
- كيف أصَّل القرآن الحكيم لمبدأ حرية اختيار الدين؟
- إذا كان الإكراه في الدين جريمة غلظها الشرع الحكيم، فبم نفسر قتال سيدنا أبي بكر (رض) للمرتدين في جزيرة العرب؟!
___
لأن مشروع الله هو إنتاج مؤمنين من طراز رفيع، لذا كان إقرار الحريات، وعلى رأسها الحرية الدينية، ركنا أساسيا في هذا المشروع الأعظم، وقد أثبت لنا التاريخ مرارا أن كبت الحريات هو الآفة القاضية على الأمم والمجتمعات، ولنا في محاكم التفتيش المسيحية عبرة، إذ لم تُكتب لأوروبا نهضتها المشهودة لولا تخليها عن القمع الفكري، فما بالنا نحن المسلمون وديننا أصلا ضد نزعة الإكراه في الدين تلك؟! أفلا نتدبر قليلا في سر تخلفنا وشقائنا وخيبة آمالنا؟! إنه مُختصر في الإكراه في الدين، وكل مساعي أي مجتمع نحو النهوض قبل إتاحة حرية المعتقد تذهب أدراج الرياح، بحيث يصدق عليها قول الله :
لقد درج الإسلام منذ بدء تنزُّل شريعته على احترام التنوع الطبيعي في الثقافات والأديان، وفي ظل هذا الجو المرحب بالتنوع والتعددية الثقافية وحتى الدينية، نبغ من رعايا المجتمع الإسلامي علماء أفذاذ من غير المسلمين، ذلك لأن الدين الحنيف كفل حق المواطنة لجميع رعايا مجتمعه ما دام الجميع مطالبون بأداء نفس الواجبات، وهنا ينبغي التأكيد على أن فكرة احترام التعددية التي فشت في المجتمع الإسلامي منذ فجره في القرن السادس الميلادي، لم تكد أوروبا تسمع بها إلا والقرن السابع عشر يجر أذياله، فأي دين هذا الذي يسبق العالم المتحضر بخطوة طولها أكثر من ألف عام؟!
يتحدث حضرة خليفة الوقت (أيده الله تعالى بنصره العزيز) مبينا أن قتل من يغير قناعته العقدية هو جريمة غلظها الشرع الحكيم، فاتحا بذلك الباب على مصراعيه دائما وأبدا لمن شاء الدخول أو الخروج، وفي هذا السياق يُلقي حضرة أمير المؤمنين (نصره الله) بضوء كاشف على حدث تاريخي مفصلي، وهو حروب الردة في زمن سيدنا أبي بكر الصديق، فيبين حضرته أن الصديق إنما عاقب بالقتل قصاصا ممن قتلوا الأبرياء بدايةً، وليس لردتهم عن الإسلام كما تظن شريحة كبيرة من إخواننا المسلمين
هناك كثير من الأقاويل المفتراة على الإسلام، ولدى قطاع عريض من الناس على مستوى العالم تحفظات بشأن هذا الدين وتعاليمه، وبعض هذه التحفظات منشؤه سوء النية، كما أن البعض الآخر منشؤه سوء الفهم، حتى إن من المسلمين أنفسهم من يقع فريسته، ولكن على أية حال، لو نظرنا إلى تاريخ الإسلام، سرعان ما سيتبين لنا أنه يدحض التهمة القائلة بأن منهج الإكراه في الدين يمت للإسلام بصلة، فبإلقاء نظرة على فترة فجر الإسلام نجد أن سيدنا محمدًا وأصحابه رضي الله عنهم واجهوا الاضطهاد في مكة على مدى ثلاثة عشر عامًا، حتى اضطروا في نهاية المطاف إلى الهجرة صَوبَ المدينة فتكوّنت هناك دولة إسلامية صغيرة على مساحتها واسعة من حيث ما تحتضنه من تعايش بين سكانها من ذوي الانتماءات الدينية المختلفة. ولم يسكن المسلمون فقط في كنف هذه الدولة بل كان عدد لا بأس به من اليهود أيضًا يسكنونها، فعُقدت معهم المواثيق. وبحسبها طُبقت شريعةُ كل فريق على أتباعها. بالإضافة إلى ذلك تم إقرار دستور موحَّد للعمل بالمبادئ المشتركة بين السكان، وكان ذلك الدستور الممثل في ميثاق المدينة محل احترام من جميع الأطراف والأطياف. وإننا بتلاوة قول الله :
يمكننا إدراك ما لقضية الإكراه في الدين من خطورة بحيث ترتبط بها كل دواعي الفشل والتخلف.
قارئ التقوى العزيز، نهدي إليك عدد هذا الشهر، يونيو 2024 متضمنًا جرعات من تصحيح المفاهيم السائدة لدى السواد الأعظم من أهل هذا العصر، من غير المسلمين، فنميط اللثام عن حقائق ودقائق روحانية إسلامية طالما خفيت، حتى على كثير من المسلمين أنفسهم، ناهيك عن غير المسلمين، فعن حرية الاعتقاد ودخول الدين أو الخروج منه، يتحدث حضرة خليفة الوقت (أيده الله تعالى بنصره العزيز) مبينا أن قتل من يغير قناعته العقدية هو جريمة غلظها الشرع الحكيم، فاتحا بذلك الباب على مصراعيه دائما وأبدا لمن شاء الدخول أو الخروج، وفي هذا السياق يُلقي حضرة أمير المؤمنين (نصره الله) بضوء كاشف على حدث تاريخي مفصلي، وهو حروب الردة في زمن سيدنا أبي بكر الصديق، فيبين حضرته أن الصديق إنما عاقب بالقتل قصاصا ممن قتلوا الأبرياء بدايةً، وليس لردتهم عن الإسلام كما تظن شريحة كبيرة من إخواننا المسلمين. يلي ذلك باقة من المقالات بأقلام عدد من الكتاب، ليخلص القارئ بالاطلاع عليها إلى أن إقرار الحرية الدينية سبق إسلامي ومبادرة إسلامية بامتياز، وقد يخلص القارئ من كل هذا إلى أن مُحَاوَلاتِ تَشْوِيهِ سُمْعَةِ المُسْلِمِينَ تتم بطرق ممنهجة منذ قرون.
ندعو الله أن يجعل كل كلمة سُطرت في كل عدد خالصة لوجهه الكريم، وأن يرينا ثمارها اليانعة بفضله وجُوده، آمين.
الهوامش:
- (الفرقان: 24)
- (البقرة: 257)