
- ما هي تلك الكيانات الأصغر التي يتألف منها الكيان الإنساني ككل؟
___
لاقت الشؤون التربوية عظيم الاهتمام لدى علماء الاجتماع وعلماء النفس وفلاسفة الأخلاق، وغيرهم، فأُلفت في ذلك المجال بحوث وأُنجِزَتْ دراسات واستخلصت نظريات تمزج بين تحليل نفسية الطفل وسلوكه في محاولة لاستكشاف عالمه وإماطة اللثام عن العوامل المؤثرة في بناء وتشكيل شخصيته، إيجابا أو سلبا. وعلى الرغم من حداثة ذلك المُنجَز العلمي الفريد، كان الدين الحنيف السابق بتحديده المعالم والآليات التربوية للإنسان، إذ يخبرنا أن شخصية كل إنسان نُسجت طبقا لفطرة الله تعالى، وقد روى الشيخان من حديث سيدنا رسول الله : «ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تُنْتِجُ البهيمة بهيمة جدعاء، فهل تحسون ذلك فيها. ثم يقول أبو هريرة :
فتلك الفطرة هي أساس التركيبة النفسية لكل مولود ثم جعلها تتأثر بعوامل المحيط.
وفي المنظور الإسلامي، ما من شيء، مهما قلَّ أو جلَّ، إلا كان إنشاؤه بأمر الله، وصادرعن يد خالقيته ، بشرًا كان أو حجرًا أو شجرًا، سائرا في فيافي البيداء، أو غاطسًا في أعماق الماء، أو سابحا في سماوات الفضاء، أو زاحفا على صخرة صمَّاء. ذلك لأن التصوُّر الإسلامي عن الله هو أنه «رب العالمين»، ومن العالمين كل ما مرَّ ذِكره آنفًا. فإذا كانت الخليقة على إطلاقها صادرة عن يد الخالق ذاته ، فلا شك أنه يضطلع بمسؤولية تربيتها وتنميتها، كل بحسب قابليته واستعداده.
لقد اعتنى الإسلام بتربية الخلائق، انطلاقا من أولى الصفات العرشية، أي صفة الربوبية، فالله تعالى في نص التنزيل الحكيم هو «رب العالمين». فإذا كان كل مخلوق عالَمًا بحد ذاته، فيستنبط من ذلك أن فيض التربية الربانية يغمر الإنسان من كافة جوانبه وعناصره، الجسمانية، والنفسية، والعقلية، على أساس أن الكيان الإنساني يتألف من تداخل كيانات ثلاثة، وهي الروح والنفس والجسد، وتلك الكيانات الثلاثة تجد في أوامر الشريعة سبيل تربيتها وترقِّيها ونمائها ونهوضها. ولله درُّ سيدنا علي بن أبي طالب إذ تُنسب إليه أبيات مصبوبة في قالب هذه النقطة المعرفيه، ومنها قوله :
دواؤك منك وما تشعر
وداؤك فيك وتستنكر
>
وتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر(2)
ولا يمكن أن تقوم لجماعة المؤمنين في أي عصر قائمة إلا على أرضية ثابتة متماسكة من التربية والتعليم، بما يضمن لأصل الإيمان رسوخا وثباتا، الأمر الذي يعلل سبب اهتمام نظام الخلافة الراشدة بمسائل التربية الشاملة، روحيًّا ونفسيًّا وبدنيًّا.
وفي هذا السياق التربوي العام، يروق لأسرة التقوى أن تفرِدَ ملف عدد نوفمبر 2024 لموضوع التربية الشاملة، فتتخيَّر من أرشيف خُطب الجمعة العصماء التي ألقاها حضرة أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) خطبة فيها وصفة ذهبية لكل مؤمن، ليحظى بالرقي الروحي إذا ما طبقها بحذافيرها قدر المستطاع.
وبما أن قضية رعاية الإسلام للعلاقات الإنسانية تدور في الفلك التربوي أيضا، يطالع القارئ في هذا العدد مقالا بقلم متخصص عنوانه «رعاية الإسلام للأخوة في الإنسانية من خلال تحريم الربا».
لقد اعتنى الإسلام بتربية الخلائق، انطلاقا من أولى الصفات العرشية، أي صفة الربوبية، فالله تعالى في نص التنزيل الحكيم هو «رب العالمين». فإذا كان كل مخلوق عالَمًا بحد ذاته، فيستنبط من ذلك أن فيض التربية الربانية يغمر الإنسان من كافة جوانبه وعناصره، الجسمانية، والنفسية، والعقلية، على أساس أن الكيان الإنساني يتألف من تداخل كيانات ثلاثة، وهي الروح والنفس والجسد، وتلك الكيانات الثلاثة تجد في أوامر الشريعة سبيل تربيتها وترقِّيها ونمائها ونهوضها.
ولأن نظام الخلافة نظام رباني، فإن أولى أولوياته تربية المنتسبين إليه، جماعة وأفرادًا، فحق على المؤمنين أن يعرفوا مقام خليفتهم في كل زمان، فبحسب رواية الإمام جعفر الصادق : «من بات ليلة لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(2)، فكان إدراك جلال مقام الخلافة فرض عين على كل مؤمن، فيتخذ الشعر في هذا العدد مجراه لإبراز هذه الفكرة في قالب شعري خفيف وجذَّاب.
كذلك لم تَفُتْ أسرة التحرير فكرة التطرق إلى موضوع التربية والتعليم، بحيث يحقق هذا العدد توازنا بين التعليم الدنيوي والتعليم الروحي، وليتحقق بتلك الباقة من المواضيع المتكاملة مسعى المجلة في إبراز فكرة التربية الشاملة في الإسلام.
الهوامش:
- صحيح البخاري، كتاب الجنائز
- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب، ابن الدمشقي، ج2، ص136