نشأة كوكبنا الأزرق، والذي قدر العلماء عمره بما يقارب الأربعة مليارات ونصف المليار سنة. وليتضح لنا مدى حداثة سننا كجنس بشري، يكفي أن نجري عملية نسبة وتناسب كالتي نجريها حين نختصر مسافات الكوكب الشاسعة في بضعة سنتيمرات على صفحات الخرائط، فهذه المرة بدلا من اختصار المسافات سنختصر الزمن مفترضين أن تاريخ كوكب الأرض كله مختصر في 24 ساعة، بحيث تظهر أشكال الحياة الأولى في وقت مبكر من اليوم، في الساعة 4 صباحاً؛ يلي ذلك في وقت متأخر جدا ظهور “الديناصورات”، وهو الحدث الذي يشهده مسرح الأرض في الساعة 10:56 مساءً، ثم لا يظهر الجنس البشري إلا قرب انقضاء اليوم بساعاته الأربع والعشرين المُتَخَيَّلة، حيث لا يظهر هذا الجنس قبل الساعة الحادية عشرة وتسع وخمسين دقيقة وتسع وخمسين ثانية مساء، أي في الثانية الأخيرة من اليوم، الشيء العجيب المستخلص من هذا التقريب التخيلي أن عمر وجود الجنس البشري على الأرض لا يماثل إلا ثانية من 24 ساعة، إلا أنه انتشر بسرعة غريبة وسيطر على كامل رقعة الكوكب، ويسعى الآن للسيطرة على ما حوله، كل هذا برغم هذا الظهور المتأخر جداً، كما لو أنه بطل مسرحية لا يظهر إلا مع إسدال الستار.

لهذا ندرس التاريخ

في إطار دراستنا لأي من العلوم الطبيعية أو الإنسانية فإن أول ما يجب أن ندركه من ذلك العلم فلسفته ولماذا ندرسه أصلا، ومن تلك العلوم علم التاريخ، والذي يتعدى الوصف بأنه مجموع حكايات وأقاصيص عن الأمم والأزمان والأحداث الخالية، فالتاريخ في ظاهره، كما قال العلامة عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته، لا يزيد، من حيث الشكل، عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق.(1)

لقد اجتاح الجنس البشري هذا العالم بسرعة مخيفة، دون وقفة لالتقاط أنفاسه يراجع أثناءها مواقفه وأعماله ويحاسب نفسه فيما فرط وفيما أفرط، أوليس يدرس التاريخ لأجل ذلك؟! فالنظر إلى الوراء لتقدير أفضل ما يجب القيام به بعد ذلك. وفي وقت نبدو فيه مندفعين نحو الهاوية، أصبحت دراسة أنماط الماضي أمرا أساسيا لدى تقييم نجاحاتنا وإخفاقاتنا. فالإنسان الطبيعي يُقَيِّمُ أعماله ومَتَاعَهُ على مدى عام مضى، ليحسب إجمالي خسائره أو مكاسبه، وهذا أسلوب بات متبعا كذلك لدى كافة المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية الناجحة، فيما يعرف بالمراجعات الفكرية أو المالية، أو مراجعة المواقف.

وتشكل مجالات علم الآثار، والأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، والتاريخ، قديمه وحديثه ومعاصره، والديانات القديمة، واللسانيات، وسائر فروع العلوم الإنسانية محاولة مباشرة لفهم تأثيرنا المعقد، لا على الصعيد المادي فحسب، ولكن أيضا على صعيد العالم النفسي والروحي، ذلك التأثر الباعث على الحيرة! فإن قدرتنا على الابداع والتواصل والتعايش، بدءا من ظهور الجنس البشري العاقل والمعروف علميا بالهومو سابينيس Homo sapiens والذي جابعلى الأرض قبل نحو 300.000 عام، وحتى اكتشاف آخر اثنتي عشرة قبيلة منعزلة عن العالم على وجه الأرض اليوم، ميزتنا عن أي شكل من أشكال الحياة الأخرى على الأرض.

ونهدف، من خلال مجموعة متنوعة من الكتّاب الخبراء المنتشرين في العديد من بلدان العالم، إلى تزويد قراء المجلة بتوافق واسع النطاق في الآراء في كل ما يتعلق بماضينا البعيد وكيف صيّرنا كوكبنا.

ويتضمن مصطلح الإنسان أنواعاً منقرضة أخرى من جنس الهومو مثل الإنسان البدائي (نياندرتال) وإنسان دينيسوفا، ناهيك عن جنس فلوريس (القزم) العجيب في إندونيسيا، الذي استحق لقب «الهوبيت» لطوله البالغ  3 أقدام و7 بوصات (حوالي 109 سم) في المتوسط.

وتشكل مجالات علم الآثار، والأنثروبولوجيا (علم الإنسان)، والتاريخ، قديمه وحديثه ومعاصره، والديانات القديمة، واللسانيات، وسائر فروع العلوم الإنسانية محاولة مباشرة لفهم تأثيرنا المعقد، لا على الصعيد المادي فحسب، ولكن أيضا على صعيد العالم النفسي والروحي، ذلك التأثر الباعث على الحيرة!

لـماذا ندرس فلسفة الأديان وتاريخها؟!

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن تراث الدين عبر تاريخنا البشري يندرج هو الآخر وبدقة تحت هذا القسم من مجلتنا. لقد اشتهر عالم الاجتماع مرسيا إلياد Mircea Eliade  بعبارة «الإنسان المتدين» التي تَصِف الرغبة الفطرية لدى البشر في التوجه نحو الدين. ومع أن المصطلح يحمل معنىً أكثر فلسفية، إلا أنه لا مجال للشك في وجود الدين وتأثيره عبر تاريخ البشرية(2).

وتساؤلات من قبيل متى ظهر الدين لأول مرة؟ وهل سبق التوحيد الشرك؟ وما الدليل على صحة روايات الفيدا والإنجيل والقرآن وغيرها من الكتب المقدسة؟ ثم ما هو الدور الذي تلعبه اللغات القديمة في تاريخنا الديني؟  .. هي تساؤلات تفتح مجالات خصبة لعلماء الإنسانيات الذين يهدفون من دراسة تلك العلوم إلى العثور على حلول لألغاز قديمة تدور حول الإنسان الأول، نشأته، وحياته، وعلاقاته، وأفكاره.

حقيقة الربط بين دراسة التاريخ والدين

الإنسان منذ بدء الخليقة محاط بالأشياء من حوله، وهو يبحث في تصوراته عن الهدف من استعماله لها، وهذا البحث يشمل الأشياء المادية والروحانية. فالإنسان يبحث في العالم المادي عن الهدف من وجود الأشياء المحيطة به، وكذلك في العالم الروحاني أو الديني يبحث عن الهدف وراء قيامه بالطقوس والشعائر. ونجد في العهد القديم ما يبين هذه الفكرة، حيث ورد في سفر الخروج:

«وَيَكُونُ حِينَ يَقُولُ لَكُمْ أَوْلاَدُكُمْ: مَا هذِهِ الْخِدْمَةُ لَكُمْ؟ 27أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: هِيَ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ لَمَّا ضَرَبَ الْمِصْرِيِّينَ وَخَلَّصَ بُيُوتَنا»(3)

وورد أيضا:

«وَيَكُونُ مَتَى سَأَلَكَ ابْنُكَ غَدًا قَائِلاً: مَا هذَا؟ تَقُولُ لَهُ: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ»(4)

فهذا مثال على ربط الدين بالتاريخ في الديانة اليهودية، ففي عيد الفصح الذي يستمر سبعة أيام متصلة، ينحر اليهود الخراف، ويأكلون الخبز المر لكي يتذكروا مُرَّ العيش الذي ذاقه أسلافُهم في دار العبودية، ويقومون بتلاوة نصوص دينية معينة.

وفي الإسلام نجد هذا واضحاً أيضاً، حيث يربط المسلمون بين عيد الأضحى وقصة الذبيح إسماعيل، وشاع أن هذا العيد تذكار لما حدث لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام(5).

ولسنا بصدد بيان ما إذا كان ذلك الربط بين الأحداث التاريخية والطقوس الدينية أمر جائز وهو المقصد الفعلي من التشريع أم لا، إنما ندرس مجرد دراسة وصفية للواقع بغية الخروج بنتائج ثابتة وواضحة.

إننا نخوض دراساتنا تلك بينما عقارب ساعات الأرض الـ 24  مستمرة في الدوران، ومستقبلنا يكتنفه الغموض ويخالجنا عليه القلق جراء ما تكسبه أيدي بعض الناس بما يُخشى أن يتضرر معه كل الناس. ربما وصلت الإنسانية إلى الثانية الأخيرة، إذا جاز التعبير، لكن نجاحاتنا الجماعية وأخطاءنا وتحدياتنا وقراراتنا يمكن أن تساعد في توضيح المسار الذي يجب اتباعه في المرحلة اللاحقة. ومن المثير للاهتمام أن كل دين يطالب أتباعه بإمعان النظر في أخطاء الحضارات والشعوب السابقة، يقول تعالى:

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (6)

وعلى الرغم من أن جنسنا البشري آخذ الآن في عده التنازلي نحو قلب صفحة الدنيا وانقضاء يومها، إلا أن الحاجة تظل قائمة للمراجعة وتقييم الموقف ما ظل التكليف بتلاوة الآية المذكورة من (سورة الروم: 43) قائما.

الهوامش:

1. مقدمة ابن خلدون

2. تركيز جديد على علم الآثار والديانات القديمة

3. سفر الخروج 12/26-28

4. سفر الخروج 13/14-15

5. التاريخ لا يصنع أديانا، مجلة التقوى، عدد يناير 2014، هاني الزهيري

6. (الروم: 43)

Share via
تابعونا على الفايس بوك