
- هل تحقيق الانسجام بين العلم والوحي حديثا أمر ممكن؟
- أي نموذج يمكن تقديمه من العصر الحديث دليلا على إمكانية الانسجام بين العلم والوحي؟
____
صحيح تمامًا أن القرآن الكريم ليس كتابًا مختصًا بفرعٍ بعينه من فروع العلوم الإنسانية، من تاريخٍ وفلكٍ وفلسفةٍ وطبٍّ وما إلى ذلك، غير أنه مع كونه كتابَ تشريعٍ في المقام الأول، قد مست بركاته سائر الموضوعات الكونية، بِبُعدَيها المادي والروحي، وبشكل إعجازي منقطع النظير في سائر الكتب والشرائع السالفة، فنزل ذلك الكتاب المبين مميطًا اللثام عن حقائق العلوم ومبادئها.
وعلينا أن نضع في الحسبان أن النهل من معارف الوحي المتنزل على أنبياء الله تعالى ومحدَّثيه يضعنا أمام اعتقاد، أو لنقُل «فرضية»، مفادها أنه حتى ثوابت المفاهيم عرضة للانحراف بمضي الوقت، ولقد عُنيت كلمات الوحي بتصحيح المفاهيم المغلوطة والسائدة على المستويين المادي والروحاني كليهما.
وبينما يتخذ الماديون المُلحدون من الاكتشافات العلمية ذريعة للقول بعدم وجود خالق للكون، يستدل المؤمنون الحقيقيون من تلك الاكتشافات نفسها على وجود الخالق الذي أنكره أولئك الماديون، لا سيما إذا كانت تلك الاكتشافات تحققا لنبوءات محفوظة في كلام ذلك الخلاق العليم.
وقد جرت العادة، في الجدالات الدائرة بين المتدينين والملحدين، أن يبدل كل طرف جُلَّ مساعيه، بغية إقناع الطرف المقابل بوجهة نظره، فها هو الملحد يسعى إلى زعزعه إيمان المتدين، هادفا من وراء ذلك أن يتخلى المتدين عن اعتقاداته التي يراها ثوابت بدهية، مقابل الاحتكام للعقل وحده وما توصل إليه العلم التجريبي. بينما يسعى المتدين في الجانب الآخر إلزام الملحد بالإيمان بما يؤمن هو به دون تقديم ما يقنع ذلك الملحد ويلجئه إلى ذلك الإيمان. هذا يصدق على جل مناقشات المتدينين عموما مع الملحدين، ولكن حين يتحدث المتدينون بلسان القرآن الكريم وحجته، فإن المحاججة يكون لها وجه آخر! إذ يشرع المتدينون في أغلب الأحوال، إلى الخوض في مسائل من قبيل «الإعجاز العلمي في القرآن الكريم»، وفحواها أن هؤلاء المتدينين يرقبون اكتشافات العلوم التجريبية الحديثة، ويقعدون منها مقاعد للسمع، حتى إذا ما وجدوا اكتشافا قالوا بأن القرآن أنبأ به قبل بضعة عشر قرنا، القول الذي يثير حنق وغيظ الملحدين، ثم لا ينكشف الجدال إلا عن مزيد من الشقاق والنفور.
والذي كان طيلة حياته مؤمنًا متمسكا بتعاليم الإسلام، وكان يواظب على الاستماع للقرآن أثناء عمله في مكتبه بمنزله الكائن في مدينة لندن، ولم يكن يرى قط أي تعارض بين الدين والترقِّي الروحاني من جانب، والتقدم العلمي من جانب آخر، بل كان يرى أن الاكتشافات العلمية تُعد داعما قويًّا للترقيات الروحانية، وأن كلا من العلم والدين يكمل كلاهما الآخر، حتى إنه أُثِر عنه قوله بأن كثيرًا من أفكاره مصدرها التفكُّر في كلام الله تعالى القرآن الكريم.
على أننا ينبغي أن نتخذ سبيل المواءمة بين الدين من جانب، ممثَّلا في الوحي الإلهي القرآن الكريم، بوصفه كلام الله تعالى المسطور، والمحفوظ في المصاحف والصدور، واكتشافات العلم التجريبي من جانب آخر بوصفها فعل الله تعالى المنظور، والمشهود في خليقته، ولا بد من اتفاق قول الله تعالى مع فعله، إذ صدرا من المصدر ذاته. فالحق أن اتخاذ هذا السبيل في التوفيق بين الدين والعلم التجريبي قد أثبت نجاحا منقطع النظير، وكان من ثمراته المشهودة أن حصد المسلمون جائزة نوبل في العلوم التجريبية للمرة الأولى على الإطلاق، إذ كانت من نصيب العالم المسلم البروفيسور محمد عبد السلام، والذي كان طيلة حياته مؤمنًا متمسكا بتعاليم الإسلام، وكان يواظب على الاستماع للقرآن أثناء عمله في مكتبه بمنزله الكائن في مدينة لندن، ولم يكن يرى قط أي تعارض بين الدين والترقِّي الروحاني من جانب، والتقدم العلمي من جانب آخر، بل كان يرى أن الاكتشافات العلمية تُعد داعما قويًّا للترقيات الروحانية، وأن كلا من العلم والدين يكمل كلاهما الآخر، حتى إنه أُثِر عنه قوله بأن كثيرًا من أفكاره مصدرها التفكُّر في كلام الله تعالى القرآن الكريم. وكان عبد السلام يحاول صياغة فكرة نظرية جامعة تساعد في تفسير فيزياء الطاقة العالية، أو ما يُعرف بفيزياء الجسيمات، بما يتفق ومعتقداته الدينية. ومهما يكن من أمر، فقد حصد ذلك المسلم الأحمدي بجدارة تلك الجائزة المرموقة، ملقِّنا إيانا درسا ثمينا مفاده أن النورَ كلَّه في القرآن، ولا عزاء للمنكِرين والمتنكرين.
ومجلة التقوى بأسلوبها الخاص، وبوصفها لسان حال الأحمدية، أي الإسلام الحقيقي، بالعربية، تُعنى بإظهار الانسجام الجامع بين العلم والوحي، فتتخير أسرة التحرير خطبة جمعة لحضرة إمام الوقت، الخليفة الخامس للمسيح الموعود ، تناول فيها حضرته (نصره الله) مواضيع ذات صلة وثيقة بالقرآن الكريم كتاب الله العزيز، وجوانب من إعجازه التي أزرت بكل منافس متحدٍّ. وسواء كان موضوع التحدي أدبيا بلاغيًّا أو علميا بحتا، فالقرآن صاحب فرس الرهان الرابح في كل الأحوال.
هذا وتلي كلِمة حضرته في هذا العدد مادةٌ مقاليةٌ تُعنى بإبراز حقيقة انسجام الإسلام مع الحقائق العلمية، ما اكتُشف منها وما لم يُكتشَف بعد، ارتكازا على الفكرة المتبلورة في عنوان هذه الافتتاحية.
نسأل العليم الحكيم تعالى أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويجعل منا وأبنائنا نماذج تظهر على أيديهم عظمة الإسلام كما أظهرها العالم المسلم الأحمدي، البروفيسور عبد السلام، آمين.